بعض قصائد نزار قباني

أيتها المثقفة


أيتها المثقفة إلى درجة التجلد
الأكاديمية إلى درجة القشعريرة
أيتها المحاصرة
بين جدران الكلمات المأثورة
وتعاليم حكماء الهند
ولزوميات مالايلزم
أنتِ مأخوذة بأبي العتاهية
وأنا مأخوذ بالشعراء الصعاليك
أنتِ مهتمة بالمعتزلة
وأنا مهتم بأبي نواس
أنتِ معجبة برقص الباليه
وأنا معجب برقص الدراويش
أنتِ تسكنين مراكب الورق
وأنا أسكن البحر
أنتِ تسكنين الطمأنينة
وأن أسكن الانتحار
أيتها الضائعة في غبار النصوص
إن دمي أنقى من حبر مخطوطاتك
وقراءة فمي أهم من جميع قراءاتك
فلماذا لاتتثقفين على يدي
فأنا الثقافة
أنا الثقافة
أنا الثقافة
أنا الذي أستطيع أن أحول كفيكِ إلى حمامة
وفمكِ إلى عش للعصافير
أنا الذي أستطيع أن أجعلك
ملكة أو جارية
سمكة أو غزالة
أو قمراً في بادية
 
الدمية


أخاطب عقلك من غير طائل..

أخاطب فكرك من غير طائل..

أخاطب فيك الثقافة..

من غير طائل..

و لكنني, لا أرى غير جسم مثيرٍ

و أسمع في قدميك

رنين الخلاخل
 
أرفضكم جميعكم


أرفضكم جميعكم
وأختم الحوار
لم تبق عندي لغة
أضرمت في معاجمي
وفي ثيابي النار..
هربت من عمرو بن كلثوم..
ومن رائية الفرزدق الطويلة
هاجرت من صوتي ومن كتابتي
هاجرت من ولادتي
هاجرت من مدائن الملح
ومن قصائد الفخار
***
حملت أشجاري إلى صحرائكم
فانتحرت..
من يأسها الأشجار
حملت أمطاري إلى جفافكم
فشحت الأمطار
زرعت في أرحامكم قصائدي
فاختنقت..
يا رحما.. يحبل بالشوك والغبار..
حاولت أن أقلعكم
من دبق التاريخ..
من رزنامة الأقدار
ومن (قفا نبك)..ومن عبادة الأشجار
حاولت..
أن أفك عن طروادة حصارها
حاصرني الحصار
***
أرفضكم..
أرفضكم..
يا من صنعتم ربكم من عجوة
لكل مجذوب بنيتم قبة
وكل دجال أقمتم حوله مزار
حاولت أن أنقدكم
من ساعة الرمل التي تبلعكم
في الليل والنهار
من الحجابات على صدوركم..
من القراءات التي تتلى على قبوركم
من حلقات الذكر
من قراءة الكف
ورقص الزار
حاولت أن أدق في جلودكم مسمار
يئست من جلودكم
يئست من أظافري
يئست من سماكة الجدار..
 
حب استثنائي لامرأة استثنائية


أكثر ما يعذبني في حبك..
أني لا أستطيع أن أحبك لأكثر..
وأكثر ما يضايقني في حواسي الخمس
أنها بقيت خمسا.. لا أكثر..
إن امرأة استثنائية مثلك
تحتاج إلى أحاسيس استثنائية
وأشواق استثنائية..
ودموع استثنائية..
وديانة رابعة..
إن امرأة استثنائية مثلك..
تحتاج إلى كتب تكتب لها وحدها ..
وإلى حزن خاص بها وحدها..
وإلى موت خاص بها وحدها..
انك امرأة متعددة
واللغة واحدة..
فماذا يمكنني أن أفعل
كي أتصالح مع لغتي..
وأزيل هذه الغربة بين سطوحك المصقولة وعرباتي المدفونة في الثلج
بين محيط خصرك..
وطموح مركبي..
لاكتشاف كروية الأرض..
ربما كنت راضية عني..
لأني جعلت كالأميرات في كتب الأطفال
ورسمتك كالملائكة على سقوف الكنائس..
ولكني لست راضياً عن نفسي..
قد كان بإمكاني أن أرسمك بشكل أفضل .
أو ربما كنت قانعة مثل كل لنساء
بأي قصيدة حب تقال لك..
أما أنا فغير قانع بقناعتك..
فهناك مئات الكلمات تطلب مقابلتي..
ولا أقابلها..
وهناك مئات من القصائد ..
تجلس ساعات في غرفة الانتظار
فاعتذر لها..
اني لا أبحث عن قصيدة ما
امرأة ما..
ولكني أبحث عن قصيدتك أنت..
ولكني حاولت أن أصوغ عينيك شعراً فما وصلت لشيء ..
فكل الكتابات قبلك صفر.. و كل الكتابات بعدك صفر ..
فاني أبحث عن كلام يقولك دون كلام..
أو عن شعر يقطع المسافة بين صهيل يدي وهديل الحمام...
 
أقدم اعتذاري


أقدم اعتذاري
لوجهك الحزين مثل شمس آخر النهارِ
عن الكتابات التي كتبتها
عن الحماقات التي ارتكبتها
هن كل ماأحدثته
في جسمك النقي من دمارِ
وكل ماأثرته حولك من غبارِ

أقدم اعتذاري
عن كل ماكتبت من قصائد شريرة
في لحظة انهياري
فالشعر ياصديقتي
منفاي واحتضاري
طهارتي وعاري
ولاأريد مطلقاً أن توصمي بعاري

من أجل هذا جئت ياصديقتي
أقدم اعتذاري
 
دوّرنا القمر


جعت وجاع المنحدر
ولاأزال أنتظر
أنا هنا وحدي على
شرقٍ رمادي الستر
مستلقياً على الذرى
تلهث في رأسي الفكر
وأرقب النوافذ الزرق
على شوق كفر
أقول : ماأعاقها؟
فستانها أم الزهر
أم وردة تعلقت
بذيل ثوبها العطر
أم الفراشات ترامت
تحت رجليها زمر
وأقبلت مسحوبة
يخضرّ تحتها الحجر
ملتفة بشالها
لايرتوي منها النظر
أصبى من الضوء
وأصفى من دميعات المطر
قالت : صباح الورد
هذا أنت صاحب الصغر؟
ألاتزال مثلما
كنت غلاماً ذا خطر
تجعلني على الثرى
لُعباً وتقطيع شعر
فإن نهضنا كان في
وجوهنا ألف أثر
زمان طرزنا الربى
لثماً وألعاباً أخر
مخوّضين في الندى
مغلغلين في الشجر
أي صبي كنت يا
أحب طفل في العمر
قلت لها : الله
ماأكرمها تلك الذكر
أيام كنا كالعصافير
غناء وسمر
نسابق الفراشة البيضاء
ثم ننتصر
وندفع القوارب الزرقاء
في عرض النهر
وأخطف القبلة من
ثغر برئ مختصر
ونكسر النجوم ذرات
ونحصي ماانكسر
فيستحيل حولنا
الغروب شلال صور
حكاية نحن فعند
كل وردة خبر
إن مرة سُئلتِ قولي :
نحن دورنا القمر
 
عودة
أعلى