Kurd Day
Kurd Day Team
مشاهدة المرفق 393
لقمان ديركي
مـسـرح الـبهجة
كان معلم الرياضيات عبد الرحمن هاشم هو استاذي في فن المسرح تحديداً، فقد كنتُ أشدّ الطلاب كسلاً في مادة الرياضيات ولكنه كان ينجحني دائماً مقابل المسرحيات التي كنت أؤلفها وأخرجها وأمثل أدوار الشر فيها حصراً، فكنت ألعب دور أبي جهل الخبيث او أبي لهب في المسرحيات الدينية، وكان يكفي أن أغمض عيناً لأبدو كالاعور الدجال، وأن اضحك بوقاحة وأنا اقول: "واللات والعزة يا أم جهل" وكأن أبا جهل كان ينادي زوجته بهذا الاسم حقاً. أما في المسرحيات القومية فكنت العب دور الاسرائيلي الشرير فأضع رقعة سوداء على عيني بواسطة خيط أسود لأبدو أعور كموشي دايان الحقير ابن الستة عشر حقيراً، وكنت أجيد العبرية فأقول "مرخبا" عوضاً عن مرحبا، و"شالوم" عوضاً عن السلام عليكم، و"أخمد" عوضاً عن أحمد... الخ.
فجأة وبينما كان الاستاذ عبد الرحمن يشرح لنا احدى النظريات الرياضية على السبورة التفت اليّ وطلب مني أن أحضّر مسرحية دينية بأسرع ما يمكن، وكان يجب أن أبحث بنفسي عن المادة التي سأكتبها لذلك لم يكن يساعدني، وعندما طلبت منه المساعدة في اختيار الموضوع رفض وقال لي "دبّر حالك".
بحثت في قصص المؤمنين والمشركين لأجد حالة درامية أؤلف من خلالها مسرحيتي فاصطدمت بمشكلة أساسية عندما قال لي استاذ الديانة المشرف على الحفل الذي ستقيمه المدرسة لمناسبة عيد المولد النبوي الشريف "يمنع منعاً باتاً تشخيص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أو الصحابة رضي الله عنهم أجمعين". من أين لي بقصة دينية اذاً؟! قلت له، نهرني وقال "دبّر حالك"، وكانت العادة أن يكون مدرّس الديانة هو الرقيب على المسرحيات الدينية، أما الرقابة على المسرحيات القومية فكانت مؤلفة من مدرّسي التاريخ والقومية. المهم أني عثرت على قصة تعذيب بلال الحبشي على يدي عمار بن ياسر. هكذا اعتقدت، ولم أكن أدري أن عمار بن ياسر كان يتعذب ايضاً على أيدي المشركين، قلت لاستاذ الديانة أني سأؤلف مسرحية عن عمار بن ياسر وبلال الحبشي فوافق فوراً، وبدأنا بالبحث عن شخص أسود ليلعب دور بلال الحبشي كي نوفر على أنفسنا المكياج على الاقل.
وجدت ضالتي في طالب من الصف الثامن ايضاً مثلي ولكن من شعبة اخرى اسمه عصام، وكان من المشاغبين والزعماء في المدرسة، كان اسمر غامقاً يصلح لدور زنجي كبلال الحبشي، قلت له: "تمثّل معي بالمسرحية عصام؟!" فأجابني بسؤال: "دور عنتر؟!". قلت: "لا، أهمّ من عنتر، إنه بلال الحبشي"، وعددتُ له مناقب بلال وبطولاته التي اضطررت لإضافة الكثير عليها كي يقبل بالدور. وبدأنا البروفات.
وفي يوم الاحتفال صنعوا لنا منصة من طاولات القاعات جميعها وفرشوها بسجاد رخيص، وكانت مدرستنا في حلب اسمها "القنيطرة" وبجانبها مدرسة ابتدائية ما زالت قيد البناء تدعى "جبل الشيخ". اصطف عمال البناء وقتها ليتفرجوا على مسرحيتنا من فوق أكوام الحجارة التي سيعمرون بها المدرسة الجديدة، بينما جلس الطلاب على أرض الباحة خلف الاساتذة والمدير الذين جلسوا على الكراسي، وصعدتُ وقد أغمضتُ عيني اليسرى كناية عن العوَر وبدأت بتمثيل دور عمار بن ياسر. فناديت للكومبارس الشرير الازلي الذي يمثل دور تابعي او حاجبي عادة واسمه دالاتي: يا غلام، أحضر لي بلال الحبشي فوراً لأريه كيف يترك ديننا ويلتحق بالدين الجديد. فرد دالاتي عليّ قائلاً: أمر مولاي عمار بن ياسر. هنا انتفض استاذ الديانة كمن مسه جنون وصعد الى الخشبة فوراً قائلاً لي: دور مين عم تمثل يا حيوان؟! فقلت: عمار بن ياسر، وعلى الفور صفعني على الملأ وأفهمني أن عمار بن ياسر كان من أوائل المؤمنين مثل بلال وطلب مني أن العب دور ابي جهل ثم شرح للجمهور الخطأ المطبعي بعدما بصق عليّ وعلى دالاتي ونعتنا بالحيوانات. تابعنا المسرحية على مضض ومن دون حماسة ولكننا ما لبثنا أن نسينا الاهانة وانهلنا بالركلات والصفعات على بلال الحبشي او المدعو عصام الذي كان يقول جملته الوحيدة "أحدٌ أحدْ". وطلبت الصخرة كي نضعها على بطن بلال المزعوم وكنا قد صنعناها من الكرتون، فقال الدالاتي: أمر مولاي أبو جهل الخبيث، ذهب لإحضارها فوجدها مبللة بالماء ومفنشة. يعني ما في صخرة، ولكن الدالاتي لا ييأس لذلك اخترق صفوف الجماهير على الطريقة البريختية وأمر العمال الواقفين على الاحجار في المدرسة المجاورة بحمل صخرة كبيرة ففعلوا وصعدوا بها الى المسرح وسط تصفيق الطلاب وذهول استاذ الديانة، قال لي العامل: "وين احط الصخرة استاذ؟!" فأجبته بالفصحى: "هنا ايها الغلام الحقير"، وأشرت الى بطن بلال المزعوم فرزح تحت الصخرة وجحظت عيناه وشلت حركته.
"أعطني السوط يا غلام"، صحتُ بالدالاتي، فبحث عن السوط ولم يجده، ربما ضاع في المدرسة المجاورة، ولكن الدالاتي لا ييأس فخلع حزامه الجلدي المزين بصورة لاثنين من رعاة البقر، مصنوعة من الحديد الخالص وناولني اياه فانهلت به ضرباً على عصام وأنا أقول: "هيا ارتد عن دينك يا بلال"، وكان يرد بصوت مخنوق وعيون جامعة: "أحدٌ أحدْ". الى أن انتبهتُ الى أني أضربه بالطرق الحديدي من الحزام فصرخ بعد حين "يلعن... لا تضرب الحديدة"، وكانت شتيمته كافرة وخادشة للمقدسات لذلك وجدنا أنفسنا تحت براثن استاذ الديانة وهو يضربنا بعصاه الغليظة على اقدامنا ونحن نصرخ "أحدٌ أحدْ" وسط شماتة الطلاب الذين كانوا يحسدوننا قبل لحظات.
ولم تنقضِ أيام على الحادثة المخزية حتى طلب مني الاستاذ عبد الرحمن مسرحية قومية عن فلسطين فألفتها بعد ساعتين من طلبه وسط سخرية الطلاب وخاصة سعيد خطّاب مما اضطرني الى الدخول في شجار عنيف معه انتهى بانتصارنا عليه أنا والدالاتي وكانت خسائره قميصاً ممزقاً وانفاً مدمى وبقعة تحت عينه اليسرى. نهرني الاستاذ عبد الرحمن هاشم وقال اني فنان ويجب أن لا أنزل الى هذا المستوى ولكنه لم يتورع عن صفع الدالاتي الذي بقي كومبارساً شريراً حتى يومنا هذا. وفي اليوم التالي طلب مني الاستاذ أن أنتقي ممثلاً لدور البطولة أي دور الفدائي الفلسطيني الذي يقاوم بشمم وإباء الضابط الاسرائيلي الذي يعذبه وهو أنا بالطبع. فاخترت عدوي سعيد خطاب للدور. ابتسم الاستاذ عبد الرحمن وارتجل محاضرة عن الفن ونبله خاصة أني اخترت من تشاجرت معه لدور البطولة وابتسم معظم التلاميذ ابتسامة العارف بينما ابتسم سعيد خطاب ببلاهة وهو الذي سيلعب دور عمره على مسرحنا العجيب، ولم يعرف أن وراء الأكمة ما وراءها.
انتهينا من البروفات وجاء يوم الاحتفال فاعتلينا منصتنا إياها وجلس سعيد خطاب على كرسي الاعتراف بينما كان الدالاتي يربطه ربطاً محكماً وكنت أتمشى حوله مبتسماً وكيف لا أكون مبتسماً وقد وقع عدوي بين يدي بنفسه وصار جاهزاً للتعذيب... الحقيقي جداً. عندما صفعته للمرة الاولى ذُهل سعيد خطاب، فهذه الصفعة لم تكن كتلك الصفعات الخادعة اللطيفة التي صفعته إياها في التدريبات، ولما صفعته الصفعة الثانية عرف لماذا اخترته لدور البطولة وعندما بدأت ارفسه صار يفكر بالثأر بعد انتهاء المسرحية. "هيا اعترف يا أخمد"، قلت لسعيد بعدما صفعته ثلاث صفعات متتالية فرد بشمم وإباء: "لن أعترف". "هيا اعترف يا أخمد"، ورفسته في خاصرته فصرخ ألماً وقال وهو ينظر اليّ بحقد: "لن أعترف يا أخو الشرموطة". وظن الجميع أن الشتيمة من ضمن المسرحية فصفقوا له كونها موجهة للاسرائيلي. وبعد مسلسل طويل من الضرب والركل والصفع دخل الدالاتي وهو يقول باللغة العبرية الفصحى: "شالوم شالوم كتلوا عساكر"، ودخل الفدائيون وهم يحملون الرشاشات وقال أحدهم: "سلّم نفسك يا صهيوني يا غاشم"، بينما كان الآخر يفك وثاق سعيد خطاب الذي اقترب مني كي يبدأ فصلاً طويلاً للانتقام مني ولكنني كنت في تلك اللحظة أخرج مسدسي وأطلق النار وسط رأسي واسقط غير مأسوف على شبابي منتحراً على خشبة مسرح السعادة الاولى... مسرح البهجة.
لقمان ديركي
مـسـرح الـبهجة
كان معلم الرياضيات عبد الرحمن هاشم هو استاذي في فن المسرح تحديداً، فقد كنتُ أشدّ الطلاب كسلاً في مادة الرياضيات ولكنه كان ينجحني دائماً مقابل المسرحيات التي كنت أؤلفها وأخرجها وأمثل أدوار الشر فيها حصراً، فكنت ألعب دور أبي جهل الخبيث او أبي لهب في المسرحيات الدينية، وكان يكفي أن أغمض عيناً لأبدو كالاعور الدجال، وأن اضحك بوقاحة وأنا اقول: "واللات والعزة يا أم جهل" وكأن أبا جهل كان ينادي زوجته بهذا الاسم حقاً. أما في المسرحيات القومية فكنت العب دور الاسرائيلي الشرير فأضع رقعة سوداء على عيني بواسطة خيط أسود لأبدو أعور كموشي دايان الحقير ابن الستة عشر حقيراً، وكنت أجيد العبرية فأقول "مرخبا" عوضاً عن مرحبا، و"شالوم" عوضاً عن السلام عليكم، و"أخمد" عوضاً عن أحمد... الخ.
فجأة وبينما كان الاستاذ عبد الرحمن يشرح لنا احدى النظريات الرياضية على السبورة التفت اليّ وطلب مني أن أحضّر مسرحية دينية بأسرع ما يمكن، وكان يجب أن أبحث بنفسي عن المادة التي سأكتبها لذلك لم يكن يساعدني، وعندما طلبت منه المساعدة في اختيار الموضوع رفض وقال لي "دبّر حالك".
بحثت في قصص المؤمنين والمشركين لأجد حالة درامية أؤلف من خلالها مسرحيتي فاصطدمت بمشكلة أساسية عندما قال لي استاذ الديانة المشرف على الحفل الذي ستقيمه المدرسة لمناسبة عيد المولد النبوي الشريف "يمنع منعاً باتاً تشخيص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أو الصحابة رضي الله عنهم أجمعين". من أين لي بقصة دينية اذاً؟! قلت له، نهرني وقال "دبّر حالك"، وكانت العادة أن يكون مدرّس الديانة هو الرقيب على المسرحيات الدينية، أما الرقابة على المسرحيات القومية فكانت مؤلفة من مدرّسي التاريخ والقومية. المهم أني عثرت على قصة تعذيب بلال الحبشي على يدي عمار بن ياسر. هكذا اعتقدت، ولم أكن أدري أن عمار بن ياسر كان يتعذب ايضاً على أيدي المشركين، قلت لاستاذ الديانة أني سأؤلف مسرحية عن عمار بن ياسر وبلال الحبشي فوافق فوراً، وبدأنا بالبحث عن شخص أسود ليلعب دور بلال الحبشي كي نوفر على أنفسنا المكياج على الاقل.
وجدت ضالتي في طالب من الصف الثامن ايضاً مثلي ولكن من شعبة اخرى اسمه عصام، وكان من المشاغبين والزعماء في المدرسة، كان اسمر غامقاً يصلح لدور زنجي كبلال الحبشي، قلت له: "تمثّل معي بالمسرحية عصام؟!" فأجابني بسؤال: "دور عنتر؟!". قلت: "لا، أهمّ من عنتر، إنه بلال الحبشي"، وعددتُ له مناقب بلال وبطولاته التي اضطررت لإضافة الكثير عليها كي يقبل بالدور. وبدأنا البروفات.
وفي يوم الاحتفال صنعوا لنا منصة من طاولات القاعات جميعها وفرشوها بسجاد رخيص، وكانت مدرستنا في حلب اسمها "القنيطرة" وبجانبها مدرسة ابتدائية ما زالت قيد البناء تدعى "جبل الشيخ". اصطف عمال البناء وقتها ليتفرجوا على مسرحيتنا من فوق أكوام الحجارة التي سيعمرون بها المدرسة الجديدة، بينما جلس الطلاب على أرض الباحة خلف الاساتذة والمدير الذين جلسوا على الكراسي، وصعدتُ وقد أغمضتُ عيني اليسرى كناية عن العوَر وبدأت بتمثيل دور عمار بن ياسر. فناديت للكومبارس الشرير الازلي الذي يمثل دور تابعي او حاجبي عادة واسمه دالاتي: يا غلام، أحضر لي بلال الحبشي فوراً لأريه كيف يترك ديننا ويلتحق بالدين الجديد. فرد دالاتي عليّ قائلاً: أمر مولاي عمار بن ياسر. هنا انتفض استاذ الديانة كمن مسه جنون وصعد الى الخشبة فوراً قائلاً لي: دور مين عم تمثل يا حيوان؟! فقلت: عمار بن ياسر، وعلى الفور صفعني على الملأ وأفهمني أن عمار بن ياسر كان من أوائل المؤمنين مثل بلال وطلب مني أن العب دور ابي جهل ثم شرح للجمهور الخطأ المطبعي بعدما بصق عليّ وعلى دالاتي ونعتنا بالحيوانات. تابعنا المسرحية على مضض ومن دون حماسة ولكننا ما لبثنا أن نسينا الاهانة وانهلنا بالركلات والصفعات على بلال الحبشي او المدعو عصام الذي كان يقول جملته الوحيدة "أحدٌ أحدْ". وطلبت الصخرة كي نضعها على بطن بلال المزعوم وكنا قد صنعناها من الكرتون، فقال الدالاتي: أمر مولاي أبو جهل الخبيث، ذهب لإحضارها فوجدها مبللة بالماء ومفنشة. يعني ما في صخرة، ولكن الدالاتي لا ييأس لذلك اخترق صفوف الجماهير على الطريقة البريختية وأمر العمال الواقفين على الاحجار في المدرسة المجاورة بحمل صخرة كبيرة ففعلوا وصعدوا بها الى المسرح وسط تصفيق الطلاب وذهول استاذ الديانة، قال لي العامل: "وين احط الصخرة استاذ؟!" فأجبته بالفصحى: "هنا ايها الغلام الحقير"، وأشرت الى بطن بلال المزعوم فرزح تحت الصخرة وجحظت عيناه وشلت حركته.
"أعطني السوط يا غلام"، صحتُ بالدالاتي، فبحث عن السوط ولم يجده، ربما ضاع في المدرسة المجاورة، ولكن الدالاتي لا ييأس فخلع حزامه الجلدي المزين بصورة لاثنين من رعاة البقر، مصنوعة من الحديد الخالص وناولني اياه فانهلت به ضرباً على عصام وأنا أقول: "هيا ارتد عن دينك يا بلال"، وكان يرد بصوت مخنوق وعيون جامعة: "أحدٌ أحدْ". الى أن انتبهتُ الى أني أضربه بالطرق الحديدي من الحزام فصرخ بعد حين "يلعن... لا تضرب الحديدة"، وكانت شتيمته كافرة وخادشة للمقدسات لذلك وجدنا أنفسنا تحت براثن استاذ الديانة وهو يضربنا بعصاه الغليظة على اقدامنا ونحن نصرخ "أحدٌ أحدْ" وسط شماتة الطلاب الذين كانوا يحسدوننا قبل لحظات.
ولم تنقضِ أيام على الحادثة المخزية حتى طلب مني الاستاذ عبد الرحمن مسرحية قومية عن فلسطين فألفتها بعد ساعتين من طلبه وسط سخرية الطلاب وخاصة سعيد خطّاب مما اضطرني الى الدخول في شجار عنيف معه انتهى بانتصارنا عليه أنا والدالاتي وكانت خسائره قميصاً ممزقاً وانفاً مدمى وبقعة تحت عينه اليسرى. نهرني الاستاذ عبد الرحمن هاشم وقال اني فنان ويجب أن لا أنزل الى هذا المستوى ولكنه لم يتورع عن صفع الدالاتي الذي بقي كومبارساً شريراً حتى يومنا هذا. وفي اليوم التالي طلب مني الاستاذ أن أنتقي ممثلاً لدور البطولة أي دور الفدائي الفلسطيني الذي يقاوم بشمم وإباء الضابط الاسرائيلي الذي يعذبه وهو أنا بالطبع. فاخترت عدوي سعيد خطاب للدور. ابتسم الاستاذ عبد الرحمن وارتجل محاضرة عن الفن ونبله خاصة أني اخترت من تشاجرت معه لدور البطولة وابتسم معظم التلاميذ ابتسامة العارف بينما ابتسم سعيد خطاب ببلاهة وهو الذي سيلعب دور عمره على مسرحنا العجيب، ولم يعرف أن وراء الأكمة ما وراءها.
انتهينا من البروفات وجاء يوم الاحتفال فاعتلينا منصتنا إياها وجلس سعيد خطاب على كرسي الاعتراف بينما كان الدالاتي يربطه ربطاً محكماً وكنت أتمشى حوله مبتسماً وكيف لا أكون مبتسماً وقد وقع عدوي بين يدي بنفسه وصار جاهزاً للتعذيب... الحقيقي جداً. عندما صفعته للمرة الاولى ذُهل سعيد خطاب، فهذه الصفعة لم تكن كتلك الصفعات الخادعة اللطيفة التي صفعته إياها في التدريبات، ولما صفعته الصفعة الثانية عرف لماذا اخترته لدور البطولة وعندما بدأت ارفسه صار يفكر بالثأر بعد انتهاء المسرحية. "هيا اعترف يا أخمد"، قلت لسعيد بعدما صفعته ثلاث صفعات متتالية فرد بشمم وإباء: "لن أعترف". "هيا اعترف يا أخمد"، ورفسته في خاصرته فصرخ ألماً وقال وهو ينظر اليّ بحقد: "لن أعترف يا أخو الشرموطة". وظن الجميع أن الشتيمة من ضمن المسرحية فصفقوا له كونها موجهة للاسرائيلي. وبعد مسلسل طويل من الضرب والركل والصفع دخل الدالاتي وهو يقول باللغة العبرية الفصحى: "شالوم شالوم كتلوا عساكر"، ودخل الفدائيون وهم يحملون الرشاشات وقال أحدهم: "سلّم نفسك يا صهيوني يا غاشم"، بينما كان الآخر يفك وثاق سعيد خطاب الذي اقترب مني كي يبدأ فصلاً طويلاً للانتقام مني ولكنني كنت في تلك اللحظة أخرج مسدسي وأطلق النار وسط رأسي واسقط غير مأسوف على شبابي منتحراً على خشبة مسرح السعادة الاولى... مسرح البهجة.