Kurd Day
Kurd Day Team
أولاً:الأكراد في بلاد الرافدين
كانت بلاد الرافدين ما قبل التاريخ مسرحاً لحضارات كثيرة أشهرها: السومرية و العلامية، و عرفت أسافل بلاد الرافدين الحضارة المدنية الأولى حوالي (3300ق م) و من علامات ازدهارها ظهور الكتابة و النشاط المعماري المتقدم(1). في حين ظهرت المستوطنات الزراعية الأولى في كردستان منذ الألف السابع قبل الميلاد (2).
في أواسط الألف الثاني قبل عصرنا، كان للكاشيين نفوذ كبير على الأقاليم الكردية الحالية . اكتشف لملك الكاشيين و كان يدعى (ماردوك أو مردوخ) تمثال رمزي مجسداً بمعزقة مدبدبة مسماة (ماروّ) و دخلت هذه الكلمة إلى الفرنسية لتصبح مار ولتدل على نوع من المعازق ً (3)، و كان يسمى ابن هذا الملك نابو.
في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، زعزع الآراميون الرحلّ الأمن في بلاد ما بين النهرين (بابل و آشور). إلاّ أن الآشوريين استطاعوا إخضاع جوارهم وإقامة مملكة قوية سقطت عام 612 ق.م على يد الميديين، الذين أتوا، على ما يبدو، من شرق كردستان الحالية. و تغلب الميديون على الآشوريين بتحالفهم مع البابليين (4)، و بنوا إمبراطورية كبيرة لكنها لم تدم طويلا إذ قضى عليها الفرس عام 539 ق م. و خضعت المنطقة منذئذ للفرس الذين دخلوا في حروب طاحنة مع الروم، الذين كانوا بدورهم يطمعون في هذه المنطقة .
حسب رأي أغلبية المتخصصين في الدراسات الكردية (5) و حسب رأي أغلبية الأكراد، يعود أصل الأكراد إلى الشعوب الهندية-الأوربية، وهم نزلاء من الميديين (6).
في حين أن البعض الأخر يعتبر الأكراد من الشعوب الأصلية الكبرى في بلاد الرافدين ولازال يحافظ على خصائصه (7). وصف كزينوفون اليوناني في عام 401-400 ق.م سكان كردستان الحالية (الكردوخ) الذي كانت لهم صفات و خصائص و سماه مطابقة لأكراد اليوم (8).
ويرجح البعض بأن الأكراد هم نتيجة لامتزاج الميديين بسكان بلاد الرافدين الأصليين و خاصة الكاشيين (المردوخيين). لغوياً، اسم الملك مردوخ يدل بالكردية على مدلولين متلازمين (مار، مر = معزقة، ثم دوخ= ذراع المعزقة). أما اسم ابن الملك المقدس (نابو)، فيستعمل أيضا في الكردية كاسم و كنية، حاليا تعيش في كردستان عشيرة تدعى مردوخ، وهي منتشرة في كردستان الشرقية والجنوبية(9).
في عام 1997 نشر في باريس باحث الآثار الفرنسي جان ماري دوران ترجمة اللوحات الأثرية السومرية المتعلقة بمراسلات مملكة ماري. و في هذه اللوحات, التي هي قيد الترجمة إلى العربية, يوجد الكثير من الوثائق التي تتعلق بالممالك التي شهدتها كردستان في الألف الثانية قبل الميلاد. وليس ما لدينا ما يجزم بأن كل هذه الإمارات كانت كردية. إلا أن الجديد في هذه الوثائق هو أننا نجد, ولأول مرة في التاريخ المكتوب,أكثر من عشرين لوحة أثرية تخص العلاقات السياسية بين إمارة ماري و إمارة كوردا. واسم هذه الإمارة الأخيرة لا يترك مجالاً للشك في أنها كانت كردية.
إذ كانت إمارة كوردا من أقوى الإمارات التي قامت في الجزيرة, إلى الشمال من إمارة ماري وحتى شمال شرقي الفرات, إلى درجة أن أمير ماري كان يخشى حه مورابي مملكة كوردا , وكان يحتاط منه,رغم العلاقات الطيبة التي كانت تجمعهما.
و عندما سألنا السيد جان ماري دوران عن مزيد من التفاصيل حول إمارة كوردا, اكتفى بالقول بأنها كانت تسيطر على جبل سنجار, وأن قادتها لم يكونوا محببين من قبل الإمارات المجاورة . لم نلاحظ في نصوص الوثائق المترجمة ما يدل على أن لقادة الإمارات المجاورة كره خاص تجاه قادة كوردا, سوى ما هو دارج من التنافس بين الإمارات المتجاورة. و لربما تجنب السيد دوران الدخول في موضوع قد يسبب له إشكالات مع السلطات السورية. أو لربما يريد أن يحتفظ لنفسه ما لديه من معلومات عن إمارة كوردا ليضعها في بحث خاص في المستقبل (9مكرر).
تعتبر اللوحات المتعلقة بإمارة كوردا أقدم نص تاريخي يذكر الأكراد بشكل واضح. وكانت تسيطر هذه الإمارة على قسم كبير من كردستان الملحقة بالدولة السورية.
إذا كان من الصعب تحديد بداية تشكل وحدة الخصائص القومية عند الأكراد، فيدل ذلك على قدمْ تكون الوحدة القومية عند الأكراد الذين يشكلون " شعباً خاصاً تماما، يتكلم لغة معينة ويعيش على أرض متكاملة، و يتمتع بثقافة خاصة، رافض بمجموعه الذوبان القومي الذي يُراد إكراهه عليه، و أظهر آلاف المرات منذ أكثر من قرن إيمانه بتشكيل وحدة قومية خاصة, تتمتع بمؤسسات سياسية خاصة, و لها الحق في ممارسة استقلالها في اتخاذ القرار"(10).
ثانياً:الأكراد في الإمبراطورية العربية الإسلامية
قبل الغزو العربي، كانت كردستان محتلة من قبل الفرس و الروم. و في عام 640م غزا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب إقليم كردستان، بحملة عسكرية تحت قيادة عياض بن غنم، لكن لم تتمكن هذه الحملة من تنفيذ هدفها بشكل كامل، فلجأ الخليفة الثالث عثمان بن عفان إلى تنظيم حملتين عسكريتين جديدتين في عام 643م، من أجل إخضاع كردستان كليا؛ الأولى تحت قيادة حبيب بن مسلمة الفهري، والثانية تحت قيادة سلمان بن ربيعة الباهري (11).
لم يخضع الأكراد و جيرانهم الأرمن بسهولة للجيوش و السلطات العربية الإسلامية، حيث " كانت كردستان طوال فترة حكم الدولة العربية الإسلامية الأولى بشقيها الأموي و العباسي، ولعدة قرون بعدها، تدار و تحكم من قبل حكام و أمراء أكراداً – و الأصح هو أكراد.م- على شكل إمارات و إقطاعيات مستقلة و شبه مستقلة. ثم تعرضت لعمليات غزو أجنبية كانت تطول و تقصر" (12).
أراد الخليفة الرابع علي بن أي طالب عام 659م أن يسيطر على البلاد بشكل أقوى ، مما أثار خصمه في بلاد الشام معاوية بن أبي سفيان، الذي كان يحاول من جانبه السيطرة على كردستان، فتحارب الطرفان ولمرات عديد، على أرض كردستان ، و من أشهر المعارك التي وقعت بين الطرفين هي معركتي عام 659م و عام 684م.
حيث كانت الجزيرة تابعة للخليفة علي بن أبي طالب، و كان معاوية متمرداً عليه في دمشق، و كان يريد انتزاع الجزيرة و ضمها الى الشام؛ فسيّر عليها في عام 659م-39هـ حملة عسكرية بقيادة عبد الرحمن بن قباث بن أشم الذي عُرف بعدائه للأكراد و الشيعة. و كان في الجزيرة شبيب بن عامر عاملا للإمام علي ، فكتب إلى كميل بن زياد يستنجد به، فسار كميل في ست مائة فارس، فأدركوا عبد الرحمن و قواته و قاتلوهم و هزموهم شرّ هزيمة، و لمّا علم الإمام علي بالنبأ، هنأ كميلاً و رضي عنه بعد أن كان ساخطاً عليه. و استمرت القوات الموالية للخليفة تتابع فلول بني أمية المنهزمة حتى بعلبك، ثم رجعت إلى الجزيرة مصطحبة معها الغنائم من الأسلحة و الخيل التي كسبوها في المعركة (13).
بينما تُعتبر معركة رأس العين أكثر المعارك ضراوة بين الأمويين و أنصار الخليفة علي ابن أبي طالب، و كان ذلك في سنة 684م-65هـ، عندما تحرك الشيعة في الكوفة للثأر للحسين و للتعويض عن قعودهم عن نجدته قبل وقعة كربلاء. و كان من قادة هذه المعركة رفاعة بن شداد البجلي و عبد الله بن سعد الآزدي و عبد الله بن والي التميمي و غيرهم. أعلن الثائرون خلع سلطان الأمويين و حكمهم، و ساروا من الكوفة نحو الجزيرة إلى أن وصلوا إلى رأس العين، حيث كان عبد الله ابن زياد قد خرج لمحاربتهم من الشام و بأمرته ثلاثين ألف مقاتل، استبسل الكوفيون (الشيعة) في القتال، و مع ذلك تفوق الشاميون عليهم لوفرة عددهم؛ فاضطر من بقي من الكوفيين التراجع الى بلادهم و سيطر الأمويون من جديد على الجزيرة (14), بعد أن تركت المعارك آثارها من الدمار و المآسي في هذه المنطقة الكردية.
انتفضت خلال الحكم العربي الإسلامي شعوب المنطقة الأصليون، بما فيهم الأكراد، ضد الاضطهاد و السياسة الإسلامية في عدم المساواة تجاه المسلمين غير العرب و العناصر غير المسلمة، و بشكل خاص خلال الحكم الأموي (661م-750م) الذي انهار عندما قُتل أخر" خلفائه" على يد أحد زعماء الأكراد (أبو مسلم الخراساني). و تولى أبو جعفر الحكم في الجزيرة بعد أن قضى على مقاومة أهلها (15).
مع ولادة الإمبراطورية العباسية، ظهر نفوذ العناصر غير العربية و سمحت الظروف للسلالات الكردية القوية بأن تؤسس ممالك و إمارات و دولاً كردية ذات حكم ذاتي، أشهرها الدولة المروانية، حيث أن " الأسرة المروانية أسست دولة قوية بمعنى الدولة و احتلت أخبارها و حوادثها حيّزاً هاما في تاريخ المنطقة و ما يجاورها (……) و قد برز فيها حكام و قادة شجعان أصحاب إدارة و اقتدار في السياسة و الحكم و كانت لهم مع جيرانهم علاقات حسنة ودامت الدولة المروانية مابين 350-476هـ، أي ما يزيد على قرن في حساب الزمن " (16), و تعد الدولة المروانية أكبر تجربة كردية تاريخية في بناء وحدة سياسية متماسكة و شملت ضمن حدودها الجزيرة.
ولعبت السلالة الكردية الأيوبية دوراً هاما في تاريخ المنطقة، حيث بنى زعيمها المشهور صلاح الدين الأيوبي خلال القرن الثاني عشر إمبراطورية إسلامية كبيرة, و قهر الصليبين و أجبرهم على الرجوع حتى الأناضول بجيش كانت أغلبية قادته من الأكراد و الترك (17).
في سنة 1208م، قضى المغول على الإمبراطورية العباسية التي كانت متفسخة داخليا، و ضعفت موجة التعريب كثيرا (18). و لكن انحسر دور الأكراد أيضا (19)، حيث عشائر المغول " غزت كردستان، أنهم وصلوا الى شهرزور في عام 1247م، الى ديار بكر في عام 1252م، إلى كرمنشا ه و اربيل في عام 1256م، إلى هكاري و الجزيرة في عام 1259م، غمرت كردستان في العنف خلال قرنين و نصف " (20).
بعد موت تيمورلنك المغولي في عام 1404م، استطاعت العشائر التركمانية السيطرة على كردستان الغربية تحت راية الإسلام السني، في حين كان الفرس يسيطرون على كردستان الشرقية بالإيديولوجية الإسلامية الشيعية. أصبح الأكراد، لكونهم منقسمين دينيا بين السنة و الشيعة، موضعا للاقتسام بين الإمبراطوريتين المتحاربتين (العثمانية و الفارسية) اللتين لم تتوقفا عن الاحتراب على الأرض الكردية (21).
ثالثاً:الأكراد في الامبراطورية العثمانية
حَكَمَ التركماني سليم الأول من عام 1512م-1520م، معتمدا على تحالف متين مع الحكومات الكردية (كرد حكومتلر)، فبفضل عقده لاتفاقية مع هذه الأخيرات، تغلب على جيوش الفرس في معركة تشالديران عام 1541، و استطاع مد السيطرة التركية على الشرق الأوسط بكامله (22).
كان يترك السلاطين العثمانيون لحلفائهم الكرد حق حكم ممالكهم و حماية الحدود الشرقية التي تتعرض للهجمات الفارسية المستمرة (23).
يعود تاريخ التدخل الأول للحكومة المركزية التركية في الشؤون الداخلية للإمارات الكردية إلى هزيمة تركية أمام فيينا عام 1683م، و منذئذٍ بدأت تنحسر و تتناقض استقلالية الأمراء الأكراد تدريجيا حتى القرن التاسع عشر (24).
قرر الباب العالي المتزعزع في كل ممتلكاته اتخاذ سياسة مركزية، و تقليص نفوذ الأمراء و الوجهاء المحليين و خاصة في الأقاليم الكردية الخاضعة الإمبراطورية، مما أثار مالا يحصى من انتفاضات كردية، اتخذ البعض منها شكل تمرد على دفع الضرائب السلطانية، و البعض الأخر اتخذ شكل تمرد عسكري ضد القطعات النظامية، إلاّ أنها جميعا كانت تشترك باتخاذها طابعا قوميا، و إن كان قليل من قادة هذه الانتفاضات يملك برنامجا أو خطة لإنشاء دولة كردية في كردستان كلها (25)، لعلّ هذا هو السبب الأكثر أهمية في فشل هذه الانتفاضات المتلاحقة و التي تم القضاء عليها لكونها انتفاضات محلية من جهة، و لم تر أية قوى خارجية مصلحة لها في بناء دولة كردية مستقلة من جهة ثانية، فضلا عن الدور الذي لعبه رجال الدين المسلمون في المصير المأساوي للأكراد، فالأتراك مثل العرب، و الفرس استغلوا الشعور الديني لدى الأكراد من أجل أهدافهم السياسية القومية (26)
انقاد الكرد إلى الخضوع تحت تأثير النظريات الدينية الداعية إلى الإخوة وضرورة إطاعة أولي الأمر وعدم معصية الحاكم خشية خلق الفتنة في الأمة الإسلامية.
رابعاً:سورية في بداية القرن العشرين
انسحاب العثمانيين
حتى عام 1908م، كانت توجد بعض المناطق الكردية المستقلة فعليا، إذ حكمت السلالة الملّية الكردية على مساحة واسعة من البقاع الكردية الخاضعة حاليا للسيطرة السورية، و ذلك خلال ما يقارب أكثر من قرن (1791م-1908م)، و حاول أخر زعيم قوي لهذه السلالة، ابراهيم باشا الملّي، غزو دمشق بالذات، حيث وصل جيشه المدرب (شبه النظامي) في عام 1908م الى المرج الأخضر (حاليا مكان معرض دمشق الدولي)، و لكن القنصل الانكليزي في دمشق حذره من تنفيذ مشروعه، و طلب منه التراجع، مما اضطر إبراهيم باشا الى سحب جيشه باتجاه الجزيرة ليصطدم مع القوات النظامية التركية (27)، و ليواجه بعض القبائل العربية التي هاجمت الملّيين في منطقتهم (28).
منذ عام 1908م، أراد القادة العثمانيون السيطرة على الوضع في سورية باتباع سياسية مركزية قمعية، مما أثار سخط الوجهاء القبليين و المثقفين غير الترك، و سهلت هذه السياسة في انحسار الرصيد العثماني بين السكان، و ساهمت في الهزيمة التركية أمام القوات العربية بزعامة حسين شريف مكة المدعوم من قبل الانكليز، الذين كانوا في حرب ضد العثمانيين و حلفائهم الألمان (29) خلال الحرب العالمية الأولى.
أما بالنسبة للأكراد فكانوا معارضين للحكم الاستبدادي التركي، و لكون أغلبيتهم من المسلمين، كانوا يفضلون المتمردين العرب باعتبارهم منحدرين من سلالة الرسول محمد بن عبد الله، على الأتراك الذين حكموا البلاد و خربوها و ظلموا الشعب باسم الإسلام. أما الوجهاء الأكراد اليزيديون، و خاصة الذين كانوا يسيطرون على المناطق الكردية في كرداغ و شمال الساحل السوري، كانوا يفضلون أي تدخل أجنبي غير مسلم على أية سلطة تركية أو عربية مسلمة قد لا تتردد في اضطهاد اليزيديين، لذلك فإنهم قد أبدو تأييدهم للانتداب الفرنسي ، حتى أنهم شكلوا فرقا من الأنصار للتعاون مع الجيوش الفرنسية (30) التي كانت تقطع الوعود لوجهاء و شيوخ اليزيديين.
ساهم هذا الوضع، فضلا عن عوامل أخرى في إنهاء السيطرة العثمانية في بلاد الشام، و هكذا تقهقرت الجيوش التركية حتى جبال طوروس في سبتمبر/أيلول 1918، و منذ ذلك الحين دخل الإقليم عهدا جديدا، و قُسّم الأكراد بدورهم إلى ثلاثة أقسام، فعدا عن القسم الواقع تحت السيطرة الفارسية، القسم الذي كان تحت السيطرة العثمانية، قُسم من جديد إلى قسمين يفصلهما حدود الأتراك مع المتمردين العرب و حلفائهم الانكليز، بينما فرنسا لم تكن قد احتلت سوى منطقة الساحل حتى ذلك الوقت.
فيصل و الدستور السوري
بعد انتصار انتفاضة العرب الموالين للإنكليز،نُصّب فيصل بن حسين ملكا لسورية الكبرى في 17 آذار 1920م (31)، عمليا، اقتصرت هذه المملكة على سوريا الداخلية المنحصرة بين القوات الفرنسية التي كانت تحتل الساحل، و القوات الانكليزية المسيطرة شرقا و جنوبا. وحسب خطة بريطانية، كان يتوجب أن تصبح سوريا مملكة على صورة المملكة المتحدة البريطانية، فجرت انتخابات عامة من أجل تشكيل المؤتمر السوري الذي عقد دورته الأولى بين أيلول عام 1918 و حزيران عام 1919م. و قرر هذا المؤتمر في دورته الثانية استقلال سورية الطبيعية، و أعلن عن حق العراق في الاستقلال, و تبنى نظاما إداريا لا مركزيا مع ضمانات أخرى للبنان ، و أبقى في 8 آذار 1920 عرش سوريا لفيصل بن حسين. بذلك رسخ المؤتمر تجزئة سوريا عن الأقاليم المجاورة بشكل رسمي، و الغريب في الأمر هو أن فيصل بن حسين و أيضا الحكومة المؤقتة المشكلة في دمشق برئاسة سعيد الجزائري، لم يطالبوا بتحرير المناطق الساحلية التي كانت خاضعة للجيش الفرنسي. و يبدو أن تشكيل هذه المملكة كان تنفيذا لخطة بريطانية، لتستخدمها كورقة ضغط على حليفتها وشريكتها في اقتسام المنطقة فرنسة.
و كان المؤتمر قد قرر في 6 آذار, و بناء على طلب الأمير فيصل، تشكيل لجنة من عشرين عضوا برئاسة هاشم الأتاسي، من أجل وضع دستور للبلاد، فوضعت هذه اللجنة مشروعا مؤلفا من 147 مادة تمت مراجعته في 3 تموز 1920 (32).
أخذ هذا المشروع بالشكل الاتحادي للدولة و بالنظام الملكي النيابي (البرلماني) (33)، و تتألف المملكة من مقاطقات (34) ذات حكم ذاتي لكل منها حاكمها العام و مجلسها النيابي(35) و حكومتها المحلية، و للمملكة (حكومة عامة للمقاطعات) (36).
تتألف الهيئة التشريعية الاتحادية من مجلسي الشيوخ و النواب. واتخذ المشروع اللغة العربية لغة رسمية (37) و أقر على أن دين الملك هو الإسلام و خصص فصله الثالث لحقوق الأفراد و الجماعات تطرّق فيها للحريات المدنية و الدينية والشخصية (38).
باختصار، تضمن هذا المشروع هامشا كبيرا من اللامركزية، الأمر الذي أرضى الوجهاء المحليين وأسال لعاب رؤساء العشائر، الذين كانوا يريدون أن يتم الاعتراف بهم رسميا كأقوياء المجتمع.
و من ناحية أخرى كانت الأغلبية السنية تؤيد فيصل و تروج لمشروعه. لكن بقي هذا المشروع حبرا على ورق، حيث لم يستطع المؤتمر حتى 13 تموز 1920 مناقشة سوى المواد السبع الأولى منه، في الوقت الذي كانت فيه الخارطة السياسية قد تغيرت في المنطقة، حيث أنذرت القوات الفرنسية الملك فيصل بالخروج من سورية، فما كان على هذا الأخير و حكومته سوى تنفيذ الطلب الفرنسي، بكل بساطة، تاركا وراءه مصير البلد الذي كان يدعي بأنه صاحب عرشه، و حامي حماه, و دخلت بعد ذلك الجيوش الفرنسية الى دمشق بقيادة الجنرال غورو في 24 تموز 1920 (39) بعد أن قضت على المقاومين السوريين بزعامة يوسف العظمة في معركة ميسلون.
خامساً:كردستان وتسويات الحرب العالمية الأولى
في الوقت الذي كان العرب يحلمون بإنشاء إمبراطورية جديدة، كان الحلفاء بدورهم يخططون لاقتسام تركة الإمبراطورية العثمانية فيما بينهم، و تجسد هذا الاقتسام في آذار 1916 باتفاقية سرية دخلت التاريخ تحت اسم اتفاقية "سايكس بيكو", ووقعت على هذه الاتفاقية أيضا الحكومة الروسية في بداية أيلول, لكنها لم تستفد منها عمليا(40).
أجبرت الإمبراطورية العثمانية المنهزمة في 30 تشرين الأول 1918، على توقيع هدنة "مودريس" مما أدى ذلك إلى وقوع الأغلبية الساحقة من البلاد تحت الاحتلال، و انهيار الجيوش العثمانية و هزيمة قادة حكومة (تركيا الفتاة).
كان لاندلاع الثورة البلشفية دوراً كبيراً في خلخلة اقتسام الإمبراطورية، حيث اضطر الحلفاء إلى تنظيم مؤتمر جديد " للتباحث " في سان-ريمو من 18 حتى 26 نيسان 1920، و أعد في هذا المؤتمر الخطوط العريضة لاتفاقيات السلم. و بموجب مقررات هذا المؤتمر أعطى لفرنسا حق الانتداب على سورية و أعطي لبريطانيا حق الانتداب على كل من العراق و الأردن و فلسطين.
ألزم الحلفاء المنتصرون كلاّ من ألمانيا و حليفتها تركية التوقيع في 10 آب 1920 على اتفاقيات السلم المعدة في مؤتمر سيفر. و خلال مباحثات مؤتمر السلام (في سيفر) كانت كردستان موضع أطماع كثيرة " فالأمريكان، لقاء اشتراكهم في انتصار الحلفاء كانوا يطالبون بحصة من القسمة " (41) و كانوا يوصون بـ " إنشاء دولة أرمنية… دولة تركية… دولة كردية تتضمن تقريبا ربع الإقليم الذي يشكل فيه الأكراد أغلبية السكان على أن توضع كل هذه الدول تحت انتداب الولايات المتحدة الأميركية " (42).
على كل حال، حضر مؤتمر السلم وفد كردي برئاسة الجنرال شريف باشا بابان، و تقدم هذا الوفد الى مؤتمر السلم في سيفر، بمذكرتين (الأولى في 22 آذار 1919، و الأخرى في الأول من آذار 1920) تضمنت هاتان المذكرتان مطاليب الأكراد مؤيدة بخارطة سياسية لكردستان.
واجه الوفد الكردي في مؤتمر السلم عدة مسائل أهمها:
1- موقف فرنسا التي " كانت تعارض تشكيل دولة كردية، حتى أنها لم تقبل النقاش حول الأقاليم الملحقة حاليا بالدولة السورية" (43).
2- شكلت المطالب الأرمنية، التي كانت تمتد إلى الأقاليم المطالب بها من قبل الأكراد، عرقلة أخرى ساهمت في تعقيد المسألة الكردية، رغم أن رئيس الوفد الكردي شريف باشا كان قد استطاع أن يعقد مع الزعيم الأرمني بوغوض نوبار اتفاقا يرضي الوفدين الأرمني و الكردي.
3- إن التمثيل الكردي عبر الوفد المرؤوس من قبل شريف باشا، كان يتعرض لاعتراضات من قبل بعض الوجهاء الأكراد المتواطئين مع مصطفى كمال، لأن هذا الأخير لم يكن قد حقق أي فوز سياسي داخلي و بالتالي كان سخيا في وعوده لوجهاء الأكراد كي ينال دعمهم و مساندتهم له.
و رغم ما واجه الوفد الكردي من عقبات، فإنه استطاع أن يفرض وجود الشعب الكردي على المؤتمرين في سيفر، حيث تضمنت اتفاقية السلم الموقعة في 10 تموز 1920 (اتفاقية سيفر)، قسما خاصا بالأكراد (قسم كردستان) و تضمن ثلاثة مواد (62-63-64)، اعترفت هذه المواد بالحكم الذاتي القومي للشعب الكردي،و الاقرار باستقلاله بعد سنة من تاريخ توقيع الاتفاقية، فيما إذا طالبت الأغلبية الكردية بذلك،و إذا ثبت بأن الأكراد قادرون على ممارسة استقلالهم (44).
على الرغم من أن هذه الاتفاقية لم ترض كل طموحات الأكراد و لم تلب مطالبيهم، لكنها كانت بمثابة أول اعتراف دولي بحقيقة وجود القومية الكردية المقيمة على أرضها تحت سيطرة حكومات أجنبية عنها.
بقيت اتفاقية سيفر الموقعة مع تركية أحرفا ميتة، لأن مصطفى كمال (أتاتورك)، الذي كان يخوض حربا ضد اليونان و الحلفاء, كان قد أعلن نفسه الممثل الوحيد للشرعية في الدولة، و بأنه لن يلتزم بأية اتفاقية تكون قد وقعت من قبل حكومة اسطنبول و لم يكن ذلك مجرد تهديد أو وعيد، و إنما استطاع مصطفى كمال بالفعل أن يلحق الهزيمة باليونان، وذلك بفضل المساعدة السوفياتية له، وقدرته على كسب ود أغلب قطعات الجيش و بعض العشائر الكردية إلى جانبه. و بعد توقيعه على هدنة (مودانية) في 11 تشرين الأول 1922، وجد مصطفى كمال نفسه على رأس حكومة قوية أهلته المشاركة في مؤتمر (لوزان) الذي افتتح 10 تشرين الثاني 1922، من أجل إعادة توزيع الحصص في الأقاليم التي كانت سابقا عثمانية. انتهى مؤتمر لوزان بالتوقيع على اتفاقية (اتفاقية لوزان) بتاريخ 24 تموز 1923. ألغت هذه الاتفاقية عمليا اتفاقية سيفر التي كانت تتضمن قسما يخص كردستان، و أعيد الاعتراف بسيادة تركيا (المنتصرة في حين لم تعترف الاتفاقية الجديدة للأكراد " أكراد تركيا" سوى بالحقوق اللغوية, تلك الحقوق التي لم تراعها السلطات التركية في أي يوم من الأيام (45) و بالمقابل اعترفت تركية لفرنسا بضم إقليمي الجزيرة و كرداغ و ما بينهما من المناطق الكردية إلى الأقاليم السورية الخاضعة لانتدابها, و ذلك بتبني الاتفاقية التركية الفرنسية المنعقدة بهذا الشأن في 20 تشرين الثاني 1920.
و هكذا، كردستان التي كانت حتى بداية القرن العشرين مقسمة بين إمبراطوريتين، أُعيد اقتسامها بين أربعة دول هي تركية و العراق و إيران و سورية.
سادساً:سورية تحت الانتداب الفرنسي
في 24 تموز 1920، دخلت الجيوش الفرنسية بقيادة الجنرال غورو دمشق، بعد أن طردت هذه الأخيرة فيصل بن الحسين و حكومته الموالية للإنكليز، و قضت على المقاومين السوريين في موقعة ميسلون.
الدول السورية
منذ أن سيطر الفرنسيون على سورية، قسموا البلاد الى أربع دول مستقلة ، اثنتان على ساحل بحر الأبيض المتوسط هما دولة لبنان و دولة العلويين واثنتان في سورية الداخلية ، هما دولة دمشق و دولة حلب. و أقيمت أيضا في 1921 دولة جبال الدروز (46).
في عام 1923، أقيم اتحاد فيدرالي بين دولة دمشق و دولة حلب و دولة جبال العلويين، لكن في نهاية عام 1924، وحد المفوض الفرنسي دولتي دمشق و حلب ليشكلا الدولة السورية، و أكد استقلال دولة العلويين و استقلال دولة جبل الدروز و الحكم الذاتي للواء اسكندرون (تحت اسم سنجق اسكندرون المستقل).
السبب الرئيس لهذه السياسة الفرنسية كان لتجنب مواجهة مقاومة موحدة، و لتسهيل إدارة البلاد بالاعتماد على الوجهاء المحليين الذين كانوا يتمتعون بنفوذ كبير بين السكان، و لإرضاء المشاعر الإقليمية تعويضا عن الشعور الديني المناهض للفرنسيين. و لم يلغ الفرنسيون الشكل الملكي للبلد الاّ لتسهيل و تغيير وضع المؤسسات الإدارية بمرونة أكثر.
لم تكن هذه السياسة فعّالة دوما، مثلما كان متوقعا, حيث تضاعفت الهيجانات داخل كل إقليم (دولة)، و غالبا كانت تنشب الخلافات بين مؤيدي السياسة الفرنسية من جهة، و معارضيها من جهة أخرى، و علاوة على ذلك كانت تفتقر كل دولة إلى مقومات استمرارية وجودها، من الناحيتين الجغرافية و الاقتصادية، بالإضافة إلى افتقارها الى الكوادر و الخبرات اللازمة لإدارة جهاز الدولة. و هكذا و بعد اضطرابات هائلة بشكل خاص خلال عامي 1925-1926, اضطرت فرنسا الى تغيير سياستها؛ فسحبت الجنرال ساراي من سوريا، و أرسلت عوضا عنه مفوضا ساميا من الدبلوماسيين و هو دوجفنيل، الذي اتصل بالساسة السوريين المتواجدين آنئذ في جنيف و باريس و مصر … وبدأت اللعبة السياسية ولغة المفاوضات بدلا عن لغة العنف المسلح
الدستور السوري لعام 1928
مهدت سياسة دوجفنيل لخليفه بونصو، في محاورة الساسة السوريين للتمكن من الحكم بهدوء. ففي 15 شباط 1926 ، دعا المفوض الفرنسي السكان لانتخابات عامة، من أجل تكوين جمعية تأسيسية مكلفة بوضع نظام أساسي للبلاد " ضمن نطاق الاتفاقات الدولية و العقود التي تعتبر الدولة المنتدبة أنها مسؤولة عنها أمام عصبة الأمم" (47)، و تكونت الجمعية التأسيسية, و انتخبت هاشم الأتاسي رئيسا لها و من ثم شُكلت لجنة تحضيرية لصياغة مشروع دستور، تألفت اللجنة من سبعة أعضاء، كان مقررها فوزي الغزي.أعدت هذه اللجنة في 1 آب 1927، مشروع دستور رفضه المفوض السامي لأنه كان يتضمن مواد غير منسجمة مع " العهود الدولية التي يحدد بعضها مسؤولية الدولة الفرنسية و خاصة المادة الثانية التي كانت تقول:" البلاد السورية المنفصلة عن الدولة العثمانية وحدة سياسية لا تتجزأ، و لا عبرة بكل تجزئة طرأت عليها عقب الحرب العامة" و في 11 آب أبلغ المفوض السامي الجمعية أمراً بتأجيل جلساتها لمدة ثلاثة أشهر. تكرر التأجيل إلى أن صدر قرار بحل الجمعية.
و منذ هذه التجربة، تطور الوعي السياسي و أصبح الوجهاء التقليديون، وخاصة المثقفون منهم, موضع شبكات وسائطية، و أحيانا دمى في الألاعيب البرلمانية المنظمة من قبل الفرنسيين لامتصاص النقمة الشعبية، ولاختزال جهود الحركة الاستقلالية بشكل خاص.
في 14 أيار 1930 أصدر المفوض الفرنسي بإرادته المنفردة الدستور السوري المعد في 1928، بعد إجراء بعض التعديلات عليه، و خاصة المادة الثانية التي أصبحت " سورية وحدة سياسية لا تتجزأ"، و تضمّن الدستور مادة لتقوية مركز فرنسا كسلطة انتدابية في سوريا (48). و في نفس الوقت تم نشر ثلاثة دساتير فرعية، النظام الأساسي للواء اسكندرون والقانون الأساسي لحكومة اللاذقية، والقانون الأساسي لحكومة جبل الدروز. اجتمع المجلس التمثيلي الذي انتخب بموجب الدستور، في عام 1932، و حل هذا المجلس ثانية في عام 1933، بعد خلاف بين المجلس و الفرنسيين حول اتفاقية كان يجب أن تنظم العلاقات الفرنسية السورية. و في نهاية عام 1935، استطاع الوجهاء السياسيون أن يستفيدوا من الشعب الثائر، وإجبار الفرنسيين على التفاوض مع وفد سوري في باريس و التعهد بتوقيع اتفاقية يلتزم فيها الفرنسيون بمغادرة سورية، بعد مضي ثلاثة سنوات، و الاعتراف بالسيادة السورية، و عودة الحياة البرلمانية(49).
جرت انتخابات جديدة، و اجتمع مجلس جديد في 21 كانون الأول 1936، و أعيد العمل بالدستور، و تم تشكيل أول حكومة للبلاد، لكن و تبعا لخلاف مع الفرنسيين، استقال رئيس الجمهورية، فأمر المفوض السامي الفرنسي(بيو) في 8 تموز 1939 بحل المجلس و تعطيل الدستور.
لم يطبق الدستور السوري لعام 1928 " بكل معنى الكلمة"، لكن له أهمية كبيرة، من حيث أن وضعه و محاولات تطبيقه قد أثرت في الوعي السياسي للشخصيات السياسية السورية ، و منحتهم مزيدا من الخبرة و الممارسة في المؤسسات السياسية. و من ناحية ثانية تأتي أهمية هذا الدستور، من حيث أنه أعيد العمل به من أمسية الاستقلال السوري عام 1943و حتى عام 1949.
يستلهم هذا الدستور روحه، من الدستور الفرنسي لعام 1875 , و ينص على أن سورية وحدة لا تتجزأ (50)، ونظام الحكم هو جمهوري نيابي (51), و يضمن الدستور حقوق الطوائف الدينية المختلفة(52)، و بناء المدارس لتعليم الأحداث لغتهم الخاصة، و يتم تمثيل الأقليات في البرلمان، تمثيلا نسبيا (53). و ما تجب الإشارة إليه, هو أن الدستور، كان ينص على أن دين رئيس الدولة هو الإسلام(54)، و قد غاب عن الدستور كليا فكرة الانتماء لسورية الكبرى أو الى القومية العربية.
المراجع والهوامـش:
1- بيير آميت، محافظ الآثار الشرقية في متحف اللوفر-الحضارات القديمة في الشرق الأوسط-الصحافة الجامعية الفرنسية، سلسلة ماذا أعرف؟ باريس، 1971، ص 46. و يعنون الباحث الفصل الأول من كتابه بـ (كردستان و بلاد الرافدين) باللغة الفرنسية0
2- ذلك حسب الأبحاث الميدانية التي قام بها العالمان السوفيتينان مربيرت و موكاييف، في كردستان من عام 1969و حتى 1975. راجع مقال جمشيت كردو في جريدة (كل = الشعب)، العدد 8 الصادر في أيار 1984، بعنوان - أصول الحضارات الكردية المعلمون الأوائل-.
3- بيير آميت – المرجع المذكور- ص 97.
4- عيد نيروز المصادف لـ 21 آذار ، عند الأكراد هو إحياء لذكرى هذا النصر، و يعتبر هذا اليوم بداية للتقويم الكردي.
5- محمد أمين ذكي –
1- خلاصة تاريخ الكرد و كردستان، منذ أقدم العصور و حتى الآن، بالكردية، مطبعة دار السلام بغداد 1931، 413 صفحة. ترجمه الى العربية و علق عليه محمد علي عوني, مطبعة الصدى, القاهرة 1936, 440 صفحة.
2- تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي- بالكردية, بغداد 1937 0 ترجمه الى العربية و علق عليه محمد علي عوني, مطبعة الصدى, القاهرة 1945 .
6- جمال نبز- حول المشكلة الكردية- من منشورات الاتحاد القومي لطلاب الأكراد في أوربا 1969 .
7- باسيل نيكيتين- الأكراد- مطابع اليوم, باريس 1957, ص 12, بالفرنسية0
8- كريس كوتشيرا – الحركة القومية الكردية – مطبعة فلاماريون, باريس 1979, ص 6 بالفرنسية.
9- محمد الخال – الشيخ معروف النودهي البرزنجي- مطبعة التمدن, بغداد 1961, ص 65.
9 مكرر- جان ماري دوران - وثائق مراسلات قصر ماري-
مطبعة سيرف باريس 1997 بالفرنسية المجلد الأول645
صفحة و المجلد الثاني 688 صفحة. عن إمارة كوردا انظر
من المجلد الأول الصفحات:60 , 393 ,414 , 415 ,
416 ,423 ,427 ,433 ,503 ,515 ,517 , 604 ,
605 ,617 ,622 .
من المجلد الثاني الصفحات: 67, 156 ,157 ,285 , على سبيل المثال لا الحصر.
10- الكتاب الجماعي – الأكراد و كردستان – مقدمة جيرال شاليان, مطبعة ماسبيرو, باريس 1978, ص 10, بالفرنسية.
11- لمزيد من التفاصيل حول الغزو العربي الإسلامي للإقليم الكردي في سورية, راجع: ابن الأثير – الكامل في التاريخ – القاهرة 1938, ص 258.
12- منذر الموصلي- عرب و أكراد – رؤية عربية على القضية الكردية, مطبعة دار الفنون, بيروت 1986, ص 157 .
13- ابن الأثير – المرجع المذكور – ص 192 .
14- المسعودي – مروج الذهب – باريس 1965, ص 217, بالعربية.
15- ابن الأثير – المرجع المذكور – ص 163.
16- منذر الموصلي – المرجع المذكور – ص 206. و لمزيد من التفاصيل عن الدولة المروانية, عد الى – الدولة المروانية – لمؤلفة أحمد بن يوسف بن علي بن الأزرق الفارقي, تحقيق و تقديم الدكتور بدوي عبد اللطيف, و مراجعة محمد شفيق غربال, من منشورات وزارة الثقافة و الإرشاد القومي في القاهرة 1959. و عد أيضا الى نيكيتين – المرجع المذكور – ص 181. لكن تبقى لمؤلفات المؤرخ محمد أمين زكي الرجحان في معرفة تاريخ الإمارات الكردية في العهد الاسلامي.
17- مصطفى نازدار – في الكتاب الجماعي – الأكراد و كردستان- وهو مرجع مذكور, ص 314.
18- ابن خلدون – المقدمة – الطبعة الثالثة, بيـروت 1900, ص 380.
19- لوران و آني شابري – الأقليات و السياسة في الشرق الأوسط, أسباب إنشطار- مطبعة ميزونوف, باريس 1984, ص 252, بالعربية.
20- كريس كوتشيرا, المرجع المذكور, ص 81.
21- كريستين مور- الأكراد اليوم, باريس, 1984,ص48.
22- باسيل نيكيتين, المرجع المذكور, ص 185. و راجع أيضا كندال نزان – في الكتاب الجماعي المذكور- ص 33.
23- كريستين مور, المرجع المذكور, ص 50. و راجع أيضا باسيل نيكيتين, المرجع المذكور, ص 185-186.
24- باسيل نيكيتين, المرجع المذكور, ص 186, " لكن المؤرخ السوفيتي فلاديمير لوتسكي ( 1906-1962) لا يوافق على أن الأكراد رضخوا نهائيا للحكم العثماني, و يرى أن سلطة العثمانيين في كردستان بقيت وهمية كالسابق. راجع منذر الموصلي ص 190.
25- لا يختلف مؤرخو الحركات الكردية (والانتفاضات) حول الطبيعة القومية لانتفاضة الشيخ عبيد الله النهري التي اندلعت في كردستان الشمالية الغربية في عام 1880. راجع كتاب الباحث السوفيتي جليلي جليل النهضة الثقافية و السياسية الكردية في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين- من منشورات زينانو، السويد 1985. ترجمها من الروسية الى الكردية علي شير, ص 23-25.
26- ب0 نيكيتين, المرجع المذكور, و ك. نزان , المرجع المذكور ص 86.
27- م. الموصلي- المرجع المذكور- ص 459-426, و يركز المؤلف على تاريخ الملّيين و على نفوذهم في الماضي و الحاضر, و يذكر في الوقت نفسه, بأن وجود الأكراد في سورية يبدأ من عام 1926, في حين يقول ما يناقض ذلك في الصفحة 459, إذ يقول بأن تاريخ الملييّن " يتصل بهذه المناطق, و هو تاريخ لصيق جدا بمختلف العهود التي تتالت منذ القرن الثامن عشر" و في فقرة أخرى من الصفحة 83 من نفس الكتاب, يؤكد الموصلي بان الخليفه العباسي المعتضد قد استطاع أ ن يجلي الأكراد من الجزيره في عام 894 ميلادي أي عام 278 هجري. فألا يدل ذلك على أن الجزيره كانت مأهوله با لأكراد قبل غزوها من قبل المتضد في التاريخ المذكور.؟!
28- محمد أمين زكي – خلاصه تاريخ الكرد و كردستان- (الطبعة العربية), مطبعة صلاح الدين , بغداد 1936, ص 220-223.
29- التحالف التركي الألماني المنعقد ضد الحلفاء في 2 آب 1914.
30- لوران و آني شابري – المرجع السابق- ص 112.
31- وكانت تضم جغرافيا سورية الحالية و لبنان و فلسطين و الأردن.
32- لمزيد من التفاصيل, راجع خيرية قاسمية – الحكومة العربية في دمشق بين 1918-1920- مطبعة دار المعارف, مصر 1971. مع ضرورة الملاحظة بأن أغلب عناصر الحكومة المؤقتة التي كانت تدير الأمور السياسية مع الأمير فيصل كانوا من مناطق العراق الحالي مثل نوري السعيد والهاشمي و اليوسفي والعسكري و غيرهم.
33- المادة /1/ من مشروع الدستور.
34- المادة /2/.
35- مدة ولايته سنتان (المادة 129), ويختص المجلس بتدقيق موازنة المقاطعة, و بسن قوانينها و نظمها المحلية وفقا لحاجاتها, بما فيها المحاكم المحلية (المادة 143).
36- المادة /27/.
37- المادة /3/.
38- كان يطغى على مواد هذا المشروع النـزعة الفردية و المفهوم الغربي للحق.
39- عينت بريطانيا الأمير فيصل ملكا على العراق لتسهيل إدارة البلاد, بعد أن لاقت السلطات العسكرية الانكليزية أياما عصيبة خلال انتفاضة العراق في 1920 و خاصة في المناطق الشيعية. لم يشارك الأكراد في الاستفتاء على تنصيب فيصل بن الحسين ملكا على العراق ولم يبايعوه. (واصطحب الأمير فيصل الى العراق الكوادر السياسية و الإدارية التي حكمت معه سورية من عام 1918 الى عام 1920).
40- ك. مور, المرجع المذكور, ص 59-60.
41+42- ك. نزان – في الكتاب الجماعي المذكور – ص 65.
43- ز. عثمان- في مجلة ستوديا كورديكا الصادرة بالعربية عن المعهد الكردي في باريس. عام 1984, العدد /1/ ص 32.
44+45- من أجل الحصول على الوثائق المستخدمة و المذكورة في هذا الموضوع, عد الى كراس الوثائق الصادرة في عام 1985. من المعهد الوطني للحضارات و اللغات الشرقية تقديم جويس بلو.
46- حول دولة جبل الدروز , راجع مقال سعيد أبو الحسـن -كيف أزلنا التجزئة الصغرى- مجلة الوحدة الصادرة في باريس 1985, العدد /15/ ص 112.
47- كمال الغالي – مبادئ القانون الدستوري و النظم السياسية- مطبعة خالد بن الوليد,1981-1982, ص 531.
48- المادة /116/ من الدستور.
49- كان الحزب الشيوعي مؤيدا لهذه الاتفاقية التي تمت بين فرنسة و الوفد السوري بزعامة الكتلة الوطني, و ذلك لأن الجبهة الشعبية-اليسارية كانت قد استلمت الحكم في فرنسا.
50- المادة /29/ من الدستور. نذكر بأن التحديدالنهائي للحدود بين تركية و سورية قد تم في عام 1928, راجع ا. داود – الجزيرة السورية بين الماضي و الحاضر- مطبعة الترّقي, دمشق 1959, ص 374.
51- المادة /3/ من الدستور.
52- المادة /28/ من الدستور.
53- المادة /27/ من الدستور.
54- المادة /2/ من الدستور.
كانت بلاد الرافدين ما قبل التاريخ مسرحاً لحضارات كثيرة أشهرها: السومرية و العلامية، و عرفت أسافل بلاد الرافدين الحضارة المدنية الأولى حوالي (3300ق م) و من علامات ازدهارها ظهور الكتابة و النشاط المعماري المتقدم(1). في حين ظهرت المستوطنات الزراعية الأولى في كردستان منذ الألف السابع قبل الميلاد (2).
في أواسط الألف الثاني قبل عصرنا، كان للكاشيين نفوذ كبير على الأقاليم الكردية الحالية . اكتشف لملك الكاشيين و كان يدعى (ماردوك أو مردوخ) تمثال رمزي مجسداً بمعزقة مدبدبة مسماة (ماروّ) و دخلت هذه الكلمة إلى الفرنسية لتصبح مار ولتدل على نوع من المعازق ً (3)، و كان يسمى ابن هذا الملك نابو.
في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، زعزع الآراميون الرحلّ الأمن في بلاد ما بين النهرين (بابل و آشور). إلاّ أن الآشوريين استطاعوا إخضاع جوارهم وإقامة مملكة قوية سقطت عام 612 ق.م على يد الميديين، الذين أتوا، على ما يبدو، من شرق كردستان الحالية. و تغلب الميديون على الآشوريين بتحالفهم مع البابليين (4)، و بنوا إمبراطورية كبيرة لكنها لم تدم طويلا إذ قضى عليها الفرس عام 539 ق م. و خضعت المنطقة منذئذ للفرس الذين دخلوا في حروب طاحنة مع الروم، الذين كانوا بدورهم يطمعون في هذه المنطقة .
حسب رأي أغلبية المتخصصين في الدراسات الكردية (5) و حسب رأي أغلبية الأكراد، يعود أصل الأكراد إلى الشعوب الهندية-الأوربية، وهم نزلاء من الميديين (6).
في حين أن البعض الأخر يعتبر الأكراد من الشعوب الأصلية الكبرى في بلاد الرافدين ولازال يحافظ على خصائصه (7). وصف كزينوفون اليوناني في عام 401-400 ق.م سكان كردستان الحالية (الكردوخ) الذي كانت لهم صفات و خصائص و سماه مطابقة لأكراد اليوم (8).
ويرجح البعض بأن الأكراد هم نتيجة لامتزاج الميديين بسكان بلاد الرافدين الأصليين و خاصة الكاشيين (المردوخيين). لغوياً، اسم الملك مردوخ يدل بالكردية على مدلولين متلازمين (مار، مر = معزقة، ثم دوخ= ذراع المعزقة). أما اسم ابن الملك المقدس (نابو)، فيستعمل أيضا في الكردية كاسم و كنية، حاليا تعيش في كردستان عشيرة تدعى مردوخ، وهي منتشرة في كردستان الشرقية والجنوبية(9).
في عام 1997 نشر في باريس باحث الآثار الفرنسي جان ماري دوران ترجمة اللوحات الأثرية السومرية المتعلقة بمراسلات مملكة ماري. و في هذه اللوحات, التي هي قيد الترجمة إلى العربية, يوجد الكثير من الوثائق التي تتعلق بالممالك التي شهدتها كردستان في الألف الثانية قبل الميلاد. وليس ما لدينا ما يجزم بأن كل هذه الإمارات كانت كردية. إلا أن الجديد في هذه الوثائق هو أننا نجد, ولأول مرة في التاريخ المكتوب,أكثر من عشرين لوحة أثرية تخص العلاقات السياسية بين إمارة ماري و إمارة كوردا. واسم هذه الإمارة الأخيرة لا يترك مجالاً للشك في أنها كانت كردية.
إذ كانت إمارة كوردا من أقوى الإمارات التي قامت في الجزيرة, إلى الشمال من إمارة ماري وحتى شمال شرقي الفرات, إلى درجة أن أمير ماري كان يخشى حه مورابي مملكة كوردا , وكان يحتاط منه,رغم العلاقات الطيبة التي كانت تجمعهما.
و عندما سألنا السيد جان ماري دوران عن مزيد من التفاصيل حول إمارة كوردا, اكتفى بالقول بأنها كانت تسيطر على جبل سنجار, وأن قادتها لم يكونوا محببين من قبل الإمارات المجاورة . لم نلاحظ في نصوص الوثائق المترجمة ما يدل على أن لقادة الإمارات المجاورة كره خاص تجاه قادة كوردا, سوى ما هو دارج من التنافس بين الإمارات المتجاورة. و لربما تجنب السيد دوران الدخول في موضوع قد يسبب له إشكالات مع السلطات السورية. أو لربما يريد أن يحتفظ لنفسه ما لديه من معلومات عن إمارة كوردا ليضعها في بحث خاص في المستقبل (9مكرر).
تعتبر اللوحات المتعلقة بإمارة كوردا أقدم نص تاريخي يذكر الأكراد بشكل واضح. وكانت تسيطر هذه الإمارة على قسم كبير من كردستان الملحقة بالدولة السورية.
إذا كان من الصعب تحديد بداية تشكل وحدة الخصائص القومية عند الأكراد، فيدل ذلك على قدمْ تكون الوحدة القومية عند الأكراد الذين يشكلون " شعباً خاصاً تماما، يتكلم لغة معينة ويعيش على أرض متكاملة، و يتمتع بثقافة خاصة، رافض بمجموعه الذوبان القومي الذي يُراد إكراهه عليه، و أظهر آلاف المرات منذ أكثر من قرن إيمانه بتشكيل وحدة قومية خاصة, تتمتع بمؤسسات سياسية خاصة, و لها الحق في ممارسة استقلالها في اتخاذ القرار"(10).
ثانياً:الأكراد في الإمبراطورية العربية الإسلامية
قبل الغزو العربي، كانت كردستان محتلة من قبل الفرس و الروم. و في عام 640م غزا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب إقليم كردستان، بحملة عسكرية تحت قيادة عياض بن غنم، لكن لم تتمكن هذه الحملة من تنفيذ هدفها بشكل كامل، فلجأ الخليفة الثالث عثمان بن عفان إلى تنظيم حملتين عسكريتين جديدتين في عام 643م، من أجل إخضاع كردستان كليا؛ الأولى تحت قيادة حبيب بن مسلمة الفهري، والثانية تحت قيادة سلمان بن ربيعة الباهري (11).
لم يخضع الأكراد و جيرانهم الأرمن بسهولة للجيوش و السلطات العربية الإسلامية، حيث " كانت كردستان طوال فترة حكم الدولة العربية الإسلامية الأولى بشقيها الأموي و العباسي، ولعدة قرون بعدها، تدار و تحكم من قبل حكام و أمراء أكراداً – و الأصح هو أكراد.م- على شكل إمارات و إقطاعيات مستقلة و شبه مستقلة. ثم تعرضت لعمليات غزو أجنبية كانت تطول و تقصر" (12).
أراد الخليفة الرابع علي بن أي طالب عام 659م أن يسيطر على البلاد بشكل أقوى ، مما أثار خصمه في بلاد الشام معاوية بن أبي سفيان، الذي كان يحاول من جانبه السيطرة على كردستان، فتحارب الطرفان ولمرات عديد، على أرض كردستان ، و من أشهر المعارك التي وقعت بين الطرفين هي معركتي عام 659م و عام 684م.
حيث كانت الجزيرة تابعة للخليفة علي بن أبي طالب، و كان معاوية متمرداً عليه في دمشق، و كان يريد انتزاع الجزيرة و ضمها الى الشام؛ فسيّر عليها في عام 659م-39هـ حملة عسكرية بقيادة عبد الرحمن بن قباث بن أشم الذي عُرف بعدائه للأكراد و الشيعة. و كان في الجزيرة شبيب بن عامر عاملا للإمام علي ، فكتب إلى كميل بن زياد يستنجد به، فسار كميل في ست مائة فارس، فأدركوا عبد الرحمن و قواته و قاتلوهم و هزموهم شرّ هزيمة، و لمّا علم الإمام علي بالنبأ، هنأ كميلاً و رضي عنه بعد أن كان ساخطاً عليه. و استمرت القوات الموالية للخليفة تتابع فلول بني أمية المنهزمة حتى بعلبك، ثم رجعت إلى الجزيرة مصطحبة معها الغنائم من الأسلحة و الخيل التي كسبوها في المعركة (13).
بينما تُعتبر معركة رأس العين أكثر المعارك ضراوة بين الأمويين و أنصار الخليفة علي ابن أبي طالب، و كان ذلك في سنة 684م-65هـ، عندما تحرك الشيعة في الكوفة للثأر للحسين و للتعويض عن قعودهم عن نجدته قبل وقعة كربلاء. و كان من قادة هذه المعركة رفاعة بن شداد البجلي و عبد الله بن سعد الآزدي و عبد الله بن والي التميمي و غيرهم. أعلن الثائرون خلع سلطان الأمويين و حكمهم، و ساروا من الكوفة نحو الجزيرة إلى أن وصلوا إلى رأس العين، حيث كان عبد الله ابن زياد قد خرج لمحاربتهم من الشام و بأمرته ثلاثين ألف مقاتل، استبسل الكوفيون (الشيعة) في القتال، و مع ذلك تفوق الشاميون عليهم لوفرة عددهم؛ فاضطر من بقي من الكوفيين التراجع الى بلادهم و سيطر الأمويون من جديد على الجزيرة (14), بعد أن تركت المعارك آثارها من الدمار و المآسي في هذه المنطقة الكردية.
انتفضت خلال الحكم العربي الإسلامي شعوب المنطقة الأصليون، بما فيهم الأكراد، ضد الاضطهاد و السياسة الإسلامية في عدم المساواة تجاه المسلمين غير العرب و العناصر غير المسلمة، و بشكل خاص خلال الحكم الأموي (661م-750م) الذي انهار عندما قُتل أخر" خلفائه" على يد أحد زعماء الأكراد (أبو مسلم الخراساني). و تولى أبو جعفر الحكم في الجزيرة بعد أن قضى على مقاومة أهلها (15).
مع ولادة الإمبراطورية العباسية، ظهر نفوذ العناصر غير العربية و سمحت الظروف للسلالات الكردية القوية بأن تؤسس ممالك و إمارات و دولاً كردية ذات حكم ذاتي، أشهرها الدولة المروانية، حيث أن " الأسرة المروانية أسست دولة قوية بمعنى الدولة و احتلت أخبارها و حوادثها حيّزاً هاما في تاريخ المنطقة و ما يجاورها (……) و قد برز فيها حكام و قادة شجعان أصحاب إدارة و اقتدار في السياسة و الحكم و كانت لهم مع جيرانهم علاقات حسنة ودامت الدولة المروانية مابين 350-476هـ، أي ما يزيد على قرن في حساب الزمن " (16), و تعد الدولة المروانية أكبر تجربة كردية تاريخية في بناء وحدة سياسية متماسكة و شملت ضمن حدودها الجزيرة.
ولعبت السلالة الكردية الأيوبية دوراً هاما في تاريخ المنطقة، حيث بنى زعيمها المشهور صلاح الدين الأيوبي خلال القرن الثاني عشر إمبراطورية إسلامية كبيرة, و قهر الصليبين و أجبرهم على الرجوع حتى الأناضول بجيش كانت أغلبية قادته من الأكراد و الترك (17).
في سنة 1208م، قضى المغول على الإمبراطورية العباسية التي كانت متفسخة داخليا، و ضعفت موجة التعريب كثيرا (18). و لكن انحسر دور الأكراد أيضا (19)، حيث عشائر المغول " غزت كردستان، أنهم وصلوا الى شهرزور في عام 1247م، الى ديار بكر في عام 1252م، إلى كرمنشا ه و اربيل في عام 1256م، إلى هكاري و الجزيرة في عام 1259م، غمرت كردستان في العنف خلال قرنين و نصف " (20).
بعد موت تيمورلنك المغولي في عام 1404م، استطاعت العشائر التركمانية السيطرة على كردستان الغربية تحت راية الإسلام السني، في حين كان الفرس يسيطرون على كردستان الشرقية بالإيديولوجية الإسلامية الشيعية. أصبح الأكراد، لكونهم منقسمين دينيا بين السنة و الشيعة، موضعا للاقتسام بين الإمبراطوريتين المتحاربتين (العثمانية و الفارسية) اللتين لم تتوقفا عن الاحتراب على الأرض الكردية (21).
ثالثاً:الأكراد في الامبراطورية العثمانية
حَكَمَ التركماني سليم الأول من عام 1512م-1520م، معتمدا على تحالف متين مع الحكومات الكردية (كرد حكومتلر)، فبفضل عقده لاتفاقية مع هذه الأخيرات، تغلب على جيوش الفرس في معركة تشالديران عام 1541، و استطاع مد السيطرة التركية على الشرق الأوسط بكامله (22).
كان يترك السلاطين العثمانيون لحلفائهم الكرد حق حكم ممالكهم و حماية الحدود الشرقية التي تتعرض للهجمات الفارسية المستمرة (23).
يعود تاريخ التدخل الأول للحكومة المركزية التركية في الشؤون الداخلية للإمارات الكردية إلى هزيمة تركية أمام فيينا عام 1683م، و منذئذٍ بدأت تنحسر و تتناقض استقلالية الأمراء الأكراد تدريجيا حتى القرن التاسع عشر (24).
قرر الباب العالي المتزعزع في كل ممتلكاته اتخاذ سياسة مركزية، و تقليص نفوذ الأمراء و الوجهاء المحليين و خاصة في الأقاليم الكردية الخاضعة الإمبراطورية، مما أثار مالا يحصى من انتفاضات كردية، اتخذ البعض منها شكل تمرد على دفع الضرائب السلطانية، و البعض الأخر اتخذ شكل تمرد عسكري ضد القطعات النظامية، إلاّ أنها جميعا كانت تشترك باتخاذها طابعا قوميا، و إن كان قليل من قادة هذه الانتفاضات يملك برنامجا أو خطة لإنشاء دولة كردية في كردستان كلها (25)، لعلّ هذا هو السبب الأكثر أهمية في فشل هذه الانتفاضات المتلاحقة و التي تم القضاء عليها لكونها انتفاضات محلية من جهة، و لم تر أية قوى خارجية مصلحة لها في بناء دولة كردية مستقلة من جهة ثانية، فضلا عن الدور الذي لعبه رجال الدين المسلمون في المصير المأساوي للأكراد، فالأتراك مثل العرب، و الفرس استغلوا الشعور الديني لدى الأكراد من أجل أهدافهم السياسية القومية (26)
انقاد الكرد إلى الخضوع تحت تأثير النظريات الدينية الداعية إلى الإخوة وضرورة إطاعة أولي الأمر وعدم معصية الحاكم خشية خلق الفتنة في الأمة الإسلامية.
رابعاً:سورية في بداية القرن العشرين
انسحاب العثمانيين
حتى عام 1908م، كانت توجد بعض المناطق الكردية المستقلة فعليا، إذ حكمت السلالة الملّية الكردية على مساحة واسعة من البقاع الكردية الخاضعة حاليا للسيطرة السورية، و ذلك خلال ما يقارب أكثر من قرن (1791م-1908م)، و حاول أخر زعيم قوي لهذه السلالة، ابراهيم باشا الملّي، غزو دمشق بالذات، حيث وصل جيشه المدرب (شبه النظامي) في عام 1908م الى المرج الأخضر (حاليا مكان معرض دمشق الدولي)، و لكن القنصل الانكليزي في دمشق حذره من تنفيذ مشروعه، و طلب منه التراجع، مما اضطر إبراهيم باشا الى سحب جيشه باتجاه الجزيرة ليصطدم مع القوات النظامية التركية (27)، و ليواجه بعض القبائل العربية التي هاجمت الملّيين في منطقتهم (28).
منذ عام 1908م، أراد القادة العثمانيون السيطرة على الوضع في سورية باتباع سياسية مركزية قمعية، مما أثار سخط الوجهاء القبليين و المثقفين غير الترك، و سهلت هذه السياسة في انحسار الرصيد العثماني بين السكان، و ساهمت في الهزيمة التركية أمام القوات العربية بزعامة حسين شريف مكة المدعوم من قبل الانكليز، الذين كانوا في حرب ضد العثمانيين و حلفائهم الألمان (29) خلال الحرب العالمية الأولى.
أما بالنسبة للأكراد فكانوا معارضين للحكم الاستبدادي التركي، و لكون أغلبيتهم من المسلمين، كانوا يفضلون المتمردين العرب باعتبارهم منحدرين من سلالة الرسول محمد بن عبد الله، على الأتراك الذين حكموا البلاد و خربوها و ظلموا الشعب باسم الإسلام. أما الوجهاء الأكراد اليزيديون، و خاصة الذين كانوا يسيطرون على المناطق الكردية في كرداغ و شمال الساحل السوري، كانوا يفضلون أي تدخل أجنبي غير مسلم على أية سلطة تركية أو عربية مسلمة قد لا تتردد في اضطهاد اليزيديين، لذلك فإنهم قد أبدو تأييدهم للانتداب الفرنسي ، حتى أنهم شكلوا فرقا من الأنصار للتعاون مع الجيوش الفرنسية (30) التي كانت تقطع الوعود لوجهاء و شيوخ اليزيديين.
ساهم هذا الوضع، فضلا عن عوامل أخرى في إنهاء السيطرة العثمانية في بلاد الشام، و هكذا تقهقرت الجيوش التركية حتى جبال طوروس في سبتمبر/أيلول 1918، و منذ ذلك الحين دخل الإقليم عهدا جديدا، و قُسّم الأكراد بدورهم إلى ثلاثة أقسام، فعدا عن القسم الواقع تحت السيطرة الفارسية، القسم الذي كان تحت السيطرة العثمانية، قُسم من جديد إلى قسمين يفصلهما حدود الأتراك مع المتمردين العرب و حلفائهم الانكليز، بينما فرنسا لم تكن قد احتلت سوى منطقة الساحل حتى ذلك الوقت.
فيصل و الدستور السوري
بعد انتصار انتفاضة العرب الموالين للإنكليز،نُصّب فيصل بن حسين ملكا لسورية الكبرى في 17 آذار 1920م (31)، عمليا، اقتصرت هذه المملكة على سوريا الداخلية المنحصرة بين القوات الفرنسية التي كانت تحتل الساحل، و القوات الانكليزية المسيطرة شرقا و جنوبا. وحسب خطة بريطانية، كان يتوجب أن تصبح سوريا مملكة على صورة المملكة المتحدة البريطانية، فجرت انتخابات عامة من أجل تشكيل المؤتمر السوري الذي عقد دورته الأولى بين أيلول عام 1918 و حزيران عام 1919م. و قرر هذا المؤتمر في دورته الثانية استقلال سورية الطبيعية، و أعلن عن حق العراق في الاستقلال, و تبنى نظاما إداريا لا مركزيا مع ضمانات أخرى للبنان ، و أبقى في 8 آذار 1920 عرش سوريا لفيصل بن حسين. بذلك رسخ المؤتمر تجزئة سوريا عن الأقاليم المجاورة بشكل رسمي، و الغريب في الأمر هو أن فيصل بن حسين و أيضا الحكومة المؤقتة المشكلة في دمشق برئاسة سعيد الجزائري، لم يطالبوا بتحرير المناطق الساحلية التي كانت خاضعة للجيش الفرنسي. و يبدو أن تشكيل هذه المملكة كان تنفيذا لخطة بريطانية، لتستخدمها كورقة ضغط على حليفتها وشريكتها في اقتسام المنطقة فرنسة.
و كان المؤتمر قد قرر في 6 آذار, و بناء على طلب الأمير فيصل، تشكيل لجنة من عشرين عضوا برئاسة هاشم الأتاسي، من أجل وضع دستور للبلاد، فوضعت هذه اللجنة مشروعا مؤلفا من 147 مادة تمت مراجعته في 3 تموز 1920 (32).
أخذ هذا المشروع بالشكل الاتحادي للدولة و بالنظام الملكي النيابي (البرلماني) (33)، و تتألف المملكة من مقاطقات (34) ذات حكم ذاتي لكل منها حاكمها العام و مجلسها النيابي(35) و حكومتها المحلية، و للمملكة (حكومة عامة للمقاطعات) (36).
تتألف الهيئة التشريعية الاتحادية من مجلسي الشيوخ و النواب. واتخذ المشروع اللغة العربية لغة رسمية (37) و أقر على أن دين الملك هو الإسلام و خصص فصله الثالث لحقوق الأفراد و الجماعات تطرّق فيها للحريات المدنية و الدينية والشخصية (38).
باختصار، تضمن هذا المشروع هامشا كبيرا من اللامركزية، الأمر الذي أرضى الوجهاء المحليين وأسال لعاب رؤساء العشائر، الذين كانوا يريدون أن يتم الاعتراف بهم رسميا كأقوياء المجتمع.
و من ناحية أخرى كانت الأغلبية السنية تؤيد فيصل و تروج لمشروعه. لكن بقي هذا المشروع حبرا على ورق، حيث لم يستطع المؤتمر حتى 13 تموز 1920 مناقشة سوى المواد السبع الأولى منه، في الوقت الذي كانت فيه الخارطة السياسية قد تغيرت في المنطقة، حيث أنذرت القوات الفرنسية الملك فيصل بالخروج من سورية، فما كان على هذا الأخير و حكومته سوى تنفيذ الطلب الفرنسي، بكل بساطة، تاركا وراءه مصير البلد الذي كان يدعي بأنه صاحب عرشه، و حامي حماه, و دخلت بعد ذلك الجيوش الفرنسية الى دمشق بقيادة الجنرال غورو في 24 تموز 1920 (39) بعد أن قضت على المقاومين السوريين بزعامة يوسف العظمة في معركة ميسلون.
خامساً:كردستان وتسويات الحرب العالمية الأولى
في الوقت الذي كان العرب يحلمون بإنشاء إمبراطورية جديدة، كان الحلفاء بدورهم يخططون لاقتسام تركة الإمبراطورية العثمانية فيما بينهم، و تجسد هذا الاقتسام في آذار 1916 باتفاقية سرية دخلت التاريخ تحت اسم اتفاقية "سايكس بيكو", ووقعت على هذه الاتفاقية أيضا الحكومة الروسية في بداية أيلول, لكنها لم تستفد منها عمليا(40).
أجبرت الإمبراطورية العثمانية المنهزمة في 30 تشرين الأول 1918، على توقيع هدنة "مودريس" مما أدى ذلك إلى وقوع الأغلبية الساحقة من البلاد تحت الاحتلال، و انهيار الجيوش العثمانية و هزيمة قادة حكومة (تركيا الفتاة).
كان لاندلاع الثورة البلشفية دوراً كبيراً في خلخلة اقتسام الإمبراطورية، حيث اضطر الحلفاء إلى تنظيم مؤتمر جديد " للتباحث " في سان-ريمو من 18 حتى 26 نيسان 1920، و أعد في هذا المؤتمر الخطوط العريضة لاتفاقيات السلم. و بموجب مقررات هذا المؤتمر أعطى لفرنسا حق الانتداب على سورية و أعطي لبريطانيا حق الانتداب على كل من العراق و الأردن و فلسطين.
ألزم الحلفاء المنتصرون كلاّ من ألمانيا و حليفتها تركية التوقيع في 10 آب 1920 على اتفاقيات السلم المعدة في مؤتمر سيفر. و خلال مباحثات مؤتمر السلام (في سيفر) كانت كردستان موضع أطماع كثيرة " فالأمريكان، لقاء اشتراكهم في انتصار الحلفاء كانوا يطالبون بحصة من القسمة " (41) و كانوا يوصون بـ " إنشاء دولة أرمنية… دولة تركية… دولة كردية تتضمن تقريبا ربع الإقليم الذي يشكل فيه الأكراد أغلبية السكان على أن توضع كل هذه الدول تحت انتداب الولايات المتحدة الأميركية " (42).
على كل حال، حضر مؤتمر السلم وفد كردي برئاسة الجنرال شريف باشا بابان، و تقدم هذا الوفد الى مؤتمر السلم في سيفر، بمذكرتين (الأولى في 22 آذار 1919، و الأخرى في الأول من آذار 1920) تضمنت هاتان المذكرتان مطاليب الأكراد مؤيدة بخارطة سياسية لكردستان.
واجه الوفد الكردي في مؤتمر السلم عدة مسائل أهمها:
1- موقف فرنسا التي " كانت تعارض تشكيل دولة كردية، حتى أنها لم تقبل النقاش حول الأقاليم الملحقة حاليا بالدولة السورية" (43).
2- شكلت المطالب الأرمنية، التي كانت تمتد إلى الأقاليم المطالب بها من قبل الأكراد، عرقلة أخرى ساهمت في تعقيد المسألة الكردية، رغم أن رئيس الوفد الكردي شريف باشا كان قد استطاع أن يعقد مع الزعيم الأرمني بوغوض نوبار اتفاقا يرضي الوفدين الأرمني و الكردي.
3- إن التمثيل الكردي عبر الوفد المرؤوس من قبل شريف باشا، كان يتعرض لاعتراضات من قبل بعض الوجهاء الأكراد المتواطئين مع مصطفى كمال، لأن هذا الأخير لم يكن قد حقق أي فوز سياسي داخلي و بالتالي كان سخيا في وعوده لوجهاء الأكراد كي ينال دعمهم و مساندتهم له.
و رغم ما واجه الوفد الكردي من عقبات، فإنه استطاع أن يفرض وجود الشعب الكردي على المؤتمرين في سيفر، حيث تضمنت اتفاقية السلم الموقعة في 10 تموز 1920 (اتفاقية سيفر)، قسما خاصا بالأكراد (قسم كردستان) و تضمن ثلاثة مواد (62-63-64)، اعترفت هذه المواد بالحكم الذاتي القومي للشعب الكردي،و الاقرار باستقلاله بعد سنة من تاريخ توقيع الاتفاقية، فيما إذا طالبت الأغلبية الكردية بذلك،و إذا ثبت بأن الأكراد قادرون على ممارسة استقلالهم (44).
على الرغم من أن هذه الاتفاقية لم ترض كل طموحات الأكراد و لم تلب مطالبيهم، لكنها كانت بمثابة أول اعتراف دولي بحقيقة وجود القومية الكردية المقيمة على أرضها تحت سيطرة حكومات أجنبية عنها.
بقيت اتفاقية سيفر الموقعة مع تركية أحرفا ميتة، لأن مصطفى كمال (أتاتورك)، الذي كان يخوض حربا ضد اليونان و الحلفاء, كان قد أعلن نفسه الممثل الوحيد للشرعية في الدولة، و بأنه لن يلتزم بأية اتفاقية تكون قد وقعت من قبل حكومة اسطنبول و لم يكن ذلك مجرد تهديد أو وعيد، و إنما استطاع مصطفى كمال بالفعل أن يلحق الهزيمة باليونان، وذلك بفضل المساعدة السوفياتية له، وقدرته على كسب ود أغلب قطعات الجيش و بعض العشائر الكردية إلى جانبه. و بعد توقيعه على هدنة (مودانية) في 11 تشرين الأول 1922، وجد مصطفى كمال نفسه على رأس حكومة قوية أهلته المشاركة في مؤتمر (لوزان) الذي افتتح 10 تشرين الثاني 1922، من أجل إعادة توزيع الحصص في الأقاليم التي كانت سابقا عثمانية. انتهى مؤتمر لوزان بالتوقيع على اتفاقية (اتفاقية لوزان) بتاريخ 24 تموز 1923. ألغت هذه الاتفاقية عمليا اتفاقية سيفر التي كانت تتضمن قسما يخص كردستان، و أعيد الاعتراف بسيادة تركيا (المنتصرة في حين لم تعترف الاتفاقية الجديدة للأكراد " أكراد تركيا" سوى بالحقوق اللغوية, تلك الحقوق التي لم تراعها السلطات التركية في أي يوم من الأيام (45) و بالمقابل اعترفت تركية لفرنسا بضم إقليمي الجزيرة و كرداغ و ما بينهما من المناطق الكردية إلى الأقاليم السورية الخاضعة لانتدابها, و ذلك بتبني الاتفاقية التركية الفرنسية المنعقدة بهذا الشأن في 20 تشرين الثاني 1920.
و هكذا، كردستان التي كانت حتى بداية القرن العشرين مقسمة بين إمبراطوريتين، أُعيد اقتسامها بين أربعة دول هي تركية و العراق و إيران و سورية.
سادساً:سورية تحت الانتداب الفرنسي
في 24 تموز 1920، دخلت الجيوش الفرنسية بقيادة الجنرال غورو دمشق، بعد أن طردت هذه الأخيرة فيصل بن الحسين و حكومته الموالية للإنكليز، و قضت على المقاومين السوريين في موقعة ميسلون.
الدول السورية
منذ أن سيطر الفرنسيون على سورية، قسموا البلاد الى أربع دول مستقلة ، اثنتان على ساحل بحر الأبيض المتوسط هما دولة لبنان و دولة العلويين واثنتان في سورية الداخلية ، هما دولة دمشق و دولة حلب. و أقيمت أيضا في 1921 دولة جبال الدروز (46).
في عام 1923، أقيم اتحاد فيدرالي بين دولة دمشق و دولة حلب و دولة جبال العلويين، لكن في نهاية عام 1924، وحد المفوض الفرنسي دولتي دمشق و حلب ليشكلا الدولة السورية، و أكد استقلال دولة العلويين و استقلال دولة جبل الدروز و الحكم الذاتي للواء اسكندرون (تحت اسم سنجق اسكندرون المستقل).
السبب الرئيس لهذه السياسة الفرنسية كان لتجنب مواجهة مقاومة موحدة، و لتسهيل إدارة البلاد بالاعتماد على الوجهاء المحليين الذين كانوا يتمتعون بنفوذ كبير بين السكان، و لإرضاء المشاعر الإقليمية تعويضا عن الشعور الديني المناهض للفرنسيين. و لم يلغ الفرنسيون الشكل الملكي للبلد الاّ لتسهيل و تغيير وضع المؤسسات الإدارية بمرونة أكثر.
لم تكن هذه السياسة فعّالة دوما، مثلما كان متوقعا, حيث تضاعفت الهيجانات داخل كل إقليم (دولة)، و غالبا كانت تنشب الخلافات بين مؤيدي السياسة الفرنسية من جهة، و معارضيها من جهة أخرى، و علاوة على ذلك كانت تفتقر كل دولة إلى مقومات استمرارية وجودها، من الناحيتين الجغرافية و الاقتصادية، بالإضافة إلى افتقارها الى الكوادر و الخبرات اللازمة لإدارة جهاز الدولة. و هكذا و بعد اضطرابات هائلة بشكل خاص خلال عامي 1925-1926, اضطرت فرنسا الى تغيير سياستها؛ فسحبت الجنرال ساراي من سوريا، و أرسلت عوضا عنه مفوضا ساميا من الدبلوماسيين و هو دوجفنيل، الذي اتصل بالساسة السوريين المتواجدين آنئذ في جنيف و باريس و مصر … وبدأت اللعبة السياسية ولغة المفاوضات بدلا عن لغة العنف المسلح
الدستور السوري لعام 1928
مهدت سياسة دوجفنيل لخليفه بونصو، في محاورة الساسة السوريين للتمكن من الحكم بهدوء. ففي 15 شباط 1926 ، دعا المفوض الفرنسي السكان لانتخابات عامة، من أجل تكوين جمعية تأسيسية مكلفة بوضع نظام أساسي للبلاد " ضمن نطاق الاتفاقات الدولية و العقود التي تعتبر الدولة المنتدبة أنها مسؤولة عنها أمام عصبة الأمم" (47)، و تكونت الجمعية التأسيسية, و انتخبت هاشم الأتاسي رئيسا لها و من ثم شُكلت لجنة تحضيرية لصياغة مشروع دستور، تألفت اللجنة من سبعة أعضاء، كان مقررها فوزي الغزي.أعدت هذه اللجنة في 1 آب 1927، مشروع دستور رفضه المفوض السامي لأنه كان يتضمن مواد غير منسجمة مع " العهود الدولية التي يحدد بعضها مسؤولية الدولة الفرنسية و خاصة المادة الثانية التي كانت تقول:" البلاد السورية المنفصلة عن الدولة العثمانية وحدة سياسية لا تتجزأ، و لا عبرة بكل تجزئة طرأت عليها عقب الحرب العامة" و في 11 آب أبلغ المفوض السامي الجمعية أمراً بتأجيل جلساتها لمدة ثلاثة أشهر. تكرر التأجيل إلى أن صدر قرار بحل الجمعية.
و منذ هذه التجربة، تطور الوعي السياسي و أصبح الوجهاء التقليديون، وخاصة المثقفون منهم, موضع شبكات وسائطية، و أحيانا دمى في الألاعيب البرلمانية المنظمة من قبل الفرنسيين لامتصاص النقمة الشعبية، ولاختزال جهود الحركة الاستقلالية بشكل خاص.
في 14 أيار 1930 أصدر المفوض الفرنسي بإرادته المنفردة الدستور السوري المعد في 1928، بعد إجراء بعض التعديلات عليه، و خاصة المادة الثانية التي أصبحت " سورية وحدة سياسية لا تتجزأ"، و تضمّن الدستور مادة لتقوية مركز فرنسا كسلطة انتدابية في سوريا (48). و في نفس الوقت تم نشر ثلاثة دساتير فرعية، النظام الأساسي للواء اسكندرون والقانون الأساسي لحكومة اللاذقية، والقانون الأساسي لحكومة جبل الدروز. اجتمع المجلس التمثيلي الذي انتخب بموجب الدستور، في عام 1932، و حل هذا المجلس ثانية في عام 1933، بعد خلاف بين المجلس و الفرنسيين حول اتفاقية كان يجب أن تنظم العلاقات الفرنسية السورية. و في نهاية عام 1935، استطاع الوجهاء السياسيون أن يستفيدوا من الشعب الثائر، وإجبار الفرنسيين على التفاوض مع وفد سوري في باريس و التعهد بتوقيع اتفاقية يلتزم فيها الفرنسيون بمغادرة سورية، بعد مضي ثلاثة سنوات، و الاعتراف بالسيادة السورية، و عودة الحياة البرلمانية(49).
جرت انتخابات جديدة، و اجتمع مجلس جديد في 21 كانون الأول 1936، و أعيد العمل بالدستور، و تم تشكيل أول حكومة للبلاد، لكن و تبعا لخلاف مع الفرنسيين، استقال رئيس الجمهورية، فأمر المفوض السامي الفرنسي(بيو) في 8 تموز 1939 بحل المجلس و تعطيل الدستور.
لم يطبق الدستور السوري لعام 1928 " بكل معنى الكلمة"، لكن له أهمية كبيرة، من حيث أن وضعه و محاولات تطبيقه قد أثرت في الوعي السياسي للشخصيات السياسية السورية ، و منحتهم مزيدا من الخبرة و الممارسة في المؤسسات السياسية. و من ناحية ثانية تأتي أهمية هذا الدستور، من حيث أنه أعيد العمل به من أمسية الاستقلال السوري عام 1943و حتى عام 1949.
يستلهم هذا الدستور روحه، من الدستور الفرنسي لعام 1875 , و ينص على أن سورية وحدة لا تتجزأ (50)، ونظام الحكم هو جمهوري نيابي (51), و يضمن الدستور حقوق الطوائف الدينية المختلفة(52)، و بناء المدارس لتعليم الأحداث لغتهم الخاصة، و يتم تمثيل الأقليات في البرلمان، تمثيلا نسبيا (53). و ما تجب الإشارة إليه, هو أن الدستور، كان ينص على أن دين رئيس الدولة هو الإسلام(54)، و قد غاب عن الدستور كليا فكرة الانتماء لسورية الكبرى أو الى القومية العربية.
المراجع والهوامـش:
1- بيير آميت، محافظ الآثار الشرقية في متحف اللوفر-الحضارات القديمة في الشرق الأوسط-الصحافة الجامعية الفرنسية، سلسلة ماذا أعرف؟ باريس، 1971، ص 46. و يعنون الباحث الفصل الأول من كتابه بـ (كردستان و بلاد الرافدين) باللغة الفرنسية0
2- ذلك حسب الأبحاث الميدانية التي قام بها العالمان السوفيتينان مربيرت و موكاييف، في كردستان من عام 1969و حتى 1975. راجع مقال جمشيت كردو في جريدة (كل = الشعب)، العدد 8 الصادر في أيار 1984، بعنوان - أصول الحضارات الكردية المعلمون الأوائل-.
3- بيير آميت – المرجع المذكور- ص 97.
4- عيد نيروز المصادف لـ 21 آذار ، عند الأكراد هو إحياء لذكرى هذا النصر، و يعتبر هذا اليوم بداية للتقويم الكردي.
5- محمد أمين ذكي –
1- خلاصة تاريخ الكرد و كردستان، منذ أقدم العصور و حتى الآن، بالكردية، مطبعة دار السلام بغداد 1931، 413 صفحة. ترجمه الى العربية و علق عليه محمد علي عوني, مطبعة الصدى, القاهرة 1936, 440 صفحة.
2- تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي- بالكردية, بغداد 1937 0 ترجمه الى العربية و علق عليه محمد علي عوني, مطبعة الصدى, القاهرة 1945 .
6- جمال نبز- حول المشكلة الكردية- من منشورات الاتحاد القومي لطلاب الأكراد في أوربا 1969 .
7- باسيل نيكيتين- الأكراد- مطابع اليوم, باريس 1957, ص 12, بالفرنسية0
8- كريس كوتشيرا – الحركة القومية الكردية – مطبعة فلاماريون, باريس 1979, ص 6 بالفرنسية.
9- محمد الخال – الشيخ معروف النودهي البرزنجي- مطبعة التمدن, بغداد 1961, ص 65.
9 مكرر- جان ماري دوران - وثائق مراسلات قصر ماري-
مطبعة سيرف باريس 1997 بالفرنسية المجلد الأول645
صفحة و المجلد الثاني 688 صفحة. عن إمارة كوردا انظر
من المجلد الأول الصفحات:60 , 393 ,414 , 415 ,
416 ,423 ,427 ,433 ,503 ,515 ,517 , 604 ,
605 ,617 ,622 .
من المجلد الثاني الصفحات: 67, 156 ,157 ,285 , على سبيل المثال لا الحصر.
10- الكتاب الجماعي – الأكراد و كردستان – مقدمة جيرال شاليان, مطبعة ماسبيرو, باريس 1978, ص 10, بالفرنسية.
11- لمزيد من التفاصيل حول الغزو العربي الإسلامي للإقليم الكردي في سورية, راجع: ابن الأثير – الكامل في التاريخ – القاهرة 1938, ص 258.
12- منذر الموصلي- عرب و أكراد – رؤية عربية على القضية الكردية, مطبعة دار الفنون, بيروت 1986, ص 157 .
13- ابن الأثير – المرجع المذكور – ص 192 .
14- المسعودي – مروج الذهب – باريس 1965, ص 217, بالعربية.
15- ابن الأثير – المرجع المذكور – ص 163.
16- منذر الموصلي – المرجع المذكور – ص 206. و لمزيد من التفاصيل عن الدولة المروانية, عد الى – الدولة المروانية – لمؤلفة أحمد بن يوسف بن علي بن الأزرق الفارقي, تحقيق و تقديم الدكتور بدوي عبد اللطيف, و مراجعة محمد شفيق غربال, من منشورات وزارة الثقافة و الإرشاد القومي في القاهرة 1959. و عد أيضا الى نيكيتين – المرجع المذكور – ص 181. لكن تبقى لمؤلفات المؤرخ محمد أمين زكي الرجحان في معرفة تاريخ الإمارات الكردية في العهد الاسلامي.
17- مصطفى نازدار – في الكتاب الجماعي – الأكراد و كردستان- وهو مرجع مذكور, ص 314.
18- ابن خلدون – المقدمة – الطبعة الثالثة, بيـروت 1900, ص 380.
19- لوران و آني شابري – الأقليات و السياسة في الشرق الأوسط, أسباب إنشطار- مطبعة ميزونوف, باريس 1984, ص 252, بالعربية.
20- كريس كوتشيرا, المرجع المذكور, ص 81.
21- كريستين مور- الأكراد اليوم, باريس, 1984,ص48.
22- باسيل نيكيتين, المرجع المذكور, ص 185. و راجع أيضا كندال نزان – في الكتاب الجماعي المذكور- ص 33.
23- كريستين مور, المرجع المذكور, ص 50. و راجع أيضا باسيل نيكيتين, المرجع المذكور, ص 185-186.
24- باسيل نيكيتين, المرجع المذكور, ص 186, " لكن المؤرخ السوفيتي فلاديمير لوتسكي ( 1906-1962) لا يوافق على أن الأكراد رضخوا نهائيا للحكم العثماني, و يرى أن سلطة العثمانيين في كردستان بقيت وهمية كالسابق. راجع منذر الموصلي ص 190.
25- لا يختلف مؤرخو الحركات الكردية (والانتفاضات) حول الطبيعة القومية لانتفاضة الشيخ عبيد الله النهري التي اندلعت في كردستان الشمالية الغربية في عام 1880. راجع كتاب الباحث السوفيتي جليلي جليل النهضة الثقافية و السياسية الكردية في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين- من منشورات زينانو، السويد 1985. ترجمها من الروسية الى الكردية علي شير, ص 23-25.
26- ب0 نيكيتين, المرجع المذكور, و ك. نزان , المرجع المذكور ص 86.
27- م. الموصلي- المرجع المذكور- ص 459-426, و يركز المؤلف على تاريخ الملّيين و على نفوذهم في الماضي و الحاضر, و يذكر في الوقت نفسه, بأن وجود الأكراد في سورية يبدأ من عام 1926, في حين يقول ما يناقض ذلك في الصفحة 459, إذ يقول بأن تاريخ الملييّن " يتصل بهذه المناطق, و هو تاريخ لصيق جدا بمختلف العهود التي تتالت منذ القرن الثامن عشر" و في فقرة أخرى من الصفحة 83 من نفس الكتاب, يؤكد الموصلي بان الخليفه العباسي المعتضد قد استطاع أ ن يجلي الأكراد من الجزيره في عام 894 ميلادي أي عام 278 هجري. فألا يدل ذلك على أن الجزيره كانت مأهوله با لأكراد قبل غزوها من قبل المتضد في التاريخ المذكور.؟!
28- محمد أمين زكي – خلاصه تاريخ الكرد و كردستان- (الطبعة العربية), مطبعة صلاح الدين , بغداد 1936, ص 220-223.
29- التحالف التركي الألماني المنعقد ضد الحلفاء في 2 آب 1914.
30- لوران و آني شابري – المرجع السابق- ص 112.
31- وكانت تضم جغرافيا سورية الحالية و لبنان و فلسطين و الأردن.
32- لمزيد من التفاصيل, راجع خيرية قاسمية – الحكومة العربية في دمشق بين 1918-1920- مطبعة دار المعارف, مصر 1971. مع ضرورة الملاحظة بأن أغلب عناصر الحكومة المؤقتة التي كانت تدير الأمور السياسية مع الأمير فيصل كانوا من مناطق العراق الحالي مثل نوري السعيد والهاشمي و اليوسفي والعسكري و غيرهم.
33- المادة /1/ من مشروع الدستور.
34- المادة /2/.
35- مدة ولايته سنتان (المادة 129), ويختص المجلس بتدقيق موازنة المقاطعة, و بسن قوانينها و نظمها المحلية وفقا لحاجاتها, بما فيها المحاكم المحلية (المادة 143).
36- المادة /27/.
37- المادة /3/.
38- كان يطغى على مواد هذا المشروع النـزعة الفردية و المفهوم الغربي للحق.
39- عينت بريطانيا الأمير فيصل ملكا على العراق لتسهيل إدارة البلاد, بعد أن لاقت السلطات العسكرية الانكليزية أياما عصيبة خلال انتفاضة العراق في 1920 و خاصة في المناطق الشيعية. لم يشارك الأكراد في الاستفتاء على تنصيب فيصل بن الحسين ملكا على العراق ولم يبايعوه. (واصطحب الأمير فيصل الى العراق الكوادر السياسية و الإدارية التي حكمت معه سورية من عام 1918 الى عام 1920).
40- ك. مور, المرجع المذكور, ص 59-60.
41+42- ك. نزان – في الكتاب الجماعي المذكور – ص 65.
43- ز. عثمان- في مجلة ستوديا كورديكا الصادرة بالعربية عن المعهد الكردي في باريس. عام 1984, العدد /1/ ص 32.
44+45- من أجل الحصول على الوثائق المستخدمة و المذكورة في هذا الموضوع, عد الى كراس الوثائق الصادرة في عام 1985. من المعهد الوطني للحضارات و اللغات الشرقية تقديم جويس بلو.
46- حول دولة جبل الدروز , راجع مقال سعيد أبو الحسـن -كيف أزلنا التجزئة الصغرى- مجلة الوحدة الصادرة في باريس 1985, العدد /15/ ص 112.
47- كمال الغالي – مبادئ القانون الدستوري و النظم السياسية- مطبعة خالد بن الوليد,1981-1982, ص 531.
48- المادة /116/ من الدستور.
49- كان الحزب الشيوعي مؤيدا لهذه الاتفاقية التي تمت بين فرنسة و الوفد السوري بزعامة الكتلة الوطني, و ذلك لأن الجبهة الشعبية-اليسارية كانت قد استلمت الحكم في فرنسا.
50- المادة /29/ من الدستور. نذكر بأن التحديدالنهائي للحدود بين تركية و سورية قد تم في عام 1928, راجع ا. داود – الجزيرة السورية بين الماضي و الحاضر- مطبعة الترّقي, دمشق 1959, ص 374.
51- المادة /3/ من الدستور.
52- المادة /28/ من الدستور.
53- المادة /27/ من الدستور.
54- المادة /2/ من الدستور.