الكرد بين الجذور التاريخية وفلسفة أوجلان: قراءة تحليلية في ضوء الواقع الإقليمي

Kurd Day

Kurd Day Team
مقدمةيشكّل الشعب الكردي أحد أقدم شعوب الشرق الأوسط، وقد ظل عبر العصور يحتفظ بهويته رغم الغزوات المتكررة والتغييرات السياسية التي طرأت على المنطقة. تثير فلسفة عبد الله أوجلان نقاشًا واسعًا بين قبول ورفض، ليس فقط في أوساط الكرد، بل بين شعوب الجوار كالعرب، الفرس، والترك. تهدف هذه المقالة إلى تقديم تحليل علمي ومحايد حول الخلفية التاريخية للكرد، فلسفة أوجلان، وتفاعل الشعوب المجاورة معها، في ضوء الواقع الجيوسياسي والثقافي.

1. الجذور التاريخية للشعب الكردي يُعَد الكرد من الشعوب الأصلية في منطقة الهلال الخصيب، وتحديدًا في جبال زاغروس وسهول ميزوبوتاميا العليا. تشير المصادر التاريخية إلى أن الميديين – وهم من أجداد الكرد – أسسوا أول كيان سياسي كردي في القرن السابع قبل الميلاد. وتشير النقوش الآشورية والإغريقية والرومانية إلى تواجد مجموعات بشرية تُنسب جغرافيًا إلى ما يعرف اليوم بكردستان.

هذه المناطق سكنها أيضًا شعوب قديمة مثل السريان، الآشوريين، الأرمن، الحوريين، والفرس. إلا أن الكرد حافظوا على وجودهم وثقافتهم ولغتهم رغم الانقطاعات السياسية والحروب التي تعرضت لها المنطقة.

2. الغزوات وفرض الهويات القومية الجديدةمع دخول العرب إلى المنطقة في القرن السابع الميلادي في إطار الفتوحات الإسلامية، حصل تحول جذري في البنية السكانية والسياسية، حيث أصبحت اللغة العربية لغة الدولة والدين. ورغم أن الكثير من الكرد دخلوا الإسلام، إلا أن هويتهم الثقافية لم تذُب بالكامل. في العصور اللاحقة، شهدت المنطقة دخول التركمان والأتراك السلاجقة، ثم العثمانيين، الذين مارسوا سياسات تتراوح بين التسامح النسبي والتتريك، خاصة في العهد الجمهوري التركي.

وفي إيران، خضعت المناطق الكردية لسيطرة الدولة الصفوية ثم القاجارية، وصولًا إلى الدولة البهلوية والجمهورية الإسلامية، حيث فُرضت سياسات مركزية قوية على الثقافات غير الفارسية، بما فيها الكردية.

3. فلسفة عبد الله أوجلان: المفهوم والمضمونفلسفة أوجلان تنطلق من نقد الدولة القومية، وتدعو إلى "كونفدرالية ديمقراطية" تضمن حقوق الشعوب عبر الحكم الذاتي المحلي، والمشاركة السياسية المباشرة، والعدالة الاجتماعية. كما تدعو إلى تحرير المرأة، حماية البيئة، وإعادة بناء المجتمعات على أساس التعاون وليس الصراع.

يرى البعض أن فلسفته مستوحاة من نظريات الفوضوية الديمقراطية، والاشتراكية التحررية، وأفكار المفكر الأمريكي موراي بوكتشين. لكنها تأخذ خصوصيتها من السياق الكردي والواقع الإقليمي.

4. مدى تقبّل هذه الفلسفة في المجتمعات الكردية والعربية والتركية والفارسية

  • الكرد: هناك انقسام واضح. البعض يرى أن فلسفة أوجلان تقدّم بديلًا حضاريًا حقيقيًا، بينما يرفضها آخرون ويعتبرونها بعيدة عن مطلب الدولة القومية الكردية، ولا تلبي الطموحات السياسية للشعب الكردي.
  • العرب: تسود نظرة متحفظة، خصوصًا في الدول التي تضم أقليات كردية. يُنظر إلى الطرح الأوجلاني كشكل من أشكال الانفصال أو التهديد لوحدة الدولة، رغم وجود أصوات عربية مثقفة تدعو لتفهمها كنموذج ديمقراطي.
  • الأتراك: الخطاب الرسمي التركي يرفض تمامًا أفكار أوجلان، ويصنفها ضمن التهديدات الأمنية. أما بعض التيارات اليسارية التركية، فتُظهر تعاطفًا مع فلسفة أوجلان، خاصة في أوساط الأكاديميين والناشطين.
  • الفرس (الإيرانيون): تشابه السياسة الإيرانية نظيرتها التركية من حيث رفض الطرح الفيدرالي أو الكونفدرالي، خوفًا من انتقال النموذج إلى مناطق كردستان إيران.
5. استخدام الدين كأداة سياسية في المنطقةمنذ العصور الإسلامية الأولى وحتى العصر الحديث، استخدم الدين كوسيلة للسيطرة وتثبيت النفوذ السياسي. سواء من قبل الدولة الأموية والعباسية، أو العثمانيين والصفويين، كان الدين أداة لتوحيد الشعوب المختلفة ثقافيًا تحت إطار سياسي وديني واحد.

ورغم أن فلسفة أوجلان تتبنى رؤية علمانية، فإنها لا تهاجم الدين بل تنتقد استخدامه السياسي. وهو ما يتطلب حوارًا معمقًا بين الفكر الديني التقليدي والرؤية التعددية الحديثة.

6. التغيرات الديمغرافية وتراجع الأقليا تشهدت المنطقة خلال القرن العشرين موجات عنف وتطهير ضد الأرمن، السريان، والآشوريين، أدت إلى تناقص وجودهم بشكل ملحوظ. وعلى الرغم من القمع السياسي، ظل الكرد يحتفظون بعددهم الكبير وانتشارهم الجغرافي، مما ساعدهم على الحفاظ على هويتهم، مقارنةً بأقليات أخرى اقتربت من الزوال.

7. إشكالية القبول والاعتراف لا يزال سؤال الاعتراف بالشعب الكردي كسكان أصليين في المنطقة مثار جدل. تُظهر السياسات الرسمية في بعض الدول ميلًا إلى إنكار هذا الأصل، وتصوير الكرد كمجموعة مهاجرة أو حديثة. إلا أن الأبحاث التاريخية والأنثروبولوجية الحديثة تؤكد على قدم وجودهم وتجذرهم الثقافي واللغوي في المنطقة.

خاتمةفلسفة أوجلان تُعتبر محاولة جادة لإعادة صياغة العلاقة بين السلطة والشعوب في منطقة مضطربة، لكنها تصطدم بعقبات تاريخية وثقافية. إن فهم تاريخ الشعب الكردي، وظروف الغزوات التي مرت على المنطقة، وسياقات فرض الهويات القومية، يسلّط الضوء على عمق الأزمة الراهنة، ويضعنا أمام تحدي الاعتراف والعدالة والعيش المشترك.

الكاتب: kurd day
 
عودة
أعلى