مرض اللشمانيا...بقلم د.محمد حنيفي

يُعد مرض اللشمانيا من ضمن الأمراض الطفيلية الحيوانية المصدر، يُصاب به الإنسان عن طريق لدغ نوع من أنثى البعوض تُسمى حشرة الرمل، وهذه الحشرة صغيرة الحجم، وليس لها صوت عند طيرانها أثناء المساء، على ارتفاع منخفض من سطح الأرض، وتعيش في الجو الحار الرطب، لذلك فإن نشاطها يزداد في فصل الصيف، وتتغذى على دم الإنسان أو الحيوان.
وعندما تمتص دم إنسان أو حيوان مصاب (مثل الكلاب أو الثعالب حيث تعد هذه الحيوانات مستودعا لطفيل المرض)، يكون هذا الدم محملا بطفيل مرض اللشمانيا، الذي يتكاثر في معدة الحشرة ثم يصل إلى لعابها، وعند لدغها إنسانا أو حيوانا سليما فإنها تحقن هذه الطفيليات في جسمه مسببة له المرض.
ويمكن تقسيم المرض من ناحية أعراضه إلى ثلاثة أنواع متميزة، اللشمانيا الحشوية، واللشمانيا الجلدية، ولشمانيا الأغشية المخاطية،وسنستعرض الأعراض والسمات لكل نوع من هذه الأمراض على حدة.

اللشمانيا الحشوية:
هذا النوع من المرض يعرف باسم الداء الأسود، له انتشار واسع في مختلف مناطق العالم، فقد وُجدت حالات في كل من إفريقيا-منطقة الشرق الأوسط- الهند- الصين-منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط-جزء من أميركا الجنوبية...
أما أعراض مرض اللشمانيا الحشوية، فإنها تحدث بسبب اللدغ بواسطة حشرة الرمل الحاملة لطفيل اللشمانيا من نوع الدونوفانية أو انفانتم، والإصابة الأولية في موضع اللدغة غالبا ما تكون غير واضحة، ولكن إن ظهرت فإنها تسبق الإصابة الحشوية، والفترة اللازمة لبداية ظهور أعراض المرض، أو ما يسمى فترة الحضانة لهذا المرض، تختلف كثيرا من شخص إلى آخر، لكنها تتراوح في الغالب ما بين شهرين وأربعة أشهر. وغالبا ما تظهر الإصابة في البداية على الأشخاص المقيمين في المنطقة التي يستوطن فيها المرض، وقد تكون شديدة، أو تكون تدريجية، حيث يشكو المصاب من ارتفاع في درجة الحرارة، وتعرق، وضعف عام، واسهال، وسعال، وتضخم في الكبد والطحال، وبتقدم المرض يسمر جلد المصاب في منطقة اليدين والقدمين والبطن والجبهة( ومن ذلك عرف المرض باسم الداء الأسود)، ثم يصاب الشخص بالصفراء وانتفاخ في البطن، والموت غالبا ما يكون سببه الإصابة العارضة بمرض آخر.
وقد تتداخل هذه الأعراض مع أعراض الإصابة بأمراض أخرى مثل الملاريا، والحمى المعوية، والسل الرئوي.
وللتأكد من الإصابة باللشمانيا: يستوجب إجراء الفحوص المختبرية للمصاب التي تظهر أجسام ليشمان دونفان في الدم، أو في رشفة من النخاع العظمي، أو الكبد أو الطحال، ومما تجدر الإشارة إليه أن اختبار اللشمانيا الجلدي في حالة نشاط المرض غالبا ما يكون سالبا.

اللشمانيا الجلدية:
لقد تمت الإشارة سابقا إلى أن هذا النوع من المرض يحدث نتيجة لدغة من حشرة الرمل الحاملة لطفيل اللشمانيا المدارية، في منطقة الشرق الأوسط، وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، ويعتقد بأن هذا النوع من اللشمانيا نشأ في وسط قارة آسيا، وانتقل منها إلى دول منطقة الخليج ودول الشرق الأوسط، و إفريقيا. ( يوجد كذلك في جنوب المغرب) ويعرف هذا المرض بأسماء عديدة، حسب كل منطقة.
يصيب هذا المرض الذكور و الإناث على حد سواء، وفي جميع الأعمار، وفي بعض المدن، التي يستوطن فيها المرض جزء كبير من السكان، توجد بأجسامهم آثار على شكل ندبة، تدل على سابق الإصابة بهذا المرض. والإصابة الأولى بالمرض تعطي الجسم غالبا مناعة دائمة، وحتى لو تعرض الشخص للإصابة فإن شكل المرض يكون أقل حدة، إن الإصابة بهذا النوع من اللشمانيا، تسبب إما ظهور قرح يشفى تلقائيا، أو تقرحات مزمنة، أو ربما تسبب قُرَحا جلدية منتثرة .
وفي موضع اللدغة بحشرة الرمل تظهر الإصابة سريعا بالبداية، على شكل احمرار وحكة، تشبه لدغة البعوض، وبعد فترة تتراوح بين أسبوعين إلى ثمانية أسابيع تكبر في الحجم لتصبح في شكل عقدة، وتستمر بالزيادة حتى تصل إلى حجم (1-2سم)، وأحيانا أكبر من ذلك.
هذا الانتفاخ قد يتحول إلى قرحة تبدأ في إفراز قيح، إذا كانت الإصابة بطفيل اللشمانيا المدارية الكبرى أو ربما يبقى جافا مغطى بقشور إذا كانت الإصابة بطفيل اللشمانيا المدارية الصغرى، وفي بعض الأحيان، تصاب هذه القرح بالبكتيريا، مما يزيد حدة الالتهاب في موضع التقرحات، وغالبا ما تظهر الإصابة على الأجزاء المكشوفة من الجسم مثل الوجه، والأذنين، واليدين، والذراعين، والقدمين، والساقين، وتقتصر الإصابة بهذا النوع من المرض على الجلد، ولا تشمل الأعضاء الداخلية من الجسم.

لشمانيا الأغشية المخاطية:
الإصابة بهذا النوع من اللشمانيا يكون سببها لدغة من حشرة الرمل الحاملة لطفيل اللشمانيا، المسمى اللشمانيا البرازيلية، وسميت بذلك لاكتشاف هذا الطفيل في منطقة حوض نهر الأمازون في أميركا الجنوبية، وغالبا ما تكون إصابة الأغشية المخاطية إصابة ثانوية للإصابة بالتقرحات الجلدية، وبداية ظهور أعراض الإصابة بهذا النوع من المرض تعقب الإصابة الجلدية ببضعة أسابيع أو شهور، وقد تتأخر إلى عدة سنوات.
والأجزاء الأولى من الجسم التي تظهر فيها الإصابة هي منطقة الخيشوم، ويكون الرعاف والاحتقان في الجيوب الأنفية أول بداية أعراض ظهور المرض، وتبدأ الإصابة في حجم رأس عود الكبريت، ثم تكبر وتتقرح الأغشية المخاطية في الجيوب الأنفية، وسرعان ما تتلف هذه الأغشية، مسببة تشوهات واضحة في منطقة الحاجز الداخلي للأنف، وأحيانا ينتشر المرض إلى الأغشية المخاطية المجاورة للفم، وقد يتسبب ذلك في انسداد الفتحات التنفسية الأنفية، وظهور أمراض في الجهاز التنفسي، بما فيها التهاب الرئتين، وغالبا ما تكون أمراض الجهاز التنفسي الشديدة سببا في وفاة المصابين بهذا المرض.
طرق العلاج
غالبا ما تشفى الإصابة بداء اللشمانيا الجلدية تلقائيا دون أي علاج، ويستغرق شفاء هذه التقرحات مدة سنة إلى سنتين، وأحيانا قد تطول إلى أكثر من ذلك، ولكن عندما تترك هذه التقرحات لتشفى تلقائيا فإنه من المحتوم أن تترك تندبات مشوهة، وبالخصوص في منطقة الوجه، وهذه التشوهات غير مرغوب فيها، خصوصا إذا كان المصاب أنثى، ولتجنب حدوث ذلك يجب أن يبدأ العلاج للإصابة بأسرع وقت، قبل أن تتقشر التقرحات.
أما بالنسبة للإصابة باللشمانيا الحشوية فإنها قد تؤدي إلى موت المصاب إذا ما تركت دون علاج، وكما ذكر سابقا فإن سبب الوفاة غالبا ما يكون الإصابة العارضة بمرض آخر، وأحيانا تعود الإصابة مرة أخرى بعد الشفاء التام بالمعالجة، وهذه الانتكاسة تحدث حتى بعد سنين من فترة العلاج، ولكن معظم حالات اللشمانيا الحشوية تستجيب جيدا للعلاج.
وتجدر الإشارة إلى أن وسائل العلاج المتوافرة حاليا عديدة، ففي حالة الإصابة باللشمانيا الجلدية، إذا لم تكن التقرحات شديدة، فإنه يمكن معالجتها بالحرارة، أو تعريضها للأشعة، أو الأشعة تحت الحمراء، أو بالتبريد أو بحقن بعض المركبات موضعيا في داخل التقرح.
ولا بد من توافر ثلاثة عناصر رئيسية في المناطق التي يستوطن فيها المرض، وهي : مستودعات الطفيل في الحيوان، وحشرة الرمل الناقلة للمرض، والإنسان المصاب، ولمكافحة هذا المرض يمكن اللجوء إلى القضاء على مخازن طفيل اللشمانيا (الكلاب، الثعالب )، أو التخلص من حشرة الرمل، وذلك برشها بالمبيدات الحشرية، أما بالنسبة للإنسان فيمكن حمايته إما برش المنازل بالمبيدات الحشرية أو تغطية نوافذ الغرف في المنازل، ومن المعروف أن الشخص إذا أصيب باللشمانيا فإنها تعطيه مناعة دائمة ضد المرض، فقد تم حديثا استناداً إلى تلك الملاحظة التفكير في تطوير نوع من اللقاح لكي يستخدم في تطعيم الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الموبوءة. وستشهد السنوات المقبلة تقدما ملموسا في طرق الوقاية من اللشمانيا .
 
عودة
أعلى