قصة مموزين باللغة العربية

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع my.love
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

my.love

my love
من روائع الأدب الكردي في القرن السابع عشر[font=&quot]

[/font]​
ملحمة[font=&quot] [/font]مموزين[font=&quot] [/font]
[font=&quot]
[/font]قصة حب نبت في الأرض وأينع في السماء[font=&quot]

[/font]​
[font=&quot]
[/font]صاغ أحداث هذه القصة شعرا , شاعر كردي كبير هو أحمد خاني , وهو واحد من علماء[font=&quot] [/font]الأكراد الذين برعوا في علوم الفقه والفلسفة والتصوف والأدب . وكان من آثاره ديوان[font=&quot] [/font]شعر باللغة الكردية دون فيه أحداث هذه القصة[font=&quot] .
[/font]في مدينة بيازيد ,التي أخذت مكانها على صدر منطقة هكاري بكردستان تركيا . المضطجعة[font=&quot] [/font]في أحضان الجبال الشاهقة , والمتزينة بأبهى حلة من السندس والياسمين , وبأشجار[font=&quot] [/font]الصنوبر والسنديان , أضافت الحياة الى قائمة المشردين طفلا آخر , مشردا جديدا زاد[font=&quot] [/font]في صفوف الفقراء الجائعين , هو أحمد خاني . نعم .. ولد أحمد جائعا , عاريا كغيره من[font=&quot] [/font]أبناء الفقراء , حتى ان أحدا لم يبالي به فيدون يوم مولده , مما أدى الى اختلاف[font=&quot] [/font]كبير من قبل من جاء بعده في تحديد ذلك اليوم الذي شهدت شمسه ولادة طفل غير عادي[font=&quot] [/font][font=&quot], [/font]سوف يغدو شاعرا كبيرا , وعبقريا فذا وصوتا من أصوات الحق ينادي بحرية شعبه . ولكن[font=&quot] [/font]ما اتفق عليه المؤرخون هو 1650 م[font=&quot] .
[/font]كغيره من أبناء عصره , تلقى خاني علومه الإبتدائية في الكتاتيب والجوامع , على أيدي[font=&quot] [/font]شيوخ زمانه , ثم في المدارس التي كانت متوفرة أنذآك في المدن الكبيرة, مثل تبريز[font=&quot] [/font]وبدليس , حيث ظهرت فيه علائم النبوغ مبكرة , وهو لم يتجاوز الربيع الرابع عشر من[font=&quot] [/font]عمره . وسعيا وراء المزيد من العلم , زار مدنا كثيرة , وتجول فيها , وأقام في[font=&quot] [/font]مرابعها ردحا من الزمن , مثل الآستانة-استانبول- ودمشق . كما زار مصر أيضا , فاطلع[font=&quot] [/font]على علوم عصره . وتلقفها فجمع بين الأدب ولا سيما الشعر , وبين الفقه والتصوف[font=&quot] , [/font]فذاعت شهرته مقرونة بالثقافة الواسعة والمعرفة العميقة في الأمور الأدبية والفلسفية[font=&quot] [/font]والدينية[font=&quot] .
[/font]في هذه الفترة من التاريخ كانت كردستان ملعبا من ملاعب الصراع بين الدولة العثمانية[font=&quot] , [/font]والدولة الصفوية , اللتين قسمتاها بينهما إثر معركة جالديران الشهيرة 1514 م[font=&quot] , [/font]وراحت كل منهما تحاول أن تضم اليها الإمارات الكردية . فكانت الدماء الكردية تراق[font=&quot] [/font]مدرارا على الرغم من انه لم يكن للأكراد في كل ذلك أي شأن وطني أو إنساني , بل كانت[font=&quot] [/font]الخسارة تحصدهم من الطرفين في كلتا الحالتين . وكان خاني يتأمل هذا الوضع المتردي[font=&quot] [/font]ويقلبه على كل اوجهه , عسى أن يجد فيه بعضا مما يستحق أن تراق , من أجل الوصول إليه[font=&quot] , [/font]هذه الدماء , ولكن أنى له ذلك !! ليس في كل ذلك شيئ مما يخص الأكراد في أمور[font=&quot] [/font]حياتهم , بل عليهم الطامة , وضياع البلاد , ولعل ذلك الواقع المر , بل ولادته في[font=&quot] [/font]خضمه , ثم تأمله فيه وتفاعله معه وإنفعاله به كان من أهم عوامل تكوينه الفكري[font=&quot] .
[/font]كانت اللغات العربية والتركية والفارسية بالإضافة الى اللغة الكردية هي اللغات[font=&quot] [/font]السائدة في المنطقة . فإنكب خاني عليها جميعا , وغرف من معينها إلى أن أتقنها كلها[font=&quot] . [/font]ثم التفت للأطفال , فجسد حبه لهم من خلال تعليمهم وتلقينهم مبادئ اللغتين الكردية[font=&quot] [/font]والعربية , فوضع قاموسه الكردي - العربي , الذي خصهم به , حتى انه أسماه ( الربيع[font=&quot] [/font]الجديد للصغار ) وراح يفتح المدارس , ويتطوع للتعليم فيها بنفسه دون مقابل مجسدا[font=&quot] [/font]بذلك حبه للعلم[font=&quot] .
[/font]وعلى الرغم من تمكنه من اللغات العربية والفارسية والتركية , تراه قد آثر أن يكتب[font=&quot] [/font]مؤلفاته باللغة الكردية , ليؤكد بذلك مساهمة الأكراد في بناء الحضارة الإنسانية[font=&quot] . [/font]فخلف من بعده أروع ما كتب في الأدب الكردي . مبدعا الشعر القصصي في هذا الأدب وذلك[font=&quot] [/font]من خلال ( ممي آلان ) و (ممو زين ) ديوانه الذائع الصيت الآن في الشرق والغرب[font=&quot] , [/font]والمنتشر بين الآداب العالمية[font=&quot] .
[/font]ويبدو أن المدينة التي انجبته قد استاثرت به طيلة حياته , ولم تستغن عنه إلا لبعض[font=&quot] [/font]الوقت وآثرت أن يوارى في ثراها , فاختطفته يد المنون وتوفي - رحمه الله - في مدينة[font=&quot] [/font]بيازيد مسقط راسه سنة 1708 م[font=&quot] .

[/font]إن لبطلي هذه القصة المؤثرة قبرين معرفين في جزيرة ابن عمر . وقد أقيم عليهما[font=&quot] , [/font]فيما بعد , مدرسة كبيرة لطلاب العلوم الشرعية . والقبران جاثمان هناك لكل من يريد[font=&quot] [/font]رؤية الحب الذي نبت في الأرض , وأينع في السماء[font=&quot][/font]​
 
رد: قصة مموزين باللغة العربية

[font=&quot]الاهداء[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]إلى كل قلب كتب عليه أن يتجرع الحب علقما ولا يذوقه رحيقا[/font][font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وأن يحترق في ناره ولا يقطف مرة من ثماره[/font][font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]أقدم هذه القصة[/font][font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]عسى أن يجد فيها بردا من العزاء والسلوى[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]محمد سعيد رمضان البوطي[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]حياة أحمد خاني[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]صاغ أحداث هذه القصة شعرا , شاعر كردي كبير هو أحمد خاني , وهو واحد من علماء[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الأكراد الذين برعوا في علوم الفقه والفلسفة والتصوف والأدب . وكان من آثاره ديوان[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]شعر باللغة الكردية دون فيه أحداث هذه القصة[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]في مدينة بيازيد ,التي أخذت مكانها على صدر منطقة هكاري بكردستان تركيا . المضطجعة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]في أحضان الجبال الشاهقة , والمتزينة بأبهى حلة من السندس والياسمين , وبأشجار[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الصنوبر والسنديان , أضافت الحياة الى قائمة المشردين طفلا آخر , مشردا جديدا زاد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]في صفوف الفقراء الجائعين , هو أحمد خاني . نعم .. ولد أحمد جائعا , عاريا كغيره من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أبناء الفقراء , حتى ان أحدا لم يبالي به فيدون يوم مولده , مما أدى الى اختلاف[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]كبير من قبل من جاء بعده في تحديد ذلك اليوم الذي شهدت شمسه ولادة طفل غير عادي[/font][font=&quot] , [/font][font=&quot]سوف يغدو شاعرا كبيرا , وعبقريا فذا وصوتا من أصوات الحق ينادي بحرية شعبه . ولكن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ما اتفق عليه المؤرخون هو 1650 م[/font][font=&quot] . [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]كغيره من أبناء عصره , تلقى خاني علومه الإبتدائية في الكتاتيب والجوامع , على أيدي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]شيوخ زمانه , ثم في المدارس التي كانت متوفرة أنذآك في المدن الكبيرة, مثل تبريز[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وبدليس , حيث ظهرت فيه علائم النبوغ مبكرة , وهو لم يتجاوز الربيع الرابع عشر من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]عمره . وسعيا وراء المزيد من العلم , زار مدنا كثيرة , وتجول فيها , وأقام في[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]مرابعها ردحا من الزمن , مثل الآستانة-استانبول- ودمشق . كما زار مصر أيضا , فاطلع[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]على علوم عصره . وتلقفها فجمع بين الأدب ولا سيما الشعر , وبين الفقه والتصوف[/font][font=&quot] , [/font][font=&quot]فذاعت شهرته مقرونة بالثقافة الواسعة والمعرفة العميقة في الأمور الأدبية والفلسفية[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]والدينية[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]في هذه الفترة من التاريخ كانت كردستان ملعبا من ملاعب الصراع بين الدولة العثمانية[/font][font=&quot] , [/font][font=&quot]والدولة الصفوية , اللتين قسمتاها بينهما إثر معركة جالديران الشهيرة 1514 م[/font][font=&quot] , [/font][font=&quot]وراحت كل منهما تحاول أن تضم اليها الإمارات الكردية . فكانت الدماء الكردية تراق[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]مدرارا على الرغم من انه لم يكن للأكراد في كل ذلك أي شأن وطني أو إنساني , بل كانت[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الخسارة تحصدهم من الطرفين في كلتا الحالتين . وكان خاني يتأمل هذا الوضع المتردي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ويقلبه على كل اوجهه , عسى أن يجد فيه بعضا مما يستحق أن تراق , من أجل الوصول إليه[/font][font=&quot] , [/font][font=&quot]هذه الدماء , ولكن أنى له ذلك !! ليس في كل ذلك شيئ مما يخص الأكراد في أمور[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]حياتهم , بل عليهم الطامة , وضياع البلاد , ولعل ذلك الواقع المر , بل ولادته في[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]خضمه , ثم تأمله فيه وتفاعله معه وإنفعاله به كان من أهم عوامل تكوينه الفكري[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]كانت اللغات العربية والتركية والفارسية بالإضافة الى اللغة الكردية هي اللغات[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]السائدة في المنطقة . فإنكب خاني عليها جميعا , وغرف من معينها إلى أن أتقنها كلها[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]ثم التفت للأطفال , فجسد حبه لهم من خلال تعليمهم وتلقينهم مبادئ اللغتين الكردية[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]والعربية , فوضع قاموسه الكردي - العربي , الذي خصهم به , حتى انه أسماه ( الربيع[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الجديد للصغار ) وراح يفتح المدارس , ويتطوع للتعليم فيها بنفسه دون مقابل مجسدا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بذلك حبه للعلم[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وعلى الرغم من تمكنه من اللغات العربية والفارسية والتركية , تراه قد آثر أن يكتب[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]مؤلفاته باللغة الكردية , ليؤكد بذلك مساهمة الأكراد في بناء الحضارة الإنسانية[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]فخلف من بعده أروع ما كتب في الأدب الكردي . مبدعا الشعر القصصي في هذا الأدب وذلك[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]من خلال ( ممي آلان ) و (ممو زين ) ديوانه الذائع الصيت الآن في الشرق والغرب[/font][font=&quot] , [/font][font=&quot]والمنتشر بين الآداب العالمية[/font][font=&quot] . [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ويبدو أن المدينة التي انجبته قد استاثرت به طيلة حياته , ولم تستغن عنه إلا لبعض[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الوقت وآثرت أن يوارى في ثراها , فاختطفته يد المنون وتوفي - رحمه الله - في مدينة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بيازيد مسقط راسه سنة 1708 م[/font][font=&quot] . [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]إن لبطلي هذه القصة المؤثرة قبرين معرفين في جزيرة ابن عمر . وقد أقيم عليهما[/font][font=&quot] , [/font][font=&quot]فيما بعد , مدرسة كبيرة لطلاب العلوم الشرعية . والقبران جاثمان هناك لكل من يريد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]رؤية الحب الذي نبت في الأرض , وأينع في السماء[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]​
 
رد: قصة مموزين باللغة العربية

في محراب الإلهام[font=&quot]


[/font]تعال ايها الساقي فاملأ هذا الجام خمرا ... املأه من تلك الخمرة الوردية التي[font=&quot] [/font]اعتصرت من جنى الروح , واستخلصت من ذوب سر القلوب .ثم اسقنيها من شفاه كؤوسك الدرية[font=&quot] [/font]المجوهرة أقداحا إثر أقداح , اسقنيها نشوة تهيج مني فؤادي الغافي وتسكر عقلي[font=&quot] [/font]الحيران .(1[font=&quot])
[/font]وأنت أيها الشادي ...تعال فاجلس الى جانبي لتتم سكرة الروح بشجي من غنائك , أسمعني[font=&quot] [/font]أنغام الناي والكمان , أطربني بوقع الدفوف والألحان[font=&quot] .
[/font]أبهجوا عيني بمرآى الورود الفاتنة والأغصان المتمايلة , دعوا كل هذا ياخذ بمشاعري[font=&quot] [/font]وإحساسي ليسكرني عن هذا الوجود الذي حولي , فعسى أن تضمحل مني كثافة هذه المادة[font=&quot] [/font]والجسم فأظل قلبا وروحا , وأبقى معنى وإحساسا . وعسى أن يدكرني إذ يدركني إذ ذاك[font=&quot] [/font]فيض من نور القدس , فيعكس إلى نفسي قبسا من إشراقه ويقذف فيها نورا من ضيائه[font=&quot] , [/font]فيصفو مني القلب وتجلو أمام عيني أسرار هذه الحياة . لكي أغدو مع كل صباح فأترجم[font=&quot] [/font]للناس حديث النسيم مع الأغصان , وأشرح لهم مغازلة الطيور للأزهار , ولكي أسير مع[font=&quot] [/font]الأصائل فأقرأ لهم آيات الشمس المنبسطة فوق صفحة الخمائل والغدران , وأردد مع[font=&quot] [/font]العنادل والبلابل أنغام الحب والجمال , ولكي أسكرهم من جمال هذا الكون بخمر من مداد[font=&quot] [/font]قلمي , وأطربهم من ألحانه ببيان قلبي ولسني[font=&quot] .
[/font]هات أيها الساقي... هاتها كؤوسا مترعة من هذه الراح , لكي أنفض بها من قلبي أحزانه[font=&quot] , [/font]ولكي أغدو مخمورا بحرارة لذعها ويسكر مني العقل بنشوتها[font=&quot] [/font][font=&quot].
[/font]هاتها ليهيج مني الفكر فأنطق بأسرار القلوب , ولتستعلي مني الروح فأنثر من مكنون[font=&quot] [/font]المعاني ودرها , وأكشف عن خلجات النفوس ووجدها , وأبين عن آلام الأفئدة وحبها[font=&quot] .
[/font]سأرسلها أنغاما تطرب القلوب من غير أوتار , سأبعثها شذى عطرا يبهج النفوس من دون[font=&quot] [/font]أزهار , سأبعث اليوم تاريخا من الحسرات والآلام أغمض عينيه من دهر ونام , سأشعل من[font=&quot] [/font]جديد زفرات لمعت في صدور .. ونارا الهبت في قلوب , ثم خمدت بعد أن أحالتها إلى رماد[font=&quot] ! [/font]سأعيد الحياة بروح من بياني إلى ( ممو ) و ( زين ) ضحيتي نار الحب والغرام[font=&quot] . [/font]لأدواي قلبيهما بفيض من شعري وإحساسي , إذ لم يرحمهما أحد بدواء الوصل والإسعاد[font=&quot] , [/font]سأزيح للناس الحجاب عن قلب ذلك المسكين الذي كواه الحب المستعر وسحقه الكيد والحقد[font=&quot] , [/font]وعن قلب تلك البريئة الطاهرة طهارة المزن بين السحب . تلك التي أذابها الشقاء[font=&quot] [/font]واعتصرتها يد الظلم كما تعتصر الوردة الناعمة في كف غليظة قاسية . سألبس كلا من[font=&quot] [/font]هذين الحبيبين ثوبا مطرزا من بياني , ثم أرفعهما إلى أوج التاريخ فليخلدا وليخلد[font=&quot] [/font]صدى زفراتهما مدى الدهر والحياة , ثم ليمر من أمامهما كل مستعرض وناظر . فليبك أناس[font=&quot] [/font]حرمانهما واحتراقهما , وليفتتن آخرون بلطف (زين ) وجمالها[font=&quot] .
[/font]وعسى أن يسأل لي الرحمة أيضا كل من يسترحم لهما , وعسى أن يدركني أنا أيضا أثر من[font=&quot] [/font]عطفهم وقبس من دعائهم , وعسى أن يقول أناس : رحمه الله فقد وشى حياتهما بوشي جميل[font=&quot] , [/font]وغرس قصتهما في بستان الخلود[font=&quot] .
[/font]وعسى أن يتلطف الناقدون لسفري هذا في نقدهم , فهو وإن لم يبلغ درجة الكمال ولكنه[font=&quot] [/font]طفلي الغالي ... عزيز الى نفسي , مدلل عند قلبي , جميل في عيني . وهو بستان وإن كان[font=&quot] [/font]قد يرى بين ثماره ما هو فج غير يانع , غير يانع , غير أنها حديقة فؤادي وأزهار فكري[font=&quot] [/font]ولبي . وحسبهما من جهدي ما قدمت , وحسبي منها ما أثمرت[font=&quot]

1 [/font]الشاعر كما قلت في المقدمة صوفي النزعة وعلى جانب كبير من الدين والعلم[font=&quot] ... [/font]فحديثه عن الخمر والأقداح ونحو ذلك مما يعبر به كثير من الشعراء والمتصوفة على سبيل[font=&quot] [/font]المشاكلة والمجاز[font=&quot]



[/font]الجزيرة الخضراء[font=&quot]

[/font]حدث ذلك في حوالي عام 1393 م في جزيرة ( بوطان ) المعروفة اليوم باسم - جزيرة ابن[font=&quot] [/font]عمر - تلك التي تقع على شاطئ دجلة , وتمتد في اتساع شاسع بين الهاب والتلال الخضر[font=&quot] [/font]الواقعة في شمال العراق[font=&quot] .
[/font]واسم هذه الجزيرة يتألق في مقدمة ربوع كردستان التي يمتاز معظمها بقسط وافر من جمال[font=&quot] [/font]الطبيعة وبهائها , اذ ننشعب بين ريض طبيعية بديعة , وينعكس اليها من شائر أطرافها[font=&quot] [/font]بريق دجلة الذي يحف بمعظم جهاتها , كما يزيد في روعة جمالها جبالها الشاهقة في جو[font=&quot] [/font]السماء , التي تفاخر في علوها العجيب وفتنتها الخضراء معظم جبال العالم , وتنتشر من[font=&quot] [/font]حولها سر الخلود وآيات الجلال[font=&quot] .
[/font]وانبعثت حوادث هذه القصة من قصر أمير الجزيرة ( الأمير زين الدين ) , حيث كانت بلا[font=&quot] [/font]الأكراد آنذاك وما بعد ذلك العصر إلى أواسط عهد العثمانيين منقسمة إلى عدة إمارات[font=&quot] , [/font]يتولى إدارة كل منها أمير يتمتع بالجدارة والقوة[font=&quot] .
[/font]ولم يكن الأمير زين الدين ذا كفاءة عاليه فحسب ... بل كان يتمتع إلى ذلك بغنى واسع[font=&quot] [/font]وبمظهر كبير من القوة والسلطان . والغريب أن ذلك لم يكن ليمنعه من امتلاكه العجيب[font=&quot] [/font]لقلوب أمته , واكتسابه محبة سائر طبقات شعبه , مما أذاع اسمه مقرونا بالهيبة[font=&quot] [/font]والإجلال لا في بوطان وحدها , بل في سائر أنحاء كردستان وإماراتها[font=&quot] .
[/font]ولم يكن قصره الذي كان يرى من بعيد كأنه برج هائل , كقصور بقية الأمراء من أمثاله[font=&quot] , [/font]وإنما كان آية من آيات الفن والإبداع .. كان منتهيا إلى أقصى حد في البذخ المبذول[font=&quot] [/font]لتصميمه وتشييده وإقامة أبهته[font=&quot] ..!
[/font]ولم تكن في داخله أبهاء وقيعان فاخرة فحسب , وإنما كان يزدان أيضا بمتاحف تضم مختلف[font=&quot] [/font]العجائب والنوادر , وأنواع المجوهرات الغريبة والفاخرة[font=&quot] ..!
[/font]أما رحابه وشرفاته فكانت تميس بعشرات الغلمان .. وبمثل ذلك من أجمل الجواري[font=&quot] [/font]والفتيات ... يجبن في أنحائه , ويضفن على رحابه جوا سحريا يشع بالفتنة والجمال[font=&quot] .
[/font]غير أن الآية الكبرى للجمال في ذلك القصر لم تكن منبعثة عن أي واحدة من تلك اجواري[font=&quot] [/font]والحسان , وإنما كانت سرا لدرتين شقيقتين غير كل أولئك . خلقهما الله في ذلك القصر[font=&quot] [/font]، بل في تلك الجزيرة كلها مثلا أعلى للجمال ، ونموذجا كاملا للفتنة والسحر الإلهي[font=&quot] [/font]في اسمى مظاهرهما ، وكأنما أبدعتهما يد الخلاق هذا الإبداع العجيب في ذلك القصر[font=&quot] [/font]الرائع ليؤمن كل فنان بارع ، ومبدع وصانع ، بأن الجمال إنما هو هذا ..![font=&quot][/font]​
لا رصف[font=&quot] [/font]الأحجار وفن النقش وصنعة التلميع ، هذه فتنة تبهر القلوب وتسكر الألباب ، وذلك رونق[font=&quot] [/font]يبرق في الأعين ويزيغ بالأبصار ، وشتان ما بينهما من فرق[font=&quot] .
[/font]ولم تكن هاتان الشقيقتان سوى أختين للأمير زين الدين . كان اسم كبراهما ( ستي[font=&quot] ) [/font]وكانت بين البياض الناصع والسمرة الفاتنة / قد أفرغ الجمال في كل جارحة من جسمها[font=&quot] [/font]على حدة ، ثم أفرغ بمقدار ذلك كله على مجموع جسمها وشكلها ، فعادت شيئا أبرع من[font=&quot] [/font]السحر وأبلغ من الفتنة[font=&quot] .
[/font]وأما الصغرى واسمها ( زين ) فقد كانت وحدها البرهان الدال على أن اليد الإلهية[font=&quot] [/font]قادرة على خلق الجمال والفتنة في مظهر أبدع من أختها وأسمى[font=&quot] .
[/font]كانت هيفاء بضة ذات قوام رائع ، قد ازدهر في بياضها الناصع حمرة اللهب ، ذات عينين[font=&quot] [/font]دعجاوين أودعهما الله كل آيات الفتك واللطف التي تتسامى على التعبير[font=&quot] .
[/font]ولم تكن شقراء ، غير أن شعرها الاسود الفاحم - وقد أحاط كسحر الليل بوجهها الذي[font=&quot] [/font]قسمت ملامحه أبدع تقسيم وامتزج فيه عند الشفاه ولهب الوجنتين ببياضه الناصع - كان[font=&quot] [/font]يثخن الألباب فتكا ويغمر العقل سكرا[font=&quot] .
[/font]وكانت لها الى ذلك كله رقة عجيبة في روحها ، وخفة متناهية في دمها . فكانت في[font=&quot] [/font]مجموعها خلاصة لأروع أمثلة المال والخفة واللطف[font=&quot] .
[/font]وعلى الرغم من أن هاتين الغادتين كانتا لؤلوتين محجوزتين في صدفة ذلك القصر عن معظم[font=&quot] [/font]الأبصار ، فقد كان اسماهما ذائعين منتسرين في سائر أطراف الجزيرة بل في كثير من[font=&quot] [/font]بلاد كردستان ، يتخذون من شهرتهما المقياس الأعلى والمثل الكامل للجمال[font=&quot] .
[/font]وقد كان من الغريب في الواقع أن تخلق تلك الفاتنتان في قصر أمير بوطان لتصبحا أجمل[font=&quot] [/font]زهرتين تحبسان في رحابه عن الأنظار ، لولا أن الشعب الكردي عامة وأولي الزعامة فيهم[font=&quot] [/font]خاصة غرست في طبيعتهم غيرة ملتهبة لا تكاد تفارق جوانحهم ، مما يجعلهم يتحرجون من[font=&quot] [/font]اختلاط الجنسين ألا بمقدار ... هذا ألى أن شقيقهما الأمير كان قد أوتي مزيدا من هذه[font=&quot] [/font]الغيرة بين جانبيه ، وزادها ما كانت تتمتع به اختاه من ذلك الجمال النادر الذي أبى[font=&quot] [/font]إلا أن يذيع اسميهما في الجزيرة كلها وفي معظم البلاد الاخرى .. ولذلك فقد كان من[font=&quot] [/font]العسير جدا أن يكون لعشاق ذلك القصر الكثيرين نصيب منه غير السماع ... وتسقط[font=&quot] [/font]الأخبار[font=&quot]



[/font]عيد الربيع ( النوروز[font=&quot] (

[/font]كان الوقت أصيلا ، والناس يودعون يوم 20 مارس ليستقبلو من ورائه ربيع سنة جديدة ،[font=&quot] [/font]وكانت أعمالهم وحركات طرقهم وأسواقهم قد اتخذت مظهرا لنشاط جلي غير معهود . فقد كان[font=&quot] [/font]عليهم جميعا أن يتهيئوا ويستعدوا للخروج مع صباح اليوم الثاني إلى ظاهر المدينة[font=&quot] . [/font]ويقضوا بياض نهارهم فوق المهاد الخضر الوارفة ، وعلى ضفاف دجلة وفي سفوح تلك الجبال[font=&quot] . [/font]وذلك جريا وراء تلك العادة السارية في جميع أنحاء كردستان من الإحتفال في مثل ذلك[font=&quot] [/font]اليوم بشروق الربيع ويومه الجديد . فالطبيعة لها عليهم حق ومنة كبرى . ومن واجبها[font=&quot] [/font]عليهم أن يحتفلوا بها في مولدها الجديد ، فينطلقوا جميعا من كبير وصغير ورجل وأنثى[font=&quot] [/font]تاركين ورائهم كل آثار التصنع والتكلف التي تعج بها دنيا المدن والعمران ، الى حيث[font=&quot] [/font]تلوح صفحات الإبداع الإلهي الساحر . فيخشعون لها وحدها ، ويظلون معها في نشوة ومرح[font=&quot] [/font]إلى أن تتوارى عنهم شمس ذلك اليوم[font=&quot] ...
[/font]وكان مظهر هذا النشاط الملموح عاما في كل أرجاء الجزيرة وأطرافها ، لا سيما حول قصر[font=&quot] [/font]الأمير . فقد كان على رجال القصر وحاشيته أن يفرغوا مساء ذلك اليوم من تنظيم منهاج[font=&quot] [/font]لموكب الأمير الذي سيشرف بنفسه على مهرجان الربيع . وقد ينتهز الفرصة فيقوم أيضا[font=&quot] [/font]برحلة إلى الصيد مع جمع من رجاله وحاشيته . أما داخل القصر ، فقد كان أهدأ ناحية[font=&quot] [/font]فيه القسم الأعلى منه . كان خاليا تماما ليس فيه أحد إلا الأميرتان زين و ستي ،[font=&quot] [/font]كانت منحازتين إلى إحدى الشرفات ومتخذتين مجلسهما على بعض متكآت تلك الشرفة ترقبان[font=&quot] [/font]ساعة الغروب ، وترنوان إلى الأصيل والآكام ، وعلى صفحة دجلة الذي يتشعب ملتويا حول[font=&quot] [/font]معظم أطراف الجزيرة[font=&quot] .
[/font]قالت ستي : ’’ يبدو أنني لن أعثر على الرجل الذي أعجب به إلا أذا بلغ أثر جماله لدي[font=&quot] [/font]مبلغ فتنة هذه الطبيعة الحالمة وأثرها في نفسي[font=&quot] ..‘‘
[/font]فأجابتها زين : ’’ ولكن ويحك إن هذا يعني أن يكون ذلك الرجل بالغ الذروة في الجمال[font=&quot] . [/font]وأين تجدين من قد استقر فوق هذه الذروة ..؟ أم لعلك تحسبين أن الرجال كلهم يعيشون[font=&quot] [/font]في قصر مثل قصرك هذا ، وينشؤون في مثل ما أنت فيه من نعمة ؟[font=&quot] ‘‘
[/font]قالت : ’’ ولكن لا بد عند البحث أن يوجد مثل هذا الرجل الذي أتخيله وأعنيه[font=&quot] .‘‘
[/font]فأجابتها زين مستضحكة : ’’ ولكن كيف تستطيعين أن تبحثي عن رجل خيالك هذا ..؟ أم أنك[font=&quot] [/font]قد أصبحت رجلاًً كالرجال .. تداخلينهم وتستعرضينهم في أنديتهم ومجامعهم حتى إذا ما[font=&quot] [/font]عثرتي عليه أتيت به وركنت اليه ..؟[font=&quot]!‘‘
[/font]فأطرقت ستي متكئة ، وهي تداعب خصلات من شعرها ، ثم هزت رأسها وهي تقول : ’’ أجل ،[font=&quot] [/font]فالمشكلة إنما هي هذه فقط[font=&quot] ...‘‘
[/font]وعادت إلى السكوت[font=&quot] .
[/font]وبعد قليل انفجرت زين بضحكة عاليه .. ثم أسرت إلى أختها قائلة[font=&quot] :
’’ [/font]لقد وجدت لهذه المشكلة حلا فاسمعي[font=&quot] ...‘‘
[/font]واعتدلت في جلستها ، ثم دنت إلى أختها ، كأنما تخشى أن يسمعها أحد . وأخذت تقول[font=&quot] :
’’ [/font]تعلمين أن غدا هو عيد الربيع ، وأن أهل الجزيرة كلها سيخرجون في هذه المناسبة[font=&quot] [/font]إلى الحقول والرياض . ولا شك أن ذلك أجمل فرصة لما تفكرين فيه[font=&quot] ..‘‘
[/font]فقالت : ’’ ويحك وأين الحل في هذا ..؟؟ فمتى كانت النساء يمتزجن بالرجال في مثل هذا[font=&quot] [/font]اليوم الإمتزاج الذي تظنين ..! وهل تجهلين أنه ستكون لنا أمكنة خاصة من دون الرجال[font=&quot] [/font]، أم[font=&quot] ..‘‘
[/font]فقاطعتها زين قائلة : ’’ ولكنني لم أقل لك الحل بعد . أريد أن أقول إن أحدا من[font=&quot] [/font]الناس لن يبقى غدا في هذه المدينة ، وسيتلاقى كلهم في هذا الفضاء . فما علينا إلا[font=&quot] [/font]أن نتأخر عن موكب القصر غدا متظاهرتين بفتور وانحطاط جسمي يمنعنا من الخروج ، حتى[font=&quot] [/font]إذا خلا القصر خرجنا متنكرتين في لباس الرجال وهيآتهم ، ثم نندس في صفوفهم ولا شك[font=&quot] [/font]أنهم سيحسبوننا من شباب القصر وغلمانه . وأكبر الظن أننا سننجح في الفكرة ، وسيتاح[font=&quot] [/font]لكل منا أن تجد من بين مختلف شباب هذه الجزيرة الواسعة الأطراف من يروقها ويعجبها[font=&quot] .. ‘‘
[/font]ولم تكد زين تعرض الفكرة على أختها حتى أعجبت بها ، وسرعان ما اتفقتا على تطبيقها[font=&quot] [/font]في الصباح الباكر[font=&quot] .
[/font]ثم أخذتا تتحدثان عن وسائل تنفيذ الفكرة وعما يجب اتخاذه حيال ذلك من تدابير .. غير[font=&quot] [/font]أنهما اضطرتا أخيرا إلى قطع الحديث عندما تنبهتا إلى أن الشمس قد توارت في غيبها[font=&quot] [/font]منذ فينة ، وإلى أن الظلام الذي امتد على سطح الجزيرة وتكاثف فوق بيوتها التي راحت[font=&quot] [/font]تختفي عن الأعين مخلفة آثارها من الأضواء المتفرقة التي تشع هنا وهناك . وخشيتا أن[font=&quot] [/font]يحوم حول مجلسهما ذاك من يسمع شيئا من حديثهما الذي ينبغي أن يكون سرا لا يطلع عليه[font=&quot] [/font]أحد ، فطوتا الحديث ، وغادرتا الشرفة ، وأخذتا تتدرجان في الممشى الفسيح الذي يؤدي[font=&quot] [/font]إلى البهو[font=&quot] .
[/font]وهناك رأتا بعض غلمان القصر فسألتاه : ’’ أخرج الأمير من الديوان أم لا ..؟؟[font=&quot]‘‘ [/font]فأجابهما بأنه لا يزال في الديوان مع بعض رجاله ، يتحدثون عما يختص برحلة الصيد[font=&quot] [/font]التي عقد عليها العزم مع بعض أصفيائة في صباح الغد . ثم حياهما بانحناءة وانصرف[font=&quot] .
[/font]فسرهما هذا النبأ ... إذ كان ذلك من جملة الأسباب التي ستيسر لهما النجاح في تنفيذ[font=&quot] [/font]الفكرة التي اتفقتا عليها .. تلك الفكرة التي لم تكن سوى أثر لما تتمتعان به من[font=&quot] [/font]الجمال النادر ، إذ كانتا تتصوران أنه لا يكافئهما إلا من كان في مثل ذلك الجمال أو[font=&quot] [/font]نحوه . ولذلك فقد كانتا تتمنعان على كثير من الراغبين فيهما والطامعين بهما ،[font=&quot] [/font]انتظارا للفتى المناسب[font=&quot] ....
[/font]ثم إنهما تبادلتا التحية .. وإنصرفت كل منهما إلى مقصورتها الخاصة ، على أن موعدهما[font=&quot] [/font]الصباح[font=&quot] [/font][font=&quot][/font]​
[font=&quot] [/font]​
[font=&quot]...[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وفي صباح اليوم التالي أشرقت شمس بوطان على أسواق خالية ، وميادين خاوية . . فقد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]خرج جميع من فيها يستجلون العيد الذي أقبل يحييهم من فوق مسارح الطبيعة الغناء التي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]انتشت وازدهرت من جديد بعد أن ظلت منكمشة متوارية شهورا عديدة تحت أعاصير الشتاء[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وركام الثلوج[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]كان الناس كلهم ينتشرون بين أجواء خمرية ساحرة ، تتهادى على ضفاف النهر الفضي[/font][font=&quot] .. [/font][font=&quot]وفوق الروابي الخضر ..المطرزة بأبدع نقوش الزهور ، وفوق سفوح ’’ جودي ‘‘ المفروشة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بأبهى ديباجة من السندس المتألق[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وكنت تنظر إليهم فتمتد بهم العين في الجهات الأربع ، ثم لا تكاد تبلغ النهاية[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]تراهم خليطا متضاربا من شتى الطبقات والأشكال والاتجاهات ، قد امتزج فيهم الغني[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]والفقير ، وتحاذى الصغير والكبر وتلاقى المثقف والجاهل . فيهم العاشق الذي جاء[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ليغمر جراح قلبه بكؤوس من خمر النسيان .. وفيهم الشاعر الذي أطرق خاشعا يرنو إلى[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الفتنة الحالمة ، يستوحي منها آيات الإلهام ، وفيهم الفيلسوف الذي أسرته الحيرة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وملكه الذهول ، فهوى ساجدا لخالق هذا السحر والجمال[/font][font=&quot] ...!![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ولا بدع .. فالطبيعة أمهم جميعا من دون تفريق ، تحنو عليهم حنوا واحدا وتبتسم لهم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ابتسامة واحدة ، وتسقيهم حمياها من كأس لا تختلف . فلهم جميعا أن يثملوا اليوم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]برحيقها ويرقصوا في أحضانها ، وأن يجد كل في سرها دواء قلبه ، وعلى كل مظاهر الجمال[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الزائف وأشكاله المصطنعة أن تنتبذ عنهم إلى مكان قصي .. فالخمر هنا ليس إلا ما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]اعتصر من شذاها ، والجمال ليس إلا ما انعكس من بهائها[/font][font=&quot] ...[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ولكن أمرا واحدا غير هذا استطاع أن يلفت عقول الناس في ذلك اليوم في حيرة بالغة ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فقد كان في ذلك الجمع شابان لو أن تلك الطبيعة الخلابة استجمعت كل فتنها وسحرها ثم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أرادت أن تقذف بجميع ذلك إلى الدنيا في مظهر شابين فيهما كل تلك الفتنة وذلك السحر[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لما استطاعت أن تجود بأبدع منها وأجمل[/font][font=&quot] ..!![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]كانا يثيران عواصف الدهشة لدى كل من يلمحهما مما آتاهما الله من ذلك الجمال الغريب[/font][font=&quot] ..!! [/font][font=&quot]وكان لا يمر أحد من أولئك الحشد إلا وقفة الذهول فترة .. كأنما يتسائل : من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]عسى أن يكون هذان الشابان اللذان لا يبدو فيهما شيئ من كثافة الدنيا ..؟؟ ألعلهما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ملكان نزلا من سمائهما للمشاركة في هذا العيد ؟ !! أم هما توأمان لهذه الطبيعة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الخلابة .. جسدتهما في مظهر هذين الشابين هدية إلينا وشكرا لاحتفائنا بها ..؟[/font][font=&quot]!![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ولقد كان لهم في الواقع أن يعجبوا كل ذلك .. فإن ذينك الشابين لم يكونا سوى[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الأميرتين ستي وزين ..! خرجتا تشتركان في ذلك الإحتفال بعد أن تنكرتا في لباس[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الرجال وأشكالهم ، ليسهل عليهما استعراض ذلك الجمع الحاشد الذي قد تجد فيه كل منهما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فتى أحلامها ، والشاب الملائم لجمالها[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]بيد أن الأميرتين اللتين سحرتا الألباب لم تستطيعان العثور في ذلك اليوم على أي شاب[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بين ذلك الجمع الغفير يسحر لبهما ويحوز إعجابهما ..!! إذ كانتا تنظران إلى معنى[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الجمال بمقياسهما الخاص ، وتقدرناه بالنظر للمعجزة التي اختصهما الخلاق بها ! وأنى[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]للمعجزة الخارقة أن تظهر هنا وهناك ؟ وكيف يتأنى للمثل الأعلى أن يتخذ مظهره في[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أفراد عديدة .. كأي شيء آخر غير معجز أو غريب ..؟[/font][font=&quot]![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وهكذا ظل الناس بياض نهارهم ذاك يلهون ويمرحون على شطآن الأنهار وبين الورود[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]والأزهار ، وفوق الآكام والتلال وتحت ظلال الأشجار ، إلى أن هب النهار ليدبر ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وأخذت أشعة الشمس تتقلص نحو المغيب ، وظهرت ظلال الروابي والأشجار شاحبة متطاولة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بين الحشائش والأزهار ، وأخذت الشمس ترنو إليهم من فوق منحدرها صفراء ذاوية ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تحييهم تحية الوداع وتوقظهم من غمزة الخيال الحالم إلى مواجهة الحقيقة .. الحقيقة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]التي تطبع كل شيء بطابع الزوال والفناء ، وتحرمه من عظمة الخلود والبقاء[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ومع تلك التحية التي راحت الشمس تلوح إليهم بها قام الناس جميعا منصرفين إلى دورهم[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وعند الرجوع حيث كانت الطرق والشعاب تهدر بتلك الجموع من الرجال والنساء والولدان ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]عائدين إلى بيوتهم ، وقد انحازت الأميرتان في سيرهما إلى طريق بعيدة قليلا عن زحام[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أولئك النساء اللواتي امتزجن مع الرجال في ذلك الطريق ، حدث امر غريب[/font][font=&quot] ...!!![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فقد انتبهت الأميرتان إلى أن فتاتين من بين ذلك الحشد تقبلان نحوهما في خطى متعثرة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ووجهين مشدوهين ..! فأحرجتا .. ولك تشكا في أنهما فتاتين قد عرفتنا وألمتا بأمرهما[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ولكن الفتاتين ما إن دنتا منهما حتى أصابهما ما يشبه الدوار ، وظلتا تتقدمان إليهما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]، ثم وقفتا أمامهما ، وشخصت عيناهما في شكليهما ، ثم أخذت تترنح من كل منهما القامة[/font][font=&quot] ... [/font][font=&quot]ثم سقطت كل منهما على الأرض الواحدة تلو الأخرى ، في غيبوية كاملة عن الدنيا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وما فيها[/font][font=&quot] ..![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]أما الأميرتان فقد انتابهما ذهول شديد لذلك وتعلقتا بمعرفة تينك الجاريتين ومن عسى[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تكونان .. ومن أي طبقة هما ..؟ ولكنهما خشيتا لأن تقفا قليلا إلى جانبهما للوقوف[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]على سرهما ، فيلفت ذلك نظر الناس الذين يمرون على مقربة منهما ويجتمعوا عليهم[/font][font=&quot] .. [/font][font=&quot]فتظاهرتا بعد الانتباه إلى شيء غير طبيعي وأخذتا تواصلان سيرهما غير مكترثتين[/font][font=&quot] .. [/font][font=&quot]حتى إذا ابتعد الناس عن مكان الجاريتين وأدركتا أن الجموع قد تجاوزتهما عادتا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أدراجهما خلسة إلى مصرعهما وقد داخلتهما رحمة وشفقة شديدة عليهما[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ووصلتا إلى مكانهما .. وهما لا تزالان في غشيتهما تلك ، فجلستا إلى جانبهما تسرحان[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]النظر في ملامحهما ، وتمعنان في شكل كل منهما وهيئتهما التي قد تكشف لهما الستار عن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]شخصيتهما ولعلهما تذكران أتعرفانهما أم لا ؟ .. ولكنهما لم تعرفا عنهما شيئا ، ولم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تستطع إحداهما أن تتذكر أنها كانت رأتهما أو رأت واحدة منهما في يوم ما في أي مكان[/font][font=&quot] .![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]كانت على وجه كل منهما مسحة رائعة من الجمال مشوب بسيما الجلال ومعنى العزة . مما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يدل على أنهما تتمتعان بمكانة ذات سمو ..! وكانت ثيابهما متشابهة في طرازها وشكلها[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]، مما يدل على أنهما شقيقتان أو قريبتان .. أما أناقة ذلك الهندام وبداعة وشيه[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وطرزه فقد كانت تدل دلالة واضحة على مبلغ النعمة التي تتقلبان فيها[/font][font=&quot] ..!![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وأخذت الأميرتان ترنوان اليهما بعين من الأسى والإشفاق ، وهما مطروحتان فوق تلك[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الأرض ، وقد غمر كل منهما الإحساس في بحر لجي من الذهول[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]المطبق . وليس من حركة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فيهما إلا تنفس الصعداء الذي يمر في صدرهما جيئة وذهابا . وراح ذلك الإشفاق يستحيل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تدريجا بقدرة خالق الأرواح إلى حب غريب غير مفهوم[/font][font=&quot] .!![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وأخذت نظراتهما وهما جالستان إلى جانبهما في تلك البيداء تتسائل في عجب : أي روض[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ترى إخضر فيه هذان الغصنان ؟ وفي أي خميلة تفتحت هاتان الوردتان .!؟ أم أي الجداول[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]والغدران أكسبتهما سحرها ؟[/font][font=&quot]!![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ولم يطل جلوسهما .. فقد لمحتا على البعد فرسانا تجري بهم الخيول في بعض تلك الشعاب[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]باتجاه المدينة . فأدركتا أنهم الأمير وصحبه عائدين من الصيد ، وتذكرتا أن من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الأنسب عودتهما إلى القصر قبل وصول الأمير . فنهضتا تودعان الجاريتين اللتين لم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تزالا في غيبة عن رشدهما ، بعد أن عمدت كل منهما إلى الخاتم النادر الثمين الذي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يتلألأ في أصبعهما ، والذي نقشت عليه بوشي دقيق رائع من حجارة الماس والياقوت اسم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]صاحبته فألبسته إصبع كل من الجاريتين ، واستبدلتا به خاتمين بسيطين كانتا في يد كل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]منهما ، لينوب ذلك عنهما في التعبير عن تقديرهما والعطف عليهما ، ثم ليكون وسيلة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لهما فيما بعد إلى معرفتهما والإهتداء إلى أصلهما . وهكذا مضت الأميرتان بعد أن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]استعاضتا عن الدر والألماس النادرين خرزا وزجاجا بسيطين[/font][font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] * [/font][font=&quot]عيد الربيع الذي أشار اليه الخاني هنا هو عيد نوروز .. يحتفل به الأكراد والفرس[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]في الحادي والعشرين من آذار من كل سنة ... يحتفل به أبناء الشعب الكردي بالخروج إلى[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الطبيعة متزينين بالحلى الفلكلورية ...يعقدون حلقات الرقص والدبكات .. ويشعلون[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]النار التي ترمز إلى النار التي أشعلها ( كاوا الحداد ) قبل آلاف السنين معلنا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]نهاية الظلم والإستبداد .. رمزا للنصر والتحرر[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]​
 
رد: قصة مموزين باللغة العربية

[font=&quot]سر الجاريتين[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]لم تكن الجاريتان اللتان كان من أمرهما ما حدث من الصدمة والذهول امرأتان كما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تبدوان ..! وإنما كانا شابين بارزين من رجال ديوان الأمير ! كان أحدهما ابن الوزير[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الأول اسمه ( تاج الدين ) ، وواحدا من أشقاء ثلاثة عرفوا من بين سائر الحاشية[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بالنجدة والشجاعة الخارقة ، واقترنت أسماؤهم في أنحاء الجزير كلها بالهيبة والإجلال[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]، وكان للأمير اعتماد بالغ عليهم في كثير من ظروفه الخاصة والمناسبات . وكان اسم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أحد شقيقي هذا الشاب ( عارف ) والثاني ( جكو[/font][font=&quot] ) .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وأما الآخر فكان أحد سكرتيرية الديوان يقال له ( ممو ) وكان الصفي الوحيد لتاج[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الدين من بين شقيقيه وسائر أصحابه ، قد جعل الله بينهما من المودة والإخاء ما يندر[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]اتفاق مثله بين أي أخوين أو صديقين . ولعل الذي جمعهما على ذلك التحابب والإخاء ما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]عرفا به من تعلقهما الشديد للجمال . فقد كانا مولهين به ولها عجيبا في كل صوره[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ومظاهره ، وكان يبلغ بهما التأثر بحقيقته مبلغا فوق ما هو معتاد أو طبيعي ، كما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]كانا في شوق شديد إلى أن يلمحا ولو مرة في العمر هاتين الأميرتين اللتين ذاع[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]جمالهما في معظم جهات كردستان وبقاعها[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وقد كان هذا هو الذي دعاهما في ذلك اليوم إلى التنكر في لباس النساء وهيأتهن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]والظهور بمظهرهن ، فاستبدل كل منهما عن حلته بغلالة حريرية من أفخر أنواع الإستبرق[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]، وتمنطق في وسطه بمنطقة مزركشة من أفخر ما تحويه الغانيات الفاتنات . كما لف كل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]منهما على رأسه معجزا رائعا تتدلى من سائر حواشيه خيوطه الحريرية الناعمة ، وحبكه[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فوق جبينه حبكا فاتنا على نحو ما تفعله فتيات الأكراد ، وترك خصلا من شعره الطويل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تبرز من فوق الصدغين ، كأنهما سالفان رائعان يظهران من تحت ذلك المعجز البديع . ثم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]انطلقا يستعرضان الجمال في كلا مظهريه ، مظهر الطبيعة الحالمة والمروج البديعة ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ومظهر الوجوه الفاتنة واللحاظ الساحرة ، وكان أكبره همهما هو استجلاء جمال تينك[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الأميرتين اللتين سحرتا الجزيرة باسميهما ، وما زالا منذ أمد بعيد يترقبان الفرص[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]السانحة لرؤيتهما[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وفي أثناء رجوعهما مع الناس كانا قد انتشيا بروح الجمال وثمل عقل كل منهما بخمره ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فكان لرؤيتهما في تلك الساعة فعل الطعنة القاضية التي صدعت قلبيهما . ولم يكن ذلك[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]كله ليفقدهما الرشد والإدراك لولا أن حقيقة روحانية أجلَّ من ذلك ساورتهما وطغت على[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]مشاعرهما . كانت تلك الحقيقة هي الحب .. الحب الروحاني الخالص الذي يتسامى على[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الإعتبارات الجسدية ، وتعالى فوق حقيقة الجنسية من ذكورة وأنوثة . فقد مس كل من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]كليهما سويداء قلبه ، وانطلق تياره الخفاق منبعثأ في كل مداخل الروح الأخرى التي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]كانت تعلقت بها منذ الأزل ، ثم ضلت عنه في منحدرهما إلى خضم هذا العالم المتلاطم ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]حيث طفقت تبحث عنهما بين صور الطبيعة والأزهار . وتصغي إلى صوتها في غناء العنادل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]والأطيار ، وتفتش عن مظهرها في الوجوه والأشكال ، إلى أن التقت بها اليوم بعد الشوق[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]المستعر والفراق الطويل . فلا غرابة أن تذهل الروح في تلك الساعة عن جسمها ، ولا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]عجب حينئذ للعين أن تشخص وللعقل أن يتبدد وللإحساس أن يغيض . ولا غرابة أن يتغلب[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الحب .. فيصرع ذينك الفارسين ويطرحهما كفراشة بين أذيال اللهب[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وبعد هزيع طويل مضى من تلك الليلة ، استطاع الجسم أن يلفت إليه روحه ويستعيدها مرة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أخرى ، كما استطاع العقل أن يستيقظ ويؤوب إلى رشده[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]واستيقظ ممو وتاج الدين من غيبوبتهما ليجد كل منهما نفسه منطرحا بين تلافيف ليل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أسود مظلم قد توارت من سمائه النجوم ، في فلاة خاشعة لا تجوب على أرضها قدم ، ولا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يرفرف في سمائها جناح . وقد أطبق عليهما جوٌّ من النسيان والذهول ، فهما لا يذكران[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]شيئا مما حدث لهما ، ولا يعلمان ما الذي طرحهما في تلك الأرض وما السبب في بقائهما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]هناك . غاية ما استطاع كل منهما أن يشعر به في نفسه خفقان غريب في القلب ، وانهيار[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تام في الأعصاب وفتور عام في القوى ، وخبل شديد في الذاكرة[/font][font=&quot] ..!![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وبعد قليل نهضا في جهد ملموح وإرهاق واضح ليأخذ سمت طريقهما إلى المدينة حيث[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]استطاعا أن يصلا إلى داخل العمران بعد تحامل شديد وإعياء . وهناك حيا كل منهما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الآخر وانصرف إلى بيته[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ومضى يوم .. و يومان ... وما يقارب الإسبوع ..وكل من ممو وتاج الدين يقاسي آلاما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]غامضة تشتد ولا تلين !! وتزداد ولا تقل ، ويعاني شعوراً غريباَ لا يدرى سببه ولا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يدرك تفسيره . وأخذ إحساس كل منهما بمظاهر الأشياء وصور الناس يختلف عن الأول[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]اختلافا باديا ! فقد أصبح كل منهما يشعر بالوحشة من كل شيء ، ويحس بالملل من سائر[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ما كان يألفه . وكأنما كانت روح كل منهما تبحث في أعماق نفسه عن شيء عزيز افتقده ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وعن حقيقة ساميه لاحت لها ثم ضلت عنها ، ولكن ما هو ذلك الشيء ؟ ومتى أحس به حتى[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يشعر بأنه افتقده ؟ كل ذلك كان سرا غامضا عنهما ، يحومان حوله ولا يستطيعان اختراقه[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]وكانت غرابة ذلك الشعور وغموض تلك الأحاسيس يجعلان كلاً منهما متحفظا عن الإفضاء[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بذلك إلى صاحبه ، ويشعره بحرج من بيانه وإيضاحه له ، إذ قد يذهب حديثه الغامض مذاهب[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]كثيرة بصاحبه لتفسيره وكشفه[/font][font=&quot] ...[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]غير أن تلك الآلام والمشاعر المرهقة .. ما لبثت أن اتخذت مظهرها في صورة كل منهما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وأوضاعه . فقد أخذ يبدو ذلك جليا في ذبول شكلهما وفتور نشاطهما وكثرة تفكيرهما[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]مما يسر لكل منهما أخيرا سبيل الإفضاء بأمره وعرض شكواه وأوجاعه على الآخر ولكن دون[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أن يفيدهما ذلك في استجلاء شيء من الحقيقة أو فهم سرها المكنون ، اللهم إلا ما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يتبادلانه من المواساة ، وما يشعران به من الأنس ولو كان مجهولا مصدرها[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وبينما كانا ذات يوم مجتمعين في بعض خلواتهما ، إذ لمح تاج الدين في يد ممو خاتما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]من الجوهر النادر يتألق في إصبعه ، فأمعن النظر فيه قليلا ، ثم قال[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]لقد كان علي أن أبارك لك هذا الخاتم البديع ، ولكني لم ألمحه في يدك قبل اليوم ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فمتى استحدثته ؟[/font][font=&quot]‘‘[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فنظر ممو في أصابيع يديه ، وهو لا يدري شيئا عما يقوله تاج الدين ، ليجد في مكان[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]خاتمه قطعة من الجوهر الثمين لم يكن قط شعر بها من قبل ! وسرعان ما عمد إليها[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فأخرجها من إصبعه وقد استولت عليه دهشة بالغة ، ثم أخذا يمعنان فيه باستغراب وتعجب[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]وفي تلك الأثناء انتبها إلى اسم ’’ زين ‘‘ منقوشا عليه بأجمل وشي متألق من حجارة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الماس والياقوت ، وقبل أن يبدي ممو عجبه لذلك الخاتم الذي لا يدري عنه أي شيء لاحظ[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بوحي الحالة خاتما تماما في إصبع تاج الدين ..! وقد نقش عليه بمثل ذلك الوشي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]والطراز اسم ’’ ستي[/font][font=&quot] ‘‘ .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وغشيتهما الحيرة من جديد ، وازداد عليهما السر غموضا وأخذا يرددان في دهشة بالغة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]هذين الاسمين ’’ زين ‘‘ و ’’ ستي ‘‘ ، ولكن دون أن يتزكر أحد منهما من هما ستي وزين[/font][font=&quot] ...!![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وهنا رفع رأسه إلى ممو ، ونظر إليه كالمحموم قائلا[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]ويحك إنهما خاتما الأميرتين ... أميرتي الجزيرة ... شقيقتي الأمير زين الدين[/font][font=&quot] ...‘‘[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وعاد كل منهما يحملق في الخاتم الذي بيده مرة أخرى ، ويمعن في نقشه وتألقه الرائع[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]مما أكد لهما أن صاحبتيه ليستا سوى أختي الأمير .! ومن بين ذلك البريق المتألق أخذ[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]سرهما الذي كان غامضا يجلو ويبين ، وذهبت ذاكرة كلم نهما تعود أدراجها إلى الماضي[/font][font=&quot] .... [/font][font=&quot]الماضي الذي كان غيبا عنهما إلى تلك اللحظة[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]لقد تذكرا أنهما في يوم النوروز حاولا رؤية هاتين الأميرتين ، ولكنهما لم يريا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]واحدة منهما بين الوجوه والأشكال . ثم تذكرا ساعة العودة .. وتذكرا أنهما لمحا في[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تلك الأثناء شابين لا كالشباب .. كانا في غاية الروعة والجمال .. وأنهما قد دنيا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]منهما ليعرفا من يكونان ... و ... إلى هناك توقفت الذاكرة بهما ! غير أنهما لم يشكا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]في أن شيء غير طبيعي قد حدث لهما إذ ذاك بسبب ذينك الشابين ، وأن الغشية التي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]حبستهما في الفلاة تلك الليلة كانت من أثر ذلك الحادث ، ولا بد أن هذين الخاتمين قد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وجدا لديهما منذ تلك الليلة . وأخيرا استطاعا أن يتأكدا من أن ذينك الشابين لم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يكونا سوى الأميرتين اللتين كانا يبحثان عنهما ، وأنه قد قام لديهما أيضا ما كان قد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]قام في ذهنيهما من فكرة التنكر ... وإخفاء[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الحقيقة ... أما الخاتمان فلم يشكا في[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أنهما إنما تركتاهما في يديهما واستبدلتا بهما ما كان معهما لشعور جميل على الأقل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بادلتاهما به[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وبارتفاع الستار الذي كان حائلا دون فهمهما لتلك الآلام والاحساسات التي كانت[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تساورهما ، شعر كل منهما براحة وانطلاقة هدأتا من حاليهما . غير أن ذلك الشعور ما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لبث أن أوجد في نفس كل منهما تأثيرا مختلفا عن الآخر . أما تاج الدين فقد استطاع أن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يتغلب بذلك على آلامه ، وأن ينشط ولو إلى حد من ذلك الارهاق الذي كان يعانيه[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]وكأنما كان معظم آلامه تلك آتيه من تعمي الأمر وغموضه عليه . وأما ممو فإن انقشاع[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الحقيقة بالنسبة إليه ما لبث أن أضرم جذوة ناره وزاد في دقات قلبه ، وكأنما كانت[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]روحه قبل ذلك تائهة عن الطريق الذي اهتدت إليه ، ضالة عن الذات التي شغفت بها . أما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]اليوم وقد إتضح كل شيء ، وظهر انسان تلك الروح ، فهيهات منها الهدوء ما دامت بعيدة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]عنه ، وهيهات أن لا تثور وتضطرب إلا بعد أن تلقاه وتركن إليه[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وشعر تاج الدين بمعاني الأسى بادية في مظهر ممو فنهض اليه ، وألقى بيده على كتفه[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]قائلاً[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]إسمع يا صديقي : إن من الامعان في الخطأ أن نسلم أنفسنا إلى اضطرابات من هذا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]النوع ، فلن تكون النتيجة بعد ذلك سوى استفحال تأثيرها واشتداد وطأتها . ولا ريب أن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ذلك ليس مناسبا لمثلي ومثلك ... فكلانا في هذا البلد معروف بالجلد والإقدام وكل منا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تعرفه هذه الجزيرة بالبطولة والعزم والبأس ، فماذا عسى أن يكون أثر هذا الذي نعانيه[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]في سمعتنا إذا عرف ذلك غداً بين الناس ؟؟ وماذا سيلحق بنا إذا تسامع الناس بحديثنا[/font][font=&quot] ... [/font][font=&quot]وكيف أننا ونحن أولو العزيمة والشجاعة والبأس قد تخاذلت عزيمتنا وانهرات[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]شجاعتنا وتبدد بأسنا بسلاح امرأتين وقوتهما فقط ..؟؟ فلينهض كل منا من فراش هذا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الفتور ، ولنمط عنا رداء التوجع الوهمي الذي إنما أسبلناه نحن على نفسنا ولنتذكر[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أننا أشداء ... وأنه لا يمكن للوهن أن يتخذ طريقه إلى نفوسنا[/font][font=&quot] ..‘‘[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ولكن ممو لم يكن يبدو عليه أنه يعي شيئا مما يقوله تاج الدين ، فقد كان واضحا أنه[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]كان يقاسي آلاما عنيفة جلية في خفقات قلبه الظاهرة وعينيه المخضلتين . كان الاسم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الوحيد الذي يردده هو ’’زين ‘‘ ،وكان الشيء الوحيد المنتبه إليه هو الخاتم الذي في[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يده . فقد كان مرة يحملق فيه ، وأخرى يقبله ويظل ضاماً عليه شفتيه[/font][font=&quot] . [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وأخيراً نظر إلى تاج الدين وقال له[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]أخي : إن هذا الذي تحدثه الآن ليس ذلك الذي عرفته ، إنما هو اليوم انسان آخر ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فلا تبحث فيَّ عن شيء مما تسميه البأس والجلد والعزم . فقد والله فقدت كل ذلك ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وليس الذي تراه الآن إلا جسما متهلهلا قد عشش الألم في كل نقطة منه . وقلبا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]متأجاجاً تتقد فيه نار لا تعرف هولها ، أما الراحة والطاقة والجلد والصبر ، فقد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]انتهت علاقة كل ذلك من سائر جوارحي وجسمي فدعني على الأقل أستقبل قدري إن لم تكن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تشعر بالمعذرة لي[/font][font=&quot] ..‘‘[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ولم يكد تاج الدين يسمع هذه الكلمات من ممو حتى أيقن أن الأمر قد تجاوز به إلى حالة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لا تغني فيها النصيحة والإرشاد ، وامتزجت في سائر مشاعره رقة شديدة من أجله لم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يستطع حيالها إلا أن يعتصم بالسكوت[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]عجوز القصر[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ولنترك الآن حديث ممو وتاج الدين لنعود إلى القصر ونعلم ما الذي كن من أمر ستي وزين[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]، فلقد رجعتا في تلك الليلة أدراجهما إلى القصر ، واستطاعتا دخوله دون أن ينتبه أحد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]إلى حقيقتيهما . ودون أن يرتاب أحد من الحجاب في أنهما من بعض الغلمان الحسان في[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]القصر[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وما إن تجردت كل منهما من ذلك المظهر الذي تنكرتا فيه وجلستا تستريحان من النصب[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الذي لحقهما في ذلك اليوم حتى أخذت كل منهما تشعر بقلق واضطراب واضحين في نفسهما ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ولم تكن إحداهما تعرف شيئا عن سر ذلك القلق أكثر من أن له اتصالاً بتينك الجاريتين[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]اللتين حدث لهما ذلك الشأن العجيب . فقد كان منظرهما ، وهما على تلك الحالة من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الذهول وعلى وجهيهما تلك المسحة من الجمال المشوب بسما الوقار - ملازما لخلدهما[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]وكانت تتضافر على ذلك عدة عوامل ، بعضها غرابة ذلك الحادث الذي أصابهما ، وبعضها[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]التطلع إلى معرفة حقيقتيهما ومن تكونان من الناس ، وبعضها ذلك الشعور الغريب الذي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أخذ يساروهما نحو تينك الجاريتين المجهولتين من حنان وإعجاب بل وحب آخ في الزيادة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]والإشتداد رغم أنهما امرأتان مثلهما على ما تظنان وتحسبان[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وهكذا أخذ التفكير في الجاريتين يستولي تدريجيا على خيال كل منهما ، وبدأت تلك[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الأحاسيس تسيطر على قلبيهما ، فلم تكونا توجدان إلا مختليتين في بعض غرف القصر أو[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]جهاته تتهامسان في هذا الشأن وتتبادلان إفضاء خلجاتهما النفسية حول ذلك[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]غير أنه لم يستطع أحد من سكان القصر رغم ذلك ملاحظة حالهما تلك سوى مربية عجوز لهما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يقال لها ( هيلانة ) . كانت هرمة مسنة ، غير أنها أقوى من الدهر في مكره ، وكانت[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]متغضنة الملامح باهتة الشكل إلا أن ذكائها كان فتيا يلتهب . فقد أخذت هذه العجوز[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تلاحظ أن حالة طارئة تطوف بهما منذ اليوم الذي خرج فيه الناس إلى مهرجان نوروز ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ومضت تراقب فيهما تطورات تلك الحالة التي لك تلبث أن اتخذت مظهرهما في كثير من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أوضاعهما وأحوالهما[/font][font=&quot] ![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وفي صبح ذات اليوم استأذنت عليهما فوجدتهما مطرقتين ذاهلتين ، وقد أخذ التفكير[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]منهما كل مأخذ ، وتجلت مظاهر الحيرة والأسى على وجه كل منهما ، فدنت إليهما ، وجثت[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]على مقربة منهما ، ثم قال[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]بروحي يا أميرتيَّ الصغيريتين فديتكما ، وجعلت الله ربي حافظا لكما ، فأنتما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]انسان كل عين ، وحبة الشوق لكل فؤاد . يخيل إلي أن هذا القصر قد كمد بعض بريقه[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وتوارى من أنحائه الكثير من أنسه منذ اليوم الذي خرجتما فيه لمهرجان الربيع ثم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]عدتما بما تحملان من هذا الإطراق والتفكير والذبول .!! فهل لي أن أسأل عن السر الذي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]طواه مقدمكما ، أو عن الخمرة التي تسببت كل هذا في ذهولكما ؟ فقد أستطيع معونتكما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]في شيء إذا كان مستعصيا ، أو استخدام تدبيري وسحري إن كان خافياً[/font][font=&quot] ‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فنظرت كل من ستي وزين الواحدة منهما إلى الأخرى ، كأنما تتشاوران في إفضاء الأمر[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]إليه . ثم قال إحداهما[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]إن كل ما حدث لنا أننا أصبنا - على ما يبدو - منذ ذلك اليوم بضيق وكرب لا ندري[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لهما سببا ، ويبدو أن شيئا بسيطا من أثر ذلك لا يزال يساورنا[/font][font=&quot] .. ‘‘[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فأدركت هيلانة أنهما تحاولان كتم الأمر عنها . ودعاها ذلك الإدراك إلى ظن أن يكون[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الأمر حبا أو غراما انعقدت نواته لديهما في ذلك اليوم . إذ كثيرا ما يحدث فيه أن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يتصادف الشباب والفتيات وتتبادل الألحاظ مظاهر الفتنة والجمال ، ويحصل التعارف[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]والتعلق ... فدنت منهما ، ثم أخذت تقول لهما[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]يبدو أنكما يا أميرتيَّ لا تعلمان بعد مبلغ ما آتاكما الله من سحر وجمال ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وأنكما تجلسان منه على عرش عز على الدنيا كلها أن تجد لكما فيه نظيرا ، وإلا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لأدركتما أن كل جمال في هذه الجزيرة خاشع منحن أمامكما حتى تثيرا الحيرة من أجله[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وتذكيا نار القلب من ورائه ؟ وهلا أخبرتماني عنه حتى تعرفا كيف يأتي أسيرا في قيود[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الهوى ، ذليلا تحت سلطان هذا السحر ؟[/font][font=&quot]!! ‘‘ .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فأجابتها ستي[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]ليس هذا الذي تظنين أيتها الخالة هو السبب في حيرتنا ... إنما السبب في ذلك شيء[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]آخر ... كنا نود أن نستطيع إيضاحه والإبانة عنه حتى تعالجيه لنا بدهائك وتدبريك[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]ولكنه لغز ... لغز مقفل من كل جوانبه لا نفهم شيئا عنه . كل ما نستطيع بيانه هو أن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]نقول لك القصة التي جرت ... والأمر الذي رأيناه[/font][font=&quot] ...‘‘[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وهنا تبسطت العجوز في جلستها ، ومدت وجهها نحو ستي بعد أن أسندت أسفله إلى كفها[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]قائلة[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]حدثيني يا ابنتي عن القصة .. فلا بد لي إن شاء الله من كشف سرها وحل لغزها[/font][font=&quot] ..‘‘ [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ومضت تحدثها ستي القصة قائلة[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]بينما كنا نمشي في ذلك اليوم ... يوم الربيع بين المروج والرياض ، إذ فاجأتنا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]غادتين لم نر مثلهما لطفا وجمالا تقبلان نحونا في لهفة بادية وبخط متعثرة . حتى إذ[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أصبحتا على مقربة منا إذا بعاصف من الذهول الشديد يعصف بهما ويطرحهما في جانب من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تلك الارض ... ودنونا إليهما لننظر في شكليهما ونستكشف شخصيهما ، ولكننا لم نستطع[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أن نفهم عنهما شيئا ، فقد كانتا تبدوان غريبتين في زيهما وملامحهما[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ووقفنا فترة أمام منظرهما وهما في تلك الغيبوبة وقد سرى تأثير شديد منه إلى نفس كل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]منا ، وشعرنا بروحين سرعان ما طافتا حول قلبينا ثم استقرتا في سويدائه ... فإذا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بهما يخفقان بمعان كثيرة من بعضها الحنان والحب[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]كانتا تبدوان أيتها الخالة كأبدع كآسين صافيين ، وإن كنا نحن الخمر التي تترقرق[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فيهما ، بل كانتا كأجمل مصباحين مضيئين وإن كنا نحن النور المتوقد من ذبالتهما . بل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]كانت في شكل أزهى مرآتين وضيئتين ، وإن كنا نحن الشمسين اللتين تشعان منهما[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ثم تركناهما أيتها الخالة على تلك الحالة ومضينا ... دون أن نعلم ما الذي تم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بشأنهما . بل لم ندر أكان ذلك حقيقة أم رأته أعيننا ، أم حلما من أحلام تلك الطبيعة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]صورتها لنا خمرها ؟[/font][font=&quot]!! ‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فأطرقت العجوز برأسها تحملق في الأرض وقد أدهشها ما سمعت ، ثم نظرت إليهما وقالت[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]بل أظن يا أميريتي الصغيرة أن ذلك كما قلت حلما من أحلام الطبيعة .. أما أنه كان[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]حقيقة رأتها عيناكما ، وأما أنه يقينا قد تعلق قلباكما من كل ذلك الجمع الحاشد من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الشباب والفتيان بتينك الجاريتين المجهولتين . فذلك أمر مستحيل أو لعله واقع كما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تقولين ، ولكنكما تمنيتما مثل تينك الجاريتين أطفالا لكما . لا أنكما شغفتما بهما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]حبا من دون الرجال[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]من الذي - يا بنيتي - يصدق أن المرأة يتم جمالها إلا إذا كان الرجل هو مرآة ذلك[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الجمال ، ومن الذي يصدق أن الرجل يمكن أن يكون لجماله معنى لو لم تأت المرأة لتضع[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فيه ذلك المعنى ؟ وهل أثبت جمال ليلى وفتنة حسنها لو لم ينعكس إليها تاج ’’ خاسرو[/font][font=&quot] ‘‘ [/font][font=&quot]وسلطانه !! وهل سمع أحد في الناس أن زهرة قد افتتنت بالزهر أو أن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بلبلا غنى فوق[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أعشاش البلابل ؟؟[/font][font=&quot]![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]لا يا أميرتيَّ الفاتنتين ، ليس هذا الذي تقولانه إلا وهما من الخيال أو حلما من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الأحلام . فلا تدعا للوهم والأحلام مجالا إلى قلبيكما[/font][font=&quot] ...‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فابتدرتها زين قائلة[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]ولكنك قلت لنا أن لديك من التدبير والعزائم والدهاء ما تستطيعين الكشف به عن كل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لغز وخافية . فهلا استعملت شيئا من ذلك في حل هذا اللغز .. أم يبدو أن عزائمك قد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]خرفت وتقدم بها السن ، فلم تعد تصلح لشيء[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]أما أن حديثنا هذا خيال أو وهم فليس كذلك ، وما هو والله إلا الحقيقة التي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]شاهدناهما بأعيننا ، ولقد دخل حب تينك الجاريتين في قرارة قلب كل منا . وسواء[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أكانتا في الحقيقة ملكين أو شيطانين أو امرأتين ، فإن عندنا منهما هذا البرهان الذي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يؤكد أن ما رأيناه حقيقة لا خيال ، وهو هذان الخاتمان اللذان سللناهما حينذاك من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]إصبعيهما ليكونا عونا لنا في البحث عنهما[/font][font=&quot] ‘‘ .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وعمدت إلى الخاتمين فألقت بهما إليها[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فتلقفتهما العجوز ، ومضت تحملق فيهما وتقلبهما وتمعن في شكليهما ، ثم هزت رأسها[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وقال[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]أما الآن فأستطيع أن أفهم شيئا مما تقولان ، وأستطيع أن أقول لكما إني عثرت على[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]خيوط هذا السر الذي لا بد لي من كشف قناعه . ولكن لا بد لذلك لي من مهلة ، ولا بد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أيضا من بقاء هذين الخاتمين لدي[/font][font=&quot] ‘‘..[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فأجابتاها إلى ذلك بشرط أن تحافظ عليهما محافظة شديدة ، وأن تكتم الموضوع كتمانا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تاما عن كل واحد[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ثم إنها قامت عن مجلسهما بعد أن نفحتاها قسطا كبيرا من المال ، ووعدتاها بالمزيد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]عند نجاحها في المهمة[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وإن هو إلا أمد قصير حتى كانت العجوز قد أوصلت نفسها إلى شيخ هرم في بعض أجزاء[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الجزيرة أمضى حياته كلها في علوم الحرف وحسابه ، حيث نقدته دينارا ، ثم جلست إليه[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تقول[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]لي طفلان يتيمان أيها الشيخ هما سائر ما بقي لي من أمل في الحياة خرجا مع هؤلاء[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الناس - بحكم طفولتهما - إلى الفلاة في يوم عيد الربيع وهما بكامل وضعهما الطبيعي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وعلى أحسن ما يكونان رشدا وعقلا ، فلما جاء المساء عادا إلى البيت وقد تشعثت[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]هيأتهما ، وتمزق لباسهما ، ذاهلين لا يملكان وعيا ولا إحساسا ، مشدوهين كأنما قد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أصيبتا بمس في عقليهما . وهما - أيها الشيخ - إلى هذه الساعة على هذا الوضع الغريب[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الذي لم أفهم له تأويلا[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ولقد جئتك بخاتمين لهما ، لم ألمحهما في يديهما إلا منذ ذلك اليوم - ويخيل إليَّ أن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فيهما سر الخمرة التي أودت بعقليهما إلى هذا الذهول - لكل تستعين بهما في استخدام[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]طاقتك لاكتشاف حال هذين الطفلين وبيان حقيقة هذا البلاء المتشبث بهما ، أهو صرع[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وجنون .. أم خمر هو وعشق .. أم هو ماذا ؟؟[/font][font=&quot]!! [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ذلك رمز ألقيته إليك أيها الشيخ فافهمه . وهناك سر دفين في هذين الخاتمين فاعلمه[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]وحسبك أن ترشدني إلى صاحبيهما ، وتنبئني أهما ملكان يجوبان السماء ، أم شيطانان تحت[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الطوايا السبع ، أم بشران مثلنا فوق أديم الأرض ؟[/font][font=&quot]! ‘‘ .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فأخذ الشيخ الخاتمين ، ثم أكب على دفاتره وحسابه ... وأخذ ينهمك مرة في الحساب[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]والترقيم ، ومرة في الإطراق والتفكير[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وبعد قليل رفع رأسه إلى العجوز ، وأخذ ينظر إليها بعينين ذاويتين قد تغضن ما حولهما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]قائلا[/font][font=&quot] : [/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]أو لا بد من كل هذا الكذب والتزوير أيتها الماكرة العجوز ..؟[/font][font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]تقولين طفلاك اليتيمان .. فهلا صدقت وقلت الدرتان اليتيمتان والغادتان النادرتان ؟[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وتقولين صرع .. ومس .. وجنون .. فهلا أوضحت الحقيقة التي هي مس الروح للروح ، وتعلق[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]قلب بآخر ؟[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]أما هذان الخاتمان ، فليس صاحباهما ملكين في السماء ولا شيطانين من الجن ، ولكنهما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]شابان معذبان ضاع قلباهما منذ ذلك اليوم المشهود وراء هاتين الغادتين اللتين تقولين[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]عنهما ، طفلاك[/font][font=&quot] .‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فهز رأسه مطأطئا وهو يقول : ’’ من غير شك[/font][font=&quot] .‘‘ .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وهنا دنت إليه العجوز وقالت[/font][font=&quot] : [/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]ولكني كنت أود أن أعرف من أي الناس هما ؟ وكيف العثور عليهما ؟ ألا قل لي أيها[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الشيخ وأوضح ، فإن لك عندي فوق ما تريد إن أنت كشفت الستار عنهما ، أو أرشدتني إلى[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]جهتهما ومكانهما[/font][font=&quot] .‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فقال لها : ’’ أما هذا فليس لي إلى فهمه سبيل ، وكل ما وراء الذي أخبرتك عنه لا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يمكن الخوض في شيء منه إلا بالحدس والتخمين . غير أني أستطيع إرشادك إلى حيلة قد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تنفذين منها إلى معرفتهما والإجتماع بهما ، وهي أن تنطلقي في شكل طبيبة ماهرة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فتطوفي بمختلف أنحاء هذه الجزيرة وبيوتها ، وتلفتي الأنظار بلباقة وبراعة ، إلى أنك[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ذات خبرة ودراية بمختلف الأمراض النفسية والجسمية ، وأن لديك الوسائل المختلفة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لمعالجة مثل هذه الأمراض وماواتها . فلا ريب أن هذين الشابين معذبين اليوم ولا ريب[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أنهما إذ يسمعان بأمرك يستدعيانك لشأنهما ومعالجة أمرهما[/font][font=&quot] . ‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فأعجبت العجوز بهذا الرأي . ثم أعطته دينارا آخر ، وشكرته وانصرفت[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]​
 
رد: قصة مموزين باللغة العربية

الطبيبة السائحة[font=&quot]


[/font]لم تعد العجوز هيلانة - بعد مغادرتها لذلك الشيخ - إلى القصر ، وإنما بادرت في[font=&quot] [/font]إعداد العدة وتهيئة الوسائل لكي تصبح طبيبة . وبعد حين أصبحت ذات منظر جديد وشكل[font=&quot] [/font]غريب ... حيث ارتدت فوق ثيابها رداء سابغا فضفاضا قد شق من أمامه فبدا من تحته ما[font=&quot] [/font]علقته على كل من جنبيها من الحقائب التي ملأت بعضها بزجاجات وعقاقير . .. وحشت[font=&quot] [/font]بعضها الآخر مباضع وهنات مختلفة من كل ما يحتاج إليه الطبيب الماهر .. ثم استوت على[font=&quot] [/font]ظهرها وانطلقت تطوف بالأحياء ، وتؤم المجالس والبيوت ، تتسمع خبر أي مريض مطروح أو[font=&quot] [/font]متألم موجوع ، لكي تأخذ طريقها إليه متبرعة بمعالجته ومواساته[font=&quot] .
[/font]وهكذا بدأت توحي إلى الناس بأمكر أسلوب مبلغ ما اوتيته من براعة في فن الطب بمختلف[font=&quot] [/font]أنواعه[font=&quot]...
[/font]ولم تمض سوى برهة حتى كان اسمها قد انتشر في كثير من أنحاء الجزيرة ، وتسامع الناس[font=&quot] [/font]بأن عجوزا سائحة قد وصلت إلى الجزيرة ، تعالج أنواع الامراض والأدواء المختلفة[font=&quot] [/font]بمهارة فائقة . وكان ممو وتاج الدين إذ ذاك قد سائت بهما الحال أكثر من الأول وأصبح[font=&quot] [/font]كل منهما نهبا لأفكار وآلام متواصلة مما لفت إليهما أنظار ذويهما بل معظم أصحابهما[font=&quot] [/font]ولكن دون أن يعلم أحد بحقيقة الأمر أو يدرك شيئا مما حدث لهما[font=&quot] .
[/font]ولم يكن - في الواقع - منشأ تلك الآلام والأفكار واحداً بالنظر اليهما ، بل كان[font=&quot] [/font]مختلفا إلى حد بعيد . أما ممو فقد كان السبب في ذلك زيادة تعلقه وتفاقم وجده .. فلم[font=&quot] [/font]يكن يقر له قرارا أو يلين لجنبه مضجعا منذ عرف أن التي ضاع عندها رشده إنما هي[font=&quot] [/font]أميرة الجزيرة .. ومنذ أخذ يفكر كيف أن تلك الغادة الحسناء رأفت بقلبه ورقت لحاله ،[font=&quot] [/font]فتركت خاتما الدري في يده لكي ينوب إشراقه عن ابتسامتها عندما يغيب طيفها عنه ،[font=&quot] [/font]ولكي يقوم مقامها في مواساته إذا تلظى منه القلب . كان ذلك التفكير يستحيل نارا[font=&quot] [/font]تتقد في أحشائه وتسعر كل مشاعره وأحساسيه ، وكانت تزداد ثورة هذه الآلام في نفسه[font=&quot] [/font]حينما يقعد ليفكر في شخصه وفي مركزه البسيط الذي لا يجعله اهلا لأن يتقدر إلى[font=&quot] [/font]الأمير زين الدين لخطبة أخته . بل لا يعقل من الأمير أن يقبل مثله صهرا له من بين[font=&quot] [/font]مختلف أفراد حاشيته ووزرائه . فكان ذلك يزيد في آلامه مرارة اليأس , ويسلمه إلى[font=&quot] [/font]زفرات طويلة تكاد تشق صدره[font=&quot] .
[/font]أما تاج الدين فعلى الرغم من أنه أيضا كان متعلق القلب بصاحبة الخاتم الذي في يده[font=&quot] [/font]ومنصرفا بمشاعره نحوها إنصرافا تاما ، إلا أنه لم يكن يقاسي في ذلك مثل آلام ممو[font=&quot] [/font]وثوراته النفسية . ويبدو أن السبب في ذلك هو أنه كان ذا أمل قوي في الوصول إليها ،[font=&quot] [/font]ولم يكن يخامره شك في أن الأمير لن يتردد في قبوله صهرا له
[font=&quot].. فهو ابن وزير الديوان[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]، وهو أحد أشقاء ثلاثتهم عمدة الأمير في كثير من الظروف والاحوال ، والأمير نفسه[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يدرك أن مصلحته تقضي بإكرامهم وتقريبهم منه[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ولكن تاج الدين كان يعاني أفكارا أخرى تؤلمه وترهق مشاعره إرهاقا شديدا ، ولا يهتدي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]إلى مخلص منها ! فقد كان ممو كما قلنا صفيه الوحيد من دون الناس كلهم ، وكان ينزله[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]من قلبه منزله شقيقه .. بل أسمى من ذلك وأعظم .. ولم يكن يخفى عليه ما يقاسيه من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وجد وتحرق ..فكان يقعد ليفكر في أن مركزه كسكرتير للديوان لا يؤهله لأن يتقدم إلى[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الأمير بطلب يد أخته منه ، ولكن لا يعقل أيضا أن يمضي هو متنعما بمراده تاركا خليله[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الوحيد وراء ظهره يتقلب في ناره . فكيف التدبير وما العمل ؟! .. أيضحي بقلبه[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وسعادته من أجل صديقه ممو ويظل إلى جانبه يواسيه ويقاسمه ضره ؟ أم يبحث عن سبيل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لإمكان وصولهما معا إلى أمنيتهما المنشودتين ؟ ولكن كيف العثور على هذا السبيل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الخفي الشائك ؟؟[/font][font=&quot]!! ..[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وهكذا أضحى كلا الخليلين مظهرا للقلق والتفكير الدائم مما جعلهما محورا لتفكير[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الاهل والأقربين ، والحيرة في شأنهما[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وذات أمسية ، وبينما كان ممو و تاج الدين جالسين في ركن من قاعدة الضيافة التابعة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لدار تاج الدين وشقيقه مع زمرة من الأهل والأصحاب يتسامرون ، مرت من أمامهم الطبيبة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]العجوز وألقت التحية عليهم ، وكانو قد سمعوا باسمها وتذاكر معظمهم في استدعائها[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لعرض حالة ممو وتاج الدين عليها ، فردوا عليها التحية وطلبوا إليها الجلوس معهم بعض[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الوقت . وبعد أن استقر بها المجلس سألها عارف قائلا : ’’ من أين أنتي ايتها الخالة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وما شأنك ؟[/font][font=&quot]‘‘ .[/font]
[font=&quot] - ’’ [/font][font=&quot]أما أنا فمن قرية صغيرة تقع وراء لك الجبل وتبعد عنه قليلا ، وأما شأني طبيبة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أسيح في أنحاء البلاد لإغاثة المرضى ومعالجة شوؤنهم[/font][font=&quot] ..‘‘.[/font]
[font=&quot] - ’’ [/font][font=&quot]وما هي الأمراض التي تعالجينها ؟؟[/font][font=&quot] ‘‘ .[/font]
[font=&quot] - ’’ [/font][font=&quot]الواقع أنني اشتهرت في المهارة في معالجة الأمراض النفسية والروحية فقط .. غير[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أني استطيع بحكم مراني الطويل معالجة غير ذلك أيضا من الأمراض البدنية[/font][font=&quot] ..‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وهنا فاجأها تاج الدين من ركن بعيد في المجلس قائلا[/font][font=&quot] : [/font]
[font=&quot] - ’’ [/font][font=&quot]مذا تعرفين من الأمراض الروحية ايتها الطبيبة ؟؟[/font][font=&quot] ‘‘ .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فالتفتت العجوز صوبه واخذت تلحظه بعينيها الضعيفتين حينما كأنما تريد أن تعرف من هو[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]هذا الذي يسأل عن الروح وأمراضها[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ثم قالت[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]له وقد خالها شك في أن يكون هذا أحد اللذين تبحث عنها[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] -’’ [/font][font=&quot]أعرف يا ابني من هذه الأمراض أنواع كثيرة ، كنت قد عالجتها في كثير من الناس ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فهل تشكو - لا سمح الله - شيئا منها[/font][font=&quot] ‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وقبل أن يجيبها تاج الدين بادرها ممو قائلا[/font][font=&quot] : [/font]
[font=&quot] -’’ [/font][font=&quot]ما هو أشد أنواع هذه الأمراض أيتها الخالة ؟؟ وهل لكي أن تصفيه لنا وتحدثينا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]عنه ؟[/font][font=&quot] ‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فنظرت اليه وقد قوي شكها وغلب على ظنها أنها أمام ضالتيها المنشودتين . ثم تنهدت[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بعمق وقالت له[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]أشد أنواع هذا المرض يا بني ، نوع - لا أذاقك الله إياه - يسري من الألحاظ[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]ويسلك طريقه في الألحظ .. ثم يتخذ مستقره في القلوب . هو في أول أمره رعدة في[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]المشاعر ، ودقات بين ألواح الصدر ، وتلون على ملامح الوجه . فإذا نمى وترعرع فهو[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]برق يستعر وميضه في الأحشاء ، تتلظى الجوانح بناره من غير لهب ، ويشوى الفوائد في[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وهجه من غير جمر . ثم إذا استقر وتمكن فهو نهش وفتك لسويداء القلب ، يجرحه بلا مبضع[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]، وينزعه من غير سنان . فهناك يشخب دمه منهمرا من العينين ، ويذوب الجسم بين بوتقة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الحشا وزفرات الصدر . وهناك لا يغني الطبيب ولا عقاقيره ولا يجدي سوى أن تتضامن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الروح وتتطأ النار ببرد الوصال[/font][font=&quot] ‘‘ .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وسكتت العجوز هنا .. فقد لاحظت نشيجا قويا بدا يتعالى من صدر ممو الذي لم يعد يملك[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]دموعه ، واصفرارا شديدا تلطع به وجه تاج الدين الذي أطرق ذاهلا ، واتفتت إلى بقية[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الجالسين وقد خشعت ملامحهم ، وداخلتهم رقة شديدة من أجل ذينك المسكينين الذين لم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تعد تشك في أنهما ضحيتا الأميرتين في اليوم التاريخي الفائت[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ثم أنها قامت من مكانها تؤم الركن الذي كانا يقبعان فيه وربتت على كتفيهما قائلة[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]لا بد أنكما يا ولدي تعانيان مجهودا أو ألما من هذا النوع ، ولكن لاضيرعليكما ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فإن دوائكما عندي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ثم توجهت إلى بقية الحاضرين وقالت[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] -’’ [/font][font=&quot]لا بد لي من تشخيص أمر هذين الشابين ، ولابد أن يكون ذلك على خلوة معهما ، فهل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أستطيع أن التمس منكم الموافقه على ذلك[/font][font=&quot] !! ‘‘ .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وبعد قليل .. كانت الغرفة قد أصبحت خاليه إلا من المريضين .. وطبيبتهما التي أخذت[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تسرح فيهما وتقلبه لتجد شابين رائعين لم يتخطيا ربيع العمر ، تبدو على مخايل كل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]منهما معاني العز والمجد ، إلى جانب ما يظهر في شكليهما من سيما الروعة والجمال ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]على الرغم مما اصطبغت به ملامحما من مظهر الكآبة والإنكسار[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وبعد أن مضت تواسيهما مستدرجة لهما في الحديث عن شأنهما وقصتهما إلى أن فهمت كل شيء[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]، فابتسمت قائلة[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]ليطب خاطركما يا ولدي ولتقرعيناكما فما أنا والله إلا رسولا من أميرتي بوطان[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]إليكما لأسري عنكما وأواسي جرحكما ، وها هو ذا خاتم كل منكما[/font][font=&quot] ... [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ولم تكد العجوز تنطق بهذه الكلمات وتمد يدها لتريهما الخاتمين حتى دار بكل منهما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فضاء ، وغشيتهما موجة شديدة من الذهول لم يستطيع ممو أن يثبت بأعصابه أمامها فهو[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]كطفل صغير يقبل إلى أحضان العجوز يقبل أذيالها ويتشبث بأطرافها دون أن يملك رشدا[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]بينما ظل تاج الدين فترة من الوقت مشدوها يحملق في العجوز دون أن يستطيع نطقا أو[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يملك حراكا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]..[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]أما العجوز .. فما إن أبصرت منظرهما ذاك ، وما آلت إليه حالهما ، حتى داخلتها رقة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]شديدة من أجلهما ، وفاض قلبها حنانا لهما ورحمة ، فأخذت بيمين كل منهما قائلة[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]لا داعي إلى كل هذا الهم والغم يا ولدي ... فوحق الله المعبود لم أدعكما ما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]حفلني التوفيق حتى أبلغ بكل منكما إلى أمنيته وهواه .. ولن يطيب لي الموت إلا بعد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أن أراكم أنتم الأربعة ... وقد جمعكم الشمل وأظلكم نعيم الوصال وما على كل منكما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الآن - لكي أستطيع الشروع بالمهمة منذ الساعة - إلا أن يخبرني عن اسمه ويطلعني على[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]شأنه ومركزه في هذه الجزيرة . كما وأرجو وقد اتيتكما بخاتميكما أن تسلماني هذين[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الخاتمين لأعود بهما إلى صاحبتيهما تجنبا لإفتضاح الأمر .. ولن تطول غيبتي عنكما ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بل لا بد أن أعود إليكما قريبا بالجواب[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فتهللت أسارير تاج الدين ، وقام فأعطاها خاتم ستي الذي كان معه بعد أن عرفها باسمه[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وشأنه ، أما ممو فإنه أطرق قليلا ثم قال للعجوز[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]لعلكي يا سيدتي تعذرينني إذا قلت بأنه ليس بوسعي إعطاء هذا الذي تريدين[/font][font=&quot] .. [/font][font=&quot]ولعلكي تصدقينني إذا حلفت لكي بأن هذا الخاتم الذي عندي هو اليوم بقية روحي التي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تخفق بين جنبي ! ومن ذا يستطيع أن يعمد إلى روحه فينتزعها ؟! ... لا يا سيدتي[/font][font=&quot] ... [/font][font=&quot]إنني أتشفع إليك بناري التي تذيب أحشائي ، وأتوسل إليك باسم ( زين ) أن تتركيها في[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]هذه البقية من الرمق ، وتدعي هذا الخاتم في يدي[/font][font=&quot] ...‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وسكت قليلا كأنما يغالب آلاما تثور في نفسه . ثم مضى في حديثة يقول[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]والآن دعيني يا أماه .. وأنتي رسول قلبي الضائع ... أبثك رسالة نفسي إلى ربة هذا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]القلب : قولي لها أنه مسكين من الناس ... لا يبلغ أن يكون كفؤا لذوي الإمرة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]والسلطان . غير أن سهام الحب طائشة .. لم تكن تفرق يوما ما بين فؤاد مسكين وأمير ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وهو اليوم لا يتطاول إلى مركز ليس أهلا له ، ولكنه يتطلع إلى عطف من شأن الامراء أن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يشملو به عامة الناس ، وحسبه من هذا العطف أن تخطريه على بالك بين وقت وآخر .. وأن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تسالي عن حاله ولواعجه بين الفينة والأخرى[/font][font=&quot] ‘‘...[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فتأثرت العجوز من لهجة كلامه ، ولم تجد بدا من أن ترحمه فتدع الخاتم في يده . وبعد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أن حاولت مواساتهما فترة من الوقت قامت فودعتهما .. ووعدتهما في العودة بأقرب حين[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]إنه الحب[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ولنسرع الآن إلى القصر قبل عودة العجوز ، لنعلم ما الذي آلت إليه حال ستي و زين ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]منذ أن خرجت من عندهما ولم تعد[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]والواقع أنهما أخذتا تنتظرانها على أحر من الجمر ، وترقبان رجوعهما بين كل ساعة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وأخرى . فقد تركتهما لتذهب فتستكشف لهما السر المخبوء ، وتأتيهما بالخبر اليقين عن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]حقيقة تينك الجاريتين اللتين شغلتا قلبيهما و فكريهما ، ولكنهما ذهبت ولم تعد[/font][font=&quot] .. ! [/font][font=&quot]وبطول غيبتها عنهما استبد بهما القلق وزاد اضطرابهما ولم يعد يقر لهما قرار ، ويهنأ[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لهما مأكل أو مشرب ، وأخذ الفكر يذهب بكل منهما مذاهب متشعبة فيما يمكن أن يكون[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]السبب في تأخر عودة العجوز[/font][font=&quot] ![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وبينما كانتا ذات يوم جالستين في إحدى مقصواتهما الخاصة من القصر تتحدثان ، إذا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بطارق يستأذنهما في الدخول . وما إن توجه نظرهما نحو الباب ، حتى أبصرتا العجوز[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بوجهها المتغضن وظهرها المنحني واقفة أمامهما ، ترمقهما بابتسامة عريضة ذات مغزى[/font][font=&quot] ...[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وهبت الأميرتان تطوقانها ، وتبثانها شوقهما ، ثم أسرعتا فأجلستاها بينهما ، وأخذتا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تسألانها عما استطاعت أن تصل إليه في كل هذه الغيبة من المعلومات ، وعن مدى ما كشف[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لها علمها وبحثها عن سر تينك الجاريتين ومكانهما[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فقالت لهما وهي لا تزال تلهث من التعب[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] -’’ [/font][font=&quot]أقسم لكما أميرتيّ بالخالق الذي أولاكما هذا السحر والجمال أنني آتية الآن من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]عندهما . وإن قلبي لا يزال يخفق رحمة وحنانا لمنظرهما . وا كبدي لهما يا ابنتي[/font][font=&quot] ... [/font][font=&quot]كلما سمعا باسم ستي وزين التهب فيهما الدم نارا ، وتمشت في أوصالهما رعدة تثير[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الرحمة لهما والإشفاق[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]هما والله يا ابنتي خير شابين أبدعهما الله لطفا وجمالا وشهامة وكمالا . وما عجبي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]من ذلك بمقدار عجبي من أنكما - فديتكما - كيف وفقتما لانتقائهما . واهتديتما في ذلك[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الجمع الحاشد إلى مكانهما ! فهما والله - سواء أكانا أميرين أم زعيمين أم بسيطين من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الناس - خير كفؤين لكما ، ولائقين لجمالكما[/font][font=&quot] .‘‘[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وكان طبيعيا هنا أن تتملك كلا من ستي وزين حيرة بالغة وتطوف بهما دهشة شديدة من هذا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الكلام . فقد كانتا تتصوران كل محتمل لشأن الجاريتين ، سوى أن تكونا رجلين من الناس[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]قام فيذهنيهما ذلك اليوم مثل ما قام لديهما أيضا من التنكر وإخفاء الحقيقة ... فلم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يكن ذلك الحتمال ليتطرق إلى خيالهما قط[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]واستفاقا من حيرتهما ودهشتهما لتشعرا بلواعج حب شديد قد ظهرت في مشاعرهما ، وأخذت[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تتضرم سعارا في قلب كل منهما . كانت في الماضي آلاما واضطرابات حول السر المخبوء[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الذي لا تعرفانه ، ولكنها اليوم أصبحت حقيقة أخرى ذات خطورة أشد .. فهي الحب[/font][font=&quot] .. [/font][font=&quot]الحب الذي بدأت رعدته تسري في مشاعر كل منهما من الفرق إلى القدم[/font][font=&quot] ![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ثم أنه لم يطل التفكير في الموضوع بعد أن شرحت العجوز لهما عن تاج الدين وممو كل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]شيء .. وبعد أن نظرتا حولهما فلم تجدا سوى العجوز التي قد أضحت خبيرة بحالهما مطلعة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]على سرهما . فقالت لهما إحداها[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] - ’’ [/font][font=&quot]لعله ليس خافيا عليك - أيتها الخالة - أن خبرك هذا زاد في قلب كل منا آلاما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]طارئة .. وأرهق مشاعرنا بإحساسات جديدة .. ولسنا نرى غيرك الطبيب لآلامنا ، ولن نجد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]إلا لديك العلاج لقلبينا . ولن نقدر أن نتصرف في شىء من هذا الأمر إلا بسعيك ، ولا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]نتكلم عنه إلا بلسانك . فهل لك أن تتحملي من أجلنا شيئا من الجهد وتكوني لسننا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الناطق في هذا السبيل[/font][font=&quot] !‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فأجابت العجوز متهللة[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]إنني منقادة يا أميرتيّ كل ما تبغيانه وتأمرانني به . وأي جهد هذا الذي سيلحقني[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]في سبيل إسعادكما ؟ بل أية راحة سأشعر بها ما دمتما معذبتين كما أرى ؟[/font][font=&quot] ‘‘[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فقالتا لها[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]إن كل ما نبغاه هو أن تسرعي فتعودي إلى ذينك الشابين لتنوبي عنا في مواساتهما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ومعالجة شأنهما ، إذ لا ريب أنهما الآن يعانيان مزيدا من الآلام التي حدثتنا عنها[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]هدئي أيتها الخالة من كربهما ، وامسحي بدلا عنا بيمينك زفراتهما ، قولي لهما[/font][font=&quot] : [/font][font=&quot]انعما بالاً ، فلستما وحيدين في هذه المشاعر والآلام . إن تينك اللتين صرعكما حبهما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]في ذلك المساء ... بين تلك الشعاب ... تذوقان معكما على البعد مثل ذلك . كان قبل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]اليوم عطفا عليكما ورقة من أجلكما ، وهو الآن حب يخفق به قلبيهما كما يخفق منكما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ذلك وتقاسيان منه كما تقاسيان ولئن استطعنا أن نكتم هذه اللواعج إلى اليوم ، فإن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ذلك لسلطان الحياء و حاجبه المسدل علينا .. و لقد آن لهذا الحجاب أن يزاح عنكما[/font][font=&quot] .. [/font][font=&quot]لتعلما أننا قد ارتضيناكما رفيقني لحياتنا حسب الإختيار الذي دل عليه خاتم كل منا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]منذ لقائنا في ذلك اليوم المشهود . ولكل منكما إذا شاء أن يتقدر اليوم إلى الأمير[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لخطبتنا منه . فيسع إليه عن كل منكما أناس يعرضون عليه الخطبة . وآخرون من ذوي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الشأن يتوسطون إليه في رجاء القبول . أما المكان والشأن .. والغنى والمال والمهر[/font][font=&quot] .. [/font][font=&quot]فقولي لهما أنهما رضيتا من ذلك كله بالحب الذي خفق في قلبيهما منذ ذلك اليوم واتضح[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]مدى إخلاصه[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وكل ما امتدت إليه طاقتهما بعد ذلك من الدنيا وأسبابها فهو منهما مقبول وجميل[/font][font=&quot] .. [/font][font=&quot]هذه هي رسالتنا - أيتها الخالة - بلغيها عنا إليهما على أحسن وجه ، فعسى الله أن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يكون مقدرا لنا في أزله سعادة الواصال ، كما قدر علينا في غيبه ارتشاف كأس هذا الحب[/font][font=&quot] . ‘‘ .[/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]البشرى[/font][font=&quot][/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ليس أجمل لنفس العليل المدنف الذي تسعرت جوانحه في سموم الحب من ساعة تفجؤه ببشارة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الوصل والرضى ، وتحمل إليه من محبوبه صوت الحنان والعطف فينتفض قلبه بذلك من مرارة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]اليأس وآلامه . إن فيها لحنا تعجز عن أداء مثله الأوتار ، وجمالا لا يشع مثله من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]منظر الخمائل والزهور ، وفيها نشوة لا ينبعث سرها من سائر أنواع الخمر[/font][font=&quot] .![/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]إنها تلك الساعة التي طنت دقاتها في مسمع ممو وتاج الدين حينما عادت العجوز إليهما[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بمظهرها الأول حيث أهدتهما البشارة على أحسن وجه ، وبلغتهما رسالة الأميريتن بالنص[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]ولم تكن رسالة وبشرى فقط بل كانت بلسما لدائيهما ، وروحا جديدا سرت في جسميهما[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وغمرت العاشقين لحظات من النشوة والفرح ، وطاف بهما من حديث العجوز أريج عطري بديع[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]، وتموجت في سمائهما من صداه أنغام سحرية سرت في مشاعرهما ، وأسكرت لبهما . ثم قام[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فنفح كل منهما طبيبته المبشرة ما استطاع من الهدايا والمال لقاء تلك البشرى التي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]زفتها إليهما[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وهب الصديقان يسرعان إلى الأقارب والأصحاب يقصان عليهم لأول مرة قصة حبهما ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ويبلغانهم البشرى التي وصلتهما . فعمهم الابتهاج والفرح ، لا سيما عارف وجكو اللذين[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]كانا في حيرة بالغة من أمر أخيهما تاج الدين وصديقه[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وفي صباح اليوم التالي تألف منهم جمع من وجوه الجزيرة وأعيانها وعلى رأسهم شقيقا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]تاج الدين ، وانطلقوا متوجهين إلى قصر الامير زين الدين ليكلموه في الشأن ويلتمسوا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]منه قبول هذين الصديقين صهرين له . ولكنهم رأوا فيما بينهم أنه لا بد لكي يضمنوا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]إجابة الأمير لخطبة ممو أيضا أن يلتمسوا أولا يد الأميرة ستي لتاج الدين دون أن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يذكروا شيئا عن صاحبه ، فإذا ما أجاب اتخذوا من ذلك فيما بعد وسيلة لالتماس يد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الأميرة زين لممو ، وسيمهد ويهيئ لذلك ما سيحدث من احتكاك ممو بالقصر وتقربه إلى[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الأمير بسبب ما بينه وبين تاج الدين من المودة والعلاقة الشديدة[/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ودخل الوفد ديوان الأمير .. وأدوا أمامه مراسم التحية والإجلال .. وبعد أن استقر[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بهم المكان نهض عارف مستأذنا الأمير في الكلام ثم قال[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] - ’’ [/font][font=&quot]مولاي صاحب السلطان : إن لنا في عطفكم الذي امتد ظله مع امتداد سلطانكم الشامل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ما يشجعنا على أن نعرض في رحابكم هذا الرجاء[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]لا ريب يا مولاي أن العزيز منا من شرفته بعنايتك ، ولا يفيده بعد ذلك أن تحاول[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الدنيا إذلاله ، والمهين من حرم من عطفك ، ولا تغنيه بعد ذلك أي قوة يركن إليها أو[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]سلطان يعتز به[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وإن تاج الدين يا مولاي وإن كان له في سلالته فخر الإمارة والمجد إلا أن شيئا من لك[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لا يقدمه إن لم يشرفه فخر النسبة إليك .. وهو اليوم يأمل من مولاه أن يتفضل عليه[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بفخر هذا النسب .. ملتمسا منه يد الأميرة ’’ ستي ‘‘ ولقد سعينا إلى رحابكم لعرض[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]رجائه هذا مع عرض أملنا عليكم في قبول هذا الرجاء . فهو يا مولاي أخلص خادم يستأهل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]عطفكم ، ولعله أليق شاب بالتشرف بمصاهرتكم[/font][font=&quot] . ‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ثم عاد عارف فجلس في مكانه . وتعلقت أنظار الجميع بشفتي الأمير ينتظرون جوابه[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]ولكن الأمير لم يطل تفكيره ، بل سرعان ما نظر إليهم قائلا[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]الحق أنه ليس لدي ما يمنعني من الإجابة إلى ما تطلبون ، بل أنا سعيد بموافقتكم[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فيما أجمعتم على رؤيته لائقا وموافقا . فليتقدم إلينا من كان وكيلا عن تاج الدين في[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]هذا . واطلبوا لنا القاضي الذي إليه إبرام العقود ، فقد قررنا عقد نكاح ستي على تاج[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الدين منذ الآن[/font][font=&quot] . ‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فهب جكو من مكانه منكبا على يد الأمير يقبلها ويشكره بحرارة ولهفة وتابعه الجميع[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يشكرونه على تفضله وعطفه . بينما تابع الأمير حديثه قائلا[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]لا ريب أن هذا الشاب قد أمضى أياما طويلة في خدمتنا ووقف حياته بإخلاص لنا . وإن[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]من شروط الوفاء علينا أن نقدر فيه إخلاصه ، ونؤديه حق خدمته ، وأن نقوم بواجب هذا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الوفاء له اليوم . ولا بورك لي في الإمارة والسلطان إن لم أعطه حقه كاملا غير منقوص[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]، وإن لم أجعل له في رحاب قصري هذا محفلا تزدان فيه الولائم والأفراح ليالي وأياما[/font][font=&quot] ‘‘ .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ثم التفت فاستدعى رجال القصر قائلا[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]عليكم أن تبادروا من الآن في إعداد العدة وتهيئة الوسائل والأسباب لإقامة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الأفراح ومجالس الصفو والمرح . هيئوا لها كل ما طاب من أنواع الشراب ، وادعوا إليها[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]كل أصحاب الطرب والغناء ، فلسنا نضمن من الحياة إلا هذه السويعات التي حولنا .لسنا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ندري وليس أحد يدري أسوف نظل في مثل هذا الحين من الغد نملك حياتنا ، أم سيتخفطها[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]منا القدرالمحتوم[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]هذه الحياة وبهجتها ، وهذا السلطان وأبهته ، وهذا الفلك الدائر من حولنا ، كل ذلك[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]مظاهر لااطمئنان إليها ولا أمان لها ، هذه الأشكال التي يتضرب فيها النور الساطع[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بالظلمات القاتمة ، وهذه الصور التي تمتزج فيها النور الساطع بالظلمات القاتمة ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]وهذه الصور التي تمتزج فيها مباهج الأفراح والأعراس بمآسي المآتم والأحزان ، كل ذلك[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يحذرنا من تفويت الفرص بعد حلولها وينبهنا إلى تدارك ساعات اللذه قبل غروبها[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]فالدهر لم يكن يوما ما يفرق في خداعه بين شيخ وأمير ، وسلطان وفقير[/font][font=&quot] ‘‘.[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ثم التفت إلى شقيقي تاج الدين ومن معهما ، وابتسم قائلا[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]فلأكن واحدا منكم من أجل تاج الدين اليوم . ولتحسبوني من جملتكم في السعي إلى[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]هذا الطلب ، والقيام في سبيل إرضائه[/font][font=&quot] ..‘‘[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وفي مساء اليوم التالي كان القصر قد أمسى قطعة من الفردوس ، مما كان يتألق فيه من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]مظاهر البهجة والزينة وتتراقص في كل أنحائه كل معالم المرح والترف ، كما غص كل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]نواحي القصر وأطرافه بمختلف الطبقات والأشكال من الناس . وأقيم في ردهته المتسعة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]خوان عظيم امتد به الطول والعرض امتدادا شاسعا ، وصفت من فوقه عشرات الطباق الفضية[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]التي استدير بعضها على شكل نجوم ، وقوس بعضها الآخر على شكل أقمار ، وأقيم فوقها[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]قباب من أغطيه فضية تتألق في هندسة ما تحتها وشكله ،وقد كمن تحت كل منها خروف مشوي[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]لم تمس هيأته ولم يتغير شكله ، كما حشر بين ذلك مئات من أطباق الفاكهة والحلوى[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ومختلف ألوان الطعام و نثرت في سائر الأطراف كؤوس يترقرق فيها ألوان الشراب[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ولم يكد العشاء يرتفع حتى بدأ الحفل من جديد ، واتخذ الناس أمكنتهم في الشرفة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الواسعة التي تطل على حديقة القصر . وجيء بمختلف ألوان الشراب في أباريق مفضضة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بديعة ، يديرها غلمان قد أفرغوا في أروع قالب من اللطافة والخفة والجمال . وأدير[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أرق أنواع العطور ، فانتشر شذاها في الحاضرين متهاديا مع نسيم الليل وأضوائه . ومع[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]حفيف ذلك النسيم أخذت أصوات الغناء تنساب إلى الآذان في جو حالم خلاب بألحان الفرح[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]والبهجة . فرادى حينا ، وحينا تنساب أصواتهم جميعا في مقامات وألحان سحرية تتردد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]أصؤها حلوة بديعة بين حفبف تلك النسمات العطرة التي تداعب القوم في سكون حالم[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وفي تلك الأثناء أخذت أنظار الجميع ترتكز على مقعد في صدر المكان ، حيث كان يجلس[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]فيه تاج الدين ، وقد بدا في عينيه بريق الأمل السعيد ، وتجلت في ملامح وجهه فرحة[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]السعادة . وكان كل من يدقق في نظرته يدرك بسهولة أنه لا يكاد يرفع بصره عن ناحية[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]بعينها في ذلك المجلس ، فإذا ما تبع بصره إلى تلك الناحية رأى هنالك ’’ ممو ‘‘ وقد[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]جلس جلسة تدل على أنه منطو على نفسه انطواء تاما ،فهو لا يكاد يشعر بشيء مما حوله[/font][font=&quot] . [/font][font=&quot]ونظرة في عينيه الذابلتين ، وفي ملامح وجهه الذي أماله وأسنده على ظهر كفه في[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]إطراقة طويلة - تدل على أن شيئا من سحر ذلك الجو وجمال تلك الأوتار والألحان لا[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]يلامس نفسه ، اللهم إلا لمسة عابرة غير مبالية ، كأنما تقول له : ’’ لا أعرفك[/font][font=&quot] ... [/font][font=&quot]ولست من أجلك[/font][font=&quot] ..‘‘[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]و بينما الناس في تلك الأثناء إذ سكت كل شيء .. وهب الناس جميعهم قياما .. فقد دخل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]الأمير في تلك الساعة . وقبل أن يصل إلى الصدر الذي كان يجلس تاج الدين في بعض[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]مقاعده نهض هذا من مكانه مسرعا فقبل يده . فأخذ الأمير بيمينه ومضى به فأجلسه إلى[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]جانبه بعد أن أشار إلى الحشد الكبير بتحية باسمة[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]ولم يكن يخفى على الأمير أن بين تاج الدين وممو ودا شديدا ومحبة صادقة ، فأخذ يجيل[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]النظر في هدوء باحثا عنه إلى أن عثرت عيناه عليه ، ورآه ساهما مطرقا . فأدرك أنه[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ربما أوحشه أن يكون بعيدا عن صديقه في هذا الحفل الذي يقام من أجله ، فاستدعاه إليه[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ثم قال[/font][font=&quot] :[/font]
[font=&quot] ’’ [/font][font=&quot]أنت صديق تاج الدين وصاحب وده . وليس ثم أقرب منك إليه وأليق بأن يكون ’’ حفيظه[/font][font=&quot] ‘‘* [/font][font=&quot]منذ الليلة إلى آخر أيام عرسه . فتعال واجلس إلى جانبه هنا[/font][font=&quot] .‘‘[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]فانحنى ممو للأمير قائلا :’’ أمر مولاي .‘‘ ثم تراجع وجلس إلى جانب تاج الدين[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]وعاد الطرب والغناء ، وعادت الكؤوس تدور . وكانت ليلة رائعة أضفت على كل الحاضرين[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]سعادة وأنسا . وامتدت تلك الليلة السعادة امتداد الليل ، حيث كانت نهايتها أول أساس[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]في بناء عرس تاج الدين . وكان ذلك الأساس هو عقد نكاحه على الأميرة ’’ ستي[/font][font=&quot] ‘‘ .[/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] * [/font][font=&quot]حفيظ العريس هو ذاك الذي مكانه بجانبه ويمشي ورائه كأنما هو حارسه . وهي عادة من[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]عادات الأكراد في أعراسهم . ويختار الحفيظ من أخلص أصحاب العريس وأقربهم إليه[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]​
 
رد: قصة مموزين باللغة العربية

العرس[font=&quot]


[/font]ونعود الآن مرة أخرى إلى رحاب قصر الأمير بعد أن مضت مدة على نكاح تاج الدين ،[font=&quot] [/font]وانهمك خلالها في إعداد العدة وتهيئة اسباب العرس . وقد غصت ردهة الطابق العلوي منه[font=&quot] [/font]بعشرات الوصيفات اللواتي أخذن في تهيئة شتى وسائل الزينة والتجميل للأميرة العروس[font=&quot] [/font]وأختها ، وليضفين على فتنتها روح الأناقة ، ويزدن في سحرها روعة الصنعة[font=&quot] .
[/font]وأقبلن إلى العروس يسرحن النظر أولا في شعرها ... شعر كستناوي في نعومة الحرير[font=&quot] .. [/font]قد تموج من سائر أطرافه في غزارة منسابا إلى ما تحت المنكبين في بهاء وفتنة[font=&quot] ... [/font]وتمايلت من أعلاه خصل ملتوية فوق الجبين في دلال ولطف ، بينما استدار سائره أمام[font=&quot] [/font]الصدغين وحول الوجه في تجاعيد رائعة ذات سحر . تصميم إلهي بديع لا يستطيع أي مخلوق[font=&quot] [/font]أن يلمس في روعته نقصا ليكمله ، أو خطأ ليعدل فيه[font=&quot] .
[/font]وانتقلت أبصارهن إلى العينين ... عينين واسعتين تنظران بسهام الفتك ، تحت حاجبين[font=&quot] [/font]ينطلق منهما مثل ما ينطلق من كبد القوس وأهداب ناعسة سوداء في سواد الليل[font=&quot] ... [/font]تسترخي على تلك المحاجر استرخاء شاعريا يفعل في الألباب ما تفعله الخمر . هذه[font=&quot] [/font]الفتنة من الكحل الإلهي العجيب ، وهذا البريق الساحر المنبعث من هذه النظرات ، أي[font=&quot] [/font]إثمد أو صبغ في الدنيا له أن يغير من ذلك ويبدل ؟[font=&quot]!
[/font]ثم استدارت أنظارهن إلى القوام .. قوام مياد أفرغ في أروع قالب من التناسق والجمال[font=&quot] [/font]، وصمم في أدق تكوين إلهي معجز . فجاء منسجما من كل أجزائه وأطرافه ، يبعث بعضه[font=&quot] [/font]الفتنة في بعض . فأي يد من أيدي التقليد والصنعة تزعم أنها ستزيد فيه روعة وإبداعا[font=&quot] [/font]؟[font=&quot]
[/font]ووقفت الوصيفات من حول ستي في جمود وذهول يمجدن خالق هذا الجمال ، وقد اعترفت[font=&quot] [/font]حيرتهن بأن الجمال الذي صورته يد الخالق لا سبيل ليد المخلوق في تغييره[font=&quot] .
[/font]ثم رأين أن ليس لهن إلا أن يتوجن ذلك الجمال بإكليل رصع بالدر وأثمن أنواع الماس[font=&quot] . [/font]يضعنه فوق جبينها المشرق وبين أمواج ذلك الشعر الحريري الرجراج . أما قوامها فقد[font=&quot] [/font]تركن فتنته تشع من خلف ثوب من القطيفة البيضاء ، سرت فيه نقوش رائعة من خيوط الذهب[font=&quot] [/font]الخالص ، وقد التف من الاعلى على جسمها التفافا يبعث السحر . بينما اتسع من الأدنى[font=&quot] [/font]اتساعا كبيرا ، وترك له ذيل طويل يتهادى من حولها على الأرض . أما نحرها وما دون[font=&quot] [/font]ذلك إلى الصدر فقد ترك إشراقه باديا ليتألق فيه عقد من الماس تدلت من سائر أطرافه[font=&quot] [/font]على النحر حبات اللؤلؤ النادر[font=&quot] .
[/font]وانصرفن بعد ذلك إلى ’’ زين ‘‘ ولكنها كانت أغنى من أختها عن التجميل المصطنع لقد[font=&quot] [/font]كانت هي وحدها الآية التي دلت على أن للإبداع الإلهي أن يسو على فتنة ’’ ستي[font=&quot] ‘‘ [/font]وجمالها فلم يكن الشأن في تزيينها يحتاج أكثر إلى مما قمن به بالنسبة لأختها[font=&quot] ..
[/font]ولم تمض سوى مدة قصيرة حتى انبعث من قصر الأمير موكب يتهادى من وراء صفين من الخيول[font=&quot] [/font]المزينة ، موكب يزدان بأفخم مظاهرالجمال . عشرات من الوصيفات والجواري يتمايلن في[font=&quot] [/font]أبدع أنواع الزينة والحلي ، تتوسطن غادتين لو أن الشمس الساطعة في السماء انقلبت[font=&quot] [/font]إلى انثى من بنات حواء لما استطاعت أن تكون في سحرها وجمالها ! من ورائهن عشرات[font=&quot] [/font]الغلمان الذين أفرغت عليهم كأس الزينة بأنواعها ، يحملون أطباقا متألقة ملئت[font=&quot] [/font]بالحلوى والنفائس والتحف[font=&quot] .
[/font]وبدأ الموكب الرائع يعوم في يمٍّ متلاطم من الخلائق ، الذين تدفقت بهم الجزيرة من[font=&quot] [/font]شتى نواحيها ، يتطلعون في ذهول إلى تينك الغادتين اللتين طالما سمعوا بهما ، وحرمهم[font=&quot] [/font]القصر رؤيتهما . ومضى الموكب يمخر العباب ... ويتهادى في وسطه ، والأعين كلها شاخصة[font=&quot] [/font]في مشرق تلك الفتنتين إلى أن رسا أمام قصر تاج الدين ... وهو قصر شيده على أبدع ما[font=&quot] [/font]تخيله من طرز . رفع أعمدته وفرش أرضه وجدرانه بأفخر أنواع المرمر المتألق ، وجعل[font=&quot] [/font]أبوابه ونوافذه من الصندل والأبنوس النادر ، ثم حلىَّ أطرافه وسقفه بنقوش دقيقة من[font=&quot] [/font]ماءالذهب الخالص[font=&quot] .
[/font]وما إن دخلت العروس إلى الردهة الخارجية للقصر حتى رفعت فوق عرش فخم من الأبينوس[font=&quot] [/font]كان ينتظرها هناك[font=&quot] .
[/font]وفي مثل طرفة العين اعتلى ذلك العرش فوق عشرات الأيدي والأكتاف . يتهادى وسط ذلك[font=&quot] [/font]الخضم من الناس ، وبين صخب ممتزج من الزغاريد وأصوات الدفوف والمعازف وعبارات[font=&quot] [/font]الدهشة والإعجاب ، حيث صدِّر أخيرا في بهو الطبقة العليا من القصر ، بينما كانت[font=&quot] [/font]الجموع الحاشدة من المدعوين يجلسون في جناح آخر منه ، تطوف عليهم كؤوس الشراب ،[font=&quot] [/font]وقعد إلى جانبه ’’ ممو ‘‘ وقد بدا في مثل أناقته ومظهره . وراحت جزيرة بوطان كلها[font=&quot] [/font]تسهر في ثمل ومرح . وتتمايل في أحضان اللهو والطرب . وتوارت من وجه الدهر كآبته ،[font=&quot] [/font]وأخذ يطل على الناس بخالص من مظهر الصفو والسعادة . كؤوس الراح تدور ، ورنات[font=&quot] [/font]العيدان وصوت الغناء والدفوف يشق جو السماء ، ومئات الجواري والشباب يرقصون رقصات[font=&quot] [/font]جماعية فتانة تتهادى معها القلوب والمشاعر . وظهرت في تلك الأثناء أطباق فضية فوق[font=&quot] [/font]أكف رجال من حشم القصر قد فاض كل منها بأكوام من الذهب والفضة وكرائم التحف[font=&quot] [/font]ونفائسها ، حيث أخذوا ينثرون تلك الأكوام من علو فوق تلك الجموع الحتشدة في سائر[font=&quot] [/font]جهات القصر و أنحائه ، فتتفرق فيما بينهم في بريق كأنها النجوم تتهاوى عليهم في[font=&quot] [/font]غزارة من السماء . وعم كرم الأميرجميع الناس . وأدخل الفرحة والبهجة إلى جميع[font=&quot] [/font]القلوب . فكم من فقير في تلك الليلة استغنى ، وكم من عديم أيسر ، ولك تزل هذه[font=&quot] [/font]الأفراح على هذا المونال قائمة لا تهدأ إلى سبع ليال كانت كلها مجمعا للصفو والمرح[font=&quot] [/font]، ومقدمة بين يدي ساعة العمر ... ساعة الوصل بين ستي وتاج الدين[font=&quot] .
[/font]وفي ساعة السحر من الليلة السابعة ، والأفراح دائرة وقلوب الناس مستطيرة - كان قد[font=&quot] [/font]بلغ الشوف بالعروسين أشده ، واستعرت نار الشوق في ضلوعهما ، وامتزج وهجه بندى ذلك[font=&quot] [/font]السحر ونسيمه ، وأخذ كل مظاهر الأنس والبهجة من حولهما يلمس فؤاديهما لمسة كاوية[font=&quot] . [/font]يلتف بها النسيم ، ويقام من حولها الخشيم ، لا بد أن تتوهج وتتلف[font=&quot] ...
[/font]هنالك ... وفي لحظة من تلك للحظات المتموجة في نسمات ذلك السحر - انفتح بابا تلقاء[font=&quot] [/font]الأريكة التي كان يجلس عليها تاج الدين ظهرت ورائه مقصورة مزينة تميس في فتنة حالمة[font=&quot] ... [/font]وقد فاح من أركانها أريج العطر ، وأقيم في سائر أطرافها شموع تشع بأضواء مختلفة[font=&quot] [/font]الشكل تنتشر في جوها نورا ناعسا ذا جمال وسحر ، كما نظمتفي بعض جهاتها أطباق صغيرة[font=&quot] [/font]مذهبة شُكل فيها ألوان الحلوى ووسائل التسلية . ثم ظهرت في أيدي جمع من ذوي[font=&quot] [/font]العروسين شمعة باسقة ، في طول القامة . وقد وشيت أطرافها بأغصان من ماء الذهب ،[font=&quot] [/font]وتوج أعلاها بإكليل من الزجاج المنقوش يشع من ورائه لسان من النور المتوهج .. حيث[font=&quot] [/font]أقاموها في وسط تلك المقصورة تلقاء نظر تاج الدين ، لتقول له بلسان حالها[font=&quot] :
’’ [/font]أيها العاشق الذي أفقده الشوق صبره وقراره .. يبدو أنك مثلي فما أقاسيه من ألم[font=&quot] [/font]واحتراق[font=&quot] ..
[/font]إذن فقم من مكانك هذا الذي سئمته إلى حيث تنتظرك عروسك[font=&quot] ...
[/font]قم فقد آن أن تذوق بعد هذا الذي عانيته - نعيم الوصال[font=&quot] ...
[/font]قم فإن شمعتك مثلك في الإنتظار .. تقاسي مثل ما تقاسيه جوانحك[font=&quot] ...
[/font]من نار الإصطبار[font=&quot] ...
[/font]حسبك مثلي ذوبا واحتراقا ... وكفاك مثلي دموعا وتسكابا[font=&quot] ...
[/font]إن ذلك النور الذي ضاع ورائه قلبك .. هو ذا أمامك اليوم ... فلترتم فيأذياله ، كما[font=&quot] [/font]تفعل الفراشة الملتاعة .. إذ تنثر روحها على أذيال اللهب[font=&quot] .
[/font]أيها الساعي ... طالما أتعبت قدميك ابتغاء الوصول إلى هذا المطاف[font=&quot] ..
[/font]أيها السالك .. كم أظمأت كبدك قصدا إلى الطواف[font=&quot] ...
[/font]لقد قدر الله لك كل ذلك في سهولة ... وحققه من أجلك في يسر[font=&quot] ...
[/font]ها هي كعبتك .. قد سعت نحوك . وها هو ذا مطافك قد تدانى إليك[font=&quot] ...
[/font]أيها العاشق السعيد .. قم لتطوف وتلتزم .. وتقبل وتستلم[font=&quot] ...
[/font]أيها العاشق الظمآن .. قم ، فالكأس مترعة .. وخمرتك في الإنتظار[font=&quot] ... ‘‘ .
[/font]وأدرك تاج الدين من هذه الإشارة وملابساتها أن قد حانت ساعة الوصل ولاح فجره[font=&quot] .. [/font]فنهض من مكانه في سكينة وهدوء ، وسار نحو المقصورة التي فتح بابها في انتظاره ،[font=&quot] [/font]وإلى جانبه ممو صديق سروره وأحزانه ، يده في يده وقلبه مع قلبه ، وقد اشتمل على سيف[font=&quot] [/font]في جنبه ، وهو شأن ’’ حفيظ ‘‘ العروس في العادة . وعند الباب وقف ممو منحازا ليودع[font=&quot] [/font]خليله ويشير إليه بالدخول ، وكانت لحظات ... توارى من بعدها تاج الدين وراء الباب[font=&quot] [/font]الذي ما لبث أن أغلق ، بينما ظل صاحبه واقفا في مكانه ذلك كأنه حاجب أمين[font=&quot] .
[/font]ودخل تاج الدين إلى المقصورة ، ليجد عروسه جالسة من وراء تلك الشمعة التي حدثته[font=&quot] [/font]بدموعها حديث الحب والوصال .. حيث تصافحت عيناهما في سكون حالم وتعانق قلباهما في[font=&quot] [/font]ذهول طويل ، وتبدلت نار ضلوعهما شهدا وخمرا . وباركت لهما تلك الشموع التي تحترق[font=&quot] [/font]كؤوسا مترعة من الرحيق .. وشهدت وحدها أجمل لحظات الدنيا لدى الأحبة[font=&quot] ...
[/font]وظل العروسان ثلاثة أيام في انشغال عن الدنيا وما فيها ، يرقدان في مهد الأحلام ،[font=&quot] [/font]ويستيقظان على الأحلام ، غذاؤهما شهد الوصال ، وشرابهما كوثر الشفاه[font=&quot]

[/font]أما ممو فإنه لم يشأ - حتى بعد أن انفض الجمع ، وانصرف الجميع - أن يبارح مكنه من[font=&quot] [/font]قصر صديقه ، إذ كان سعيدا بأنيتولاها لصديقه المحبوب ، تقضي - إذا أريد أن تكون في[font=&quot] [/font]أسمى درجات الإخلاص - بأن يظل مكانه كأي حاجب مخلص إلى أن يخرج العروس في اليوم[font=&quot] [/font]الثاني أو الذي يليه ، ليتلقاه ويكون أول من يهنئه من أصحابه[font=&quot]
[/font]وهكذا اتخذ ممو مكانه في ناحية من فناء صرح تاج الدين الذي كان عبارة عن حديقة غناء[font=&quot] [/font]تحيط به من سائر جهاته وحملته دواعي إخلاصه على أن يلازم المكان طوال تلك الأيام[font=&quot] [/font]الثلاثة ، فلم يكن يبارحه إلا بعد منتصف الليل ، أو إلى شأن ضروري له ، ثم لا يلبث[font=&quot] [/font]أن يعود مسرعا إلى مكانه في انتظار خروج صديقه ليهنئه بحبه الذي سعد به[font=&quot] .
[/font]والحق أن شعور ممو في تلك الفترة لا سيما بقية الليلة الأولى عندما انفضت حشود[font=&quot] [/font]الناس ، وطوى بساط ذلك الأنس والصخب ، ولم يبق سواه واقفا عند ذلك القصر وسط سكون[font=&quot] [/font]الليل - كان شعورا ثائرا ألهب[font=&quot] [/font]شوق فؤاده ، وأحاطه بمعنى الوحشة والغربة ، وأيقظ[font=&quot] [/font]آلامه التي بين ضلوعه، وأثار حبه العنيف الذي كان من غير شك أشد من حب تاج الدين[font=&quot] . [/font]فإذا علمت أيضا بأنه كان قد لمح مليكة قلبه في تلك الليلة والليالي التي قبلها[font=&quot] [/font]ولمحته أكثر من مرة ، ورأتها عيناه وهي غارقة إلى جانب أختها في أبهى زينة وحلي[font=&quot] - [/font]أدركت أن شعوره إذ ذاك جديرا بأن يحدث أثرا جبارا في نفسه ، ومن بعيد أن يتحمله[font=&quot] [/font]مهما آتاه الله وأمده به من جلد وصبر[font=&quot] .
[/font]غير أن بردا من الآمال المنعشة كانت تسري إذ ذاك في مشاعره ، فتخفف مقدارا من[font=&quot] [/font]الآلام والثورة في نفسه وتجعل فكره ينشغل بنشوتها عن الإنتباه إلى تلك اللواعج[font=&quot] [/font]الشديدة[font=&quot] .
[/font]فلقد كان لا يفتأ - وهو يجوب كالحارس في أطراف القصر وبين حدائقه - يفكر في الك[font=&quot] [/font]الملاطفة التي أبداها الأمير نحوه تلك الليلة والليالي التي قبلها ، وقد أخذ يتراءى[font=&quot] [/font]له من ذلك أكثر من دليل على أن آماله قد راحت تزدهر[font=&quot] .
[/font]إذ هل يمكن أن يعتبر شيء من ذلك التقدير الذي أبداه لما بينه وبين تاج الدين[font=&quot] [/font]منعلاقة الود والخلة ، أو اختياره له خاصة أن يكون قرينه وحفيظه إلى جانبه في عرسه[font=&quot] [/font]، أو تلك الملامح الخاصة المفاجئة التي ظهرت في عنايته وعطفه عندما امره بأن يقعد[font=&quot] [/font]إلى جانب تاج الدين ويتتزيى بمثل زيه وحلته ، هل يمكن أن يكون شيء من ذلك إلا أكبر[font=&quot] [/font]برهان قاطع على أنه لن يمانع أبدا من أن يسعد هو الآخر ب’’ زين ‘‘ وعلى أن يتزوجه[font=&quot] [/font]بها ، ويقيم لهما مثل هذا الحفل الرائع عند أول إشارة أو رجاء ؟[font=&quot]!....
[/font]بل من يدري ؟ فقد يكون الأمير لاحظ طرفا من هذا الحب المتمرد في فؤاده وأدركته رقة[font=&quot] [/font]ورحمة لحرمانه من هذا الحفل البهيج الذي ينفرد فيه صديقه بالسعادة والهناء ، فأراد[font=&quot] [/font]أن يشعره بالأمل ، ويدخل إلى قلبه البشرى ، فجعل من تصرفه هذا ألطف إشارة إلى ذلك[font=&quot] .
[/font]وأخذت هذه الآمال الجميلة تجعله يشرع في تصوير حياة سعادته وبناء أحلام حبه . وراح[font=&quot] [/font]يفكر كيف أنه سيحاول تشييد صرح جميل كصرح صديقه ، وسيجعله يزدان بأبهى أثاث ويحيطه[font=&quot] [/font]بفتنة خضراء كهذه الحديقة . بل لقد حدثته نفسه بأنه لا بد من أن يشرع في التفكير[font=&quot] [/font]لتدبير كل هذا من الآن فما أضيق الوقت إذا تقدم إلى الأمير بعد أيام لخطبة حبيبة[font=&quot] [/font]فؤاده ، وعاجله الأمير في كل شيء كما عاجل تاج الدين ، وما أشد على نفسه الصبر بعد[font=&quot] [/font]ذلك في انتظار تهييء الجهاز وتدبير الأسباب[font=&quot] .
[/font]والخلاصة أن حلة ممو النفسية في تلك الأيام الثلاثة التي كانت أول عهد فراقه عن تاج[font=&quot] [/font]الدين ، والتي قطعها منفردا في فناء قصره ينتظر خروجه ورؤيته - كانت أشبه ما تكون[font=&quot] [/font]بقوس قزح من ألوان مختلفة من المشاعر والأحاسيس ، لا يمكن أن يسمو إلى تصوريها أي[font=&quot] [/font]بيان . فلقد امتزج الحب القاسي العنيف بأد لهيب من الشوق وخالطهما الأمل المزدهر في[font=&quot] [/font]أجمل صوره وأصدق إشراقه ، ثم انبثت كل ذلك مجتما في سائر مشاعره ، وراح يخلق له من[font=&quot] [/font]بين ضرام الواجد أحلاما سعيدة ، ونشوة عطرة ، وابتهاجا بفرحة صديقه ووصوله إلى[font=&quot] [/font]مبتغاه[font=&quot] .

[/font]​
[font=&quot] [/font]​
وفي صبيحة اليوم الثالث خرج تاج الدين ... وكان أول ما دعاه إلى الخروج هو تذكره[font=&quot] [/font]لممو . فلقد طالت غيبته عنه ، واشتاق إلى أن يراه ويطمأن على حالته مع قلبه الجريح[font=&quot] .
[/font]خرج من القصر .. وأخذ يسير في الحديقة متجها نحو باباها الخارجي قاصدا دار ممو دون[font=&quot] [/font]أن يعلم أنه لا يزال واقفا هناك ، ولم ينتبه إلى وجوده إلا بعد أن لمحه على البعد[font=&quot] [/font]وأسرع يجري إليه[font=&quot] ..
[/font]وهناك امتزج الصديقان في عناق طويل ، ونظر تاج الدين إلى وجه صديقه ، فأدرك أن هناك[font=&quot] [/font]آلاما ولواعج في نفسه ، قد حاول طيها وجمعها في زاوية صغيرة من قلبه لكي يتسع[font=&quot] [/font]للابتهاج التام بفرحة أخيه ... فتنحى به جانبا من الحديقة وأخذ بكفه قائلا[font=&quot] :
’’ [/font]أقسم لك يا صديقي أنني لو وجدت أي سبيل لتقديم سعادتك على سعادتي ولو ظهر لي أي[font=&quot] [/font]طريق يمكنني أن أفتدي فيها هنائي وحبي بلحظة واحدة من حبك وسعادتك لما توانيت عن[font=&quot] [/font]ذلك . ولكنك تعلم أن هذه هي السبيل الوحيدة لوصول كلينا إلى آمالنا التي علق القضاء[font=&quot] [/font]قلبينا بها . وثق أنني لن أستسيغ طعم سعادتي التي تهنئني بها إلا بعد أن يسعدني[font=&quot] [/font]التوفيق في إيصالك إلى مناك وآمال حبك[font=&quot] .‘‘
[/font]وهكذا ظل الصديقان برهة من الوقت يتبادلان التهنئة والمصابرة . هذا يهنئه من كل[font=&quot] [/font]قلبه ويشعره بفرحة فؤاده من أجل سعادته ، وذاك يواسيه ويحمله على الصبر ، ويبشره[font=&quot] [/font]بقرب وصاله هوأيضا[font=&quot] .

[/font]​
[font=&quot] [/font]​
[font=&quot]

[/font]​
[font=&quot]الصديق ...؟؟؟؟ ألا ما أثمن الصديق الذي يتسع قلبه المحروم للابتهاج بسعادتك ،[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]ويقيم وراء صدره المكلوم عرسا يوم فرحك[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font][font=&quot]هذا الصديق الذي منحتك الدنيا مثله فإفده بسائر مظاهرها ومن فيها ، فإنما هو سراج[/font][font=&quot] [/font][font=&quot]من أجلك في الظلماء ، وهو أمل لقلبك عند اليأس[/font][font=&quot] .[/font]
[font=&quot] [/font]
[font=&quot] [/font]​
 
عودة
أعلى