Kurd Day
Kurd Day Team
على طريقة الحكواتي ( حكاية الحاج علي ) ….قصة بقلم :فرمان صالح بونجق
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times]سألني الحاج علي ، وكانت آخر سنةٍ من عقده السابع تداهم ملامحه الوقورة ، فبدا لي سؤاله للوهلة الأولى مزاحاً ، ولكنه لم يكن كذلك قط ، فقد كان يعلم بأنني أمضيتُ سنواتي الثماني عشرة بعيداً عن وطني وأهلي وأصدقائي وأحبّتي ، وجذب أطراف الحديث بسؤاله القائل : أما علمتَ بعد ُ، لِمَ يصرخ الطفلُ باكياً وهو يخرج من أحشاء أمه ؟. [/FONT]
[FONT=times new roman,times]التقطتُ أنفاسي إثر وقع السؤال عليَّ ، لا لشيء ، وإنما لإدراكي بما تحمل أسئلته من بواطن تفوق الظواهر ، فاعتقدت بأن الطفل يعلن عن قدومه بهذه الصرخةِ البكاءّةِ ، ثم رجَّحتُ سبباً آخر مفاده ، أن بكاء الطفل احتجاج على سحبه من رأسه دون قدميه . لحظة الولادة ، فضحك الرجل حتى بان سقف حلقه ، وأخذه الإعياء ، وضحكتُ معه أيضاً ، وما أن سكَتَ ، حتى بدأت الابتسامة ترتسم على شفتيه ببطء ، ولا شيء يقتلني أكثر من تلك الابتسامة المطاطة ، التي تنبئ عن خطئي ، أو ربما جهلي أحياناً ، وما أكثرها من أحايين . [/FONT]
[FONT=times new roman,times]فمددتُ له لفافة تبغ ، استباقاً لما سيحدث ، ودأبتُ على فعل ذلك مُذ تعرفت عليه ، وكان تصرفي هذا يلاقي استحساناً وقبولاً لديه ، فانتفتْ من رأسي فكرة أنني أتمادى ، حتى أصبح سلوكي هذا أحد طقوس جلساتنا المتكررة ، وبلغ بي الأمر مبلغاً ، أنني أنسيته أن يُخرج علبة سجائره من جيبه . وإن حاول ذات مرة أن يفعلها ، أقسمتُ بصوت مرتفع : لا والله من عندي ... وأضعها بين سبابته ووسطاه ، وكعادتنا نضحك .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]قال وهو يزفر الدخان : يعيش الطفل في رحم أمه بحريةٍ وراحةٍ وأمانٍ ، فهو يخلد للنوم لحظة شعوره بالنعاس ، دون أن يأمره آمر ، ويستيقظ منه دون أن ينهره ناهر ، وسريره في ذلك سائل ناعم رطب ، لا تلفحه حرارة صيف ، ولا برد شتاء ، توفّر له بيئته أفضل نماذج التكييف الآلي ، التي لم يتوصل إليها أي علم من علوم هذه الأرض ، وهو إن جاع ، لا ينادي أحداً ـ كما يفعل بعضنا ـ كي يقدموا له وجبة طعامه ، هذا إذا كان ميسور الحال ، ولا يتوسل أحداً أيضاً ـ كما يفعل بعضنا ـ لالتماس ما يسكت جوعه ، هذا إذا كان من المغضوب عليهم ، أو من المتسولين ، وهو يأخذ حاجته من الهواء النقي ، دون أن يكلف نفسه عناء الاستنشاق ، فينساب الأوكسجين إلى خلايا جسده وهو في استرخاء مطلق .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]يحيا الطفل في أحشاء أمه في بذخ لا يشبهه أي بذخ ، وهولا يحتاج أن يرتدي حذاءً أو ثوباً أو ربطة عنق ، وهو في الوقت ذاته ، بغنى عن الروائح والعطور والمساحيق ، التي تقرّبه من الناس زيفاً وتملقاً ، أو تبرز لهم مكامن الجمال في شخصيته ، فهو جميلٌ ومحببٌ ومؤنسٌ ومتحررٌ ، وعفويٌ ، وسعيد كلياً إلى درجة الانتشاء .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]هذا الكائن الوديع في مكمنه ، لا يطاله جبروت متجبّر ، ولا يستطيع أعتى ضابط في المخابرات أن يستجوبه أو يحقق معه أو يتهمه ، وليس بمقدور رئيس جلاد الجلادين أن يمسَّ منه شعرة ، وهو بمنأى عن متناول أيدي قضاة ومستشاري المحاكم العسكرية ، أومحاكم أمن الدولة ، ولا يمكن لأحد مهما علا شأنه ، أن يطبق عليه ولو حرفاً واحداً من قوانين الطوارئ أو قوانين الأحكام العرفية ، إنه يعيش في وطنٍ لا يشبه أوطاننا ، ليس لأحد علية سلطة أو سطوة ، ولا فرق إن كان أبوه فلاحاً أو مدرساً أو محافظاً أو وزيراً ، فذلك الوطن يتمتع بقوانين لا تفرق بين أبيض أو أسود ، ولا تميز بين ذكر أو أنثى ، وهي لا تُعلي شأن أحدٍ على حساب أحد .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]هذا الطفل الذي يحتفل ذووه بقدومه ، يبكي ويبكي ويبكي صارخاً رافساً بكلتا يديه وكلتا قدميه ، احتجاجاً على انتزاعه من وطنه ، واستبداله بوطنٍ آخر لا يشبه ذلك الوطن . وعندما يبكي الطفل بعد ولادته لسبب أو لآخر ، وتضمه أمه بقوةٍ إلى صدرها ، ويتحسس رائحتها وحنانها ، يتوقف الطفل عن البكاء ، ثم يبتسم ، ظناً منه أنها ستعيده إلى رحمها .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]مدَّ الحاج علي يده إلى علبة سجائره ، لم أقسمْ هذه المرة ، تركته على سجيته ، فأخرج منها اثنتين ، وبعد أن أوقدنا جمرتيهما ، بادرني متسائلاً : ألم تصرخ باكياً عندما انتُزِعتَ من وطنك ؟.[/FONT]
[FONT=times new roman,times]فأجبته : أيةُ انتزاعةٍ تقصد ؟. تلك التي كنتُ فيها طفلاً ، أم تلك التي كنتُ فيها شاباً ؟.[/FONT]
[FONT=times new roman,times]ابتسم الرجل .. ولكن ابتسامته لم تكن مطاطيةً هذه المرة ، كانت هادئةً وسخيةً وشفافةً ، ظلَّ يحدّقُ في عينيّ ، ولم يتفوه بهمسة .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]رحم الله الحاج علي ، الذي أتمَّ السادسة والثمانين ، والذي توفاه الله ليلة أمس . [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]
[FONT=times new roman,times]سألني الحاج علي ، وكانت آخر سنةٍ من عقده السابع تداهم ملامحه الوقورة ، فبدا لي سؤاله للوهلة الأولى مزاحاً ، ولكنه لم يكن كذلك قط ، فقد كان يعلم بأنني أمضيتُ سنواتي الثماني عشرة بعيداً عن وطني وأهلي وأصدقائي وأحبّتي ، وجذب أطراف الحديث بسؤاله القائل : أما علمتَ بعد ُ، لِمَ يصرخ الطفلُ باكياً وهو يخرج من أحشاء أمه ؟. [/FONT]
[FONT=times new roman,times]التقطتُ أنفاسي إثر وقع السؤال عليَّ ، لا لشيء ، وإنما لإدراكي بما تحمل أسئلته من بواطن تفوق الظواهر ، فاعتقدت بأن الطفل يعلن عن قدومه بهذه الصرخةِ البكاءّةِ ، ثم رجَّحتُ سبباً آخر مفاده ، أن بكاء الطفل احتجاج على سحبه من رأسه دون قدميه . لحظة الولادة ، فضحك الرجل حتى بان سقف حلقه ، وأخذه الإعياء ، وضحكتُ معه أيضاً ، وما أن سكَتَ ، حتى بدأت الابتسامة ترتسم على شفتيه ببطء ، ولا شيء يقتلني أكثر من تلك الابتسامة المطاطة ، التي تنبئ عن خطئي ، أو ربما جهلي أحياناً ، وما أكثرها من أحايين . [/FONT]
[FONT=times new roman,times]فمددتُ له لفافة تبغ ، استباقاً لما سيحدث ، ودأبتُ على فعل ذلك مُذ تعرفت عليه ، وكان تصرفي هذا يلاقي استحساناً وقبولاً لديه ، فانتفتْ من رأسي فكرة أنني أتمادى ، حتى أصبح سلوكي هذا أحد طقوس جلساتنا المتكررة ، وبلغ بي الأمر مبلغاً ، أنني أنسيته أن يُخرج علبة سجائره من جيبه . وإن حاول ذات مرة أن يفعلها ، أقسمتُ بصوت مرتفع : لا والله من عندي ... وأضعها بين سبابته ووسطاه ، وكعادتنا نضحك .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]قال وهو يزفر الدخان : يعيش الطفل في رحم أمه بحريةٍ وراحةٍ وأمانٍ ، فهو يخلد للنوم لحظة شعوره بالنعاس ، دون أن يأمره آمر ، ويستيقظ منه دون أن ينهره ناهر ، وسريره في ذلك سائل ناعم رطب ، لا تلفحه حرارة صيف ، ولا برد شتاء ، توفّر له بيئته أفضل نماذج التكييف الآلي ، التي لم يتوصل إليها أي علم من علوم هذه الأرض ، وهو إن جاع ، لا ينادي أحداً ـ كما يفعل بعضنا ـ كي يقدموا له وجبة طعامه ، هذا إذا كان ميسور الحال ، ولا يتوسل أحداً أيضاً ـ كما يفعل بعضنا ـ لالتماس ما يسكت جوعه ، هذا إذا كان من المغضوب عليهم ، أو من المتسولين ، وهو يأخذ حاجته من الهواء النقي ، دون أن يكلف نفسه عناء الاستنشاق ، فينساب الأوكسجين إلى خلايا جسده وهو في استرخاء مطلق .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]يحيا الطفل في أحشاء أمه في بذخ لا يشبهه أي بذخ ، وهولا يحتاج أن يرتدي حذاءً أو ثوباً أو ربطة عنق ، وهو في الوقت ذاته ، بغنى عن الروائح والعطور والمساحيق ، التي تقرّبه من الناس زيفاً وتملقاً ، أو تبرز لهم مكامن الجمال في شخصيته ، فهو جميلٌ ومحببٌ ومؤنسٌ ومتحررٌ ، وعفويٌ ، وسعيد كلياً إلى درجة الانتشاء .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]هذا الكائن الوديع في مكمنه ، لا يطاله جبروت متجبّر ، ولا يستطيع أعتى ضابط في المخابرات أن يستجوبه أو يحقق معه أو يتهمه ، وليس بمقدور رئيس جلاد الجلادين أن يمسَّ منه شعرة ، وهو بمنأى عن متناول أيدي قضاة ومستشاري المحاكم العسكرية ، أومحاكم أمن الدولة ، ولا يمكن لأحد مهما علا شأنه ، أن يطبق عليه ولو حرفاً واحداً من قوانين الطوارئ أو قوانين الأحكام العرفية ، إنه يعيش في وطنٍ لا يشبه أوطاننا ، ليس لأحد علية سلطة أو سطوة ، ولا فرق إن كان أبوه فلاحاً أو مدرساً أو محافظاً أو وزيراً ، فذلك الوطن يتمتع بقوانين لا تفرق بين أبيض أو أسود ، ولا تميز بين ذكر أو أنثى ، وهي لا تُعلي شأن أحدٍ على حساب أحد .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]هذا الطفل الذي يحتفل ذووه بقدومه ، يبكي ويبكي ويبكي صارخاً رافساً بكلتا يديه وكلتا قدميه ، احتجاجاً على انتزاعه من وطنه ، واستبداله بوطنٍ آخر لا يشبه ذلك الوطن . وعندما يبكي الطفل بعد ولادته لسبب أو لآخر ، وتضمه أمه بقوةٍ إلى صدرها ، ويتحسس رائحتها وحنانها ، يتوقف الطفل عن البكاء ، ثم يبتسم ، ظناً منه أنها ستعيده إلى رحمها .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]مدَّ الحاج علي يده إلى علبة سجائره ، لم أقسمْ هذه المرة ، تركته على سجيته ، فأخرج منها اثنتين ، وبعد أن أوقدنا جمرتيهما ، بادرني متسائلاً : ألم تصرخ باكياً عندما انتُزِعتَ من وطنك ؟.[/FONT]
[FONT=times new roman,times]فأجبته : أيةُ انتزاعةٍ تقصد ؟. تلك التي كنتُ فيها طفلاً ، أم تلك التي كنتُ فيها شاباً ؟.[/FONT]
[FONT=times new roman,times]ابتسم الرجل .. ولكن ابتسامته لم تكن مطاطيةً هذه المرة ، كانت هادئةً وسخيةً وشفافةً ، ظلَّ يحدّقُ في عينيّ ، ولم يتفوه بهمسة .[/FONT]
[FONT=times new roman,times]رحم الله الحاج علي ، الذي أتمَّ السادسة والثمانين ، والذي توفاه الله ليلة أمس . [/FONT]
[FONT=times new roman,times] [/FONT]