عزالدين شير (يزدان شير) بكي بوتان

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع Kurd Day
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

Kurd Day

Kurd Day Team

جمعها من فولكلور منطقة بوتان: المرحوم ملا خلف البافي.[1]

ترجمة: دلاور زنكي.
هذه هي المرة الثانية ندون هذه الواقعة ونذكر تفاصيلها، لأن ما كتبناه في المرة الأولى خرج من بين أيدينا.. وسوف نجعل هذه الكتابة هدية للقراء والجدير بالذكر أن هذه الأحداث تصلح أن تقتبس منها مسرحية أو تمثيلية وما شابههما. وفيما يلي الرواية كما سمعناها:
يقال أن عزالدين شير(يزدان شير) نجل الأمير سيف الدين عندما توفي والده كان عمره يناهز سبعة أو ستة أعوام، وكان عمه بدرخان بكي كثير الحدب عليه، ويحبه حباً جماً وكان عظيم الاهتمام به. ومما يقال عن هذا الصبي أنه كانت له أطوار غريبة في طفولته وأيام صباه.. أي لم يوجد في بلاد “بوتان” أي فتى أو صبي على شاكلة (يزدان شير) في ذكائه وفطنته وحذقه وحسنه ورشاقته.
وتستطيع القول أيضاً: إن هذا الفتى كان يقوم بدور الشخص القيادي بين الصبيان من العامة والخاصة ويترأسهم في ألعابهم وحركاتهم. وكان من دأبه في كل أصيل من كل يوم وكل صباح، أن يجمع الأطفال من أبناء الأمراء والعامة والخاصة في “قصرا كلي” ثم يمضي بهم إلى نهر “زيتون” ويعلمهم أفانين اللعب، ويلاعبهم ويلاعبونه حتى إذا أوشكت الشمس على الأفول قفلوا راجعين إلى بيوتهم وقد شفوا غليلهم ونالوا شبعاً من اللعب والعبث واللهو في الأرض الخلاء.
كان الصغار شديدي الشغف بالفتى (يزدان شير) وكانوا يكنون له الود والاحترام ولا يصدرون إلا عن رأيه، يطيعونه في كل صغيرة وكبيرة. ولا يعصون له أمراً، وكانت كل سكناتهم وحركاتهم بإيعاز منه: لا يقعدون ولا ينهضون إلا بإذن منه.
وفي أحد الأيام- في قصرا كلي- جمع يزدان شير حوله الصغار من هنا وهناك وسار بهم إلى نهر “زيتون” وقال لهم قبل أن يشرعوا في اللعب:
-أيها الصغار الأعزاء.. فلنلعب اليوم.. ولنقم بأداء لعبة عسكرية..
أجاب الصغار:
-حسنٌ جداً..
فقال يزدان شير:
-فلننتشر حول النهر.. وليأتِ كل منا بغصن يكون لنا حصاناً، وغصناً آخر نصنع منه سيفاً خشبياً.
فلما أتم يزدان شير كلامه تفرق الأولاد على ضفاف النهر ليحصل كل منهم على بغيته، على حصان وسيف من أغصان الشجر… وما أن انصرم بعض الوقت حتى كان الصغار يمتطون جيادهم ويتقلدون سيوفهم، ثم تقدموا وأحاطوا بيزدان شير ووقفوا متأهبين. فسار بهم يزدان شير وهو يتقدمهم ممتطياً جواده ممتشقاً حسامه كقائد روماني (تركي).. وتوجه بجنوده شطر جبل “ديرا” وطاف بهم في شعاف الجبل وسفوحه وفي الوديان ومسايل المياه، وظل يدربهم ويعلمهم أصول القتال والكر والفرّ حتى انتصف النهار وعندئذ قاد كتيبة جنده إلى “قصرا كلي” وفي ذلك النهار كان ديوان الأمير بدرخان بكي يعج بالضيوف ويتزاحم فيه الوفود بالمناكب واقتحم المجلس وعلى حين غرة رآهم بدرخان بكي وقد امتلأ بهم المكان. ثم شاهدهم يسندون عصيهم إلى جدران الديوان وكأنهم يربطون أحصنتهم، ويجثمون بعد ذلك على ركبهم ويصنعون عليها سيوفهم فابتسم أهل المجلس لهؤلاء الصغار وسرهم ما يفعلون.
ومن صدر المجلس تكلم بدرخان بك وقال يخاطب يزدان شير:
-أرحب بك وبجنودك جميعاً يا ابن أخي.. فقل لي الآن ما تريد، واذكر لي حاجتك.
فقال يزدان شير:
-دام عزكم يا أميري… هؤلاء هم جنودي وأنا قائدهم وقد أمضينا نصف نهار في التدريب العسكري، ولم نذق طعاماً حتى الآن ونحن جميعاً جائعون.
عندئذ هتف بدرخان بك في الخدم وأمرهم بإحضار الطعام لهؤلاء الصغار.. وفي الحال قُدِمت لهم صحاف اللحم والرز وأكلوا حتى شبعوا إلى حدود التخمة.
وبعد أن شبع الصغار ورضيت نفوسهم خاطب بدرخان بك ابن أخيه قائلاً:
-الآن أخبرني لماذا ألفت هذا الجيش وجمعت هذا الحشد.
فقال يزدان شير:
-سيدي الأمير إن السادة والأعيان وكبار القوم وزعماء العشائر جميعاً يعلمون أن الإمارة البوتانية في أحسن حال وهي موضع فخار واعتزاز إلا أنّ أمراً واحداً ينقصها وقد عرفت ذلك بعد إمعان فكر وطول تأمل حين اكتشفت أنّ الإمارة بحاجة إلى قوة عسكرية نظامية ولهذه الغاية شكلت هذا الجيش ليدافع عن الإمارة عند الحاجة ويدرأ عنها كيد الأعداء ويحافظ على عز الإمارة وكرامة أهلها وشعبها… وما فعلت ذلك إلا هذا اليوم وهذه هي غايتي من تأليف هؤلاء الجنود في مجموعة عسكرية.
يقال أن بدرخان بك عندما سمع جواب ابن أخيه يزدان شير فرح فرحاً عظيماً وشعر بسعادة غامرة لا حدّ لها وقال:
-مبارك جيشكم.. مبارك لكم هذا الجيش الذي ألفته.
فقال يزدان شير:
-أنتم تعلمون يا أميري أنّ هذا الجيش بحاجة الى رعاية ونفقات وأموال. لذلك نرجو ونأمل أن تسلموا أمر إحدى العشائر البوتانية لنجبي منها الضرائب والمكوس وإنفاقها في شؤون هذا الجيش.. وليشهد على ذلك جميع الحاضرين في هذا المجلس.
وعند ذاك قال بدرخان بك:
-يا ابن أخي.. إن غايتك.. غاية نبيلة وشريفة تستحق العناية والالتفاف إليها.. وما تقوله هو عين الصواب. لذلك فأنني اسلم إليك ونحن حاضرون في هذا المجلس –عشيرة سوران- وجميع الرجال من الزعماء والأعيان وكبار القوم يشهدون عليّ بذلك. فإن عشيرة (سوران) لا مثيل لها بين العشائر من حيث الكرم والسخاء.. وليس لرئيسها مثيل بين الزعماء والأعيان من حيث السماحة والنبل والشهامة والجود… “كان رئيسها آنذاك (إبراهيم كور آغا) الذي لم يوجد شبيه له من حيث الشجاعة والإقدام والبسالة.. فاذهب يا ابن أخي إلى (إبراهيم كور) وليسلمك خراج عشيرته واصرفها على جيشك.
يقولون إن يزدان شير فرح فرحاً عظيماً عندما سمع كلام عمه بدرخان بك، فهتف في جنوده، فأسرعوا إلى امتطاء خيولهم وتناولوا سيوفهم ثم خرجوا في إثر قائدهم مغادرين ديوان الأمير، فمض بهم يزدان شير إلى بيوت “السورانيين” التي كانت قريبة من “قصرا كلي” وفي تلك الساعة كان (إبراهيم كور آغا) جالساً تحت قبائه (خيمته). وفجأة رأى هؤلاء الصغار قد احتشدوا وتوقفوا أمام باب خيمته فأسرع إلى يزدان شير وقبل يديه وقال له:
-أهلاً وسهلاً بك يا أميري وبعسكرك يا أميري.
ثم دعا (إبراهيم كور) “أي إبراهيم الأعور- فقد كان فاقداً لإحدى عينيه وقد غلب عليه هذا اللقب وكان معروفاً به” زوجته أن تفرش الأرض للضيوف فجاءت ببعض البسط المتهرئة ومفروشات قديمة بالية وبسطتها على الأرض وعندئذ اسند الصغار عصيهم وهراواتهم إلى عُمد الخيمة وجلسوا.
نظر يزدان شير إلى مضيفه إبراهيم كور- أي إبراهيم الأعور- فرآه زريّ الهيئة يرتدي أسمالا وأطماراً بالية تمزقت ثم رقعت هنا وهناك فإذا سل المرء خيطاً من ثيابه لسقط منها مائة رقعه دفعة واحدة. ورأى أحوال بيته أشد بؤساً. وأخيراً قال له إبراهيم كورآغا:
-قل لي يا أميري الآن لِمَ قدِمت بجنودك إليّ؟.
فقال عزالدين شير:
-عماه.. إنك ترى هذا الجيش الذي شكلناه.. إنه بحاجة إلى أموال للإنفاق عليه، وقد أذن لي عمي بدرخان بك بجباية المكوس من عشيرة “سوران” وكلفني بالمجيء إليك لتنهض بهذه المهمة.
فقال إبراهيم كور آغا:
-يا أميري… إنك ترى ما نحن عليه من فاقة وفقر… والعشيرة أشد منا بؤساً وفاقة وفقراً.. فكيف استطيع تحصيل الأموال من العشيرة وتسليمها إليك… فليس لدينا أو لدى العشيرة شيء كثير أو يسير.
فلما تمعن يزدان شير في كلام إبراهيم كور تأكد له أنه أمام فقر مدقع ولن يحصل على شيء ولكنه قال:
-أليس لديكم طعام تقدمونه لهؤلاء الصغار فهم جائعون أيها العم..
فقال إبراهيم كور آغا:
-بلى يا أميري.
وفي الحال نادى زوجته وطلب إليها أن تحضر طعاماً لضيوفه الصغار. فبحثت زوجته في هذه الحقيبة وتلك وتناولت كسرات من الخبز قدمتها للصغار فتخاطفوها وهم يتضاحكون… وبعد أن فرغوا من تناول خبزهم قال يزدان شير لإبراهيم كور آغا:
-ألا تهبوننا ذلك الديك الذي يسرح في الساحة.
فقال إبراهيم آغا:
-خذوه يا أميري فهو لكم.
وسرعان ما ذهبت زوجة إبراهيم آغا وجاء بالديك ووضعته بين يدي يزدان شير، .. فتأبط يزدان شير الديك وأهاب بالصغار للانطلاق فخرجوا يتبعونه وهم يمتطون خيولهم وقد ودعوا إبراهيم آغا وغادروا خيمته. متوجهين إلى “قصرا كلي” وبينما هم سائرون قال يزدان شير لجنوده الصغار:
-هيا انتفوا لنا هذا الديك.
فلما فرغ الصغار من نتف ريش الديك أعادوه إلى قائدهم يزدان شير الذي سمل إحدى عيني الديك.
تابع الصغار سيرهم حتى وصلوا إلى أبواب “قصرا كلي” فأدخلهم يزدان شير ديوان الأمير.. رحب بدرخان بك بيزدان شير مرة أخرى وقال له:
-هل جلبت معك خراج العشيرة ومكوسها؟
فقال يزدان شير:
-هذا لم يحدث يا عماه.
فقال بدرخان بك:
-لماذا؟.
فأجاب يزدان شير:
-لقد تمرد إبراهيم كور آغا وعصا أمرنا ورفض أن يقدم لنا شيئاً.
قال بدرخان بك:
-لا أصدق ذلك يا ابن أخي.
وما ان قال بدرخان بك: لا أصدق ذلك حتى أخرج يزدان شير الديك من تحت إبطه وأطلقه في وسط الديوان وقال لبدرخان بك:
-ليكن –يا أميري- هذا الديك (إبراهيم كور) ثم اسأله أن يأتيك بالضرائب وأموال الخراج افيكون قادراً على ذلك؟.
فلما سمع الحاضرون هذا الحوار ضحكوا ظهراً وبطناً، بيد أن بدرخان بك خجل قليلاً وخاطب يزدان شير بقوله:
-يا ابن أخي إن يكن الأمر كذلك فإنني أرفع الخراج عن عشيرة (سوران) وأعفيها من كل الضرائب والرسوم والمكوس طيلة حياتي. وحالما انتهى بدرخان من كلامه انكب يزدان شير على يديه وقبلهما.
ثم ان يزدان شير ورفاقه خرجوا من الديوان مسرورين مبتهجين وذهبوا إلى بيوتهم.
(انتهى)
من هو ملا خلف البافي[2]
كانت بين المؤرخ الكبير: عبدالرقيب يوسف الزفنكي وبين الباحث دلاور زنكي رسائل متبادلة، وفي إحدى الرسائل الموجهة إلى دلاور زنكي يتحدث المؤرخ عن سيرة الملا خلف البافي كالآتي:
“هو خلف بن رمضان من أهالي قرية “بافي” الكبيرة الواقعة على الهضبة الصخرية لضفة نهر دجلة التي تبعد مسافة زهاء /35/ خمسة وثلاثين كيلو متراً وهي احدى قرى عشيرة “هارونان”.
تلقى علومه الدينية في “الجزيرة” وفي اطرافها وفي “بوتان”. من اساتذته: الملا يوسف بن الحاج حسن الزفنكي المنسوب إلى “زفنكا حاجي عليان” في “بوتان” ولهذا الاستاذ عدد من التآليف منها كتابه: “الفقه الاسلامي” الذي يقع في جزءين، طبع الجزء منه في بغداد عام 1994م. ودرس الملا خلف البافي أيضاً على يد العالم الفاضل “الملا عبدالرحمن بن الملا عبدالكريم الفنكي”. ودرس فترة غير طويلة لدي عبدالرقيب يوسف “صاحب الرسالة نفسه”. بعد اجتيازه الامتحانات التي كانت وزارة الاوقاف أو دائرة الأوقاف في تركيا بنجاح، تعيّن إماماً رسمياً في قرية “سته ورك” الواقعة في الجهة الشمالية الغربية من مدينة “الجزيرة”.
وواظب على وظيفته في هذه القرية حتى عام 1977م. ثم نقله “إماماً لأحد مساجد الجزيرة” العالم البارع المرحوم السيد عبدالرحمن مفتي “الجزيرة” ابن العالم الذائع الصيت السيد علي الفنكي وذلك تقديراً لجهوده المبذولة في ميدان التراث والحركة الوطنية أيضاً ولاتصافه بالاخلاق الفاضلة والسيرة الحسنة. لقد كان المغفور له الملا خلف البافي يتمتع بمكانة اجتماعية رفيعة، وشخصية مرموقة بين سكان “الجزيرة” وكافة جهاتها بسبب رفضه للظلم والاضطهاد في تركيا ولإخلاصه العميق لشعبه.
كان الملا خلف –مثلي- لا يقتني اموالاً، يعيش حياة أشبه بحياة الفقراء، ولكنه كان مؤمناً بتاريخ شعبه وتراثه، يمتلك إرادة صلبة أقسى وأصلد من جلاميد “بوتان” ولم يكن في وسعي مؤازرته أوْشَدّ أزره بأية معونة مالية مهما كانت طفيفة وزهيدة، فلو أنه تهيأت له الأسباب لأتى بأمور جليلة.
لقد استطاع الملا خلف في غضون عشر سنوات من الكفاح وبذل الجهد المضني أن يدوّن ما يربو على اربعة آلاف صفحة عن التراث الشعبي، ولكن مما تذرف له العين العبرات أن المنية لم تمهله ودفن الى جانب قبر والدته “به رى طاهر بافه لي” وضريح زوجته “وه تحه محمد أمين سيرتي” في مقبرة “الجزيرة” في الجهة الشرقية من قبرَيْ “مه م و زين”. رحل ولم يخلّف أحداً يقنفي أثره ويسير على نهجه ويحمل رسالته ويهتم بتراث شعبه في كردستان الشمالية. فلو أمده الله بعقدين آخرين من العمر وطال به أمد الحياة لأتى بالعجب العجاب وبما يعجز عنه الآخرون.
واذا المنيّة أنشبت أظفارها ألْفَيتَ كل تميمة لا تنفع”
——————————————————————————–
[1] – نقلاً عن كتاب ((التاريخ الفولكلوري لامارة بوتان)، جمعها: ملا خلف البافي، بدل الأحرف من العربية إلى اللاتينية وطبعها: دلاور زنكي، مطبعة أميرال-بيروت-لبنان، 2005م.
[2] * ولد في 1-1-1940 وتوفي في 31-5-1993 في الجزيرة، وخلّف من البنين: اديب وبدرالدين ومتين ومسعود ودودستك وسه كفان، ومن البنات: زبيدة و(زينه ت) وله عليخان و(سيفه ر) وبه خشان و(ئه فين) و (نه وزه ؟).
 
فعلا شخصية تستحق الوقوف مطولا امامها و التفكير بعمق ابداعها ....
كل الشكر لك بافي كدار على روعة الطرح دمت بخير مديرنا ......
 
منور مراقبنا العزيزي

كل شكر لمرورك اعتقد في غنية لشفان عليه هو يزدين شيربك
 
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
عودة
أعلى