ابن خلكان

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع jan-brin
  • تاريخ البدء تاريخ البدء




إبن خلكان المؤرخ والأديب الكوردي الشهير


هو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلّكان بن باوَك بن عبد الله بن ساكل بن الحسين بن مالك بن جعفر بن يحيى بن خالد بن بَرْمَك، ينتسب إلى أسرة البرامكة المشهورة ينتسب الى قبيلة ( زرزاري – ولد الذئب ) التي كانت تتوزّع في مناطق متعددة من كردستان .

ينتمي ابن خلكان إلى أسرة مشهورة بالفقه خاصة وبالعلم عامة، وكان والده شهاب الدين محمد قد رحل في طلب الحديث إلى الشام ومصر والحجاز والعراق، وتفقّه بالموصل وبغداد، وكان من أصدقائه المؤرخ عز الدين المشهور بكنية (ابن الأثير) صاحب كتاب (الكامل في التاريخ)، والقاضي المؤرخ ابن شدّاد صاحب كتاب (النوادر السلطانية). وبعد الإقامة الطويلة في الموصل انتقل إلى إربل (اربيل)، وأحرز مكانة مرموقة عند حاكمها آنذاك مظفّر الدين كُوكْبُوري، زوج أخت صلاح الدين الأيوبي، وصار مدرّساً في المدرسة المظفّرية، ومشاراً إليه في ميدان الفتوى.

وكان أحمد أصغر إخوته، وقد ولد بإربل سنة (608 هـ)، ولم يكن قد أكمل الثانية من عمره حينما فقد أباه، لكن الوالد كان حريصاً على أن يتّجه ابنه في طريق العلم، لذلك حصل له على الإجازات (الشهادات العلمية) من العلماء المشهورين في عصره، كما أن صديقه كُوكبوري تولّى رعاية أبناء صديقه بعد وفاته، وهكذا انصرف أحمد إلى طلب العلم في إربل بالمدرسة المظفّرية، وواظب حضور مجلس أبي البركات شرف الدين ابن المستوفي الإربلي، وسمع سنة (621 هـ) صحيح البخاري على أبي جعفر محمد بن هبة الله المكرم الصوفي البغدادي، ولم يكتف بذلك، وإنما كان يتحيّن الفرص، فيلتقي بالأدباء والعلماء الذين كانوا يفدون على إربل بين حين وآخر.

وكان أحمد قد تجـاوز الثامنة عشرة بقليل حينما عقـد النية على أن يغـادر إربل طلباً للعلم، وما كان يعرف وهو يرتحل عنها أنه لن يعود إليها ثانية، فاصطحب أحـد أخويه، إلى جانب بعض كتب التوصية من صديق الأسرة مظفّر الدين كوكبـوري حاكم إربل، وكانت الموصل أول مديـنة يرحل إليها، وفيها أخذ عن صديق والده كمال الدين موسى بن يونس، ذاك العالم الذي جـمع بين الثقـافة الموسوعية والذكاء الخـارق، وكان لقاؤه به سنة (626 هـ)، ومن شدة إعجاب أحمد بأستاذه ابن يونس أضمر في نفسه أنه إذا تزوّج، ورُزق ولداً، فسيدعوه (يونس)؛ تيمّناً باسم ذلك الأستاذ الجليل، وهذا ما فعله حقّاً.

ومن الموصل تابع أحمد رحلته العلمية إلى حلب، ماراً في طريقه بحرّان، وكانت فترة وجوده في حلب أخصب فترات حياته، ففيها تلقّى العلم على الشيوخ المشهورين، من أمثال القاضي بهاء الدين بن شدّاد، الذي كان صديق السلطان صلاح الدين، ومستشار ولده الملك الظاهر، وكان ابن شدّاد، كما مر، صديقاً لوالده، وكان يحمل إليه كتاب توصية من كُوكبوري، فاستقبل ابن شدّاد الأخوين بالترحاب، وأنزلهما في مدرسته، وقرّر لكل منهما مرتّباً عالياً يساوي مرتّب الطلبة الكبار رغم حداثة سنّيهما.

وفي حلب درس أحمد الفقه واللغة والنحو على كبار الشيوخ؛ من أمثال جمال الدين أبي بكر الماهاني، وابن الخبّاز الموصلي، وموفّق الدين ابن يَعِيش، كما التقى المؤرخ عز الدين بن الأثير الصديق الحميم لوالده.

وفي سنة (632 هـ) توجّه أحمد إلى دمشق، فدرس التفسير والحديث والفقه على الشيخ ابن الصـلاح الكردي الشهرزوري (ت 643 هـ) أحد فضلاء عصره وعلمائه المرموقين، وعاد بعدئذ إلى حلب ثانية، ويبدو أنه يئس من العودة إلى مدينته إربل، إذ كان التتار قد اجتاحوها وخرّبوها سنة (634 هـ)، وأنه كان يرى نفسه ما يزال في دور طلب العلم، فتوجّه إلى مصر، ووصل إلى الإسكندرية سنة (636 هـ)، ثم إلى القاهرة سنة (637 هـ)، واتصل هناك بالشاعر بهاء الدين زهير، وقويت الصداقة بينهما، إلى درجة أن البهاء أجاز له رواية ديوانه.

كان قاضي القضاة في مصر آنذاك بدر الدين السِّنْجاري، وهو كردي من قبيلة (زرزاري) مثل ابن خلّكان، تولى القضاء بمصر بعد أن عينه قاضي القضاة بدرالدين السنجاري الكردي ( من قبيلة زرزاري ) فولاّه نيابة القضاة بمصر، ثم تتالت الأعوام، ووصل المماليك إلى الحكم، وحلّوا محل الأيوبيين، وجاء الانتصار على المغول في معركة عين جالوت، ثم قُتل السلطان المملوكي قُطْز قائد تلك المعركة على يد صديقه بيبرس، وتسلّم هذا الأخير السلطة حاملاً لقب الملك الظاهر، فعيّن ابن خلّكان قاضياً في ديار الشام سنة (659هـ)، وفوّض إليه الحكم في جميع البلاد الشامية من العريش إلى سَلَمْيَة.

وبدأ ابن خلكان ممارسة وظائفه الكثيرة، من تعيين نوّاب له في البلاد، وضبط لما تحت يده من أوقاف، وتنصيب معيدين في المدارس، ومراجعة للأحكام وفصل في القضايا، وظل في منصبه ذاك إلى عام (669 هـ)؛ إذ عُزل عنه عندما دخل الظاهر بيبرس دمشق، ليس عن تهمة وُجّهت إليه، وإنما لأن الوزير بهـاء الدين بن حنّا سعى في أن يولّي عز الدين بن الصائغ القضاء، ولأن بهاء الدين هذا لم يكن يرتاح لابن خلّكان، وإلى علاقته بأمير كردي آخر من قبيلة (زرزاري) نفسها هو الأمير أحمد بن حجّي، وكان ذلك الأمير مرموق المكانة عند الملك الظاهر، وكان يعدّ منافساً للوزير.

وفي مصر وجد ابن خلّكان منصباً تدريسياً في المدرسة الفخرية، وعانى بعدئذ من فقر شديد بسبب مضايقات الوزير له. على أن الأمور اختلفت بدءاً من سنة (676 هـ)؛ إذ تمّ تعيينه في منصب القضاء بدمشق ثانية، ولم تستطع السنوات السبع أن تنسي أهلها قاضيهم المحبوب، فاحتفلوا بمقدمه، وتزاحموا على استقباله، وما إن دخل ابن خلّكان دمشق حتى توجّه إلى المدرسة العادلية، فجلس فيها، وتوافد عليه الشعراء يهنئونه، وتبارى القرّاء في القراءة؛ وكان هذا كله في عهد الملك السعيد ابن الملك الظاهر.

وقضى ابن خلكان في منصبه الجديد ثلاث سنوات، ثم حدثت الاضطرابات في مصر والشام بين أبناء الملك الظاهر بيبرس، وكانت النتيجة أن السلطة آلت إلى أحد المماليك الجراكسة هو الملك المنصور قَلاوون، ويبدو أن ابن خلكان لم يكن من أنصار قلاوون، فاعتقل بعض الوقت، ثم جاء العفو عنه من الملك نفسه، وأعيد إلى منصبه وأضيف منصب قضاء حلب إلى أعماله.

غير أن الملك المنصور كان يرغب بعفوه العام هذا تهدئة الخواطر، ريثما يرسّخ قواعد سلطته، وما إن تمكن من ذلك حتى عـاد بعد شهر ونصف إلى عزل ابن خلّكان مرة أخرى، وكان ذلك سنة (680 هـ)، فمارس ابن خلّكان التدريس في المدرسـة النجيبية والمدرسـة الأمينية، وأمضي بقـية عمره في الدرس ومذاكرة العلماء والأدباء، إلى أن توفي يوم السبت (26 رجب سنة 681 هـ)، ودفن بسفح جبل قاسيون.

 
عودة
أعلى