Kurd Day
Kurd Day Team
عنصرنا حمار
كان الملا محمد – رحمه الله – يمشي إلى مفرزة الأمن العسكري تحت المطر الغزير و الهواجس الأغزر التي تتنازعه , و يحس بخجل و كأنه يرتدي جلد كلب مبلل نجس , و العياذ بالله !
ماذا سيظن بي من يراني , هل يعرف الناس أنني مدعو للمجهول ؟ أم يظنون بي الظنون : كأن يفكروا بتعاملي مع الزبانية... أستغفر الله ...!
اليوم أعاد لي عنصر أمن الدولة آخر خطبة جمعة ألقيتها , و من المؤكد قرؤوها , و صوّروها ، و الآن يطلبني رئيس مفرزة الأمن العسكري ، و لكن لن أستسلم مهما حاولوا مضايقتي , و رفع رأسه قليلا فرأى بعين قلبه جبل الجودي , أحس بقوة و قال في قرارة نفسه أنا الكردي ابن الجبل .. سأظلّ شامخا ، اللهم أنت المستعان ، و عليك أتوكل , و أنت نعم الوكيل .
أرجو أن يكون أبو فادي هناك ، فهو يصلّي في المسجد عندي كل يوم جمعة ، فإذا لم يقتنع أبو علي فسأقول له : استدع عنصر المفرزة أبا فادي ، و اسأله . و الحمدلله أن الخطبة معي .
و وصل أخيرا إلى المفرزة , وجعلوه ينتظر أكثر مما يجب؛ فالأمن يلعب بأعصاب من يستدعيه عادة بالانتظار و كنوع من الإهمال و الإهانة المقصودة إنه لا يخفى عليه هذا ...
كان الملا محمد الابن الأكثر اقتداء بأبيه المرحوم الملا سمو ( إسماعيل ) الذي كان وطنيا , و كان مشاكسا في صراعه مع الشيوخ أصحاب الطرائق و المريدين المتصوّفة , و الملالي الذين يستغلّون العامّة البسطاء و السذّج . و الملا سمو ربّى أولاده على حبّ كردستان و الملا مصطفى البرزاني . و عندما سافر إلى السعودية جاء بمبلغ من أهل الخير و بنى المسجد الذي يخطب فيه ابنه ، و كان يختلف عن مساجد المنطقة في أشياء : منها أن الملا محمّد كان يجلس ليلقي خطبه بالكرديّة و قد فتح مكبّرات الصوت قبل أن يرتاد المصلّون المسجد ، وعندما يحين وقت الخطبة ، ويحضر المصلّون يلقي الخطبة بالعربّية , و كان في خطبه يتحدّث أحيانا عن مظالم صدّام حسين ، و جرائمه ، و عندما يصل إلى الدعاء لرئيس الجمهوريّة السوريّة لم يكن يسمّيه بالاسم كأئمة المساجد التابعة لوزارة الأوقاف بشكل مباشر . و كان يحضر الندوات الحزبية و الأمسيات الثقافية الكرديّة , فيعطي أحد أفراد أسرته أو أحد روّاد المسجد المفاتيح ليؤم المصلّين .
بدّد صوت أحد عناصر الأمن أفكاره آمرا أن يدخل إلى رئيس المفرزة , و في ثوان كان الملا قد قرأ في أعماق قلبه : بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد الله الصمد
- السلام عليكم
- أي سلام ، يا ملا , ألا تكفّ عن إزعاج عناصرنا ؟
- لم أفهم قصدك ؟
- ماذا قلت في خطبة هذه الجمعة ؟
- خطبة عاديّة , و هاهي اقرأها بنفسك ، و مدّ يده إلى جيبه ليخرجها
- أبو فادي كان حاضرا ، و أنت اتّجهت إليه و قلـت تكلّمت ضد الجواسيس
- آآه آه الآن فهمت , بصراحة كنت أفكّر بأن يساعدني أبو فادي إذا تشدّدت عليّ , و لم أتكلم عن الجاسوسيّة , و أبو فادي ليس جاسوسا بل هو أحد عناصر مفرزتك يعني موظف في الأمن و الحكومة , وخطبتي كانت عن الغيبة , و فيها قول الله تعالى : لا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه .
تفضل اقرأ الخطبة بنفسك
بعد دقائق أنهى أبو علي القراءة , وسلّم الخطبة للملا , و قال : اجلس . ماذا تشرب ؟
- لا , شكرا .
- لازم تشرب , ماعليش زعجناك لأنو عنصرنا أبو فادي حمار و ما بيفهم .