كلنا سمعنا في السنوات الأخيرة الماضية عن مصطلح التعددية الثقافية. ومنذ 11 سبتمبر/ أيلول تزيد هذه القيم من ضغطها على العالم الإسلامي سواء في الغرب أو الشرق الأوسط.
إن التعددية ليست ابتكارا غربيا بل هي حقيقة بسيطة تعكس العالم المتغير الذي نعيش فيه حيث ازدادت اليوم حركة سفر الناس وترحالهم عما كانت عليه في الماضي وازدادت هجرتهم إلى الغرب بأعداد أكبر مما كانت عليه.
ويعتقد كثير من المسلمين بأن الغرب هو الذي فرض عليهم مفهوم التعددية، والواقع أن العكس هو الصحيح لأن الغرب نفسه كان أول "ضحية" للتعددية الثقافية، فهو الذي يستقبل دوما العدد الأكبر من المهاجرين من الدول الأجنبية. وأميركا على وجه الخصوص هي الدولة التي تستقبل العدد الأكبر من المهاجرين. لقد كان المهاجرون إلى أميركا الشمالية في القرن الثامن عشر من أصول أنجلو-ساكسونية على وجه الخصوص قدمو من إنجلترا، وسرعان ما انضم إليهم مهاجرون من فرنسا وألمانيا وإيرلندا وهولندا والدول الإسكندنافية وغيرها من دول شمال أوروبا. ومع وصول كل مجموعة عرقية جديدة من المهاجرين كانت تظهر توترات معينة لأن كل مجموعة جديدة منها كانت "مختلفة" عن المهاجرين الأصليين الأنجلو-ساكسونيين القادمين من إنجلترا، وتتكلم لغة مختلفة. لكن الأوروبيين الشماليين كانوا أسهل على الذوبان في المجتمع الجديد من أولئك القادمين من جنوب أوروبا كالإيطاليين والإسبان والبلقان لأن ثقافتهم كانت تختلف كثيرا عن ثقافة الأوروبيين الشماليين. أما العبيد السود من أفريقيا فكانوا يمثلون ثقافة مختلفة كليا. ثم بدأت أميركا في القرن التاسع عشر تستقبل أعدادا كبيرة من المهاجرين الصينيين واليابانيين، وكان اندماج هؤلاء المهاجرين صدمة ثقافية أكبر بالنسبة للثقافة "الأميركية" لأن الاختلافات الثقافية هذه كانت أكبر بكثير من الاختلافات بين المهاجرين الأوائل. واليوم يوجد في أميركا أعداد ضخمة من الآسيويين والأفارقة والهندوس والشرق أوسطيين والأميركان اللاتين. هناك بعض المشكلات الاجتماعية إلا أن كل هذه المجموعات تذوب في الحياة الأميركية. لقد ظهرت التعددية الثقافية في أميركا لأن هذه المجموعات العرقية المختلفة تطالب بمساواة كاملة أمام القانون في كل المجالات. إن المساواة والديمقراطية لا تعطى وإنما ينتزعها الناس ويأخذونها بأنفسهم.
لكن أميركا أيضا تغيرت نتيجة لذلك، فقد تأثرت أساليب الحياة والطعام والموسيقى والملابس والفنون الأميركية تأثرا كبيرا بوجود كل هذه المجموعات العرقية. وقد شعر عدد صغير من الأميركان من أصول أوروبية شمالية بالخطر من هذه الأعداد الضخمة من المهاجرين من المجموعات العرقية غير الأوروبية، إلا أنه يتوجب عليهم قبول هذه الحقيقة. فالقانون يطلب من الأميركان التعامل مع الجميع بمساواة حتى لو لم يكن النظام القانوني مثاليا دائما. إلا أن أحدا لا يستطيع مصارعة القانون، وهذا ما يجعل أميركا اليوم مركزا للتعددية الثقافية، ليس باختيارها وإنما بسبب حتمية التاريخ والضغوط عليها.
أما أوروبا فلم تبدأ الهجرة إليها من خارجها إلا في أوائل القرن العشرين لكن هذه المسألة كانت أكثر صعوبة بالنسبة للأوروبيين مما كان عليه الحال في أميركا، فكل دولة أوروبية تعتبر ذات ثقافة مستقلة بحد ذاتها، والألمان والهولنديون والسويديون والفرنسيون كلهم يريدون المحافظة على ثقافاتهم ولغاتهم الأصلية. إن المهاجرين يهددون نقاء وصفاء ثقافاتهم التي حافظوا عليها على مدى القرون الطويلة الماضية دون تغيير كبير. إن الأوروبيين اليوم يقبلون فكرة التعددية الثقافية إلا أنهم أحيانا يشعرون بالقلق من عواقبها.
وكان المسلمون من أكبر مجموعات المهاجرين التي وصلت إلى أوروبا وأميركا في النصف الثاني من القرن العشرين. ومن الطبيعي أنهم يريدون الحفاظ على ثقافاتهم ولغاتهم ومجتمعاتهم، إلا أنه يجب عليهم أيضا أن يتكيفوا مع مجتمعاتهم الجديدة التي يعيشون فيها. إن المسلمين في أوروبا وأميركا ليسوا كالشيشان في روسيا أو كاليوغور في الصين أو المورو في الفلبين حيث تجبر هذه الأقليات المسلمة على الذوبان في المجتمعات التي تعيش فيها. فقد جاء المسلمون إلى أوروبا وأميركا بمحض إرادتهم واختيارهم.
ولكن ما الحد الذي ينبغي على المسلمين أو أي مجموعة عرقية أخرى أن يحافظوا عليه من ثقافتهم؟ فقد دار نقاش حول هذه المسألة في أوروبا حتى قبل هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، ولكن بعد ذلك التاريخ ازداد هذا النقاش. هل مطلوب من المهاجرين المسلمين أو أي مهاجرين آخرين في الدول الأوروبية أن يتعلموا لغة البلد الذي يعيشون فيه؟ هل يجب على أطفالهم الذهاب إلى مدارس علمانية؟ هل يجب على المسلمين قبول القيم العلمانية للمجتمعات الغربية؟ (أقصد بالعلمانية فصل الدين عن السياسة فصلا تاما، وأن يصبح الدين مسألة اعتقاد وممارسة خاصة، ولا مكان للقانون الديني في الحياة العامة). إن بعض المسلمين يعارضون مثل هذه الأمور اعتقادا منهم بأنها ضد الإسلام. كما أن مجموعة صغيرة من المسلمين الراديكاليين استنكرت هذه القيم الغربية وتقاتل من أجل تغييرها.
بعد 11 سبتمبر/ أيلول أصبحت أوروبا وأميركا أكثر صرامة بشأن تعاليم الإسلام الراديكالي، وأنا لا أعني هنا الإرهاب وإنما مبادئ وتعاليم الاتجاه الراديكالي الإسلامي الأصولي السلفي غير المتسامح. وبسبب الخوف من الإرهاب فإن الغرب الآن مهتم لجعل تعاليم الإسلام- التي تمارس ويجري تعليمها في الغرب على الأقل- غير معادية للقيم الغربية وخصوصا مبدأ التعددية والعلمانية. فإذا كانت هذه القيم لا تعجب المهاجرين المسلمين، فإن عليهم ألا يهاجروا إلى دول تعتقد بتلك القيم. إن التعددية الثقافية والعلمانية تعني قبول جميع الناس بوجهات النظر المتناقضة داخل مجتمعهم مع عدم إمكانية فرض الدين أو الممارسات الدينية على الآخرين.
اليوم تطلب الحكومة الهولندية الجديدة من كل الأئمة المسلمين تعلم اللغة الهولندية، ويتوجب عليهم أيضا أخذ دروس حول التاريخ الهولندي والقيم السياسية والاجتماعية الهولندية حتى يفهموها فهما كاملا. وفي حال إخفاق هؤلاء الأئمة ورسوبهم في الامتحانات المقررة لن يحصلوا على ترخيص بممارسة الوعظ والخطابة ولن يحصلوا على تأشيرات الإقامة. وهكذا يعتقد الأوروبيون بضرورة أن تكون للمواطنين في مجتمعاتهم قيم واحدة هي تلك القيم التي تشكل الثقافة الغربية والمجتمع الغربي.
ومع مرور الزمن قد تمتد هذه القواعد الجديدة إلى كل الدول الأوروبية والولايات المتحدة. ويشعر الغربيون بالقلق من أن آراء الإسلاميين الراديكاليين التي يدعو لها بن لادن وأيمن الظواهري والجماعة الإسلامية في مصر أو جماعة المهاجرين في لندن أو غيرها من الجماعات تشكل أرضية للإرهاب.
هذه التطورات تخلق المشاكل لبعض المسلمين، فهم قد لا يوافقون على المساواة الكاملة بين الرجال والنساء في كل المسائل. وقد لا يحصلون على حق الدعوة وإعلان أن بريطانيا مثلا بلاد كفر أو مهاجمة المسيحية أو اليهودية علنا. وعلى أي حال فإن الإسلام المعتدل لا يدعو إلى مثل هذه المسائل بل إن الذين يفعلون ذلك هم الإسلاميون المتطرفون. فما مدى التسامح الذي يمكن أن يبديه الغرب تجاه هذه الأفكار الراديكالية إذا كانت تسبب الكراهية ضد الغرب بين المسلمين الذين يعيشون في الغرب؟.
أعلم أن السياسات الغربية وخصوصا الأميركية في الشرق الأوسط تخلق هي الأخرى جوا من العداء للغرب إلا أن هذه مسألة مختلفة. إنني أناقش هنا مشكلة قبول المسلمين بالتعددية الثقافية والمساواة القانونية الكاملة بين جميع الناس.
وأخيرا هناك مشكلة التعددية الثقافية في العالم الإسلامي نفسه، فهل يقبل الإسلاميون هذه الحقيقة المتنامية؟ إن الدول التي كانت تحكم بالشريعة في الماضي ربما تكون قد وفرت العدالة للمسلمين، إلا أن التعددية والعلمانية اليوم تصران على ضرورة حصول كل المجموعات الدينية على المساواة الكاملة وعلى عدم إمكانية ظهور دولة دينية. (القيم الدينية لا بأس بها ولكن ليس الدولة الدينية). ومع تزايد سكان العالم الإسلامي وتنوعهم واختلاطهم ينبغي على المسلمين أيضا قبول هذه الحقائق المتعلقة بالعالم الحديث والتي فرضت نفسها أولا على الغرب لكنها وصلت الآن إلى العالم الإسلامي أيضا. إن اندماج المسلمين في الحياة الغربية- إذا اختاروا العيش في الغرب- سيعتمد على قبولهم لهذه الحقائق. كما أن ظهور عالم إسلامي قوي ومزدهر يعتمد أيضا على قبول مبدأ التعددية والعلمانية حتى مع الحفاظ على القيم الأخلاقية الغنية للإسلام.
غراهام فولر: كاتب مستقل ومحلل مختص في شؤون العالم الإسلامي.
- أحد كبار المستشارين السياسيين في مؤسسة "راند" للدراسات بواشنطن.
إن التعددية ليست ابتكارا غربيا بل هي حقيقة بسيطة تعكس العالم المتغير الذي نعيش فيه حيث ازدادت اليوم حركة سفر الناس وترحالهم عما كانت عليه في الماضي وازدادت هجرتهم إلى الغرب بأعداد أكبر مما كانت عليه.
ويعتقد كثير من المسلمين بأن الغرب هو الذي فرض عليهم مفهوم التعددية، والواقع أن العكس هو الصحيح لأن الغرب نفسه كان أول "ضحية" للتعددية الثقافية، فهو الذي يستقبل دوما العدد الأكبر من المهاجرين من الدول الأجنبية. وأميركا على وجه الخصوص هي الدولة التي تستقبل العدد الأكبر من المهاجرين. لقد كان المهاجرون إلى أميركا الشمالية في القرن الثامن عشر من أصول أنجلو-ساكسونية على وجه الخصوص قدمو من إنجلترا، وسرعان ما انضم إليهم مهاجرون من فرنسا وألمانيا وإيرلندا وهولندا والدول الإسكندنافية وغيرها من دول شمال أوروبا. ومع وصول كل مجموعة عرقية جديدة من المهاجرين كانت تظهر توترات معينة لأن كل مجموعة جديدة منها كانت "مختلفة" عن المهاجرين الأصليين الأنجلو-ساكسونيين القادمين من إنجلترا، وتتكلم لغة مختلفة. لكن الأوروبيين الشماليين كانوا أسهل على الذوبان في المجتمع الجديد من أولئك القادمين من جنوب أوروبا كالإيطاليين والإسبان والبلقان لأن ثقافتهم كانت تختلف كثيرا عن ثقافة الأوروبيين الشماليين. أما العبيد السود من أفريقيا فكانوا يمثلون ثقافة مختلفة كليا. ثم بدأت أميركا في القرن التاسع عشر تستقبل أعدادا كبيرة من المهاجرين الصينيين واليابانيين، وكان اندماج هؤلاء المهاجرين صدمة ثقافية أكبر بالنسبة للثقافة "الأميركية" لأن الاختلافات الثقافية هذه كانت أكبر بكثير من الاختلافات بين المهاجرين الأوائل. واليوم يوجد في أميركا أعداد ضخمة من الآسيويين والأفارقة والهندوس والشرق أوسطيين والأميركان اللاتين. هناك بعض المشكلات الاجتماعية إلا أن كل هذه المجموعات تذوب في الحياة الأميركية. لقد ظهرت التعددية الثقافية في أميركا لأن هذه المجموعات العرقية المختلفة تطالب بمساواة كاملة أمام القانون في كل المجالات. إن المساواة والديمقراطية لا تعطى وإنما ينتزعها الناس ويأخذونها بأنفسهم.
لكن أميركا أيضا تغيرت نتيجة لذلك، فقد تأثرت أساليب الحياة والطعام والموسيقى والملابس والفنون الأميركية تأثرا كبيرا بوجود كل هذه المجموعات العرقية. وقد شعر عدد صغير من الأميركان من أصول أوروبية شمالية بالخطر من هذه الأعداد الضخمة من المهاجرين من المجموعات العرقية غير الأوروبية، إلا أنه يتوجب عليهم قبول هذه الحقيقة. فالقانون يطلب من الأميركان التعامل مع الجميع بمساواة حتى لو لم يكن النظام القانوني مثاليا دائما. إلا أن أحدا لا يستطيع مصارعة القانون، وهذا ما يجعل أميركا اليوم مركزا للتعددية الثقافية، ليس باختيارها وإنما بسبب حتمية التاريخ والضغوط عليها.
أما أوروبا فلم تبدأ الهجرة إليها من خارجها إلا في أوائل القرن العشرين لكن هذه المسألة كانت أكثر صعوبة بالنسبة للأوروبيين مما كان عليه الحال في أميركا، فكل دولة أوروبية تعتبر ذات ثقافة مستقلة بحد ذاتها، والألمان والهولنديون والسويديون والفرنسيون كلهم يريدون المحافظة على ثقافاتهم ولغاتهم الأصلية. إن المهاجرين يهددون نقاء وصفاء ثقافاتهم التي حافظوا عليها على مدى القرون الطويلة الماضية دون تغيير كبير. إن الأوروبيين اليوم يقبلون فكرة التعددية الثقافية إلا أنهم أحيانا يشعرون بالقلق من عواقبها.
وكان المسلمون من أكبر مجموعات المهاجرين التي وصلت إلى أوروبا وأميركا في النصف الثاني من القرن العشرين. ومن الطبيعي أنهم يريدون الحفاظ على ثقافاتهم ولغاتهم ومجتمعاتهم، إلا أنه يجب عليهم أيضا أن يتكيفوا مع مجتمعاتهم الجديدة التي يعيشون فيها. إن المسلمين في أوروبا وأميركا ليسوا كالشيشان في روسيا أو كاليوغور في الصين أو المورو في الفلبين حيث تجبر هذه الأقليات المسلمة على الذوبان في المجتمعات التي تعيش فيها. فقد جاء المسلمون إلى أوروبا وأميركا بمحض إرادتهم واختيارهم.
ولكن ما الحد الذي ينبغي على المسلمين أو أي مجموعة عرقية أخرى أن يحافظوا عليه من ثقافتهم؟ فقد دار نقاش حول هذه المسألة في أوروبا حتى قبل هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، ولكن بعد ذلك التاريخ ازداد هذا النقاش. هل مطلوب من المهاجرين المسلمين أو أي مهاجرين آخرين في الدول الأوروبية أن يتعلموا لغة البلد الذي يعيشون فيه؟ هل يجب على أطفالهم الذهاب إلى مدارس علمانية؟ هل يجب على المسلمين قبول القيم العلمانية للمجتمعات الغربية؟ (أقصد بالعلمانية فصل الدين عن السياسة فصلا تاما، وأن يصبح الدين مسألة اعتقاد وممارسة خاصة، ولا مكان للقانون الديني في الحياة العامة). إن بعض المسلمين يعارضون مثل هذه الأمور اعتقادا منهم بأنها ضد الإسلام. كما أن مجموعة صغيرة من المسلمين الراديكاليين استنكرت هذه القيم الغربية وتقاتل من أجل تغييرها.
بعد 11 سبتمبر/ أيلول أصبحت أوروبا وأميركا أكثر صرامة بشأن تعاليم الإسلام الراديكالي، وأنا لا أعني هنا الإرهاب وإنما مبادئ وتعاليم الاتجاه الراديكالي الإسلامي الأصولي السلفي غير المتسامح. وبسبب الخوف من الإرهاب فإن الغرب الآن مهتم لجعل تعاليم الإسلام- التي تمارس ويجري تعليمها في الغرب على الأقل- غير معادية للقيم الغربية وخصوصا مبدأ التعددية والعلمانية. فإذا كانت هذه القيم لا تعجب المهاجرين المسلمين، فإن عليهم ألا يهاجروا إلى دول تعتقد بتلك القيم. إن التعددية الثقافية والعلمانية تعني قبول جميع الناس بوجهات النظر المتناقضة داخل مجتمعهم مع عدم إمكانية فرض الدين أو الممارسات الدينية على الآخرين.
اليوم تطلب الحكومة الهولندية الجديدة من كل الأئمة المسلمين تعلم اللغة الهولندية، ويتوجب عليهم أيضا أخذ دروس حول التاريخ الهولندي والقيم السياسية والاجتماعية الهولندية حتى يفهموها فهما كاملا. وفي حال إخفاق هؤلاء الأئمة ورسوبهم في الامتحانات المقررة لن يحصلوا على ترخيص بممارسة الوعظ والخطابة ولن يحصلوا على تأشيرات الإقامة. وهكذا يعتقد الأوروبيون بضرورة أن تكون للمواطنين في مجتمعاتهم قيم واحدة هي تلك القيم التي تشكل الثقافة الغربية والمجتمع الغربي.
ومع مرور الزمن قد تمتد هذه القواعد الجديدة إلى كل الدول الأوروبية والولايات المتحدة. ويشعر الغربيون بالقلق من أن آراء الإسلاميين الراديكاليين التي يدعو لها بن لادن وأيمن الظواهري والجماعة الإسلامية في مصر أو جماعة المهاجرين في لندن أو غيرها من الجماعات تشكل أرضية للإرهاب.
هذه التطورات تخلق المشاكل لبعض المسلمين، فهم قد لا يوافقون على المساواة الكاملة بين الرجال والنساء في كل المسائل. وقد لا يحصلون على حق الدعوة وإعلان أن بريطانيا مثلا بلاد كفر أو مهاجمة المسيحية أو اليهودية علنا. وعلى أي حال فإن الإسلام المعتدل لا يدعو إلى مثل هذه المسائل بل إن الذين يفعلون ذلك هم الإسلاميون المتطرفون. فما مدى التسامح الذي يمكن أن يبديه الغرب تجاه هذه الأفكار الراديكالية إذا كانت تسبب الكراهية ضد الغرب بين المسلمين الذين يعيشون في الغرب؟.
أعلم أن السياسات الغربية وخصوصا الأميركية في الشرق الأوسط تخلق هي الأخرى جوا من العداء للغرب إلا أن هذه مسألة مختلفة. إنني أناقش هنا مشكلة قبول المسلمين بالتعددية الثقافية والمساواة القانونية الكاملة بين جميع الناس.
وأخيرا هناك مشكلة التعددية الثقافية في العالم الإسلامي نفسه، فهل يقبل الإسلاميون هذه الحقيقة المتنامية؟ إن الدول التي كانت تحكم بالشريعة في الماضي ربما تكون قد وفرت العدالة للمسلمين، إلا أن التعددية والعلمانية اليوم تصران على ضرورة حصول كل المجموعات الدينية على المساواة الكاملة وعلى عدم إمكانية ظهور دولة دينية. (القيم الدينية لا بأس بها ولكن ليس الدولة الدينية). ومع تزايد سكان العالم الإسلامي وتنوعهم واختلاطهم ينبغي على المسلمين أيضا قبول هذه الحقائق المتعلقة بالعالم الحديث والتي فرضت نفسها أولا على الغرب لكنها وصلت الآن إلى العالم الإسلامي أيضا. إن اندماج المسلمين في الحياة الغربية- إذا اختاروا العيش في الغرب- سيعتمد على قبولهم لهذه الحقائق. كما أن ظهور عالم إسلامي قوي ومزدهر يعتمد أيضا على قبول مبدأ التعددية والعلمانية حتى مع الحفاظ على القيم الأخلاقية الغنية للإسلام.
غراهام فولر: كاتب مستقل ومحلل مختص في شؤون العالم الإسلامي.
- أحد كبار المستشارين السياسيين في مؤسسة "راند" للدراسات بواشنطن.