كول نار
Kurd Day Team
:: كهف شانيدار ::
الكاتب صباح كاكه يي
خبير الآثار الأمريكي البروفيسور الدكتور رالف ستيفن سوليكي من جامعة كولومبيا الأمريكية يتناول في كتابه الشهير بالانكليزية المكون من جزأين أصدرها في سنة 1971م بعنوان(شانيدار)وتحديداً في الصفحة 11 و 12 الحديث عن بداية أعمال التنقيب الأثرية التي قام بها مع أفراد فريقه العلمي في كهف شانيدار بكوردستان العراق وما تم اكتشافه فيه لأدوات وعدد حجرية تعود الى عصور وحقب زمنية مختلفة حيث يقول: لقد بدا جلياً لنا أن أرضية الكهف تتكون من أربع طبقات متتالية كل طبقة منها تختلف عن الأخرى بخصوصيات تتناسب تماماً مع عصر وحضارة معينة من خلال لون التربة التي ظهرت عليها تغيرات متسلسلة رافقها تطور وارتقاء نسبي واضح ولاشك أن تلك التغيرات قد واكب حياة الإنسان في كل عصر من العصور القديمة الأربعة، وتبين من الأحافير والقطع الحجرية أن الإنسان كان يمتاز بالمهارة والذكاء...
الطبقة الأولى :
يصف سوليكي في الصفحات الأخرى من كتابه عن خصوصية هذه الطبقة ويقول: إن عمق هذه الطبقة كان متوسطاً نسبياً يقدر بحوالي متر ونصف المتر تشكلت من ترسبات ترابية دهنية سميكة، وقد توضح لنا بشكل جلي أن أقداماً كثيرة داست عليها لفترة طويلة من الزمن شملت مراحل التطور التدريجي في مسيرة الإنسان من حيث اعتماده على صيد الحيوانات البرية لتوفير حاجته الغذائية. وعثرنا على قدر من الرماد من آثار إشعال نار للتدفئة الجماعية، وعثرنا كذالك على عظام حيوانات مختلفة وأدوات حجرية منزلية منها مدقات حجرية ومطاحن يدوية لازال الكورد يستخدمونها في طحن مختلف أنواع الحبوب، علماً أن جميع هذه الأدوات والعظام التي ذكرناها قد تم اكتشافها في الجزء العلوي للطبقة الأولى. ثم عمقنا الحفر بحوالي ثلاثين سنتمتراً، وظهرت لنا فجأة بعض الأسطوانات البدائية المصنوعة من الطين وأواني فخارية عديدة منها قطعة فخارية مصقولة تعود في تاريخها الى عصر الكتابة المسمارية إبان العهد السومري.
الطبقة الثانية :
جاءت مباشرة بعد الطبقة الأولى، حيث لاحظنا أن هناك تغيراً في طبيعة هذه الطبقة التي تكونت من راسب ترابي خفيف بني اللون، وفهمنا بأنه يكشف عن مهارات الشعوب البدائية التي كانت تجهل الزراعة وتربية المواشي، كما أنهم لم يعرفوا الأعمال الخزفية بدليل أننا لم نعثر على أية قطعة خزفية أو أواني فخارية. هذا ولم نجد دليلاً يثبت أن المجاميع البشرية في ذالك العصر كانوا يحصلون على غذائهم من جمع المكسرات مثل الجوز واللوز وغيرها. ولقد تبين لنا أن جزءً من غذائهم اليومي كان يعتمد على الحلزونيات والرخويات نظراً لتواجدها دائماً بكثرة، وظهرت أكواماً كبيرة من قشور الحلزونيات المختلفة منثورة بشكل ملفت للنظر. إن عظام الحيوانات في هذه الطبقة كانت قليلة نسبياً ولم يتم العثور فيها إلا على شيء قليل من العظام التي تعود للحيوانات الوحشية، كما إننا لم نعثر على عظام الحيوانات المنزلية، فمن المحتمل أن الحيوانات في وادي شانيدار في تلك المرحلة كانت قليلة، لكن على الرغم من ذالك يظهر أن البشر كانوا يعيشون حياةً اعتيادية وكانت عندهم أوقات فراغ كثيرة، اكتسبوا خلالها الكثير من المهارة الفنية في صنع أسلحة الصيد مثل الرماح والقوس والنشاب وعلى جوانبها زخارف محفورة، و مخارز لثقب وخياطة الجلود، وعثرنا أيضاً على قطع حجرية مزخرفة وملونة فربما كانوا يحصلون على سمة الصبغ بواسطة طحن الأحجار الملونة المختلفة ويحتمل أن أساليب الزخرفة كانت مزدهرة في ذالك العصر.
الطبقة الثالثة :
بعد انتهاء الطبقة الثانية مباشرة وصلنا الى فجوة زمنية تقدر بحوالي(سبعة عشر ألف عام)كان الكهف أثنائها خالياً لم يكن يسكنه أحد، ثم وصلنا الى الطبقة الثالثة التي احتوت على كتل حجرية تناثرت بالقرب من الحافة الأمامية لمدخل الكهف، يحتمل للغاية أنها جاءت بفعل هزة أرضية قوية ضربت المنطقة، هوت من جرائها أجزاءً من سقف الكهف وأحدثت رعباً وهلعاً بين الساكنين مما جعلتهم يفرون بعيداً الى أماكن أخرى في المنطقة، وبقي الكهف متروكاً طيلة الفترة المذكورة أعلاه ولم يسكنه أحد، ومن ثم ظهرت أجيال جديدة فتوارثت الكهف ثانية جيل بعد جيل. يواصل سوليكي في كتابه بأن الطبقة الترابية كانت تحتها طبقة سميكة من الرماد يزيد سمكها عن مترين ونصف المتر، وكانت تلك دليلاً واضحاً على أن أجيالاً عديدة من النياندرتال استوطنت كهف شانيدار ردحاً طويلاً من الزمن ضمن مرحلة الحضارة المعروفة (أورجنازين)والدليل الأبرز على ذالك هو أن معظم الأدوات التي عثرنا عليها في هذه الطبقة كانت أدوات حجرية صوانيه(حجر النصل)ومن المدهش أن تلك الأدوات الحجرية كانت لها أوجه شبه كثيرة مع معدات حجرية تعود لنفس الحضارة المذكورة أعلاه والتي اكتشفها علماء آخرين في كهوف تعود الى إنسان النياندرتال تقع في أوربا وبالأخص فرنسا وألمانيا اللتين ظهرت فيهما تلك الحضارة أيضاً وتحمل نفس الاسم(أورجنازين)... لكن باستثناء حضارة شانيدار فأنه لم يعثر على أية حضارة مشابهة في مناطق أخرى من العراق، مع أن العلماء وجدوا مؤشرات تدل على أنه كانت في الدول المجاورة حضارات أقدم وأحدث من شانيدار.
كما أن الأعمال الفنية التي ظهرت في العصور الأوربية القديمة تتناسب تماماً مع ما اكتشفناه في هذه الطبقة(الثالثة)من أعمال خشبية محفورة، مما يثبت بشكل قاطع أن الإنسان القديم كان يجيد الكثير من فنون الحفر، ولعل أبلغ دليل على ذالك هو أن أسلحة الصيد كالقوس والنشاب مثلاً وجدنا على جنبيها نقوش محفورة(الكلام لا زال لسوليكي)إضافة الى الكثير من الأدوات والمعدات التي كانوا يستخدمونها في إجراء أعمالهم الفنية منها أحجار ورقائق صوانيه حادة ومعاول حفر وكاشطة يمكن اعتبارها جميعاً كشهادة تثبت مزاولتهم لتلك الفنون. ومن الطبيعي أننا لم نتمكن من رفع تلك الأعمال الخشبية من أرض الكهف لأنها كانت تالفة ومنخورة تماما بفعل حشرات الأرضة والفطريات الأرضيةً، وقد عرفنا أيضاً من خلال تقارير الباحث في شؤون الأشياء القديمة(ألأنتيك)أن شعوب العصور الحجرية كانت لهم مقدرة فنية واسعة في الأعمال الفنية.
الطبقة الرابعة :
يشرح سوليكي كذالك عن الخصوصيات الاستثنائية لطبقات أرضية كهف شانيدار من خلال كتابه (شانيدار)الذي يعد من أهم الكتب التاريخية ويقول... رغم إن هذه الطبقة قد انطوت على الكثير من المفاجآت غير المتوقعة والتي وصلنا إليها بعد تسعة أمتار حينما ارتطمت معاولنا بصفوف متراصة من الصخور الكبيرة والتي تعود لنفس العصر وهي بدأت أصلاً بعد عمق خمسة أمتار من مستوى أرضية الكهف ولغاية أربعة عشر متراً. وفجأة وصلنا الى مفترق واضح في صفوف البشرية حيث أن الناس خلالها كانوا جميعاً من النوع البشري الحديث المعروف بـ (هومو ساب ينس)ومن خلال هذه المرحلة عرفنا أن النياندرتال القديم كانوا منقرضين وتقدر هذه المرحلة بقبل حوالي خمسة وثلاثون الى أربعين ألف عام. وفجأة اكتشفنا حقائق عن أدواتهم الحجرية الخشنة الغير منتظمة وكذالك ثلاثة جماجم تعود للنياندرتال من ضمنها جمجمة أول طفل.
الأدوات الحجرية الصوانية الأساسية للنياندرتال تسمى(موسترين)وسميت بهذا الاسم نسبة الى اكتشاف عدد من العدد والأدوات الحجرية في منطقة موسترين بفرنسا، وقد وجدنا من نفس تلك الأدوات في كهف شانيدار بكوردستان العراق، وهي عبارة عن قطع حجرية صوانيه صلبة وحادة تحتوي جميعها على مقابض لربما كانوا بواسطتها يقومون بصنع ما يحتاجونه من الأدوات واللوازم الحجرية المختلفة، كما عثرنا على حراب وسكاكين وأزاميل جميعها مصنوعة من أحجار الصوان وعظام الحيوانات. لكن المدهش أن تلك الأسلحة شحذت بدقة عالية.
عندما يمعن المرء في تقارير خبير الآثار الأمريكي رالف سوليكي حول ما قام به من التنقيبات الأثرية في كهف شانيدار بكوردستان العراق سيتعرف من خلالها على تفاصيل تأريخ الإنسان القديم التي اندرجت في الطبقات الأرضية الأربعة المشار إليها أعلاه بشكل تدريجي وحسب تسلسل العصور بدأً بالنياندرتال القديم التي وصل إليها أخيراً حيث يقدر تأريخه بحوالي مائة ألف عام وعصر الإنسان الحديث المعروف الهومو سابينس(الإنسان الحالي)قبل حوالي خمسة وثلاثون الى أربعين ألف عام أثناء بداية انقراض النياندرتال، وانتهاءً بالعصر السومري قبل حوالي خمسة آلاف ألف عام . لقد اعتمد سوليكي في أبحاثه على المنهج العلمي التاريخي كمصدر أساسي رصين في تحقيق غايته نحو الوصول الى الحقب الزمنية المختلفة من تاريخ الإنسان القديم وتطوره التدريجي. كما واعتمد في ميدان العمل الفعلي في الحفر والتنقيب على الأجهزة الالكترونية والفحوصات المختبرية والحمض النووي(dna)للكشف عن السلالة الجينية البشرية القديمة وقد استقاها من الهياكل العظمية البشرية المتحجرة والأدوات الحجرية الصوانية التي قادته الى عمق تاريخ البشرية القديم.
ويضيف سوليكي أيضاً... من خلال الأدوات والأسلحة الحجرية الصوانية والجماجم البشرية المتحجرة استطعنا تمييز تاريخ العصور المختلفة، قسم منها تعود الى عصر حضارة الـ (موسترين)أما القسم الآخر فهي تعود الى عصر حضارة الـ (أورجنازين)وقد قمنا بعزل وتجزئة الأدوات حسب العصر أو الحضارة التي تنتمي إليها، وعلى ضوء التشابه الحاصل بين تلك العدد والآلات الحجرية المشار إليها توصلنا الى استدلالات ونتائج صريحة لا يتطرق إليها الشك، بالأضافة الى تقارير صدرت عن خبراء آخرين في مواقع أثرية أخرى، فأتضح لنا أن خمسة أدوات مختلفة تسمى بـ (الأدوات التقليدية)قد طرأت عليها تغيرات واضحة نظراً لأنها استنبطت من الأصل وتتابع تداولها من جيل الى جيل لحد يومنا هذا مع إعادة تجديد صنعها بالتطابق مع النسخة الأصلية القديمة لأجل الحفاظ على استمرار وجودها، وتسمى بالتقاليد الحضارية(المزدوجة النواة)ولقد صاغ هذه الفرضية خبير الآثار ومؤرخ التأريخ القديم الدكتور (برايد وود)من متحف شيكاغو للتأريخ الطبيعي في سنة 1948م.
ويشير سوليكي في الصفحة 35 من كتابه بأنه عثر في كهف شانيدار على قطع حجرية كمثرية الشكل مصقولة من الجانبين الأماميين، لذا فإن هذه المواد تنطبق عليها فرضية(براين وود)عينها من حيث انتمائها الى الأدوات التقليدية مزدوجة النواة، بالأضافة الى المدق الحجري والمطحنة الحجرية التي أتينا على ذكرها سابقاً والتي صنعها إنسان كهف شانيدار لأول مرة في تاريخ البشرية من صخور جبال زاكروس في كوردستان العراق.
أخيراً يذكر عالم الآثار الدكتور أريش ترنكاوس أيضاً أن الكورد في كوردستان العراق هم بحق حالة استثنائية فريدة من حيث استخدامهم لأدوات مصنوعة من حجر الصوان أو ما تسمى بآلات النصل ضمن حضارة الـ (أورجنازين)وأن هذه التسمية جاءت نسبة الى الاكتشاف الأول في كهف منطقة(أور جناس)بفرنسا حيث كان الإنسان القديم آنذاك يستخدم أدوات حجرية هي نفسها الأدوات التي اكتشفت في كهف شانيدار ولم يسبق للتاريخ أن دون حضارة في الشرق استخدمت فيها هكذا لوازم أو عدد حجرية.ٍ
يصف سوليكي في الصفحات الأخرى من كتابه عن خصوصية هذه الطبقة ويقول: إن عمق هذه الطبقة كان متوسطاً نسبياً يقدر بحوالي متر ونصف المتر تشكلت من ترسبات ترابية دهنية سميكة، وقد توضح لنا بشكل جلي أن أقداماً كثيرة داست عليها لفترة طويلة من الزمن شملت مراحل التطور التدريجي في مسيرة الإنسان من حيث اعتماده على صيد الحيوانات البرية لتوفير حاجته الغذائية. وعثرنا على قدر من الرماد من آثار إشعال نار للتدفئة الجماعية، وعثرنا كذالك على عظام حيوانات مختلفة وأدوات حجرية منزلية منها مدقات حجرية ومطاحن يدوية لازال الكورد يستخدمونها في طحن مختلف أنواع الحبوب، علماً أن جميع هذه الأدوات والعظام التي ذكرناها قد تم اكتشافها في الجزء العلوي للطبقة الأولى. ثم عمقنا الحفر بحوالي ثلاثين سنتمتراً، وظهرت لنا فجأة بعض الأسطوانات البدائية المصنوعة من الطين وأواني فخارية عديدة منها قطعة فخارية مصقولة تعود في تاريخها الى عصر الكتابة المسمارية إبان العهد السومري.
الطبقة الثانية :
جاءت مباشرة بعد الطبقة الأولى، حيث لاحظنا أن هناك تغيراً في طبيعة هذه الطبقة التي تكونت من راسب ترابي خفيف بني اللون، وفهمنا بأنه يكشف عن مهارات الشعوب البدائية التي كانت تجهل الزراعة وتربية المواشي، كما أنهم لم يعرفوا الأعمال الخزفية بدليل أننا لم نعثر على أية قطعة خزفية أو أواني فخارية. هذا ولم نجد دليلاً يثبت أن المجاميع البشرية في ذالك العصر كانوا يحصلون على غذائهم من جمع المكسرات مثل الجوز واللوز وغيرها. ولقد تبين لنا أن جزءً من غذائهم اليومي كان يعتمد على الحلزونيات والرخويات نظراً لتواجدها دائماً بكثرة، وظهرت أكواماً كبيرة من قشور الحلزونيات المختلفة منثورة بشكل ملفت للنظر. إن عظام الحيوانات في هذه الطبقة كانت قليلة نسبياً ولم يتم العثور فيها إلا على شيء قليل من العظام التي تعود للحيوانات الوحشية، كما إننا لم نعثر على عظام الحيوانات المنزلية، فمن المحتمل أن الحيوانات في وادي شانيدار في تلك المرحلة كانت قليلة، لكن على الرغم من ذالك يظهر أن البشر كانوا يعيشون حياةً اعتيادية وكانت عندهم أوقات فراغ كثيرة، اكتسبوا خلالها الكثير من المهارة الفنية في صنع أسلحة الصيد مثل الرماح والقوس والنشاب وعلى جوانبها زخارف محفورة، و مخارز لثقب وخياطة الجلود، وعثرنا أيضاً على قطع حجرية مزخرفة وملونة فربما كانوا يحصلون على سمة الصبغ بواسطة طحن الأحجار الملونة المختلفة ويحتمل أن أساليب الزخرفة كانت مزدهرة في ذالك العصر.
الطبقة الثالثة :
بعد انتهاء الطبقة الثانية مباشرة وصلنا الى فجوة زمنية تقدر بحوالي(سبعة عشر ألف عام)كان الكهف أثنائها خالياً لم يكن يسكنه أحد، ثم وصلنا الى الطبقة الثالثة التي احتوت على كتل حجرية تناثرت بالقرب من الحافة الأمامية لمدخل الكهف، يحتمل للغاية أنها جاءت بفعل هزة أرضية قوية ضربت المنطقة، هوت من جرائها أجزاءً من سقف الكهف وأحدثت رعباً وهلعاً بين الساكنين مما جعلتهم يفرون بعيداً الى أماكن أخرى في المنطقة، وبقي الكهف متروكاً طيلة الفترة المذكورة أعلاه ولم يسكنه أحد، ومن ثم ظهرت أجيال جديدة فتوارثت الكهف ثانية جيل بعد جيل. يواصل سوليكي في كتابه بأن الطبقة الترابية كانت تحتها طبقة سميكة من الرماد يزيد سمكها عن مترين ونصف المتر، وكانت تلك دليلاً واضحاً على أن أجيالاً عديدة من النياندرتال استوطنت كهف شانيدار ردحاً طويلاً من الزمن ضمن مرحلة الحضارة المعروفة (أورجنازين)والدليل الأبرز على ذالك هو أن معظم الأدوات التي عثرنا عليها في هذه الطبقة كانت أدوات حجرية صوانيه(حجر النصل)ومن المدهش أن تلك الأدوات الحجرية كانت لها أوجه شبه كثيرة مع معدات حجرية تعود لنفس الحضارة المذكورة أعلاه والتي اكتشفها علماء آخرين في كهوف تعود الى إنسان النياندرتال تقع في أوربا وبالأخص فرنسا وألمانيا اللتين ظهرت فيهما تلك الحضارة أيضاً وتحمل نفس الاسم(أورجنازين)... لكن باستثناء حضارة شانيدار فأنه لم يعثر على أية حضارة مشابهة في مناطق أخرى من العراق، مع أن العلماء وجدوا مؤشرات تدل على أنه كانت في الدول المجاورة حضارات أقدم وأحدث من شانيدار.
كما أن الأعمال الفنية التي ظهرت في العصور الأوربية القديمة تتناسب تماماً مع ما اكتشفناه في هذه الطبقة(الثالثة)من أعمال خشبية محفورة، مما يثبت بشكل قاطع أن الإنسان القديم كان يجيد الكثير من فنون الحفر، ولعل أبلغ دليل على ذالك هو أن أسلحة الصيد كالقوس والنشاب مثلاً وجدنا على جنبيها نقوش محفورة(الكلام لا زال لسوليكي)إضافة الى الكثير من الأدوات والمعدات التي كانوا يستخدمونها في إجراء أعمالهم الفنية منها أحجار ورقائق صوانيه حادة ومعاول حفر وكاشطة يمكن اعتبارها جميعاً كشهادة تثبت مزاولتهم لتلك الفنون. ومن الطبيعي أننا لم نتمكن من رفع تلك الأعمال الخشبية من أرض الكهف لأنها كانت تالفة ومنخورة تماما بفعل حشرات الأرضة والفطريات الأرضيةً، وقد عرفنا أيضاً من خلال تقارير الباحث في شؤون الأشياء القديمة(ألأنتيك)أن شعوب العصور الحجرية كانت لهم مقدرة فنية واسعة في الأعمال الفنية.
الطبقة الرابعة :
يشرح سوليكي كذالك عن الخصوصيات الاستثنائية لطبقات أرضية كهف شانيدار من خلال كتابه (شانيدار)الذي يعد من أهم الكتب التاريخية ويقول... رغم إن هذه الطبقة قد انطوت على الكثير من المفاجآت غير المتوقعة والتي وصلنا إليها بعد تسعة أمتار حينما ارتطمت معاولنا بصفوف متراصة من الصخور الكبيرة والتي تعود لنفس العصر وهي بدأت أصلاً بعد عمق خمسة أمتار من مستوى أرضية الكهف ولغاية أربعة عشر متراً. وفجأة وصلنا الى مفترق واضح في صفوف البشرية حيث أن الناس خلالها كانوا جميعاً من النوع البشري الحديث المعروف بـ (هومو ساب ينس)ومن خلال هذه المرحلة عرفنا أن النياندرتال القديم كانوا منقرضين وتقدر هذه المرحلة بقبل حوالي خمسة وثلاثون الى أربعين ألف عام. وفجأة اكتشفنا حقائق عن أدواتهم الحجرية الخشنة الغير منتظمة وكذالك ثلاثة جماجم تعود للنياندرتال من ضمنها جمجمة أول طفل.
الأدوات الحجرية الصوانية الأساسية للنياندرتال تسمى(موسترين)وسميت بهذا الاسم نسبة الى اكتشاف عدد من العدد والأدوات الحجرية في منطقة موسترين بفرنسا، وقد وجدنا من نفس تلك الأدوات في كهف شانيدار بكوردستان العراق، وهي عبارة عن قطع حجرية صوانيه صلبة وحادة تحتوي جميعها على مقابض لربما كانوا بواسطتها يقومون بصنع ما يحتاجونه من الأدوات واللوازم الحجرية المختلفة، كما عثرنا على حراب وسكاكين وأزاميل جميعها مصنوعة من أحجار الصوان وعظام الحيوانات. لكن المدهش أن تلك الأسلحة شحذت بدقة عالية.
عندما يمعن المرء في تقارير خبير الآثار الأمريكي رالف سوليكي حول ما قام به من التنقيبات الأثرية في كهف شانيدار بكوردستان العراق سيتعرف من خلالها على تفاصيل تأريخ الإنسان القديم التي اندرجت في الطبقات الأرضية الأربعة المشار إليها أعلاه بشكل تدريجي وحسب تسلسل العصور بدأً بالنياندرتال القديم التي وصل إليها أخيراً حيث يقدر تأريخه بحوالي مائة ألف عام وعصر الإنسان الحديث المعروف الهومو سابينس(الإنسان الحالي)قبل حوالي خمسة وثلاثون الى أربعين ألف عام أثناء بداية انقراض النياندرتال، وانتهاءً بالعصر السومري قبل حوالي خمسة آلاف ألف عام . لقد اعتمد سوليكي في أبحاثه على المنهج العلمي التاريخي كمصدر أساسي رصين في تحقيق غايته نحو الوصول الى الحقب الزمنية المختلفة من تاريخ الإنسان القديم وتطوره التدريجي. كما واعتمد في ميدان العمل الفعلي في الحفر والتنقيب على الأجهزة الالكترونية والفحوصات المختبرية والحمض النووي(dna)للكشف عن السلالة الجينية البشرية القديمة وقد استقاها من الهياكل العظمية البشرية المتحجرة والأدوات الحجرية الصوانية التي قادته الى عمق تاريخ البشرية القديم.
ويضيف سوليكي أيضاً... من خلال الأدوات والأسلحة الحجرية الصوانية والجماجم البشرية المتحجرة استطعنا تمييز تاريخ العصور المختلفة، قسم منها تعود الى عصر حضارة الـ (موسترين)أما القسم الآخر فهي تعود الى عصر حضارة الـ (أورجنازين)وقد قمنا بعزل وتجزئة الأدوات حسب العصر أو الحضارة التي تنتمي إليها، وعلى ضوء التشابه الحاصل بين تلك العدد والآلات الحجرية المشار إليها توصلنا الى استدلالات ونتائج صريحة لا يتطرق إليها الشك، بالأضافة الى تقارير صدرت عن خبراء آخرين في مواقع أثرية أخرى، فأتضح لنا أن خمسة أدوات مختلفة تسمى بـ (الأدوات التقليدية)قد طرأت عليها تغيرات واضحة نظراً لأنها استنبطت من الأصل وتتابع تداولها من جيل الى جيل لحد يومنا هذا مع إعادة تجديد صنعها بالتطابق مع النسخة الأصلية القديمة لأجل الحفاظ على استمرار وجودها، وتسمى بالتقاليد الحضارية(المزدوجة النواة)ولقد صاغ هذه الفرضية خبير الآثار ومؤرخ التأريخ القديم الدكتور (برايد وود)من متحف شيكاغو للتأريخ الطبيعي في سنة 1948م.
ويشير سوليكي في الصفحة 35 من كتابه بأنه عثر في كهف شانيدار على قطع حجرية كمثرية الشكل مصقولة من الجانبين الأماميين، لذا فإن هذه المواد تنطبق عليها فرضية(براين وود)عينها من حيث انتمائها الى الأدوات التقليدية مزدوجة النواة، بالأضافة الى المدق الحجري والمطحنة الحجرية التي أتينا على ذكرها سابقاً والتي صنعها إنسان كهف شانيدار لأول مرة في تاريخ البشرية من صخور جبال زاكروس في كوردستان العراق.
أخيراً يذكر عالم الآثار الدكتور أريش ترنكاوس أيضاً أن الكورد في كوردستان العراق هم بحق حالة استثنائية فريدة من حيث استخدامهم لأدوات مصنوعة من حجر الصوان أو ما تسمى بآلات النصل ضمن حضارة الـ (أورجنازين)وأن هذه التسمية جاءت نسبة الى الاكتشاف الأول في كهف منطقة(أور جناس)بفرنسا حيث كان الإنسان القديم آنذاك يستخدم أدوات حجرية هي نفسها الأدوات التي اكتشفت في كهف شانيدار ولم يسبق للتاريخ أن دون حضارة في الشرق استخدمت فيها هكذا لوازم أو عدد حجرية.ٍ
الكاتب صباح كاكه يي