جوان
مراقب و شيخ المراقبين
ما هو الأسهل بالنسبة إلى سمكة عادية : السباحة مع التـيار أم الصعود عكسه ؟ مجاراة التيار هي الأسهل طبعاً لا لسمك المحيطات وحسب بل لمواليد برج الحوت الذيـن هم من عائلة الأسماك ولو اسماً فقط . في مجاراة تيار الحياة يجد الإنسان المولود في برج الحوت والذي يرعاه إله البحار نبتـون سعادته وراحته النفسية بينما يُعتبر السير في اتجاه معاكس أمراً شـاقاً لا تقوى عليه طبيعته الكسولة وحبه للحياة السهلة . " أريد أن أعيش " هو المبدأ الذي يُؤمن به ويُحاول العمل به قدر المُسـتطاع .
ولو قيل لهذا الإنسان إن العالم يتداعى أو إن المجاعة تعمّ بالأرض أو أن التـلوث سوف يقضي على البشرية قريباً لما ردّ بأكثر من الضحك أو التـثاؤب . فهو راض ٍ بحاضره عديم الاهتمام بغده , لا يهدف إلى مال أو سلطة , ولا يتمنى من دنياه أكثر من حلاوتها . وبما أنه قليل الطمع والجشع لا شيء يقوده إلى الحركة أو العنف . إن ما يفعله رداً على التحدي والإثارة سلاطة اللسان ومرارة الكلام . غضبه سطحي قصير الأمد يُشبه دوائر الماء عند رمي حجر فيه إذ سرعان ما تـتلاشى ويستعيد سطح الماء سكونه وصفاءه .
يجد مولود برج الحوت الراحة والانتعاش في شرب السوائل كالماء وغيره , يرى العالم من خلال منظار وردي يرسم له كل شيء جميلا ً رائعاً . ولا يعني ذلك أنه يجهل واقع الحياة بألمه ومرارته , ولكنه يُفضل الهروب إلى الحلم والوهم مُقـنعاً نفـسه بأن موقفه هذا هو عين الصواب . وبكلام أوضح يتجاذب مولود برج الحوت سؤالان أو فكرتان عليه أن يختار بينهما . فهو مضطر إمّا إلى العوم على سطح الماء ومعرفة واقع الدنيا أو الغوص إلى الأعماق بعيداً عن أهدافه الأساسية . والحقيقة أنه كثيراً ما يتردد لعدم استطاعته الرؤية بوضوح مثـله في ذلك مثـل السمكة التي تـنظر إلى جانبيها بدلا ً من النظر إلى الأمام.
يرمز مولود برج الحوت – الذي هو آخر الأبراج كما نعلم – إلى الموت والخلود بينما يرمز برج الحمل – أول الأبراج – إلى الولادة . ويمكن القول أن هذا البرج الأخيـر هو خلاصة لما سبقه من أبراج , أي أن الإنسان المولود فيه يتسم أحياناً بمعرفة العذراء , ومحاكمة الميزان , ومرح السرطان , وكرم القوس , وصراحة الأسد , وشعور الجدي بالواجب , واندفاع الحمل , وقوة تحليل الدلو , وكسل الثور , وسرعة الجوزاء , كل ذلك أو بعضه في آن ٍ واحد . بالإضافة إلى ذلك توجد لدى مولود الحوت حركة مستمرة وقابلية للتحوّل الذاتي . هذه الميزة الخاصة التي حُرمتها الأبراج الأخرى تمكنه من الانسلاخ عن نفسه وبالتالي استعراض الماضي والحاضر والمستـقـبل دفعة واحدة الأمر الذي يُفسّر إلى حدٍ ما كيفية تـنبئه بالأشياء قبل وقوعها . إنه في رأي البعض أصدق برهان على فلسفة التـقمّص التي يُؤمن بها الكثيرون .
في رأي هذا الإنسان أنه خالد ممّا يدفعه إلى إهمال صحته وراحته في سبيل الآخرين . من الأشياء التي تسبب له الضرر الجسيم المسكنات والمهيجات والإرهاق ومشاكل الغير التي تلاحقه دوماً وبعض العادات السيئة في المأكل والمشرب . ما قد يعوّضه من ضعفه الجسماني تلك القوة الخارقة التي يستمدها من الإيحاء الذاتي . فهو يستطيع إقناع نفسه بأنّ لا خوف عليه من أي أمر أو شخص .
على الرغم من خجله الفطري ينجح مولود برج الحوت في التمثـيل المسرحي وإن كان ضعيفاً سريع التأثر أمام النقد . ويتمتع بذاكرة مُذهلة ومزاج مُرهف وحس جمالي يُمكنه من ولوج باب الكتابة والتأليف نثراً وشعراً . وبما أن لديه ملكة عظيمة تـُميّـز الخير من الشر وتستطيع مقاومة جميع أنواع الإغراء ينجح في أن يكون رجل دين أو متصوفاً يُشار إليه بالبنان . وهو في جميع الأحوال مندفع في سبيل المرضى والفقراء والمعوزين لا يفرق بين شخص وآخر ولا يُقاضي أو يحاسب أحداً . مزاجه سلاح خفي يستعمله عند الحاجة . يضحك أحياناً ليُداري دموعه أو يُضحك الآخريـن دون أن يفـتر ثـغره عن الابتسام . لا مبالاته ستار لضعفه , ومظهر البأس عنده قشرة خارجية لا أكثر .
طبيعة هذا الإنسان بعيدة المنال , تقوم على الوهم والتهرب من الواقع . من الصعب أن يدركها أحد غيره ما لم يستعمل الكثير من الخيال وما لم يعلم سلفاً أن رمزه الماء بخضرته ورطوبته ووحله وتحركه المستمر , وأن سرّه العميق مدفون في قاع المحيط حيث لا يعلم به سوى كوكبه نبتون .
الطفل الحوت :
منذ أن يفتح الطفل المولود في برج الحوت عينيه أول مرة يـبدو فيهما سحر غريب يوحي بأنه طفل غير عادي هبط من كوكب بعيد على متن شعاع قمري . وعندما تـتأمل والدته وجهه المورد وبشرته الرقيقة وغمازاته الحلوة يمتـلئ قلبها بالسرور , وتتمنى لو تمتد طفولته لتـنعم بها أطول فترة ممكنة . ولا بدّ من أن تكتـشف يوماً , بعد مضي سنوات , أن السماء قد حقـقت فعلا ً رجاءها وتركت لابنها جزءاً كبيراً من أحلام وخيالات طفولته السعيدة .
يظهر طفل برج الحوت منذ البداية كارهــاً لواقع الحياة ورتابتها , هاوياً للتمثيـل بغية الهروب إلى عالم آخر أجمل وأهنأ . إن ميله هذا يُسهل في الواقع أمر تربيته ورعايته . فإذا أرادت والدته إقناعه بأمر ما عليها الدخول معه في تمثـيلية وهمية ينسى فيها نفسه فيـنـقاد إلى أوامرها طائعاً مختاراً . تستطيع مثلا ً التظاهر بأنها جنية لطيفة جاءت ترشّ عينيه بالنوم فينام , أو تدّعي أن الملعقة عصفور هائم , وأن فمه هو العش , فيفتحه ويتـلقف الطعام , وهكذا . . . إن أي أسلوب يتسم بطابع الغرابة يظل أفضل بالنسبة إليه من الروتين الذي يسير عليه الأطفال عادة . إنـّه على كل حال يرفض اللجوء إلى العنف والصراخ للوصول إلى مبتغاه , ويستعمل عوضاً منهما أساليب ملتوية فيها الكثير من الذكاء والحكمة .
حاجة هذا الطفل إلى التقديـر والتـشجيع ماسة بسبب ثـقته القليلة بنفسه وإيمانه بأن كفاءاته محدودة . وهو حساس خجول سريع العطب ولكنه قادر على إخفاء حقيقة أمره تحت ستار التكتم والادعاء . ومع أنه ماهر في تحوير الواقع إلا أنه يُصرّ على القول إنه صادق لا يكذب . كذبه على حال من النوع البريء الناجم عن الخوف من تعرية الحقائق . هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى يُعتبر في المدرسة مصدر حيرة واستغراب معلميه وذلك بسبب رفضه أساليب التعليم المألوفة واتباعه أسلوباً خاصاً به وحده تـثبت جدارته مع الوقت . هو أيضاً طفل فنان يتذوق الموسيقى والرقص ويُدهش الناس بخفته ورشاقـته , كما ينجذب بقوة نحو رجالات الحرب وعلماء الفضاء وكبار الموسيقيـين والنحاتين . يُفضل معاشرة الكبار على الصغار , ومع ذلك يتهرب من الواجب والمسؤولية .
يعيش طفل برج الحوت حالة تقمّص غريـبة إذ يتحدث عن أناس ماتوا قبل ولادته , ويسرد بعض الوقائع قبيل حدوثها . إن الخطر كل الخطر أن تـقابل هذه الظاهرة بالهزء أو اللوم أو الاتهام بالكذب لأن الأيام والحوادث كثيراً ما تـُثبت صدق رؤية هذا الطفل العجيب . بالمقابل لا يجوز تركه فريسة أوهامه وخيالاته دون تدخل بنـّاء من قبل أهله ومُربّيه . إن في الإمكان معالجة أمره بالرفق والصبر والمحبة إلى أن يستطيع التكيّف للعالم الذي يعيش فيه وينجح في تحويل جزء من أحلامه إلى واقع ملموس فيه سعادته واستـقراره .
الرجل الحوت :
يمرّ الحظ أحياناً بقرب الرجل – الحوت فيجده يحلم أو يتأمل نجماً يلمع في أديم السماء . يتركه مُسرعاً في اتجاه أشخاص آخريـن دون أن يدرك صاحب الحلم أنه فوّت على نفسه فرصة نجاح حقيقي . هل يُسمى ذلك ضعفاً أم فشلا ً ؟ لا هذا ولا ذاك , لأن في استطاعة هذا الرجل – لو أراد السعي وراء الرزق – الوصول إلى أعلى قمم النجاح بفضل حدسه الموروث عن الإله نبتون .
من أبرز مظاهر شخصية رجل برج الحوت الفضول الخالي من سوء النية أو الدهشة أو المقاضاة لسلوك الغير . إنـّه يُـثرثر أحياناً قبل أن يُفكر فيكشف عن بعض الأسرار المتعلقة بغيره دون قصد ولكنه يرفض بالمقابل البوح بشيء مهما تكن الدوافع والظروف إذا طـُلب منه الكتمان . وهو يتكلم بتؤدة ويفكر بهدوء ويحاول عدم التدخل فيما لا يعنيه ولكن مشاكل الغير تلاحقه على الرغم منه . وقد يكون السبب موهبة الإصغاء عنده وقدرته على امتصاص الآلام والأحزان كأنها ملكه الخاص . يجب على أصدقائه وأقاربه أن يُراعوا صحته فلا يُحمّـلوه أكثر مما يستطيع وأن يتـفهمّوا حاجته إلى الراحة والصمت والعزلة لاستعادة ما فقد في سبيلهم من نشاط وحيوية .
هذا الرجل إنسان خجول حساس يُجرَح بسرعة ويتطلب من الآخرين الإعجاب والتـشجيع لاعتقاده أنه محدود الكفاءة . ومع ذلك يتمتع بقابلية عظيمة لليوغا والسحر والفلك والتقمص والعلوم الباطنية الأخرى . في استطاعته قراءة الأفكار , ومعرفة ما سيحدث , والتـظاهر بعكس ما يضمر في بعض الأحيان . وهو بامتلاكه بعض الأسرار يشعر بالراحة والطمأنينة .
يتوقع هذا الرجل من المرأة التي يُحبها الإخلاص والوفاء التامين , وفي الوقت ذاته يرفض التخلــّي عن أصدقائه العديديـن من الجنسين الذيـن يقوم بخدمتهم بجميع الوسائل وفي جميع الأوقات الأمر الذي يُـثير غيرة امرأته ونقمتها على الرغم منها . إنه كثير الإعجاب بالجمال , لا يتردد في ملاحقة النساء بنظراته المعبّرة عن إحساسه وشعوره ولو نتج عن ذلك سوء تفاهم بينه وبين من يحبّ . ويمر رجل برج الحوت في فترة قلق وكآبة لا يعرف مصدرهما فيضطر إلى الانزواء في انتظار أن يأتيه اقتراح من زوجته يُبدّل مزاجه المُتعكر . ثم إنه مُبذر لا يستطيع التوفير إلا مع مرور الوقت وبمساعدة زوجته التي تستطيع أن تكون المثـل الأعلى في هذا المضمار .
يجد الأولاد في هذا الرجل أكثر من أب . إنه الصديق الذي يُرافق أولاده إلى النزهات والرحلات البحرية ويُعلمهم أصول السباحة والتجديف واليوغا وغيرها , والمربّي الطيب القلب الليـّن العريكة الذي يُصغي إلى المشاكل والمآسي بكل جوارحه . أما التصلب والقسوة فلا يُجيدهما ولا يُريد أن يستعملهما , ويُفضل أن يبقيا من اختصاص زوجته .
يقبل هذا الإنسان التخلي عن أي شيء ما عدا أحلامه التي هي بمثابة روحه . فإذا أرادت زوجته أن تحتـفظ بحبه إلى الأبد , وأن تحول دون هدم سعادتهما معاً , عليها ألا تسخر من هذه الأحلام بأي صورة من الصور . في استطاعتها – عوضاً عن ذلك – أن تـُشجعه على تحويلها كلها أو جزءاً منها إلى واقع بناء وإيجابي .
المرأة الحوت :
كلما تطورت النساء وزدن تحرراً ازدادت شعبية المرأة المولودة في برج الحوت . فقد تكون الوحيدة بين جنسها التي لا تـزال ترفض المجد والشهرة وتحلم فقط برجل يرعاها ويحميها . والحقيقة أنه ما من شيء يُسعدها كالاتكاء على كتـف قوية والإصغاء إلى صوت واضح النبرات يرسم الخطط ويحدد الأهداف . وهي عندما تحب تعتقد عن يقيـن وإيمان أن في استطاعة من تحبّه أن يحكم العالم بدماغه الفذ وساعديه المفتولين . وهو بدوره يتغذى بهذا الإعجاب وهذه الثـقة فيُصبح بالفعل أقوى وأفضل من قبل .
امرأة برج الحوت رقيقة مسالمة تــُشعر الآخريـن بأنها شاطئ الأمان وواحة السكينة . إنها أنثى بكل معنى الكلمة مما اختـلفت الأوقات والظروف والمناسبات . عندما تـتحدث مع الرجل يشعر حالا ً بحذر لذيذ يسري في أوصاله ويرخي أعصابه المشدودة فيتخيّـل نفسه – بحسب الفصول والأوقات – مستـلقياً إمّا في ظل شجرة بعيداً عن كل ضجيج وحركة أو قرب مدفأة تدفئه بنارها اللذيذة . لا تـلح على الرجل في شيء ولا تستعجله في أمر , بل كل ما تريده منه أن يعيش وإياها في وئام وسلام .
من الجائز أن تبدر عنها بعد الزواج تصرفات غير لائقة لم تظهر من قبل . قد يفلت لسانها مثلا ً بالكلام اللاذع , أو تأخذ في التذمر والشكوى , ولكن عيوباً كهذه لا تعود تذكر إذا قيست بخصالها الأخرى كالرقة والعذوبة والأنوثة وحسن التكيّف وغيرها . علماً بأنها تـفقد أحياناً معظم هذه الصفات العظيمة نتيجة تـلقيها صدمات قوية متلاحقة , فتـتصرف عندئذ تصرفاً أعمى يُحطم تدريجياً سعادتها وحياتها . نذكر بالمناسبة أنّ إدمان الكحول والمخدرات نوع من السلاح تلجأ إليه هذه المرأة عند الاضطرار إلى مواجهة غدر الزمان . هذا بالنسبة إلى الحالات القصوى , أمّا في الحياة العادية فتـتمتع المرأة الحوت بالذكاء والمراوغة والتكتم والغموض وإن كانت جميع هذه الصفات – ما عدا الذكاء – مجرد أقنعة تخفي وراءها الخجل والارتباك وعدم الثـقة بالنفس وسرعة العطب .
تـتـظاهر امرأة برج الحوت قبل الزواج بعدم حاجتها إلى الرجل في الوقت الذي تـتوق فيه إلى من يرعاها ويدرأ عنها الأخطار . لكنها بعد الزواج تضع شريكها في مكانة لا يبلغها حتى أولادها الذيـن تعبدهم , مع أنها أم فاضلة حنون تجيد فن الإصغاء والمشاركة ولكنها تـفـتـقر إلى الصلابة الضرورية لتربية الأطفال . والمعروف عنها أنها تخص بعطفها وحنانها المخلوق الضعيف أو المشوه بيـن أطفالها .
أخيراً تكره هذه المرأة العمل في الخارج , وتـتمسك بالأعياد والمناسبات حيث تقدم الهدايا لأفراد عائلتها وتـتوقع منهم المعاملة بالمثـل . وهي تـُنفق بكرم يُقارب التبذير , لكنها تكتـفي بالقليل إذا اضطرتها الظروف إلى ذلك . ومهما يكن وضعها المادي والاجتماعي تعتبر مثال المرأة الحقيقية بل الأنوثة بكاملها .
المدير الحوت :
إن وجود أمثال هذا الرجل على رأس الأعمال أمر نادر الحدوث . ولا غرابة فهو يُفضل الانطلاق على سجيته في حقول أخرى كالكتابة والتجارة الحرة والفنون الخلاقة والتمثيل والكهنوت والتصوف , حتى مجرد الأسفار . ومع ذلك يـبدو ناجحاً جداً في دور مدير علاقات عامة أو أعلام أو شبكة تلفزيون , حيث يتسنى له نشر أفكاره العظيمة المستوحاة من خياله اللامحدود . لكنه يختـلف عن مواليد الأبراج الأخرى الذين يشغلون مناصب مماثـلة إذ يأبى على نفسه المجاهرة بالواقع دون تورية , لا لأنه كاذب أو مخادع بطبعه بل ليقينه أن الحقيقة مُرّة يصعب على المجتمع تـقبلها بالشجاعة اللازمة .
في وسع هذا الإنسان أن يـبرز كمدير لمسرح أو شركة سينمائية أو معهد للرقص أو كمخرج أفلام . وتخوّله مواهبه الخارقة أن يكون من ألمع الباحثين والمُحققيـن ومدراء الفرق الموسيقية وشركات السفر والجمعيات الخيرية والنوادي الاجتماعية والفنادق . وبكلام آخر أنّ طبيعته الحساسة المعطاءة تهيئه لدور راعي الإنسانية ومرشدها أكثر مما تهيئه لقطف ثمار الأمجاد والثروة . وهو بطبعه يكره الفائدة المادية البحتة كرهه للمسؤوليات العديدة ذات الطابع المحدود .
مهما يكن الدور الذي يُمارسه يظل الرجل الحوت إنساناً عديم الأذى والعداء حتى وهو فاقد أعصابه واتـزانه . إذ يكتـفي عادة بإطلاق بعض العبارات اللاذعة ويعود بعدها إلى هدوئه وتهذيـبه الأصليين . وهو يتخذ في العمل مواقف معتدلة تـقع في منتصف الطريق بين التحرر التام والتقـليدية ذات الآفاق الضيقة . عندما يضجره العمل سواء بسيره أو بالقائميـن عليه ينطلق ذهنه بعيداً ولا يعود حاضراً سوى جسمه . وعندما يحدث العكس يُصغي بكل جوارحه مُبدياً الاستعداد التام لتبنــّي الأفكار والمشاريع التي تــُعرض عليه . هذا ولا يُحبّ السفر في الأحلام وحسب بل في الواقع أيضاً , ولهذا السبب يحتـفظ بحقيـبة جاهزة بصورة تامة .
يمرّ الرئيس المولود في برج الحوت بأزمات نفسية حادة لا يُدرك أحد كنهها , لكنها سرعان ما تتلاشى دون أثر يُذكر , مع أن أفضل علاج لها هو تركه لشأنه وعدم الإثـقال عليه بالكلام أو حتى مجرد الظهور أمامه . أما في الأوقات العادية فإنه يسعى – على العكس – للاحتكاك بجميع العاملين معه مُقدّراً بوجه خاص أصحاب الخيال الخصب والأفكار المبتكرة . ولا يعني هذا أنه يتخلى عن سواهم , فهو يُدرك بالسليقة أن توازن الأعمال يقتضي وجود أشخاص واقعيـين إلى جانب ذوي الخيال .
هذا الإنسان كريم اليد إلى درجة الشعور بالحرج أمام المطالب . فهو لا يستطيع رفض منح العلاوات والمكافآت مهما تكن ظروف العمل , ويسعى بالتالي إلى وضع هذه المسؤولية على عاتق موظف آخر أقدر منه على المحافظة على مصالح المؤسسة المادية . بقي القول أنه لا يتوانى عن إظهار إعجابه بالجنس اللطيف على الرغم من تـقديره ووفائه لزوجته , كما أنه لا يتردد في كتم مواهبه الخارقة كي لا يضطر أحد من العامليـن معه إلى الهزء بها أو التـشكيك في أمرها .
الموظف الحوت :
كي ينجح رجل برج الحوت في أي عمل يجب أن توكل إليه المسؤوليات التي تلائم طبيعته المرهفة وخياله القادر على اختراق جميع الحدود والآفاق . فإذا لم تـتسنّ له وظائف من هذا النوع أصبح كسولا ً عديم الاهتمام بما حوله , بينما هو في حالة الرضى موظف لا يُجارى سواء في الاندفاع أو سرعة التـنفيذ أو التركيز على الجوانب المهمة من كل أمر وقضية .
إن هذا الموظف إنســان خجول من زملائه وجميع العامليـن معه , وسبب ذلك تكتمه الشديد فيما يتعلق بحقيقة طبعه وأهدافه . غير أن ذلك لا يمنعه من القيام بواجبه على أكمل وجه شرط أن يكون راضياً عن طبيعة عمله كما ذكرنا قبلا ً . وهو في الوظيفة يتخذ موقف السمكة من الماء . فما أن يشعر بأن الجوّ قد انقـلب إلى مستـنقع عفن وموحل حتى يـبتعد عنه منطلقاً نحو تيار مائي أكثر صفاء وحركة .
أين يعمل الرجل مولود برج الحوت إجمالا ً ؟ يعمل في جميع الأوساط الفنية من مسرح وسينما وتلفزيون ومتحف ومرقص ومعهد موسيقي , كما يعمل في بعض الأحيان في الحقول العلمية التي تـتعاطى مادة الرياضيات أو الهندسة أو الإلكترون , ولكنه حتى يمارس العمل بالأسلوب التجريدي الذي اشتهر به . وينجح في حقل التدريس لما يتمتع به من قدرة على الاستيعاب والغوص إلى أعماق النفوس , وفي المستـشـفيات والجمعيات الخيرية والنوادي الاجتماعية حيث يتـفوق على الكثيرين في فن التمريض والعناية والإرشاد . لكن مشكلته في هذا المضمار امتصاصه لمشاكل الغير ومآسيهم الأمر الذي يُؤثر فيه أحياناً جسدياً ونفسياً .
يتأثر هذا الموظف سلبياً أو إيجابياً بأجواء العمل من أثاث ولون وغيره . يسعده مثلا ً اللون الأخضر على اختلاف درجاته كما تسعده الأزهار والموسيقى العذبة وكلمات التـشجيع بين الفينة والأخرى . على هذا الأساس يقوم بعمله على أتم وجه مُراعياً التقاليد والأنظمة , مُقاوماً قدر الإمكان ميله إلى الأحلام والتخيلات . وتعتبر الموظفة المولودة في برج الحوت أكثر مراعاة للواجب , وتستطيع أن تكون أيضاً كاتمة أسرار ومرشدة وراعية لسائر الموظفيـن من الجنسيـن . ولا يُستبعد أن تكشف عن حظهم بيـن الحيـن والآخر بقراءة الكف أو الفنجان أو الورق .
الموظف المولود في برج الحوت من الجنسيـن قليل اللوم والانتقاد لغيره , حساس بدوره تجاه النقد . إذا تكدّر من رئيسه أو زميل له ظهر الأسى على وجهه وانزوى بعيداً عن الأعيّـن . ومن ناحية أخرى لا يهتم كثيـراً بالمال فيكتـفي بالراتب الذي يستحقـه دون طمع في زيادة . وهو كثـير الإنفاق قليل التوفير . ومع أنه قليل الطمع إلا أنه يضطر أحياناً إلى ترك عمله لأسباب أخرى غير المادة . وهو على كل حال من النوع الذي لا يُعطي غيره فرصة الاستغناء عنه إنمّـا يقوم بذلك تـلقائياً . أخيراً بما أنه يكره المسؤوليات الكثـيرة لا يضطر إلى التطلع إلى من هم أعلى منه شأناً وبالتالي يجهل معنى الحسـد والمنافسة .
التعديل الأخير بواسطة المشرف: