وصلنا إلى المكان ، وعند الباب أمرني بالانتظار قليلاً ودخل ،
لم يستغرق سوى لحظات حتى خرجَ مرة أخرى وأشار لي بيدهِ كي أدخل للغرفة ،
دخلت ، فوجدتُ أحدهم يجلس على كرسيّ وأمامهُ منضدة كبيرة وكان يشاهد التلفزيون ،
بقيتُ صامتاً في مكاني ،، وبعد لحظات التفت بكرسيّهِ إليّ ودعاني للجلوس ،
رحّب بي ثم قال ، كريم ،، ليس لدي الكثير من الوقت لأحدكَ طويلاً وهناك المئات ممن ينتظر هذا اللقاء وعليّ أن أحدثهم جميعاً ، لذا باختصار ..
دعوتكَ إليّ هنا لأخبركَ أنكَ ستخرج من هنا وتذهب إلى حالِ سبيلكَ يومَ غد ...ولكن ؟
إطلاق سراحكَ مرهون بعدد من الشروط عليكَ أن تنفذها دون نقاش ،
قلتُ له تفضل سيّدي ،،
قال : أولاً ، عليكَ بعد أن تخرج من هنا أن تغير أفكاركَ تماماً وأن تعيش كباقي الناس ،
ثانياً : أن تنسى مقرّ الجريدة وكل من فيها ولا تحاول أن تعود للكتابة فيها أو في أي مكان آخر،
ثالثاً : أن تبتعد عن الناس الذي عليهم علامات استفهام ، وأنتَ تفهم قصدي ،
رابعاً : أنسى نهائياً أمر ذلك الشاب الذي كان معكَ في الزنزانة ،، وإلا ، أنت تعرف ماذا سيحدث لك ،
انتهت المقابلة .,. يمكنكَ العودة إلى زنزانتكَ .
عدتُ إلى زنزانتي ، وفي اليوم التالي ومن الصباح الباكر فتحت كل أبواب الزنازين وخرجنا إلى الممرات ، وقفنا واحداً تلو الآخر ،، وانتظرنا من ينادي بالأسماء ،
التفت إلى الخلف فوجدتُ حشوداً من المساجين ، فقلتُ في نفسي ، يا الله ..كلّ هؤلاء هم ضدّ السلطان ؟
أيعقل أن يكونوا كلهم خونة ومجرمون ؟ يا ترى كم شخصاً دخل إلى هنا وعاملوه بقسوة وهو بريء ؟
فجأة جاء أحدهم وبدأ بقراءة الأسماء ،
توالت الأسماء ..وكل شخص يسمع اسمهُ يسرع نحو الباب ، وهناك يقف أحدهم ليختم يدهُ اليمنى حتى لا يتعرّض للمسائلة وهو في طريقهِ للخروج.
لم أنتظر طويلاً حتى نادوا عليّ ، ركضتُ مسرعاً نحو الباب وختم الرجل يدي اليمنى ثمّ أشار بيدهِ أن أسلك إحدى الممرات المؤدية إلى الخارج ،
أسرعتُ في خطواتي وفي الطريق صادفني الكثير من الرجال العاملين في الدائرة ، كانَ بعضهم يودعني بحرارة ، وكنتُ أرى في عيونِ آخرين منهم حقداً وبغضاً ، وكأنهم يقولونَ أنكَ لا تستحق الخروج من هنا ،
دقائق قليلة حتى وجدتُ نفسي خارج المبنى ، وهناكَ كانت تنتظرنا حافلة كبيرة ،
ركبت في الحافلة وجلستُ على إحدى المقاعد ، وانتظرنا حتى امتلأت بالخارجين ثم انطلقت بنا نحو الباب الرئيسي للمبنى الكبير،
وما أن وصلنا إلى هناكَ حتى شاهدنا جماهير غفيرة من الناس ، ممن كانوا ينتظرونَ أبنائهم وأحبّائهم وأخوتهم ،
توقفت الحافلة وبدأنا بالنزول ، كان الناس يرقصون فرحاً ويهتفون باسم السلطان ويدعون الله أن يحفظه ويديم عمرهُ وملكه ،، كانوا يبكون بحرارة ولهفة على الأحبة ،
توقفت بين الناس والتفتُ كثيراً لعلي أجد أفراد عائلتي وأصدقائي هنا ،
لكنني لم أرى أحداً ، صار الناس يأخذون أبنائهم المفرج عنهم ويرحلون بهم وأنا انظر حولي ،،
بعد أكثر من ساعة على الانتظار ،، صرتُ أسأل نفسي ،، لمَ لم يأتي أحد من عائلتي ليستقبلني كباقي الناس؟
بعدها فكرتُ أنهم ربما لا يعلمون بأمر إطلاق سراحي هذا اليوم ،
فرِغَت الساحة المواجهة للمبنى من الناس ،، وبقيت هناكَ وحيداً ،
ماذا أفعل ولم يأتي أي أحد ليصطحبني وأنا لا أحمل قرشاً واحداً ؟
بعد برهةٍ قررتُ أن أذهب للبيت مشياً على الأقدام ،
في الطريق كنت أشعر بالحزن لأني لم أجد من يستقبلني حين خرجت ، استغرق المشي طويلاً ..
وأخيراً وصلتُ إلى باب بيتي ،
وضعت يدي على جرس الباب والفرحة تغمرني لأني بعد لحظات سأكون في أحضان عائلتي ، متناسياً أمر عدم مجيئهم لأخذي من المبنى كباقي الناس ،
فُتحَ الباب ،، كانت أختي الصغيرة ،
فتحتُ ذراعيّ لأحتضنها منتظراً أن ترتمي لأحضاني وتصرخ لكل من في البيت أن كريم قد عاد ،
لكني فوجئتُ بها دخلت بسرعة إلى البيت وتركتني عند الباب !
استغربتُ كثيراً ، ولكني قلت بنفسي أنها صدمة الفرحة التي جعلتها تتصرف بهذه الطريقة ،،
دفعتُ الباب قليلاً ،،، وما أن وضعتُ أولى خطواتي داخل المنزل حتى سمعتُ صوت أبي يصرخ في وجهي ،،
ويأمرني بالوقوف في مكاني ،
نظرت في وجهه والدمعة في عيني لشدة استغرابي ، قلت له ألا تعرف أبنكَ ؟ أنا كريم ..لمَ لا تتركني أدخل البيت ؟
أجابني قائلاً : أسمع يا ولد ، ليسَ لكَ مكانٌ بيننا ، فأنت لم تعد فرداً منّا ،،!
أنتَ اخترتَ طريقاً وعالماً آخر ،، وهذا الطريق كنتُ أحذركَ دائماً بعدم الاقتراب منه ، ولكن عنادك وإصراركَ على معصيتي جعلكَ ترتكب تلك الحماقة ،
والآن أنظر إلى نفسكَ وحالكَ .. وإلى أيّ مستوى قد وصلتَ وأوصلتنا معكَ .
على فكرة .... لقد تعرّضنا للكثير من المضايقات بعد أن اعتقلوك ،
وذهبتُ بنفسي إلى تلكَ الدائرة وكتبت على نفسي تعهداً خطّياً بأني قد تبرأتُ منكَ وأعطيتهم كافة الصلاحيات أن يفعلوا بكَ ما يريدون ،
هيا .. أخرج الآن ولا تحاول العودة مرةً أخرى ، الكل هنا يكرهكَ ولا يريدك في البيت ،
خرجتُ من البيت والألم يفطر قلبي ويكادُ يقتلني مما سمعتهُ من والدي ،
كنتُ أفكر إلى أين سأرحل بعدما طردني أبي ؟ وإلى أين سأرحل ؟
صرتُ أمشي وأنا فاقدُ الإحساس تماماً ، لا أعرفُ إلى أينَ هي وجهتي وأين سينتهي بي المطاف ،
صرتُ أمشي وأمشي وبدأت أكره كل شيء ،، حتى الشارع الذي كنت عليه ،
رغبت بالعبور إلى الجهة الأخرى ومواصلة المسير إلى ما لا نهاية ،
وأنا أهمّ بالعبور وإذا بسيارة تتوقف أمامي وينزل منها احد الأشخاص ،، كان صديقاً قديماً لي ولكني كنت قد قطعتُ علاقتي بهِ بسبب عدم نزاهته ،،
تقدم نحوي وأخذني بالأحضان وقال لي ما بكَ يا صديقي أرى على وجهكَ التعب وما هذه الثياب التي عليكَ وكأنكَ قد جئتَ من الصحراء ؟؟
أجبتهُ أنني كنتُ معتقلاً في إحدى الدوائر الأمنية وقد خرجتُ اليوم ، وعندما ذهبتُ للبيت فوجئت بعدم رغبة أهلي في استقبالي ، وطُردتُ من البيت ،، وها أنا أمشي في الشارع ولا ادري إلى أين أذهب ،
نظر إلي وقال ، لا تحزن يا صديقي ، كأن الله قد أرسلني إليكَ لأنقذك من الضياع ، أركب فمكانك عندي ،
رغم ترددي في الركوب معهُ والذهاب إلى بيتهِ لمعرفتي السابقة بهِ ،،
لكن ليس لديّ خيار آخر ..
فتحتُ باب السيّارة وركبتُ بجانبهِ ...
تحركتْ سيارتهُ بسرعة .
نهاية الحلقة
انتظروني غدا مع الحلقة الثامنة
لم يستغرق سوى لحظات حتى خرجَ مرة أخرى وأشار لي بيدهِ كي أدخل للغرفة ،
دخلت ، فوجدتُ أحدهم يجلس على كرسيّ وأمامهُ منضدة كبيرة وكان يشاهد التلفزيون ،
بقيتُ صامتاً في مكاني ،، وبعد لحظات التفت بكرسيّهِ إليّ ودعاني للجلوس ،
رحّب بي ثم قال ، كريم ،، ليس لدي الكثير من الوقت لأحدكَ طويلاً وهناك المئات ممن ينتظر هذا اللقاء وعليّ أن أحدثهم جميعاً ، لذا باختصار ..
دعوتكَ إليّ هنا لأخبركَ أنكَ ستخرج من هنا وتذهب إلى حالِ سبيلكَ يومَ غد ...ولكن ؟
إطلاق سراحكَ مرهون بعدد من الشروط عليكَ أن تنفذها دون نقاش ،
قلتُ له تفضل سيّدي ،،
قال : أولاً ، عليكَ بعد أن تخرج من هنا أن تغير أفكاركَ تماماً وأن تعيش كباقي الناس ،
ثانياً : أن تنسى مقرّ الجريدة وكل من فيها ولا تحاول أن تعود للكتابة فيها أو في أي مكان آخر،
ثالثاً : أن تبتعد عن الناس الذي عليهم علامات استفهام ، وأنتَ تفهم قصدي ،
رابعاً : أنسى نهائياً أمر ذلك الشاب الذي كان معكَ في الزنزانة ،، وإلا ، أنت تعرف ماذا سيحدث لك ،
انتهت المقابلة .,. يمكنكَ العودة إلى زنزانتكَ .
عدتُ إلى زنزانتي ، وفي اليوم التالي ومن الصباح الباكر فتحت كل أبواب الزنازين وخرجنا إلى الممرات ، وقفنا واحداً تلو الآخر ،، وانتظرنا من ينادي بالأسماء ،
التفت إلى الخلف فوجدتُ حشوداً من المساجين ، فقلتُ في نفسي ، يا الله ..كلّ هؤلاء هم ضدّ السلطان ؟
أيعقل أن يكونوا كلهم خونة ومجرمون ؟ يا ترى كم شخصاً دخل إلى هنا وعاملوه بقسوة وهو بريء ؟
فجأة جاء أحدهم وبدأ بقراءة الأسماء ،
توالت الأسماء ..وكل شخص يسمع اسمهُ يسرع نحو الباب ، وهناك يقف أحدهم ليختم يدهُ اليمنى حتى لا يتعرّض للمسائلة وهو في طريقهِ للخروج.
لم أنتظر طويلاً حتى نادوا عليّ ، ركضتُ مسرعاً نحو الباب وختم الرجل يدي اليمنى ثمّ أشار بيدهِ أن أسلك إحدى الممرات المؤدية إلى الخارج ،
أسرعتُ في خطواتي وفي الطريق صادفني الكثير من الرجال العاملين في الدائرة ، كانَ بعضهم يودعني بحرارة ، وكنتُ أرى في عيونِ آخرين منهم حقداً وبغضاً ، وكأنهم يقولونَ أنكَ لا تستحق الخروج من هنا ،
دقائق قليلة حتى وجدتُ نفسي خارج المبنى ، وهناكَ كانت تنتظرنا حافلة كبيرة ،
ركبت في الحافلة وجلستُ على إحدى المقاعد ، وانتظرنا حتى امتلأت بالخارجين ثم انطلقت بنا نحو الباب الرئيسي للمبنى الكبير،
وما أن وصلنا إلى هناكَ حتى شاهدنا جماهير غفيرة من الناس ، ممن كانوا ينتظرونَ أبنائهم وأحبّائهم وأخوتهم ،
توقفت الحافلة وبدأنا بالنزول ، كان الناس يرقصون فرحاً ويهتفون باسم السلطان ويدعون الله أن يحفظه ويديم عمرهُ وملكه ،، كانوا يبكون بحرارة ولهفة على الأحبة ،
توقفت بين الناس والتفتُ كثيراً لعلي أجد أفراد عائلتي وأصدقائي هنا ،
لكنني لم أرى أحداً ، صار الناس يأخذون أبنائهم المفرج عنهم ويرحلون بهم وأنا انظر حولي ،،
بعد أكثر من ساعة على الانتظار ،، صرتُ أسأل نفسي ،، لمَ لم يأتي أحد من عائلتي ليستقبلني كباقي الناس؟
بعدها فكرتُ أنهم ربما لا يعلمون بأمر إطلاق سراحي هذا اليوم ،
فرِغَت الساحة المواجهة للمبنى من الناس ،، وبقيت هناكَ وحيداً ،
ماذا أفعل ولم يأتي أي أحد ليصطحبني وأنا لا أحمل قرشاً واحداً ؟
بعد برهةٍ قررتُ أن أذهب للبيت مشياً على الأقدام ،
في الطريق كنت أشعر بالحزن لأني لم أجد من يستقبلني حين خرجت ، استغرق المشي طويلاً ..
وأخيراً وصلتُ إلى باب بيتي ،
وضعت يدي على جرس الباب والفرحة تغمرني لأني بعد لحظات سأكون في أحضان عائلتي ، متناسياً أمر عدم مجيئهم لأخذي من المبنى كباقي الناس ،
فُتحَ الباب ،، كانت أختي الصغيرة ،
فتحتُ ذراعيّ لأحتضنها منتظراً أن ترتمي لأحضاني وتصرخ لكل من في البيت أن كريم قد عاد ،
لكني فوجئتُ بها دخلت بسرعة إلى البيت وتركتني عند الباب !
استغربتُ كثيراً ، ولكني قلت بنفسي أنها صدمة الفرحة التي جعلتها تتصرف بهذه الطريقة ،،
دفعتُ الباب قليلاً ،،، وما أن وضعتُ أولى خطواتي داخل المنزل حتى سمعتُ صوت أبي يصرخ في وجهي ،،
ويأمرني بالوقوف في مكاني ،
نظرت في وجهه والدمعة في عيني لشدة استغرابي ، قلت له ألا تعرف أبنكَ ؟ أنا كريم ..لمَ لا تتركني أدخل البيت ؟
أجابني قائلاً : أسمع يا ولد ، ليسَ لكَ مكانٌ بيننا ، فأنت لم تعد فرداً منّا ،،!
أنتَ اخترتَ طريقاً وعالماً آخر ،، وهذا الطريق كنتُ أحذركَ دائماً بعدم الاقتراب منه ، ولكن عنادك وإصراركَ على معصيتي جعلكَ ترتكب تلك الحماقة ،
والآن أنظر إلى نفسكَ وحالكَ .. وإلى أيّ مستوى قد وصلتَ وأوصلتنا معكَ .
على فكرة .... لقد تعرّضنا للكثير من المضايقات بعد أن اعتقلوك ،
وذهبتُ بنفسي إلى تلكَ الدائرة وكتبت على نفسي تعهداً خطّياً بأني قد تبرأتُ منكَ وأعطيتهم كافة الصلاحيات أن يفعلوا بكَ ما يريدون ،
هيا .. أخرج الآن ولا تحاول العودة مرةً أخرى ، الكل هنا يكرهكَ ولا يريدك في البيت ،
خرجتُ من البيت والألم يفطر قلبي ويكادُ يقتلني مما سمعتهُ من والدي ،
كنتُ أفكر إلى أين سأرحل بعدما طردني أبي ؟ وإلى أين سأرحل ؟
صرتُ أمشي وأنا فاقدُ الإحساس تماماً ، لا أعرفُ إلى أينَ هي وجهتي وأين سينتهي بي المطاف ،
صرتُ أمشي وأمشي وبدأت أكره كل شيء ،، حتى الشارع الذي كنت عليه ،
رغبت بالعبور إلى الجهة الأخرى ومواصلة المسير إلى ما لا نهاية ،
وأنا أهمّ بالعبور وإذا بسيارة تتوقف أمامي وينزل منها احد الأشخاص ،، كان صديقاً قديماً لي ولكني كنت قد قطعتُ علاقتي بهِ بسبب عدم نزاهته ،،
تقدم نحوي وأخذني بالأحضان وقال لي ما بكَ يا صديقي أرى على وجهكَ التعب وما هذه الثياب التي عليكَ وكأنكَ قد جئتَ من الصحراء ؟؟
أجبتهُ أنني كنتُ معتقلاً في إحدى الدوائر الأمنية وقد خرجتُ اليوم ، وعندما ذهبتُ للبيت فوجئت بعدم رغبة أهلي في استقبالي ، وطُردتُ من البيت ،، وها أنا أمشي في الشارع ولا ادري إلى أين أذهب ،
نظر إلي وقال ، لا تحزن يا صديقي ، كأن الله قد أرسلني إليكَ لأنقذك من الضياع ، أركب فمكانك عندي ،
رغم ترددي في الركوب معهُ والذهاب إلى بيتهِ لمعرفتي السابقة بهِ ،،
لكن ليس لديّ خيار آخر ..
فتحتُ باب السيّارة وركبتُ بجانبهِ ...
تحركتْ سيارتهُ بسرعة .
نهاية الحلقة
انتظروني غدا مع الحلقة الثامنة