Kurd Day
Kurd Day Team
صورة عن الرسالة الخطية بخط يد الكاتب قدري جان
شاهد عيان
عندما يحاول الإنسان تذكر ما كان يجري في فترة زمنية ماضية . خاصة إذا كان صغير السن من جهة وغير ناضج ذهنياً من جهة أخرى فإنه لا يدرك آنذاك أهمية تلك المرحلة ولا بطولة ذلك الجيل. إلا أنه وبتقدم السنين وخوض التجارب وكشف الحقائق وكثرة القراءة والمطالعة يستطيع بعد ذلك العودة إلى الوراء إلى الماضي بذاكرته. من هذا المنطلق أحاول تذكر ما يتعلق من معرفتي بالشاعر الكردي قدري جان ديركي.
كان الشاعر قدري جان صديقاً للوالد مثل كثير من الشخصيات الوطنية والأدبية والسياسية الكردية، كالدكتور نورالدين ظاظا ـ مؤسس وسكرتير أول حزب كردي في سوريا ـ وأكرم جميل باشا ـ شارك في ثورة الشيخ سعيد وحوكم أمام محاكم الإستقلال ـ مؤلف كتاب تاريخ كردستان. وقدري جميل باشا وقف إلى جانب قاضي محمد في مهاباد أثناء إعلان الجمهورية الكردية وإستعراض الجيش الكردي أمام المنصة الرئيسية. مؤلف كتاب في سبيل كردستان. والمفكر والأديب الكردي الكبير ممدوح سليم . أحد قادة جمعية خويبون. وآخرون لا أتذكرهم جيداً. كنت في تلك المرحلة يافعاً يأخذني والدي معه أحياناً لزيارة أصدقائه في بيوتهم أو في المقاهي أو الحدائق. ومن جملة هذه الزيارات زيارتنا لمنزل الشاعر الكردي قدري جان. فقد كان يسكن مدينة دمشق حي المهاجرين ـ الجادات العليا. كان عمله في وزارة التربية (المعارف) أتذكر المنزل وأسرة الشاعر زوجته الشركسية[6] وأولاده. كان الوقت ظهراً جلسنا في غرفة كان فيها عدد من الكراسي وطاولة ، وكان اثاث البيت متواضعاً ، ويفوح من البيت مظهر المدنية . جاؤا بالطعام تناولنا الغداء وأمضينا فترة ثم أستأذن الوالد وخرجنا عائدين إلى بيتنا في حي الأكراد.
في لقاء آخر كان هنالك زيارة مشتركة إلى مكتب المحامي صفوح الغفري في شارع الفردوس. فقد ذهبت مع والدي برفقة الشاعر إلى مكتب المحامي وكان صديقاً لشاعرنا جلسنا في المكتب تجاذبوا أطراف الحديث، تناولوا فناجين القهوة وخرجنا بعد ذلك.
في مناسبة أخرى لا أتذكر في أي مقهى تم اللقاء الهافانا أو الكمال. أتذكر أثناء جلوسنا حول طاولة. أخرج الشاعر من جيبه ظرفاً فيه مجموعة صور. كان يخرج واحدة واحدة ينظر إليها والدي ثم يضعها جانباً وكنت بسبب الفضول أنظر لتلك الصور. إحدى الصور كانت للشاعر قدري جان مع الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري ملتقطة في أحد مقاهي بغداد. صورة أخرى للشاعر مع عدد من ضباط الجيش العراقي أعتقد أنهم من الأكراد. إحدى الصور للشاعر مع قائد الثورة الكردية آنذاك المرحوم مصطفى البارزاني الخالد باللباس المدني جالسين حول طاولات مع آخرين في إحدى نوادي بغداد .
مناسبة أخرى أتذكر أن أحد أقاربنا كان قد جاء من الجزيرة السورية إلى دمشق لشراء فندق صغير تمهيداً للعمل فيه مع أولاده لأنه كان قد قرر السكن في دمشق وكان والدي والشاعر يساعدونه في البحث عن فندق مناسب وكنت بصحبة والدي حيث كانوا يسيرون سوية بعد مشوار البحث وصلنا إلى ساحة المرجة وسط المدينة حيث الفنادق والمطاعم كان الوقت صيفاً والحر شديداً في وقت الظهيرة. كان الشاعر يضع قبعة أمريكية مصنوعة من القش على رأسه لإتقاء حرارة الشمس الملتهبة. قام قريبنا بدعوتهم إلى الغداء وبصعوبة تمكن من إقناعهم بقبول دعوته على الغداء. هذه هي المناسبات التي كنت موجوداً مع الشاعر.
الآن سآتي على الإنطباع الذي تكون لدي عن شخصية الشاعر الظاهرية . لم أكن أعرف في تلك الظروف شيئاً عن أهمية الشاعر إنما كنت أدرك من خلال أحترام والدي له أنه ذو أهمية ما. وأتذكر ونحن أطفال صغار نردد إحدى أشهر أناشيد الحماسة الوطنية الكردية في تلك المرحلة ونحفظها ظهراً عن قلب خاصة أنها كانت تبث من الإذاعة الرسمية في العراق في عهد عبدالكريم قاسم الذي يقابله عهد الوحدة في سوريا آنذاك ولم نكن نعرف أن هذا النشيد قد جادت به قريحة الشاعر وأن أنامله قد كتبته . الآن بعد هذه السنين الطويلة التي مضت (المرحلة التي أكتب عنها تقع بين عام 1970 ـ 1972).
أحاول تذكر شكل الشاعر أوصافه الجسمية و النفسية. كان ضخم الجسم طويل القامة. لون بشرته مائل إلى البياض والشقرة، قسمات وجهه لطيفة تنبيء عن إنسان هادىء وقور . كان يلبس بنطالاً مع حزام على قميص نصف كم . أعتقد أنه لم يكن يدخن. عندما كان يجلس مع والدي كنت ألاحظ أنه قليل الكلام لايتحدث من تلقاء نفسه. كان يتحدث عندما يُسأل . كلامه من النوع الهادىء. كان ساهماً ينظر إلى الأفق كأنه يفكر بشيء ما يشغل باله. كنا نعيش حياة عادية بكل مافيها من صعوبة ومشقة تشغلنا عن الكثير من الهموم الوطنية. فجأة لا أدري كيف سمعت أن قدري جان توفي سألنا ما السبب قيل أنه توفي بالجلطة الدماغية . الوالد كان على اتصال مع أسرته فقام بالواجب.
أتذكر مراسم تشييع الجنازة والدفن بشكل جيد ، وضع التابوت في جامع الكردان في حي الأكراد بدمشق، صلي عليه. كنا متجمعين أمام الجامع. حشد كبير من الناس جاؤوا للمشاركة. سيارة دفن الموتى متوقفة خارج الجامع في مقدمتها علق أكليل من الورد بشكل دائري مكتوب على قماشة سوداء عبارة الأمين العام للحزب الشيوعي السوري تحتها كتب اسم خالد بكداش على جانبي السيارة أكاليل من الورود تزينها. بعد الصلاة أخرج التابوت من الجامع ووضع في السيارة. ثم انطلقت السيارة وخلفها المشيعون باتجاه طلعة مقبرة الشيخ خالد. في منتصف الطريق قام بعض الناس بإخراج التابوت من السيارة ووضعوها فوق اكتافهم، سارت السيارة في المقدمة والتابوت على الأكتاف والمشيعون يسيرون خلف السيارة. وصلنا المقبرة. كان القبر محفوراً جاهزاً. تجمع الناس حول القبر بشكل دائري. ثم انزلت الجثة إلى القبر. كان هناك شخص يحمل كاميرا فيديو يصور الناس وهم ينزلون الجثة إلى القبر. كان يدور بالكاميرا على الناس ببطىء يصور الحضور. بعد الدفن تفرق الناس. بعد فترة قام الوالد بكتابة مرثية للشاعر المتوفي لتنقش على شاهدة القبر الحجرية ذهب إلى النحات الذي يقوم بقص وتفصيل الشاهدة الحجرية وفق المقياس المطلوب. قام الفنان الكردي نوروز آلوسي برسم رمزي عبارة عن غصني زيتون متصالبين وسطها جبلان وفوق الجبلين شمس ساطعة مشرقة.
وهكذا وضعت الشاهدة بهذا الشكل على مقبرة الشاعر لتشير إليه في مثواه الأخير. (رحمه الله).
أبو شورش
3/6/1999
شاهد عيان
عندما يحاول الإنسان تذكر ما كان يجري في فترة زمنية ماضية . خاصة إذا كان صغير السن من جهة وغير ناضج ذهنياً من جهة أخرى فإنه لا يدرك آنذاك أهمية تلك المرحلة ولا بطولة ذلك الجيل. إلا أنه وبتقدم السنين وخوض التجارب وكشف الحقائق وكثرة القراءة والمطالعة يستطيع بعد ذلك العودة إلى الوراء إلى الماضي بذاكرته. من هذا المنطلق أحاول تذكر ما يتعلق من معرفتي بالشاعر الكردي قدري جان ديركي.
كان الشاعر قدري جان صديقاً للوالد مثل كثير من الشخصيات الوطنية والأدبية والسياسية الكردية، كالدكتور نورالدين ظاظا ـ مؤسس وسكرتير أول حزب كردي في سوريا ـ وأكرم جميل باشا ـ شارك في ثورة الشيخ سعيد وحوكم أمام محاكم الإستقلال ـ مؤلف كتاب تاريخ كردستان. وقدري جميل باشا وقف إلى جانب قاضي محمد في مهاباد أثناء إعلان الجمهورية الكردية وإستعراض الجيش الكردي أمام المنصة الرئيسية. مؤلف كتاب في سبيل كردستان. والمفكر والأديب الكردي الكبير ممدوح سليم . أحد قادة جمعية خويبون. وآخرون لا أتذكرهم جيداً. كنت في تلك المرحلة يافعاً يأخذني والدي معه أحياناً لزيارة أصدقائه في بيوتهم أو في المقاهي أو الحدائق. ومن جملة هذه الزيارات زيارتنا لمنزل الشاعر الكردي قدري جان. فقد كان يسكن مدينة دمشق حي المهاجرين ـ الجادات العليا. كان عمله في وزارة التربية (المعارف) أتذكر المنزل وأسرة الشاعر زوجته الشركسية[6] وأولاده. كان الوقت ظهراً جلسنا في غرفة كان فيها عدد من الكراسي وطاولة ، وكان اثاث البيت متواضعاً ، ويفوح من البيت مظهر المدنية . جاؤا بالطعام تناولنا الغداء وأمضينا فترة ثم أستأذن الوالد وخرجنا عائدين إلى بيتنا في حي الأكراد.
في لقاء آخر كان هنالك زيارة مشتركة إلى مكتب المحامي صفوح الغفري في شارع الفردوس. فقد ذهبت مع والدي برفقة الشاعر إلى مكتب المحامي وكان صديقاً لشاعرنا جلسنا في المكتب تجاذبوا أطراف الحديث، تناولوا فناجين القهوة وخرجنا بعد ذلك.
في مناسبة أخرى لا أتذكر في أي مقهى تم اللقاء الهافانا أو الكمال. أتذكر أثناء جلوسنا حول طاولة. أخرج الشاعر من جيبه ظرفاً فيه مجموعة صور. كان يخرج واحدة واحدة ينظر إليها والدي ثم يضعها جانباً وكنت بسبب الفضول أنظر لتلك الصور. إحدى الصور كانت للشاعر قدري جان مع الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري ملتقطة في أحد مقاهي بغداد. صورة أخرى للشاعر مع عدد من ضباط الجيش العراقي أعتقد أنهم من الأكراد. إحدى الصور للشاعر مع قائد الثورة الكردية آنذاك المرحوم مصطفى البارزاني الخالد باللباس المدني جالسين حول طاولات مع آخرين في إحدى نوادي بغداد .
مناسبة أخرى أتذكر أن أحد أقاربنا كان قد جاء من الجزيرة السورية إلى دمشق لشراء فندق صغير تمهيداً للعمل فيه مع أولاده لأنه كان قد قرر السكن في دمشق وكان والدي والشاعر يساعدونه في البحث عن فندق مناسب وكنت بصحبة والدي حيث كانوا يسيرون سوية بعد مشوار البحث وصلنا إلى ساحة المرجة وسط المدينة حيث الفنادق والمطاعم كان الوقت صيفاً والحر شديداً في وقت الظهيرة. كان الشاعر يضع قبعة أمريكية مصنوعة من القش على رأسه لإتقاء حرارة الشمس الملتهبة. قام قريبنا بدعوتهم إلى الغداء وبصعوبة تمكن من إقناعهم بقبول دعوته على الغداء. هذه هي المناسبات التي كنت موجوداً مع الشاعر.
الآن سآتي على الإنطباع الذي تكون لدي عن شخصية الشاعر الظاهرية . لم أكن أعرف في تلك الظروف شيئاً عن أهمية الشاعر إنما كنت أدرك من خلال أحترام والدي له أنه ذو أهمية ما. وأتذكر ونحن أطفال صغار نردد إحدى أشهر أناشيد الحماسة الوطنية الكردية في تلك المرحلة ونحفظها ظهراً عن قلب خاصة أنها كانت تبث من الإذاعة الرسمية في العراق في عهد عبدالكريم قاسم الذي يقابله عهد الوحدة في سوريا آنذاك ولم نكن نعرف أن هذا النشيد قد جادت به قريحة الشاعر وأن أنامله قد كتبته . الآن بعد هذه السنين الطويلة التي مضت (المرحلة التي أكتب عنها تقع بين عام 1970 ـ 1972).
أحاول تذكر شكل الشاعر أوصافه الجسمية و النفسية. كان ضخم الجسم طويل القامة. لون بشرته مائل إلى البياض والشقرة، قسمات وجهه لطيفة تنبيء عن إنسان هادىء وقور . كان يلبس بنطالاً مع حزام على قميص نصف كم . أعتقد أنه لم يكن يدخن. عندما كان يجلس مع والدي كنت ألاحظ أنه قليل الكلام لايتحدث من تلقاء نفسه. كان يتحدث عندما يُسأل . كلامه من النوع الهادىء. كان ساهماً ينظر إلى الأفق كأنه يفكر بشيء ما يشغل باله. كنا نعيش حياة عادية بكل مافيها من صعوبة ومشقة تشغلنا عن الكثير من الهموم الوطنية. فجأة لا أدري كيف سمعت أن قدري جان توفي سألنا ما السبب قيل أنه توفي بالجلطة الدماغية . الوالد كان على اتصال مع أسرته فقام بالواجب.
أتذكر مراسم تشييع الجنازة والدفن بشكل جيد ، وضع التابوت في جامع الكردان في حي الأكراد بدمشق، صلي عليه. كنا متجمعين أمام الجامع. حشد كبير من الناس جاؤوا للمشاركة. سيارة دفن الموتى متوقفة خارج الجامع في مقدمتها علق أكليل من الورد بشكل دائري مكتوب على قماشة سوداء عبارة الأمين العام للحزب الشيوعي السوري تحتها كتب اسم خالد بكداش على جانبي السيارة أكاليل من الورود تزينها. بعد الصلاة أخرج التابوت من الجامع ووضع في السيارة. ثم انطلقت السيارة وخلفها المشيعون باتجاه طلعة مقبرة الشيخ خالد. في منتصف الطريق قام بعض الناس بإخراج التابوت من السيارة ووضعوها فوق اكتافهم، سارت السيارة في المقدمة والتابوت على الأكتاف والمشيعون يسيرون خلف السيارة. وصلنا المقبرة. كان القبر محفوراً جاهزاً. تجمع الناس حول القبر بشكل دائري. ثم انزلت الجثة إلى القبر. كان هناك شخص يحمل كاميرا فيديو يصور الناس وهم ينزلون الجثة إلى القبر. كان يدور بالكاميرا على الناس ببطىء يصور الحضور. بعد الدفن تفرق الناس. بعد فترة قام الوالد بكتابة مرثية للشاعر المتوفي لتنقش على شاهدة القبر الحجرية ذهب إلى النحات الذي يقوم بقص وتفصيل الشاهدة الحجرية وفق المقياس المطلوب. قام الفنان الكردي نوروز آلوسي برسم رمزي عبارة عن غصني زيتون متصالبين وسطها جبلان وفوق الجبلين شمس ساطعة مشرقة.
وهكذا وضعت الشاهدة بهذا الشكل على مقبرة الشاعر لتشير إليه في مثواه الأخير. (رحمه الله).
أبو شورش
3/6/1999