كول نار
Kurd Day Team
الفصل الأول
ازاح الرجل الجالس إلى المكتب ثقالة الورق إلى يمينه بضع بوصات . كان وجهه اقرب إلى أن يكون جامد السمات خلوا من التعبير اكثر من ان يكون غارقا في التفكير او شارد الذهن . وكان من الصعب عليك ان تتكهن بحقيقة عمره ، فهو لا يبدو كهلا ولا يبدو شاباً فقد كانت بشرته ناعمة ملساء خاليه من الغضون وإن أطلت من عينيه نظرة تستشف منها الإعياء .
أما الرجل الآخر الذي يشاركه الغرفة نفسها فأكبر سنا وكان ملوح الوجه اسمرارا ، وله شارب صغير عسكري الطراز ، وكان يبدو ملولا لا يستقر على مقعده ، ولا يفتأ يذرع الغرفه جيئة وذهابا ، ومن حين لآخر يلقي بملاحظاته في كلمات حانقه .
إنفجر يقول ساخطاً :
-كلها مجرد تقارير ! تقارير وتقارير ولكن لا نفع فيها ..
وتطلع الرجل الآخر الجالس إلى المكتب في الأوراق المكدسة امامه ، والتي رشقت فيها بطاقة تحمل هذه الكلمات ( بيترتون ، توماس شارل) وبعد الاسم علامة استفهام كبيره .
ورفع الجالس إلى المكتب رأسه عن الأوراق وقال :
-إنك طبعا قرأت كل هذه التقارير . أفلم تجد فيها بادرة ذات جدوى؟
فأجاب الآخر متسائلا :
-من يدري ؟!
-صدقت .. تلك هي المشكله .. فلا أحد يستطيع ان يقطع برأي .
وعقب الأكبر سنا بسيل من الكلمات بدا وكأنها تنطلق من مدفع رشاش :
-تقارير من روما .. وتقارير من تورين .. لقد شوهد في الريفيرا.. وشوهد في انتورب .. من المؤكد أنهم رأوه في أوسلو .. ومن المؤكد أنه رؤي .. في ستراسبورج، وكان سلوكه باعثا على الريبه ، وكذلك شوهد في شاطئ اوستند وفي صحبته شقراء رائعة الجمال .. والبعض لمحوه في شوارع بروكسل ومعه كلب سلوقي .
ثم أردف في نبرة تتسم بالسخريه :
-لم يبق إلا أن يشاهد في حديقة الحيوان ، يحتضن حمارا مخططاً وحشياً .
وقال صاحب المكتب :
-إنك رجل تفتقر إلى الخيال يا هوارتون أما أنا فأعلق شيئاً من الأهمية على تقرير انتورب.
وارتمى الكولونيل هوارتون جالساً على مسند مقعد ، وقال في إلحاح :
-ولكن يجب أن نميط اللثام عن هذا اللغز، يجب أن نجد جوابا على هذه الأسئلة : (كيف واين ) إنك لا تستطيع ان تسكت على اختفاء عالم فذ كل شهر تقريبا ثم تجد نفسك عاجزا عن الإجابة على هذه الأسئلة البسيطة : ( كيف ولماذا وأين ) .أتراه حيث تعتقد أنه موجود أم انه ليس هناك ؟!
ثم أردف :
-أتراك قرأت نتيجة التحريات الأخيره ، عن بيترتون في أمريكا ؟!
وأومأ الرجل الجالس إلى المكتب برأسه إيجابا وقال :
-الميول اليسارية المعروفة نفسها ، في الوقت الذي شاعت فيه واعتنقها الناس جميعا .. ميول غير ثابتة وذو طبيعه غير مستقره كما تبين فيما بعد ، وقبل الحرب انجز أعمالا هامة ذات شأن ، وعندما هرب مانهيم من ألمانيا عين بيترتون مساعداً له ، وانتهى به الأمر إلى أن تزوج ابنة مانهيم . ثم قفز إلى الشهرة باكتشافه المثير لتحطيم الذره ، والحق ان تحطيم الذره كان من دون شك اكتشافا ثوريا دفع بيترتون إلى القمه وجعل منه قطبا من اقطاب العلوم الذريه. ولكن زوجته مالبثت ان ماتت عقب الزواج، فانهار بيترتون حزنا عليها وفجعه موتها ، ثم جاء إلى انجلترا وعمل في هارويل ثمانية عشر شهرا ، ومنذ ستة شهور تزوج للمرة الثانيه .
فتساءل هوارتون في حدة :
-وما معلوماتنا عن زوجته ؟!
-لا شيء ذو أهميه ، كل مانعرفه عنها انها ابنة محام من اهل المنطقة وكانت تعمل في إحدى شركات التأمين قبل زواجها ، وليست لها فيما عرفنا اتجاهات سياسية واضحه .
-وما الذي يقولونه عنه في هارويل ؟
-شخصية لطيفة محبوبه أما عن عمله فلا شيء ذا شأن بارز ، مجرد تحسينات أدخلها على جهاز تفتيت الذرة.
وران الصمت على الرجلين برهة من الوقت وكان حديثهما مجرد ثرثرة قطعا للوقت ، لا تتسم بشيء من الجدية فإن تقارير الأمن لا تحتوي عادة على شيء جدير بالاهتمام .
قال هوارتون متسائلا:
-وطبعا كانت تحركاته محل مراقبه ، منذ حط قدميه في انجلترا ؟!
-وكان كل شيء مرضيا تماما.
فقال هوارتون متأملا:
-ثمانية عشر شهرا وهو تحت المراقبه . إنك تعلم أن هذه المراقبة تثير اعصابهم .. إحتياطات الأمن المتواصلة تحطم نفسيتهم ، الشعور بأنهم دائما تحت المجهر ،، هذه الحياة المحسوبة عليهم في كل حركة من حركاتهم وكل لفتة من لفتاتهم .. كل هذا كفيل بأن يجعلهم عصبيين وان يحملهم على تصرفات شاذه. فقد رأيت الكثير من هذه الحالات .
وسكت هنيهة ثم استطرد يقول :
-وعندئذ يبدأون في أن يحلموا بعالم مثالي ، عالم تسوده الحريه والأخوه ، وتتشارك فيه الدول في اسرارها العلميه ذات الطابع العسكري ، وتعمل متضافره من أجل خير الإنسانيه .وتلك هي اللحظه الملائمة كي ينقض عليهم شخص لا يهمه إلا أن يدمر الإنسانية ، إنه يرى الفرصة السانحة ويبادر إلى اقتناصها.
-وددت لو انني عرفت المزيد عن بيترتون ، لا اعني بذلك حياته او عمله وإنما الأشياء الأخرى الصغيره. إن هذه الأشياء التافهه تكشف الكثير.. النكات التي تضحكه ،، مايستفزه ويثيره ،، مايجعله يسب ويلعن الأشخاص الذين يعجب بهم او يثيرون حنقه.
وتطلع إليه هوارتون في عجب واستغراب ثم تساءل :
-وماذا بشأن زوجته ؟! أتراك استجوبتها ؟!
-عدة مرات .
-اما من فائدة ترجى منها ؟
-لا لاشيء حتى الآن .
-اتعتقد انها تعرف شيئا ؟!
-إنها لم تعترف، طبعا بأنها تعرف شيئا، أو انها لاحظت شيئا. لا قلق ولا حزن ولا يأس ولا اكتئاب. كانت تسير سيرا طبيعيا عاديا بلا ضغوط من اي نوع كان .. وهي تعتقد بأن زوجها قد اختطف .
-وأنت لا تصدق هذا ؟!
-إنني رجل كثير الوساوس والشكوك ولهذا لا أصدق أحدا.
قال هوارتون في بطء وتمهل :
-على أية حال ينبغي على المرء أن يكون ذا ذهن متفتح بعيد عن التشبث.
ثم اردف :
-ولكن مارأيك في الزوجه؟
-طراز عادي تلقاه كل يوم منهمكا في لعب البريدج.
-هذا يزيد الأمر صعوبه وتعقيدا
-إنها موجوده هنا الآن لمقابلتي ومن جديد سوف نعيد ونبدأ فيما كنا فيه .
فقال هوارتون:
-الآن لا داعي لبقائي ، فلا أريد أن احتجزك أكثر من هذا إذ ليس لدينا مانتداول فيه ، أليس كذلك ؟!
-لا لسوء الحظ ولكني اريد منك ان تدرس تقرير وارسو وتتحرى عن دقة مافيه من معلومات إذ يتراءى لي انه بداية طيبه.
اومأ هوارتون برأسه موافقا وغادر الغرفه.
ورفع الجالس إلى المكتب سماعة التلفون وأمر باستدعاء مسز بيترتون لمقابلته.
ازاح الرجل الجالس إلى المكتب ثقالة الورق إلى يمينه بضع بوصات . كان وجهه اقرب إلى أن يكون جامد السمات خلوا من التعبير اكثر من ان يكون غارقا في التفكير او شارد الذهن . وكان من الصعب عليك ان تتكهن بحقيقة عمره ، فهو لا يبدو كهلا ولا يبدو شاباً فقد كانت بشرته ناعمة ملساء خاليه من الغضون وإن أطلت من عينيه نظرة تستشف منها الإعياء .
أما الرجل الآخر الذي يشاركه الغرفة نفسها فأكبر سنا وكان ملوح الوجه اسمرارا ، وله شارب صغير عسكري الطراز ، وكان يبدو ملولا لا يستقر على مقعده ، ولا يفتأ يذرع الغرفه جيئة وذهابا ، ومن حين لآخر يلقي بملاحظاته في كلمات حانقه .
إنفجر يقول ساخطاً :
-كلها مجرد تقارير ! تقارير وتقارير ولكن لا نفع فيها ..
وتطلع الرجل الآخر الجالس إلى المكتب في الأوراق المكدسة امامه ، والتي رشقت فيها بطاقة تحمل هذه الكلمات ( بيترتون ، توماس شارل) وبعد الاسم علامة استفهام كبيره .
ورفع الجالس إلى المكتب رأسه عن الأوراق وقال :
-إنك طبعا قرأت كل هذه التقارير . أفلم تجد فيها بادرة ذات جدوى؟
فأجاب الآخر متسائلا :
-من يدري ؟!
-صدقت .. تلك هي المشكله .. فلا أحد يستطيع ان يقطع برأي .
وعقب الأكبر سنا بسيل من الكلمات بدا وكأنها تنطلق من مدفع رشاش :
-تقارير من روما .. وتقارير من تورين .. لقد شوهد في الريفيرا.. وشوهد في انتورب .. من المؤكد أنهم رأوه في أوسلو .. ومن المؤكد أنه رؤي .. في ستراسبورج، وكان سلوكه باعثا على الريبه ، وكذلك شوهد في شاطئ اوستند وفي صحبته شقراء رائعة الجمال .. والبعض لمحوه في شوارع بروكسل ومعه كلب سلوقي .
ثم أردف في نبرة تتسم بالسخريه :
-لم يبق إلا أن يشاهد في حديقة الحيوان ، يحتضن حمارا مخططاً وحشياً .
وقال صاحب المكتب :
-إنك رجل تفتقر إلى الخيال يا هوارتون أما أنا فأعلق شيئاً من الأهمية على تقرير انتورب.
وارتمى الكولونيل هوارتون جالساً على مسند مقعد ، وقال في إلحاح :
-ولكن يجب أن نميط اللثام عن هذا اللغز، يجب أن نجد جوابا على هذه الأسئلة : (كيف واين ) إنك لا تستطيع ان تسكت على اختفاء عالم فذ كل شهر تقريبا ثم تجد نفسك عاجزا عن الإجابة على هذه الأسئلة البسيطة : ( كيف ولماذا وأين ) .أتراه حيث تعتقد أنه موجود أم انه ليس هناك ؟!
ثم أردف :
-أتراك قرأت نتيجة التحريات الأخيره ، عن بيترتون في أمريكا ؟!
وأومأ الرجل الجالس إلى المكتب برأسه إيجابا وقال :
-الميول اليسارية المعروفة نفسها ، في الوقت الذي شاعت فيه واعتنقها الناس جميعا .. ميول غير ثابتة وذو طبيعه غير مستقره كما تبين فيما بعد ، وقبل الحرب انجز أعمالا هامة ذات شأن ، وعندما هرب مانهيم من ألمانيا عين بيترتون مساعداً له ، وانتهى به الأمر إلى أن تزوج ابنة مانهيم . ثم قفز إلى الشهرة باكتشافه المثير لتحطيم الذره ، والحق ان تحطيم الذره كان من دون شك اكتشافا ثوريا دفع بيترتون إلى القمه وجعل منه قطبا من اقطاب العلوم الذريه. ولكن زوجته مالبثت ان ماتت عقب الزواج، فانهار بيترتون حزنا عليها وفجعه موتها ، ثم جاء إلى انجلترا وعمل في هارويل ثمانية عشر شهرا ، ومنذ ستة شهور تزوج للمرة الثانيه .
فتساءل هوارتون في حدة :
-وما معلوماتنا عن زوجته ؟!
-لا شيء ذو أهميه ، كل مانعرفه عنها انها ابنة محام من اهل المنطقة وكانت تعمل في إحدى شركات التأمين قبل زواجها ، وليست لها فيما عرفنا اتجاهات سياسية واضحه .
-وما الذي يقولونه عنه في هارويل ؟
-شخصية لطيفة محبوبه أما عن عمله فلا شيء ذا شأن بارز ، مجرد تحسينات أدخلها على جهاز تفتيت الذرة.
وران الصمت على الرجلين برهة من الوقت وكان حديثهما مجرد ثرثرة قطعا للوقت ، لا تتسم بشيء من الجدية فإن تقارير الأمن لا تحتوي عادة على شيء جدير بالاهتمام .
قال هوارتون متسائلا:
-وطبعا كانت تحركاته محل مراقبه ، منذ حط قدميه في انجلترا ؟!
-وكان كل شيء مرضيا تماما.
فقال هوارتون متأملا:
-ثمانية عشر شهرا وهو تحت المراقبه . إنك تعلم أن هذه المراقبة تثير اعصابهم .. إحتياطات الأمن المتواصلة تحطم نفسيتهم ، الشعور بأنهم دائما تحت المجهر ،، هذه الحياة المحسوبة عليهم في كل حركة من حركاتهم وكل لفتة من لفتاتهم .. كل هذا كفيل بأن يجعلهم عصبيين وان يحملهم على تصرفات شاذه. فقد رأيت الكثير من هذه الحالات .
وسكت هنيهة ثم استطرد يقول :
-وعندئذ يبدأون في أن يحلموا بعالم مثالي ، عالم تسوده الحريه والأخوه ، وتتشارك فيه الدول في اسرارها العلميه ذات الطابع العسكري ، وتعمل متضافره من أجل خير الإنسانيه .وتلك هي اللحظه الملائمة كي ينقض عليهم شخص لا يهمه إلا أن يدمر الإنسانية ، إنه يرى الفرصة السانحة ويبادر إلى اقتناصها.
-وددت لو انني عرفت المزيد عن بيترتون ، لا اعني بذلك حياته او عمله وإنما الأشياء الأخرى الصغيره. إن هذه الأشياء التافهه تكشف الكثير.. النكات التي تضحكه ،، مايستفزه ويثيره ،، مايجعله يسب ويلعن الأشخاص الذين يعجب بهم او يثيرون حنقه.
وتطلع إليه هوارتون في عجب واستغراب ثم تساءل :
-وماذا بشأن زوجته ؟! أتراك استجوبتها ؟!
-عدة مرات .
-اما من فائدة ترجى منها ؟
-لا لاشيء حتى الآن .
-اتعتقد انها تعرف شيئا ؟!
-إنها لم تعترف، طبعا بأنها تعرف شيئا، أو انها لاحظت شيئا. لا قلق ولا حزن ولا يأس ولا اكتئاب. كانت تسير سيرا طبيعيا عاديا بلا ضغوط من اي نوع كان .. وهي تعتقد بأن زوجها قد اختطف .
-وأنت لا تصدق هذا ؟!
-إنني رجل كثير الوساوس والشكوك ولهذا لا أصدق أحدا.
قال هوارتون في بطء وتمهل :
-على أية حال ينبغي على المرء أن يكون ذا ذهن متفتح بعيد عن التشبث.
ثم اردف :
-ولكن مارأيك في الزوجه؟
-طراز عادي تلقاه كل يوم منهمكا في لعب البريدج.
-هذا يزيد الأمر صعوبه وتعقيدا
-إنها موجوده هنا الآن لمقابلتي ومن جديد سوف نعيد ونبدأ فيما كنا فيه .
فقال هوارتون:
-الآن لا داعي لبقائي ، فلا أريد أن احتجزك أكثر من هذا إذ ليس لدينا مانتداول فيه ، أليس كذلك ؟!
-لا لسوء الحظ ولكني اريد منك ان تدرس تقرير وارسو وتتحرى عن دقة مافيه من معلومات إذ يتراءى لي انه بداية طيبه.
اومأ هوارتون برأسه موافقا وغادر الغرفه.
ورفع الجالس إلى المكتب سماعة التلفون وأمر باستدعاء مسز بيترتون لمقابلته.