لوحات رشيد حسو

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع Kurd Day
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

Kurd Day

Kurd Day Team
رشيد حسو ( جني اللون )
قراءة في الألوان التي سحرتني
نذير پالو


لا شك بأن كل تشكيلٍ فني له ميزاته، ولكل فنان أسلوبٌ يميزه عن غيره، بتناوله اللون وخطوطه وكذلك بتجسيده للتشكيل والموضوع والخيال. ولا بد أن تمتلك كل لوحةٍ فنية شيئاً من روح الفنان، تظهر جلياً للقارء الجيد.
أعتقد بأنه عندما تجذبك لوحة فنية أكثر من دقيقة، هذا يعني بأن اللوحة جيدة، وعندما ترغب بإقتناء عمل فني فهذا يعني بأن العمل ممتاز. ولكن حينما يسيطر عملٌ تشكيلي على أحاسيسك، ويحرك فيك شعوراً لذيذاً لم تدركه بعد، وتشعر بأنه شيئ من روحك أو نبضك، ولا تستطيع التحرر من ذاك الشعور، ولا تجد تفسيراً لذلك، فهذا يعني بأنه عملٌ إبداعي ليس له قرين.

وهذ ما حصل لي حينما وقفت أمام لوحات حسو لأول مرة، تَمَلكني متعة غريبة وشعرت بأن ما أراه من تشكيلات لونية تتسرب الى داخلي وتنعشني، وأحسست بعزف على أوتار روحي، وشعرت بالثمالة رغم أني لم أتناول الخمر.

من يشاهد أعمال رشيد حسو، يشعر بشئٍ خفي يحرضه للدخول الى عالم ألوانه، يمتلكه شعور الإنتماء الى الروعة التي شكلها ببلاغةٍ وسحر.
حسو يرسم بمزاجية الشاعر المبدع، والعازف المحترف، فكما هو الشاعر يحرر المفردات من مدلولاتها، لتشمل مساحةً أوسع وأكثر طلاقةً، وأشد جمالاً وفصاحةً. وكما يُحرر العازف أجمل النغمات ، هكذا يتناول حسو مفردات الرسم بتقنيةٍ عالية، يبدع في استدراج اللون وتفاصيله، كما يبدع في تدوين خطوطه بتناغم جميل، وكذلك يستدرج الظل والنور بشفافية وحس فريد.

يختلف حسو بتناوله ونشره لكل لونٍ عن غيره من المبدعين في فن التشكيل، فهو يجسد في تشكيلاته الحياة الكامنة في اللون، ويحاول دائماً أن يُظهر المساحة الشاسعة التي يتحرر فيها اللون من مدلولاته.
المسافة بين الخيال وخطوطه مليئة بالضوء والجمال وبألوانٍ تحاكي الروح والعقل بلغة أكثر من شعرية .
يتنافس مع نفسه على تجسيد التفاصيل بدقة، إلا أن المنتصر في أعماله يكون اللون الشبيه لدهائه. الذي يتمدد بشهوة ويغطي مساحة البياض ببلاغة، مشكلاً عالماً مشبعاً بصباغ حنون.

تظهر في ألوانه الشموخ، والانسجام في تفاعل تدرجات كل لون مع تفاصيل الألوان الأخرى في تشكيلات مليئة بالحس والحياة.
في كل حركةٍ من حركات ريشته يقصد شيئاً جميلاً يختلف به عن المتعارف والمدرك، كما يقصد أن يتوه المتلقي الذكي ليوقظ فيه الشعور بالبحث عن تفاصيلٍ أكثر بين الخطوط والألوان.

إن تبعثر اللون بريشة الفنان على بياض اللوحة يعني الخلق والإبداع بدون شك، ولكن حينما يسيل التشكيل اللوني الى الداخل الانساني، ويتفاعل مع الشعور والحس بعفوية وينتشر في ظمأ الروح، فهذا يعني شيئاً آخر ، وربما يكون السحر، فالفنان المبدع يسحر مشاهديه بنتاجاته، وهذا ما يقصده حسو، ويصل الى المبتغى في نشر ألوانه في روح المتلقي، ويُسحر مشاهدي أعماله من أول مشاهدة.

حسو يحرك الأدوات واللون على المساحات بحرية بالغة، ولا يعترف بالحواجز، ينتشر مع ألوانه على اللامحدود، وبهذا تمكن من خلق أشياءٍ جميلة لا تتكرر في الطبيعة، حسو لا يكرر ذاته كما أنه لا يكرر غيره، فكل عمل من أعماله كيان خاص، له روح وجغرافية ومدى يميزه.

العالم اللوني لحسو مترف بالأنوثة، الأنوثة بكل تفاصيلها الجمالية، الأنوثة القريبة من الشهوة والبعيدة عن الرؤية، ربما تكون تلك التي لم توصف بعد ، أو تكون تلك في المتخيل الروحي.
حسو يرسم الغيم والضباب والتراب والنار والشجر وكل شيئ بجسد الأنثى الخيال، وأظنه يرى بأن العالم أنثى، وأسرني في عمله القيامة، ذلك العمل المبالغ بجمال النار الأنثى، وكتبت قرائتي لذاك العمل كشغف شعري.

حينما تشاهد أو تمتلك لوحة فنية تغطي مساحةً من جدار غرفة، تستمتع بالنظر اليها، ربما تنسى تفاصيلها، وربما تستغني عنها يوماً ما أو تبدلها بسهولة إذا كنت مالكها، يعني هذا بأن . إلا أن المعادلة تتبدل حينما تمتلكك لوحة فنية وتصبح أسير ألوانها وتشكيلها، تعيش بداخلك وتجذبك الى متعة لحظات الرؤية الأولى، أظن هذا هو سر حسو الذي يأسر مشاهدي أعماله، يسلط عليهم سحر الألوان، ويجعلهم في حيرةٍ تامة، ويجعلهم أسرى ألوانه.

كل إنسان فيه أشياء مفقود ولا يُدرك ما هي تلك الأشياء، إلا أنه حينما يشاهد عملاً لونياً لحسو فمن تلقاء الذات ينتشي فيه أشياء لا يُدركها. التشكيل اللوني لديه يجتاز حدود الإدراك الحسي والعقلي.

وهناك تناغم بين الألوان في تكويناته، يمكن تسميته بميلوديا اللون، وكأن حسو يعزف على كافة الأوتار معاً التي يكمنها كل لون، وكأنه بعزفه يقدم سيمفونية لونية.
الفنان أسير لوحاته، بينما حسو يأسر لوحاته بنعومة بالغة، ويلاطفها بذكاء شديد حتى يروضها لشهواته الجنونية. ويجذب المشاهد بدهاء الجني العاشق.
حسو يتجاوز اللون بعفوية ويرسم بشغف الجني ولا يقبل أن يكون أسير اللون، بل يأسر ألوانه، ويبعثرها بمزاجية ذلك الجني، ويجعل المتلقي في نشوةٍ جميلة .

رشيد حسو .. هو جني اللون بلا شك..!
















 
عودة
أعلى