تعني عدالة القضية الكردية، المساواة بين حقوق الكرد مع باقي حقوق الشعوب اذ ان لجميع البشر حقوقا متساوية دون تمييز بسبب القومية او الدين او المذهب او اللون او الموقع الجغرافي او الثروة او العدد او غيرها. ومن هنا جاء قوله تعالى (واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل) اي ان تفصلوا بين الناس او المتنازعين بالمساواة دون تمييز بينهما لاي سبب كان فالعدل هو المساواة بين طرفي الميزان ولذلك قيل بمعادلة الشئ اي موازنته بتصحيح الاعوجاج اذا اختل الامر بين الشيئين. ومن هنا فالاختلال في الحقوق بين القوميات ايا كان سببه غير جائز من النواحي الشرعية والقانونية والاخلاقية والانسانية.
والاعتدال تعني الاستقامة اي التوسط بين حالين، والعدل نقيض الظلم والجور لان العدل هو الامر المتوسط والاستقامة وبها يبتعد الوضع عن الظلم لان الظلم اذا ساد دمر واذا انتشر بين الناس خرب البلاد والعباد، وحين نقول عدالة القضية الكردية نعني بذلك ان للكرد حقوقا يجب ردها لهم مثلما لغيرهم دون اي تفرقة او تمييز بسبب قوميتهم كونهم كردا ولا يجوز الانتقاص منها بسبب ذلك او بسبب ديانتهم او ملبسهم او لونهم او ثقافتهم او معتقداتهم حيث انهم تعرضوا الى الظلم والعدوان والتمييز واصابهم الجور بسبب ذلك في مناطقهم عبر مختلف مراحل التاريخ ولم تتحقق المساواة بينهم وبين غيرهم من الامم والشعوب في الحقوق المشروعة مما يوجب تحقيق العدل والانصاف (العدالة).
وسبب التمييز هذا ضد الكرد يعود الى الظلم من العقلية الشوفينية، اي الى من يضع الشئ في غير موضعه والانتقاص من حقوق الاخر بلا مبرر مشروع ومن هنا لا يجوز للقوي ان ياخذ حقا بسبب قوته لان هذا يعني التظالم بين الاقوام اي انها تتصارع فيما بينها فيظلم بعضهم بعضا ويكون الشئ في غير محله وتنتقص الحقوق بسبب الجور من قوم على قوم، وقد تعرض الكرد الى هذا الظلم التاريخي من اقوام وشعوب متعدده بسبب شيوع الفكر العنصري الذي يميز بين الشعوب على اساس الحسب او الاصل وهو ما تذهب اليه العديد من الاراء والافكار السياسية التي تمجد الاصل كما تجعله بعض الاقوام اساسا في التعامل غير المتوازن مع الاقوام الاخرى وقد مارسه وما يزال يمارسه كثير من العرب والترك والفرس كما روج له عدد من المفكرين والسياسيين والقاده مثل ميشيل عفلق وشبلي شميل العيسمي وصلاح الدين البيطار والياس فرح ورشيد عالي الكيلاني وحكام نظام حزب البعث في العراق وبخاصة صدام واركان نظامه وحزب البعث في سوريا وكمال اتاتورك في تركيا وغيرهم كثير.
والشعوب هي القبائل او الاجيال من الناس التي خلقت متساوية في الحقوق والواجبات دون تمييز بين هذا وذاك ولاي سبب كان وهذه الشعوب قد تشكل امما اذا توحدت في اللغة والثقافة والاصل المشترك ولمقومات اخرى ومن هنا يقال عن الامة العربية التي تتكون من شعوب عربية موزعه هنا وهناك وعن الامه الكردية التي تتكون من شعوب تفرقت بين كردستان العراق وكردستان تركيا وكردستان سوريا وكردستان ايران حيث تجمع بين شعوب كردستان عامل اللغة والثقافة المشتركة ووحدة العادات والتقاليد والاصل والتاريخ المشترك رغم اختلاف المعتقدات او الديانات لان الكرد من اقدم الاقوام في المنطقة وان اصل ديانتهم هي الزرادشتية وهي من الديانات القديمة وهناك من الكرد ممن تبع الديانة اليهودية وعاشوا في كردستان العراق واخرون تبعوا المسيحية وبعضهم تبع الديانة الايزيدية وأكثرهم تبع الاسلام الى جانب فرق دينية اخرى .
أولا :أصل الكرد ووجودهم في كردستان العراق :
تشير التنقيبات الاثرية المكتشفة في ارض الكرد الى ان الكرد هم قبائل نزحت في الاصل من جبال زاكروس رغم تعدد اللهجات الكردية واختلاف المناطق التي استوطنوا فيها منذ اكثر من 5 الاف عام اذ هناك من استوطن الجبال ومنهم من سكن السهول للزراعةه واخرون استقروا على ضفاف الانهر كما هو حال الكرد الفيلية الذين سكنوا مناطق عيلام التي تمتد من خانقين شرق العراق حتى جنوب العراق تقريبا حيث المناطق السهلية الزراعية ووفرة المياه وسهولة التنقل. والكرد ليسوا عشيرة واحدة بل هم مجموعة من العشائر المعروفه مثل الكثير من الاقوام كالعرب والفرس وهذه العشائر بعضها كان يمارس الرعي وبعضها كان وما يزال يمارس العمل الزراعي بسبب خصوبه الارض فضلا عن الاعمال التجارية والمهن او الحرف الاخرى غير ان هذه العشائر جميعها سميت بالشعب الكردي لانها سكنت منذ ما قبل الميلاد على مناطق سميت بارض الكرد او كردستان.
اذا فالشعب الكردي جزء من الآمة الكردية العريقة المجزأة بين دول متعددة بعد تاسيسها في العصر الحديث حيث وجدوا على أرضهم التي تسمى بـ(أرض الكرد أو كردستان) التي هي وطن الكرد. وقد ورد اسم الكرد القديم (الميديون) في الكتب القديمة ومنها التوراه او الوصايا القديمة Old testament (العهد القديم), ولهذا فان وجود الكرد على ارضهم في غرب ايران وجنوب تركيا حتى سنجار وجبال حمرين وبعض مناطق جنوب العراق هو ثابت تاريخيا مما يعد وجود الكرد في أرض الجبال او اقليم الجبال (ميديا) هو اسبق من الشعوب الاخرى, وقد انقسمت هذه المنطقة فيما بعد و لاسيما بعد الحرب العالمية الاولى وتجزأت الامة الكردية الى شعوب تسكن في كردستان العراق, (كردستان الجنوبية) وفي غرب ايران وفي كردستان الشمالية في تركيا وكذلك في سوريا, هذا بالاضافة الى وجود اعداد غفيره هاجرت بحثا عن الامان الى الاردن ولبنان وغيرها .
ونشير هنا الى الكرد الفيلية، وهم جزء من هذه الامة الكردية، حيث يذكر العديد من المؤرخين الى انهم من بقايا العيلاميين او الكوتيين في وسط وجنوب العراق (مندلي، بدره، جصان، خانقين، زرباطية، كركوك، بعقوبة, بغداد وغيرها من المدن العراقية الى جانب المدن الايرانية الاخرى). والكرد الفيليون ينحدرون من عشائر كردية معروفة عاشت في منطقة خوزستان وشرق العراق وبخاصة في شرق دجلة وهي من اقدم المناطق التاريخية في العراق والتي نشأت عليها اقدم الشرائع.
والحقيقة ان اصل اطلاق تسمية (الكرد الفيليون) جاءت من اطلاق تسمية المؤرخين العرب على الكرد الذين جاءوا من كردستان ايران والذين نجحوا في الاندماج منذ مئات السنين بالمجتمع العراقي ونجحوا في امتهان العمل التجاري والزراعي والصناعي وبرزوا اكثر في ميدان الحركة الوطنية العراقية عموما وبوجه خاص في نشاطهم الوطني العراقي ضمن صفوف الحركة التحررية الكردية وضمن صفوف الحزب الشيوعي العراقي والحركات السياسية الاخرى مثل حزب الدعوة، بل ظهرت اسماء لامعة من بين الاكراد الفيلية في الحركة الوطنية العراقية وتاريخ العراق السياسي. ولهذا تعرض الكرد الفيلية الى ابشع صنوف الاضطهاد والظلم في ظل انظمة الحكم المتعاقبة في العراق وبخاصة منذ حكم البعث الاسود عام 1968 وبلغ اشد ه عقب اتفاقية اذار عام 1970 واثناء الحرب ضد ايران التي شنها نظام صدام عام 1980.
والكرد الفيلية، مواطنون عراقيون, ينتمي اغلبيتهم الى مذهب اهل البيت وهو المذهب الشيعي وهناك عدد اخر قليل منهم من غير الشيعة، وهم شعب مسالم تميز بوفاء العهود واحترام المواثيق والصدق والامانة في نشاطاتهم التجارية والاقتصادية عموما ولم تتلوث سمعتهم بأي عمل ارهابي او باعمال العنف السياسي. وهنا يذكر البروفيسور خليل اسماعيل محمد (كولان العربي 10-2002) : الكرد الفيليون الاصل الحقيقي للشعب اللوري والاخير هم قسم من الامة الكردية وفقا لما جاء في موسوعة شمس الدين سامي وغيره من المعاجم والمؤلفات. كما يشير (مينورسكي) ان اللور هم قبائل رحالة يعود اصلها الى شعوب الهندو- اوربي .
واذا كان الكرد من الشعوب القديمة المسالمة فهم يسعون مثل باقي الشعوب الى العيش بحرية وممارسة حقوقهم الانسانية التي تقرها الديانات والاعراف والقوانين الوطنية والقانون الدولي والاعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الملحقة به، وهي حقوق ثابتة سلبت منهم دون مبرر وحجبت عنهم دون سبب مما اضطروا الى الدفاع عن وجودهم وعن حقوقهم بالقوة وهو طريق مشروع للاحرار فالشعوب لا تموت.
ثانيا :الواقع القومي والديني في كردستان العراق
قبل الدخول في هذا الموضوع نشير الى ان حقوق الاقليات والقوميات غير العربية في البلدان العربية تعاني من اشكاليات عديدة ويتضح هذا الامر في مناطق متعددة, في جنوب السودان وفي سوريا ومصر والجزائر والعراق وموريتانيا وغيرها, ولابد من حل هذه الاشكاليه باحترام حقوق الانسان والمعايير الدولية كما ان المنظمات الدولية تؤشر انتهاكات حقوق الانسان في البلدان العربية بصورة كبيرة بفعل ازمة الديمقراطية وانعدام اوضعف ثقافة حقوق الانسان.
اما في كردستان ولظروف عديدة تعايشت قوميات مختلفة رغم تباين وتعدد الديانات والمذاهب بفعل سياسة التسامح الموجودة منذ القدم في كردستان .
ففي كردستان يعيش الاشوريون والكلدان والسريان الى جانب الكرد والتركمان كما تعايشت الديانات والمذاهب المختلفة، فالكرد مثلا، بعضهم من اتباع الديانة اليهودية ممن عاش واستوطن في زاخو وعقرة واربيل ومناطق اخرى وقد هاجروا بعد الحرب العالمية الثانية من كردستان لاسباب مختلفة، واكثر الكرد من اتباع الديانة الاسلامية وقله منهم من اتباع الديانة الايزيدية وهي ديانة قديمة اقدم من الديانة المسيحية ومن الكرد ممن هم من اتباع الديانة المسيحيه الى جانب مذاهب مختلفة مثل (الكاكه ئية، والشبك والعلوية ) ورغم ذلك فان حرية العبادة وممارسة الطقوس والشعائر الدينية مكفولة للجميع ولم تشهد كردستان مشاهد العنف بين القوميات او اتباع الديانات او اتباع المذاهب.
ثالثا :الحركة التحررية الكردية بقيادة مصطفى البارزاني
اقترن اسم الكرد مع شهر نوروز او شهر اذار من كل عام حيث تضمن هذا الشهر العديد من المناسبات المفرحة والمؤلمة للشعب الكردي، فهو شهر تعرض خلاله الكرد الى ابشع صنوف الجرائم والابادة وهو شهر تضمن مناسبات مفرحة واعياد مايزال يتذكرها ويحيها الكرد متجاوزين جروحهم منادين بالسلام و ينشدون بالتسامح من موقع القوة . ففي نوروز (اذار) حصلت جريمة حلبجه التي راح ضحيتها اكثر من 5000 مدني قتلوا بالسلاح الكيماوي والغازات السامة في 16 اذار من عام 1986 وفي 14 نوروز 1903 ولد القائد العظيم البارزاني في قرية بارزان وفي 1 اذار 1979 توقف قلب البارزاني في المنفى وفي 11 اذار من عام 1970 ولدت اتفاقية اذار ثم تخلى عنها نظام نظام البعث وصدام وتنصل من بنودها ناكثا العهود وفي 6 اذار عام 1975 وقع صدام وشاه ايران اتفاقية الجزائر التي فرط بموجبها صدام بنصف شط العرب لقاء تخلي شاه ايران عن دعم الثورة الكردية وفي 1 اذار عام 1991 انطلقت شرارة الانتفاضة الباسلة في كردستان ضد حكم الطاغية وتحررت كردستان من الحكم العنصري الصدامي.
والبارزاني مصطفى كان أكثر زعيم قوميّ كرديّ بارز في تاريخ الحركة التحررية الكردية وهو رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني (KDP) وعندما مات في 1 مارس 1979 في مستشفى جورج تاون في واشنطن رثاه الملايين من الأكراد و الآخرون من اصدقاء الكرد والمحبين للشعب الكردي. ولهذا ستبقى ذكراه حيّةً في قلوب كلّ الكرد الذين يساندون الأهداف التي ناضل من اجلها وقدم التضحيات الكثيرة للوصول اليها و جاهد من أجلها كلّ حياته. ولذلك سيبقى مصطفى البارزاني شخصيّةً كردية – عراقية فذّةً في تاريخ الشّعب الكرديّ و سيبقى مصدر الإلهام و المثل للشبابّ الكرد وهو الذي يلقب بالاسطورة الجبلية و الذي لم يتردّد في التزامه بالصّراع الكرديّ من اجل الوصول للسّلام والحرّيّة و الدّيمقراطيّة.
ولابد من بيان موجز عن حياة البارزاني الشخصية للوقوف على تكوين شخصيته ودوره في الحركة التحررية الكردية كقائد كردي وعراقي يستحق الاحترام في نضاله الطويل من أجل الحرية والديمقراطية وشعب كردستان وفي مقاومته للدكتاتورية وظلم العقيلة الشوفينية :