الكرد: نبذة وجيزة

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع lolovina
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
الكرد: نبذة وجيزة

الجزء الأول من الفصل الثالث
مهرداد ئيزادي
ترجمة عن الأنجليزية: هادي محمد
التأريخ
اعادة بناء التأريخ الكردي من المهام الصعاب. و يضم غالبا الأقحام (اضافات –المترجم-) "interpolation" و الاستنتاج او التقدير الاستقرائي (extrapolation) من جملة متنوعة من المصادر لم تكتب للكرد و لا حول الكرد. تمت كتابة التأريخ الشرق أوسطي غالبا ( و ان لم تكن دائما) من قبل الأطراف المهيمنة عليه، و في زمن جد قريب من قبل الدول القومية الحديثة. لم يكن الكرد مهيمنين لأكثر من 800 عام. و النتيجة هي انه قد تم تجاهل أسهامات كردية في التاريخ، أو حصل ما هو أسوأ، و هو الاستيلاء على تلك الاسهامات من قبل شعوب اُخرى (فيما يخص من و ما يعتبر كرديا في هذا العمل أستشر المقدمة و الهوية القومية). من شأن أي جهد رائد يبذل لإعادة بناء التاريخ الكردي من فتات مطمورة و مهملة منذ وقت طويل، من شأنه ان يثير تساؤلات و يولد الجدال، بغض النظر عن مدى شدة البحث في أهتمامه بالتفاصيل. ينبغي توقع ذلك لأنه يتحدى الوضع الراهن. فإذا ما استطاع هذا العمل أن يحث على اجراء مزيد من البحث و الاستقصاء العلميين، سيكون قد اوفى بغرضه.

زمن ما قبل التأريخ و التطور التقني المبكر: 10000 الى 3000 لما قبل الميلاد

تعد هذه الفترة على الأرجح الفترة الأكثر جدارة بالإلتفات في تأريخ كردستان. التقدم التقني و الاكتشافات المنجزة في الاراضي الكردية المرتفعة في الـ 7000 آلاف سنة التي سبقت نشوء ميزوبوتاميا (3000 لما قبل الميلاد) غيّر و الى الأبد مسار التأريخ البشري كما غير وجه هذا الكوكب الى غير ما كان. كثير مما انجزته حضارة الأراضي المنخفضة لميزوبوتاميا قبل 5000 عام، بدأت 7000 عام قبل ذلك في الجبال و الوديان المجاورة في كردستان (أي مجاورة لأراضي ميزوبوتاميا المنخفضة –المترجم-). ان الدلائل الأثرية و تلك المتعلقة بعلم الحيوان و النبات على الأهمية القصوى لكردستان في تطور الحضارة لهي دلائل وافرة و موثقة بشكل جيد.

تنتشر مواطن الكهوف (أي الكهوف المستخدمة كموطن للبشر –المترجم-) الخاصة بالعصر الحجري القديم و الأوسط (أي ما يعود تأريخه لما قبل 10000 عام) هنا و هناك بأعداد كبيرة في كردستان الجنوبية و المركزية. و يعود تأريخ مستوطنات الكهوف في بيستون "Behistun" (جبل بيستون) في الجنوب الى حوالي 100000 عام، بينما يعود تأريخ مستوطنات الكهوف في شانيدار الى 55000 عام. التقدم التكنولوجي و التعبير الفني لثقافات العصر الحجري القديم و الأوسط تلك متماثلة الى حدما مع ثقافات المستوطنات الأخرى في الشرق الأوسط و اوروبا الجنوبية.

و على العكس، فكان لفترة العصر الحجري الحديث في كردستان طبع مختلف اختلافا جوهرياً. يبدو الآن أن كردستان كانت موقعا رئيسا، ان لم تكن الموقع الرئيس، لثورة العصر الحجري الحديث. أجتاز قاطنو كردستان مرحلة غير مفَسَّرة من التطور التكنولوجي المتسارع، وازعا اياه قوى غير معروفة على وجه التحقيق حتى ذلك الحين. و أنهم سابقوا نوعا ما بشكل سريع المجتمعات المحيطة بهم و التي كان معظمهم بين المجتمعات الأكثر تقدما من الناحية التكنولوجية في العالم، ليشرعوا في التحول من الاقتصاد متدني الكثافة المتميز بالصيد و جمع الثمار الى أقتصاد عالي الكثافة متميز بإنتاج الأغذية.

كانت كردستان، المحيط الشمالي الجبلي للهلال الخصيب التأريخي، كان موطن تطوير و تطبيق تقنيات محلية و أقتصادية مبكرة كثيرة و طرق لإنتاج الأغذية. جملة ذات أهمية كبيرة من الأدلة الأثرية تشير الى الجبال الكردية كونها موقعا لإبتكار الزراعة منذ حوالي 12000 عام (Braidwood 1960). و أنتشرت هذه التكنولوجيا الثورية فيما بعد من الجبال الكردية الى أراضي ميزوبوتاميا المنخفضة المجاورة و الى تلال اناضول الغربية و هضبة ايران. و منذ حوالي 8000 عام كانت قد أنتشرت اكثر الى شمال أفريقيا و اوروبا و شبه القارة الهندية. و بذلك تكون كردستان الموطن الأصلي لكثير من المحاصيل الشائعة و الحيوانات المدجنة (Ucko and Dimbleby 1969; Berg and Protsch 1973; Wright 1969).

بدأ الانتقال من جمع الأغذية الى انتاج الأغذية داخل النطاقات الجغرافية الطبيعية لأسلاف الوحوش للحيوانات و النباتات المدجنة الأوائل و التي تقع في المنطقة العامة لجبال زاكروس (Braidwood and Howe 1960, 1962; Braidwood 1972). أضف الى ذلك، تشير البراهين الموجودة بقوة الى أن سفوح الجبال و الوديان الواقعة بين الجبال على طول السلاسل الجبلية الكردية (مع رعن "أي أنف الجبل –المترجم-" يمتد الى الأسفل الى داخل سامرة) تشير اليها كونها السياق الجغرافي الرئيس لهذا الانتقال (Whallon 1979).

و بالطبع جعلت الزراعة من تدجين الحيوانات و النباتات المتطلبة شيئاً ضرورياً. و قد قام بتدجين أسلاف قمح و شعير و جاودار و شوفان و بسلّي ( البازلاّ –المترجم-) و عدس و فصفصة و كروم عصرنا الحاضر لأول مرة، أسلاف كرد عصرنا الحاضر قبيل الألفية التاسعة لما قبل الميلاد. و لاتزال تنبت الأنواع (species) البرية لأكثر أنواع الحبوب و البقوليات شيوعا كأعشاب غريبة في زاكروس و شرقي طوروس و بدرجة أقل في جبال أمانوس (أنظر الأرض و البيئة).

و تم أكتشاف بقايا لبعض مواعز و نعاج و كلاب و خنازير حيث تم تدجينها لأول مرة في ثلاثة مواقع أثرية رئيسة في كردستان و هي: جايونو"Cayonu" (الواقع قرب ديار بكر المعاصرة في كردستان الغربية) كنجي داره "Ganj Dara" (الواقع في الشمال الغربي لكرمنشاه في كردستان الجنوبية و الذي يعود تأريخه لما قبل 10000 عام)، و جرمو "Jarmo" (الواقع شمال السليمانية المعاصرة في كردستان المركزية و الذي يعود تأريخه لما قبل 8000 عام).

بحلول بداية الألفية الثامنة لما قبل الميلاد كانت لمعظم المجتمعات (community) الزراعية في كردستان حيوانات مدجَّنة. و تضيف ثروة بقايا المعدات الزراعية و معدات معالجة الحبوب و احجار الرّحى و هاونات و مدقاتها الى السجلات (pollen records)(1) كدليل راسخ على ترسيخ الزراعة في كردستان في ذلك العصر.

و النمو الاستثنائي للسكان و الانتاج، و المتمخض عن عمليات التقدم هذه أدى الى استكشاف و ابتكار تقنيات كثيرة أخرى. واصلت حضارة كردستان سيرها على طريقها التقني الثوري لتبتكر أو تساهم بشكل كبير في علم المعادن (metallurgy) و الحياكة الشائعة و صناعة الفخار باستخدام النار و كذلك التقدم في فن العمارة و التمدين و الكتابة.

و أصبح المجتمع في جايونو أحد أقدم المجتمعَين في العالم الذي ثبت وجود علم المعادن فيه (Braidwood 1969, Caldwell 1967). و يعود تاريخ الأدوات النحاسية التي تم اكتشافها هناك الى النصف الأول للألفية الخامسة لما قبل الميلاد. و البرونز، و هو أشابة (خليط من معدنين أو أكثر –المترجم-) من النحاس و القصدير، و هو أكثر صلابة و أكثر فائدة من النحاس و يذوب في درجة حرارة أدنى، الأمر الذي يجعل من العمل عليه أكثر سهولة. و تظهر أدوات برونزية في جايونو مبكرا في الألفية الرابعة لما قبل الميلاد – أي قبل 2000 عام بالكامل من ظهورها في أوروبا.

و ما سهّل عمليات التقدم الحاصلة في علم المعادن كان دُنو خامات المعادن الضرورية. بينما تفتقر السهول الغرينية لميزوبوتاميا افتقارا كاملاً للرواسب المعدنية، تزخر جبال زاكروس و طوروس و أمانوس و كذلك التكوينات البركانية في يهودا بهكذا رواسب. و في الحقيقة يمكن تسمية المنطقة التي تتمحور حول جايونو بأقدم موقع صناعي غابر في العالم بالمعنى الصحيح، بما ان صناعة السلع من صهر و تأشيب النحاس التي بدأت هناك قبل حوالي 7000 عام تتواصل ليومنا هذا(أنظر الموارد الطبيعية و المعادن).

و في نفس الوقت، تظهر و لأول مرة في جايونو و كذلك في كنجي داره (على الجانب المقابل لكردستان قرب كرمنشاه) صناعة الفخار التي تستخدم فيها النار ( مع تُمَيثيلات "أي تماثيل صغيرة –المترجم-" مصنوعة من الصلصال باستخدام النار) في أوائل الألفية الثامنة لما قبل الميلاد (Majidzadeh 1975). بينما كانت الأواني عادة من الحجر أو الخشب أو الجص أو السِّلال (جمع سلة –المترجم-) في فترة العصر الحجري الحديث، احدث ظهور الفخاريات طويلة البقاء و متعددة الاستخدامات ثورة في الحياة المنزلية، و ثبت أن المجتمعات الأخرى كانت تسعى وراء تلك التقنية سعيا حميماً. و انتشرت بسرعة كبيرة جدا الى المناطق المجاورة و اصبحت واسعة الانتشار في جميع ارجاء الشرق الأوسط في مدة اقل من 1000 عام، حوالي 7000 عام لما قبل الميلاد (Roaf 1990, 42).

قرب كنجي داره (Ganj Dara)، في تلة سي كابي (Seh Gabi) القديمة يظهر ايضا النموذج الأول في العالم للفخاريات المزجّجة قبل حوالي 3500 لما قبل الميلاد و التي تسبق تقنية التزجيج في ميزوبوتاميا و الصين بـ 2000 عام (Vandiver 1990; Levine 1974). تم بحث مشاركة كردستان في تطوير تقنية الحياكة (أو النسيج –المترجم-) في المدخل المعنون بـ (السجادات و البناء).

في أواخر الألفية الثامنة لما قبل الميلاد اصبح المجتمع الكردستاني معقداً على نحو كاف بحيث تكون بحاجة الى سجلات للتبادلات التجارية. تظهر هذه السجلات لأول مرة في كردستان كالواح طينية صغيرة (tokens) و بأشكال مختلفة، حيث يرمز كل شكل الى مادة معينة للتجارة و الى رقم معين. و بدأت الالواح الطينية الصغيرة تحمل علامات أضافية قبل 7500 عام. بما أن المدلولات التي كانت تحملها تلك العملات الطينية ازدادت تعقيداً لكل تعامل تجاري، كانت العملات توضع في غلاف طيني و كانت في بعض الأحيان تربط ببعضها البعض من ثقب في وسط العملة كي يشكل تسلسل العملات جملة (Schamandt-Besserat 1986, Nissen, 1986). بحلول 3000 لما قبل الميلاد، كان قد أصبح الغلاف الطيني نفسه السجل، و بذلك حل محل الالواح الطينية الصغيرة. ما زالت اللوحات الطينية المسمارية القديمة تحتفظ بالمظهر الناتئ لاغلفة العملات القديمة دون أن تكون فيها أي عملات في الداخل. بدأت الكتابة بالمعنى الحديث للكلمة على هذه الصورة.

فالعلامات المسمارية الصورية المبكرة هي في الحقيقة رسومات (impressions) للعلامات، و لكنها سرعان ما تطورت الى اشكال اكثر رمزية وزادت تعقيداً أيضاً (Green 1981). كما كانت الحال بالنسبة للمجالات الأخرى، فاقت ميزوبوتاميا كردستان في تطوير الكتابة بحلول بداية الألفية الثالثة لما قبل الميلاد. في كردستان و في جبال زاكروس تواصل استخدام نظام الالواح الطينية الصغيرة الأكثر بدائية و الأكثر خصوصية بذلك البلد، كوسائل أولية لحفظ السجلات لفترة أطول. شهدت الكتابة تطوراً سريعا في ميزوبوتاميا، و اُستخدمت في كردستان فقط في العلاقة مع الاواح الطينية الصغيرة. و ظهرت لأول مرة في كودين (Godin) قرب كنكاور (Kangawar) الحديثة في كردستان الجنوبية قبل 4500 عام، اللوحات الطينية التي حملت سجلات مكتوبة بكتابة تصويرية عرفت بـ "العيلامية الأم او الأصلية" و ذلك في غياب مصطلح أفضل استخداما منه. أذا اعتبرنا نظام الالواح الطينية الصغيرة في ذاته لا-كتابة (أي اذا لم نعتبره كتابة –المترجم-)، يجعل هذا التأريخ من كردستان موطناً لأحد أقدم المجتمعات التي عرفت القراءة و الكتابة في العالم، و المجتمع الثاني الوحيد الذي يجاور ميزوبوتاميا، مع مستوى غير معروف من التأثير في تطورات مشابهة في الهضبة الايرانية المجاورة.

ساعدت الموارد الغذائية الهائلة و المستويات المعيشية العالية على ازدهار السكان في كردستان. و في وقت قصير نسبياً، أزداد سكان كردستان في الأقل عشرة اضعاف، أي من ما يقارب 15000 نسمة في 10000 لما قبل الميلاد الى حوالي 150000 نسمة في 9000 لما قبل الميلاد. برزت دُول، او بالأحرى دول-مدينة "city-states"(جمع دولة مدينة أي دولة قائمة على مدينة واحدة –المترجم-) لأول مرة الى حيز الوجود في حوالي الألفية الثامنة لما قبل الميلاد (Wright 1977).

أصبحت مواقع جايونو (Cayonu) و اويلوم (Oylum) و هويوك (Hoyuk) و تيتريش (Titrish) (في كردستان الغربية) و جَرمو (Jarmo) و تبه كه وره (Tapa Gawra) (في كردستان المركزية) و كنجي داره (Ganj Dara) و جيان (Giyan) (في كردستان الجنوبية) و مع اريحا في يهودا، اصبحت أولى المجتمعات الحضرية على ظهر هذا الكوكب، رغم أن هذه "المدن" كانت متواضعة جداً من حيث الحجم ( 1000 – 1500 ساكن). و في ذلك العصر، اقتصر بالطبع معظم بقية العالم على السكن في الكهوف. كانت لتلك المواقع الحضرية معابد متواضعة و أتبعوا بوضوح بالغ خطة للعلاقة المكانية بين المباني مع بعضها البعض و مع محيطها العام. كما عُينت مواقعها ستراتيجياً في المنظر الطبيعي(landscape) و ذلك بغية الانتفاع منها أقصى انتفاع في التجارة و الزراعة و الدفاع.

ان السخاء الطبيعي للأرض و سهولة الدفاع عن المنظر الطبيعي الجبلي جعلا من توسيع البيروقراطيات (النظام الديواني الاداري أو نظام حكم المكاتب –المترجم-) الناشئة و الجيوش غير ضروري حيث ابقوا على الحكومات المحلية صغيرة و من سلطتها القانونية(أو مداها –المترجم-) محدودة. و على العكس من ذلك، ففي السهول الغرينية المجاورة لميزوبوتاميا، جعلت الحاجة الى الادارة المستمرة للموارد القليلة (عن طريق أعمال الري و السيطرة على الفيضانات) و الدفاع عن المنظر الطبيعي المكشوف (المعرض للخطر –المترجم-) جعلا وجود قسط كبير من التنظيم البيروقراطي و قوة عسكرية قائمة، شيئاً ضرورياً. و نمت المدن مع نمو الحكومات. كانت مدن ميزوبوتاميا الأقدم، أي مدن السومريين و الأكديين، كمدن أريدو و نيبور و أور و اوروك، كانت في المعدل عشرة اضعاف مدن كردستان من حيث كثافة السكان اذ كان لديهم حوالي 10000 – 15000 ساكن و أنظمة دفاع هائلة و مَهيبة (formidable).

و صلت الحضارة في كردستان اوجها في الازدهار أثناء الفترة التي تسمى بفترة هَلَف (Halaf) الثقافية، حوالي 6000 – 5000 عام لما قبل الميلاد. و تمت تسمية الفترة باسم رابية هَلَف القديمة في كردستان الغربية، الواقعة غرب ماردين (الخارطة 12). تميزت ثقافة (culture) هَلَف بانتشار وحدات سكنية دائرية متماثلة و مبنية بناءً جيداً و انتاج فخاريات مصنوعة بمهارة و مصبوغة باتقان و تأنق. يبدأ تاريخ اولى الأدلة الراسخة للتجنسة (homogenization) الثقافية لقاطني كردستان من فترة هَلَف و التي تتألف من تواحُد أو تطابق (uniformity) التعبير الفني و الثقافة المادية التي توجد في أطراف كردستان المختلفة(Roaf, 1990, 51). هذه الوحدة أو التواحد في طراز البناء و فنون الزخرفة على درجة من القوة بحيث حدت بكثير من علماء الآثار الى الإيحاء بوجود وحدة أثنية بين الناس الذين قاموا بتطبيقها (Von Oppenheim 1931). على نحو مثير للدهشة، ما زال كثير من العناصر الزخرفية لثقافة هَلَف باقية حتى الآن في الفن الكردي المعاصر (Mellaart 1975) (أنظر التصاميم الزخرفية و الموتيفات(2)).

بحلول ختام فترة هلف، كان مستوى حضارة بلاد ميزوبوتاميا المنخفضة و تطورها التقني قد وصلا الى حد يجاريان فيه تلك العائدة لبلاد كردستان المرتفعة. و كانت قد تفوقت بوضوح على كردستان بحلول بداية ما يسمى بالحقبة التأريخية (Historical Era) ، حوالي 4000 عام لما قبل الميلاد، و تدشين فترة الثقافة الخورية Hurrian في كردستان. تزامنت هذه الحقبة الجديدة مع ظهور واسع النطاق للكتابة و توسع للحكومة و اضفاء الصفة المؤسساتية (institutionalization) على الدين (أي جعله مؤسسة –المترجم-) و التفجر الحضري و ما يُشاع تسميته بـ "الحضارة المتعلمة" (أي غير أمّية تعلم القراءة و الكتابة –المترجم-) تنتقل من "ما قبل التأريخ" الى "الحقبة التأريخية".

تكنولوجيا الزراعة
و انتشار اللغة الهندو-اوروبية
تعرض الآن بضع نظريات جديدة، يناصرها كولن رينفرو (1988)، بأن تكنولوجيا جديدة الا وهي الزراعة، كانت القوة المحركة وراء الانتشار الأصلي للغات الهندو-اوروبية. تجزم هذه النظريات بأن متحدثي اللغة الهندو-اوروبية الأصلية (الهندو-اوروبية الأم –المترجم-)، لغة أورسثراش"Ursprache" الوهمية، وسّعوا من مملكتهم من خلال انتشارهم الى اوروبا خفيفة السكان و غير الزراعية و من ثم الى السهوب (جمع كلمة السهب التي تعني سهلاً واسعاً معشوشباً خالياً من الأشجار –المترجم-) الأوراسية من أناضول الزراعية الكثيفة السكان. و بذلك انهم يضعون الموطن الأصلي لأسرة اللغات الهندو-اوروبية في منطقة تتمحور حول جتل هويوك (Chatal Huyuk) جنوب أناضول المركزية. يعود تأريخ الزراعة في جتل هويوك كما أقر بذلك رينفرو و تم عرضه أصلاً من قبل منقب تلك المنطقة جيمس ميلارت (1975)، الى الألفية السابعة لما قبل الميلاد فقط، أي بعد أكثر من 2000 عام من أظهار مواقع أثرية عديدة تم اثباتها في كردستان المجاورة (مثل جايونو قرب دياربكر) اظهارها وجود مجتمعات زراعية متطورة مع تقنيات فرعية متقدمة. و انتشرت تكنولوجيا الزراعة من كردستان باتجاه غرب أناضول بعد حوالي 3000 سنة من ابتكارها هناك. و التحق كاتبان سوفيتيان و هما؛ ت. كمكريلدز (T. Gamkrelidze) و ف. ايفانوف (V. Ivanov)(1990) بالمجموعة التي تربط أصل و انتشار اللغات الهندو-اوروبية بابتكار الزراعة. الا أن هذين الكاتبين يضعان الموطن الأصلي في الجناح الشرقي لكردستان و جنوب القفقاس. و على نحو يدعو الى الحيرة، أن كليهما يتجاهلان الحقيقة الموثقة جيداً التي مفادها ان الزراعة كانت موجودة بكامل القوة في مناطق متعددة داخل كردستان بفترة طويلة قبل وجودها في المناطق المحيطة (أي البعيدة عن المركز –المترجم-) في القفقاس و جتل هويوك.

رغم وجود جدال شديد حول هذه النظريات الا انها و عن غير قصد ترفع من شأن أناضول الشرقية، أي "كردستان" أقدم موطن للزراعة، ترفعها الى مرتبة الموطن الأم لأسرة اللغات البالغة الأهمية هذه. أَتفق تماماً مع مالوري (1989) في رفضه هذا النموذج الذي كان سيكون لافتاً لو كان بخلاف ذلك، لأنه يخلف وراءه أسئلة عديدة أكثر بكثير مما يحاول معالجتها. أضف الى ذلك، تجعل مناهج البحث الخاطئة، مقرونة بعدد من تباينات جغرافية و تأريخية مهمة، تجعل من هذه النظريات عرضة للشك في أحسن الأحوال.

التأريخ القديم: 3000 – 400 لما قبل الميلاد
تتسم هذه الفترة بكون ثقافات ميزوبوتاميا المجاورة القت بظلالها على كردستان من الناحية التكنولوجية و التجارية المتصاعدة. كما آذنت هذه الفترة بصراع على السلطة بين القوات العسكرية للجبال (كردستان) و بين القوات العسكرية لسهول الهلال الخصيب (ميزوبوتاميا و سوريا) للسيطرة السياسية و الاقتصادية على هذه الأرجاء الأكثر حضارة و غنى بين أرجاء هذا الكوكب. تتواصل التقدمات و التراجعات المتعاقبة من قبل الطرفين في صراعهما للتفوق، ليومنا هذا. كما تتسم الفترة القديمة بمجيء الآريين و بدء تحول كردستان الى مجتمع متحدث باللغة الهندو-اوروبية و التي تأوجت في الفترة الكلاسيكية.

لم يتم حل شفرة (أي لم تتم قراءة –المترجم-) و ترجمة مضمون الألواح المكتوبة المكتشفة بالتنقيب حتى الآن في كردستان و التي تم تصنيفها و تسميتها تجريبا بـ"العيلامية الأم". لذلك تظل هذه المصادر الأولية لتأريخ الكرد القديم غير قابلة للتوصل اليها في هذا الوقت. و بالنتيجة، تحب اعادة بناء تأريخ هذه الفترة باستخدام سجلات الحضارات المجاورة قدر اشارة هذه السجلات الى قاطني الجبال الكردية. يمكن ربط اشارات عدة كهذه الآن فقط باسماء عشائر و مناطق كردية حديثة معينة و ما شابه. الا ان الأسم قوتيل (Qutil) يمكن أن يقدم الينا اقدم صيغة للمصطلح الأثني كورد (Kurd) (أنظر الهوية القومية).

بين مملكات و مدن-دولة (City-States) مستقلة عديدة في كردستان قبل وصول الميديين الموحِّدين الى الواجهة (حوالي 1100 لما قبل الميلاد) كانت مملكات كومموخو (Kummuhu) و ميليدي (Melidi) و كوركوم (Gurgum) و اونكي أو اونقي (Ungi, Unqi) و كومانو (Kamanu) و كاشكو (Kasku) و نائيري (Nairi) و شوبريا (Shupria) اوركيش (Urkish) و موشكو (Mushku) و اورارتو (Urartu) و نمار (Namar) و سوبارو (Saubaru) و كورتي او قورتي (Qurtie) و ماردو (Mardu) و لوللوبي(Lullubi) و كاردو (Kardu) و زاموا (Zamua) و ايلليبي (Ellipi) و الأكثر أهمية منها مملكة ماننا (Manna) و قوتيل (Qutil). و تعرف تلك المملكات و مدن-الدولة في وقتنا الحاضر بشكل رئيس من خلال أسمائها الميزوبوتامية، حيث تنتظر أسماؤها الأصلية أن يتم أكتشافها. و من جهة أخرى خلف بعضها آثارها في أسماء لمناطق أو لعشائر كردية حديثة. و أسم موشكو (Mushku) باق اليوم في مدينة و منطقة موش (موس) في شمال غربي كردستان. قبل غزوهم من قبل الملك الآشوري تيغلاث فلايسر الأول (1114 – 1076 لما قبل الميلاد) كان بمقدور هذه المملكة أنزال 20000 عشرين الف جندي الى الميدان و يعتقد الآن بأنها تسببت في السقوط النهائي للحثيين في أناضول (Roaf 1990). و تم الاحتفاظ بأسم ماردو في الميثولوجيا الكردية كشخصية مارد الأنثربوموفية(3) و هو أحد الأجداد الأعلى للأمة. كما هو باق أيضا في أسم "مدينة" ماردين غربي كردستان. و قد أعطى الميليديون (أي أهل مملكة ميليدي المذكورة آنفا –المترجم-) أسمهم الى مدينة ملاطية التي تقع ايضا في كردستان الغربية، بينما تم الاحتفاظ بأسم اللولوبيين (أهل مملكة لوللوبي المذكورة آنفا –المترجم-) في الأسم الأثني للور "Lurs" (خارطة 13).

و في أواخر الألفية الثالثة لما قبل الميلاد نجح أهل مملكة قوتيل في التوحيد السياسي لكثير من مدن=الدولة التابعة لهم و قاموا بالنتيجة بغزو طامح خارج كردستان (الخارطة 14). و اسسوا سلالة حاكمة جديدة في بلاد سومر و أكد التي دامت من 2250 الى 2120 لما قبل الميلاد. تعد غزوات القوتيليين لأراضي سومر و أكد المنخفضة الغزوات الوحيدة التي توجد سجلات تأريخية بشأنها، و لكن قد لا تكون الغزوات الوحيدة التي تم انجازها.

يكتب الملك الأكدي نَرام سين (2291 - 2255) حول القوتيليين " … وسط الجبال نشأوا، أصبحوا يتسمون بطاقات و صفات رجولية، , اكتسبوا أعتباراً و مكانة…." و بعد خمس سنوات من وفاة نرام سين، فتح أهل الجبل هؤلاء انفسهم مملكته. يذكر السومريون في الأقل أحدى هذه العشائر المحاربة للقوتيليين الذين ما زالوا معنا ليومنا هذا. و هؤلاء هم الزيباريون الذين سموهم السومريون بسوبيرو أو سوبارو(Subiru or Saubaru). الزيباريون ما زالوا يعيشون في نفس الموقع العام الذي أشارت أليه كتابات سومرية يبلغ عمرها أربعة آلاف عام - شمال مدينة أربيل العراقية في كردستان المركزية. و تحتفظ اللوحات السومرية أيضا بأسم ملك قوتيلي أسمه تيريكن(Tirigan). و تيريكن هو أيضا أسم لعشيرة كردية مهمة في الفترة الكلاسيكية المتأخرة الا وهي تيريكان (Tirikan) الذين ما زالوا يعيشون شمال الزيباريين. ربما تكون هذه العشيرة قد أعطت أسمها لحاكم آخر من اصل كردي و هو تيكران (Tigran)؛ ملك الأرمنيين (القرن الثاني لما قبل الميلاد) (أنظر العشائر و التأريخ الكلاسيكي).

أتت المآثر الفعالة للقوتيليين في أوج فترة تجنسة للمجتمع الكردي نتيجة لعلميات الهجرة التي قام بها الخوريون. كان الخوريون يتحدثون لغة، او مجموعة لغات، من أصل شمال شرقي قفقاس و ذات صلة قرابة باللغة الجورجية و الشيشانية و الآفارية الحديثة(Diakonov and Starostin). انتشر الخوريون ليعموا كردستان قاطبة و ليحدثوا تغييرا ثقافيا و ربما لغويا على كل شعوب زاكروس القديم، موحدين اياهم ضمن هوية جديدة (أنظر الهجرات التأريخية) (ويلهيلم 1989). المصطلح الأصلي الوحيد الباقي الذي يخص تلك الفترات القديمة هو مصطلح يتعلق بفن الحكم. انها الكلمة القوتيلية أيَنزي أو يانزي (ianzi or yanzi) و التي تعني "شخص حاكم" لتلك الدول-مدينة في زاكروس. و مازال أثر أكثر اهمية بكثير لما تبدو أنها ثقافة ليبرالية سياسية لتلك الدول (دول-مدينة -المترجم) القديمة في كردستان مازالت باقية لحد الآن. نفهم بشكل غير مباشر من اللوحات الآشورية بأن على الأقل حاكم دولة الماننائيين في كردستان الشرقية (حيث يحتمل أن تكون عاصمتها واقعة في موقع حَسنلو (Hasanlu) الأثري) شغل منصباً أكثر ديمقراطية بكثير، و ذلك على النقيض من التقليد السياسي الاستبدادي المعاصر لسكان اراضي ميزوبوتاميا المنخفضة. ساهم المواطنون اسهاما فعّالا في الحياة العامة. و يكتب أ. م. دياكونوف و هو شخص ذو معرفة يمكن الاعتماد عليها عن تاريخ الدولة الميدية و دول اخرى في زاكروس"يبدو ان الملك الماننائي لم يحكم كحاكم مطلق، بل حكم بسلطة يحددها مجلس للمسنين". و في طلب دبلوماسي الى الملك الآشوري، لا يوجه الملك الماننائي كلامه بشكل شخصي، بل يوجهه مع "وجهاء و مسني قومه و أعضاء مجالس بلده" (دياكونوف، 1983، 73). يمكن ايجاد التقليد التعددي الماننائي و الثقافة الليبرالية السياسية بالنسبة الى غيرها، من وقت الى آخر بين الأُسر الحاكمة المهمة التي تجد جذورها في كردستان، من الماننائيين (Mannaeans) الى الحذيابيين (Adiabenes) الى الأيوبيين و الى الزند و هلم جرا.

بحلول 653 لما قبل الميلاد، كان البابليون قد وسّعوا من مصطلح قوتيل، و ذلك من خلال الحكم على لوحاتهم الباقية حتى الآن، ليشير الى كل الجبال الكردية و قاطنيها من ضمنهم الميديون، الذين بحلول ذلك العهد وسعوا من نفوذهم بثبات الى سواحل بحيرة فان في كردستان الشمالية. و لكنهم حافظوا أيضا على مؤشر موازٍ، و أحدث عهداً، للكرد و الذي كان قاردو أو قاردوك (Qardu, Qarduk)، و اللذان ربما نشآ من نفس المصطلح القديم؛ قوتيل. قد تكون للعنصر قارد (Qard) في الأسم صلة ما بالكلمة الأكدية السامية (qard) و الكلمة الفارسية الهندو-اوروبية (gurd)، و اللذان يعنيان بطلاً أو محارباً.

تظهر الكلمة قاردو او كاردو (Qardu او Kardu) بأشكال مختلفة في التلمود أيضا. في الحقيقة، أن العهد القديم و التلمود مصادر قديمة جيدة عن الكرد. فعلى سبيل المثال، فان في التلمود ما يلي: "ابان عودته الى بلاد الآشور، وجد سنحاريب لوحا خشبياً و الذي قام سنحاريب بعبادته كصنم، لأنه كان جزءاً من سفينة نوح التي كانت قد انقذت نوح من الطوفان. و نذر على نفسه التضحية بأبنائه من أجل هذا الصنم اذا ما أفلح في مغامراته القادمة. و لكن سمع ابناؤه نذره فقاموا بقتل أبيهم و هربوا الى كاردو (Kardu)." كما جاء في التلمود أيضا: "ان ابن هامان برشدنثا(Parshandatha)، و الذي كان حاكما لكاردونيا "Kardunya"، حيث رسى سفينة نوح". أو " تم حبس أبانا أبراهيم لمدة عشر سنوات، ثلاث في كوثا (Kutha) و سبع في كاردو(Kardu)." و أخيراً، "قد يتم قبول المرتدين (أو المهتدين الى دين جديد –المترجم-) بين الكاردوئيين." (قد يجد حقا مجتمع يهود الكرد، الواسع جدا حتى الآونة الأخيرة، جذورهم في هذه الروايات).

و جعلت الجاذبية المادية لمملكات زاكروس ان يكونوا مرارا أهدافا لحملات و أعمال السلب و النهب من قبل دول ميزوبوتاميا المختلفة. و تبلغنا اللوحات الأكدية الحديثة العهد و التي يعود تأريخها الى حوالي 1400 لما قبل الميلاد (قارن مع أرشيفات أمارنا في مصر) عن مملكة كورتي او قورتي(Qortie او Kortie) الجبلية التي تمتد من شمال ميزوبوتاميا كل المسافة حتى شواطئ بحيرة وان، تبلغنا هذه اللوحات بأنها كانت واحدة من المناطق التي تم غزوها من قبل حكامهم الكاشيين. و بعد ثلاثة قرون، و ابان فترة حكم الملك تيغلاث فلايسر الأول (حوال 1114 – 1076 لما قبل الميلاد)، تبلغنا المصادر الآشورية أيضا بأن الكورتيين كانوا يسكنون الجبال الشمالية المجاورة و التي تم غزوها من قبله. و تدرج آخر الالواح البابلية قبل سقوط مدينتها الأسطورية (في أوائل القرن السادس قبل الميلاد) الكارداكا (Kardaka) من افراد الحرس الملكي.

و شملت الأعمال العدائية بين دول اراضي الكردية المرتفعة و بين اراضي ميزوبوتاميا المنخفضة طوال تلك الفترة، شملت على غزوات عسكرية مستديمة، اعمال السلب و النهب و التخريب و عمليات جمع العبيد التي كانت فيها لميزوبوتاميا اليد العليا ملحقين أضرارا جسيمة على نطاق واسع باقتصاد و حضارة كردستان. بعد تدمير كثير من مدنها و أخذ أعداد هائلة من الأسرى و العبيد من أرضها و تمزيق أقتصادها على هذا النحو، نضجت كردستان لتصبح ثمرة سهلة تُستهدف من قبل الآريين الغازيين، و على وجه الخصوص الميديين و السيث(Scythians). غمرت كردستان موجات متلاحقة من أناس متحدثين بالهندو-اوروبية كالميديين لأكثر من 2000 عام و التي انتهت فقط في القرن الثالث للميلاد، غمرتها بأعداد كبيرة بحيث حلت صيغة هندو-اوروبية قديمة للغة الكردية محل اللغات المحلية المهجورة الاستعمال. لم ينحسر التحول اللغوي حتى قبل بداية العهد المسيحي بفترة وجيزة. و يعد ظهور مصطلحات ايرانية هندو-اوروبية متعلقة بأسماء اماكن في أرجاء كردستان النائية حوالي القرن الثالث لما قبل الميلاد، كأسم نهر أراسان (Arasan) في السجلات التأريخية الأرمينية القديمة لنهر مورات (Murat) في شمال غرب كردستان، و رواية بطليموس حول هراز (Haraz) لأركسس (Araxes) الحديثة في اقصى الشمال و آراس (Araz) لنهر خابور في غرب كردستان المركزية و الأورنتوس (هَرَفَنت) (Orontes “Haravant”) لنهر عاصي (Asi) في أقاصي جنوب كردستان الغربية، يعد كل ذلك علامة على اتمام هذه العملية.

لُمست الهجرة البدوية الآرية في زاكروس و المناطق المجاورة بأقصى قوتها ما بين 1200-900 لما قبل الميلاد، حيث أودى الدمار الطبيعي و التفكك المادي و الاجتماعي و التجاري أودى بكردستان و بقية جنوب غرب آسيا فيما بعد الى كساد اجتماعي و اقتصادي (Roaf 1990). و هُجرت مراكز ثقافية عدة و اماكن تجارية طافحة بالحركة. قهرت القوة العددية و الحربية للمستوطنين الآريين هؤلاء المكونات الثقافية و الأثنية القديمة لكردستان، و كذلك لبقية هضبات ايران و اناضول (أنظر الهجرات التأريخية). و كان الكرد قد تأرينوا (أصبحوا آريين –المترجم-) في نهاية هذه الحقبة، حوالي 900 لما قبل الميلاد.

وسّع المستوطنون الآريون و الكرد المؤرينون من سلطتهم و مناطق حكمهم في القرن السابع لما قبل الميلاد لتشمل معظم أرجاء الشرق الأوسط، تحت حكم الميديين. و سبقت التوسع المكتمل للدولة الميدية (التي أُسست حوالي عام 727 لما قبل الميلاد) تأسيس أُسر ملكية أخرى أصغر حجما و متحدثة باللغة الهندو-اوروبية في و حول كردستان. و يعد الميتانيون (في كردستان الغربية) و الحثيون (شمال كردستان الغربية و أناضول المركزية) النماذج الأكثر شهرة.

كان ديوكيس أو دياكو (Deioces, Diyaoku)، اول حاكم ميدي منتخب معروف (حوالي 727 – 675 لما قبل الميلاد) (أذ كان الميديون ينتخبون رئيس دولتهم، كما شهد هيرودتس بصحة ذلك؛ 1، 97-. باشر هذا الحاكم ببرنامج لتوحيد جميع سكان كردستان ضد الهجمات الضارية المتواصلة لقوات لا تقهر للامبراطورية الآشورية الحديثة (745 – 606 لما قبل الميلاد). و هذا حمل الآشوريين المفزَعين على تحديه و تدميره في آخر الأمر. و حذا خلفه فراورتيش (Phraortes) أو كَشتَريتو/خشاثريتا (Khshathrita) (حوالي 674-653 لما قبل الميلاد) حذو ديوكيس و لاقى نفس المصير على يد الآشوريين. و جاء بعد ذلك كي-اخسار الكبير(Cyaxares) او هوفاخشاثريتا (Huvvakhshathrita) (حوالي 624-585 لما قبل الميلاد) و الذي افلح أخيرا في طرد الآشوريين و ابادتهم في النهاية من خلال احتلال عاصمتهم نينوى في 612 لما قبل الميلاد. و يحتفي (أو يمجد –المترجم-) العهد القديم هذه الواقعة عن طريق التنبؤات المريعة للنبي اليهودي ناحوم بالدمار الوشيك الذي سيحل بـ "نينوى الشريرة".

تم عكس هيمنة ميزوبوتاميا التي دامت لأكثر من 1500 عام على الأراضي الكردية المرتفعة (منذ سقوط القوتيليين) و تبقى كذلك الى ان يعكسها الغزو الاسلامي مرة أخرى في القرن السابع الميلادي. و العنصر الهام في نجاح هذه الواقعة التي اسفرت عن الإتيان بعهد جديد، كان استخدام الميديين البارع لميليشيات أو محاربي عصابات من الشعب. و تسمى تلك الميليشيات او محاربي العصابات بـ "كارة" (Kara) في الكتابات المنقوشة في بيستون في كردستان الجنوبية (دياكونوف 1985، 115). و يعد ذلك أقدم سجل تأريخي على هذا النوع من الحرب، حيث اصبح منذ ذلك الوقت الشكل المفضل للدفاع عن كردستان الى يومنا هذا، على شكل بيشمركه الكردية (Peshmarga) أو "محاربي كريلا"(guerrilla warriors) كردية.

وسّع كي-أخسار من حدود امبراطوريته لتشمل جميع مناطق كردستان حتى ضفاف نهر هاليس (Halys) (كيزيلرماق الحديثة) قرب أنقرة و الى ما وراء كردستان بعيدا باتجاه الشرق (خارطة 15).

و خسر آخر حاكم ميدي، رشتي-فيكا آزي دهاك "Rshti-vega Azhi Dahak" (آستياك المذكور في كتاب هيرودوتس) امبراطوريته لحفيده الذي كان فارسيا من احد الوالدين، الا و هو كورش الكبير، مؤسس الامبراطورية الأخمينية الفارسية.

ابان فترة حكم آزي دهاك (Azhi Dahak) كان للديانة الأصلية الكردية عبادة الملائكة (Cult of Angels) تأثير قوي على الزرادشتية الناشئة مدخلا المنصب الكهنوتي المعروف بـ "ماكي" (Magi) الى تلك الديانة. حاولت الملوك الأخمينيون الزرادشتيون الذين تلوا الميديين عكس هذا النفوذ، الا أنهم حققوا القليل في اعادة تنصيب الزرادشتية الأصلية كما هي مبينة في الكاثا (Gathas)، الذي يعد أقدم و أنقى جزء من الكتاب الزرادشتي المقدس افيستا (Avesta). ربما كان في تلك الفترة حين اضيف سمة شيطانية على اللقب الملكي التشريفي آزي دهاك (Azhi Dahak) من قبل الزرادشتيين و هكذا ترسخت في ذلك الدين و الميثولوجيا القومية و أدب الملحمة الايرانيين. ما زال آزي دهاك يُبجل كسلطان سحاك (Sultan Sahak)، و هي صيغة أكثر تحريفا للاسم الأصلي، من قبل أنصار الدين اليارساني الكردي (أنظر عبادة الملائكة).

مع الجماعات الآرية الأخرى، اندمج الميديون و الشعب الكردي الموجود مسبقا اندماجا تاما، الأمر الذي حول المجتمع و الثقافة الكردييَن من جماعة قفقاسية قديمة مشابهة للجورجيين المعاصرين الى مجتمع و ثقافة واحدة ذات انتماء هندو-اوروبي، ايراني (Iranic) استمرت ليومنا هذا.

يبقى التراث الميدي في كردستان تراثا جوهريا حقا كما هو بيّن في الصيغة المعاصرة للغة الكرد و في أسماء الأماكن التي يوجد فيها عنصر ما (mâh) او (mai)، أي الميدي. و التراث السيثي-الآلاني يأتي في المرتبة الثانية من حيث القرابة من تراث الميديين، من ناحية التأثير. يعيد هذا التراث الى الذاكرة أسماء اماكن من قبيل بلدة سقز (Saqqez) و اسماء العشائر من قبيل قبائل الآلان (Alans) في بيرانشهر في كردستان المركزية، كما تعيده الى الذاكرة أسرة أردلان ("الآلان الكبيرة") الأميرية و حتى اسم البطل الميثولوجي الكردي في ملحمة مَم و زين (أي مَمي آلان، "مَمُ آلان").

التأريخ الكلاسي: القرن الخامس لما قبل الميلاد – القرن السادس للميلاد
تتميز هذه الفترة من التأريخ الكردي بتجنسة (homogenization) و توحيد الهوية القومية الكردية الحديثة. و ترسخ الاسم الأثني الدال (كرد) "Kurd" أخيراً و تمت تسمية جميع أجزاء الأمة بهذا الاسم. بعد أكثر من ألفية على المستوطنات البدوية الآرية و بعد أحيائها نتيجة لبث العنصر الأثني الآري فيها، برزت مرة أخرى مملكات كردية مستقلة و مفعمة بالحيوية الى السطح و ذلك بعد ثلاثة قرون من الانكساف تحت حكم الأخمينيين و السلوقيين. وصل هذا الانبعاث ذروته في القرن الأول لما قبل الميلاد حين امتدت الهيمنة السياسية الكردية من بلاد اليونان و أوكرانيا الى مضيق هرمز. قبيل نهاية هذه الفترة تحولت السلطة (او النفوذ –المترجم-) الكردية على جنوب غربي آسيا من السياسة الى الدين و الديموغرافيا، و التي امتدت لتصل الى الحقبة القروسطية.

بحلول العهد الكلاسي، صادف الجنرال و المؤرخ الأغريقي زينوفون شخصيا الكرد بينما كان يقود جيشا اغريقيا قويا قوامه 10000 جندي، و قرر أن يقطع طريقه عبر كردستان في 401 لما قبل الميلاد. يسمي زينوفون السكان المحليين كردوخوي (Karduchoi) مضيفا انهم رغم عيشهم في قلب المنطقة الجغرافية للامبراطورية الأخمينية الفارسية "أنهم مستقلون تمام الاستقلال و لا يدفعون الجزية لملوك الفرس" (آناباسيس "المرور عبر كردستان"). و يضيف مؤرخ يوناني آخر بفترة قصيرة بعد ذلك بأن الكرد "في معاقلهم الجبلية، كانوا يشكلون مشكلة أكثر من كونهم أهلا للجيوش و الأمبراطوريات الأجنبية" و بأنه "كان يكفي منعهم بالقوة أو بالموافقة من اثارة المشاكل في السهل".

و بعيد ملاحظة زينوفون، يكتب الجغرافي و المؤرخ سترابو في القرن الثالث لما قبل الميلاد "أن كورتيوي اقليم فارس (Kurtioi of Persis) (أي جنوب غرب ايران) و مارديوا "Mards" (شمال كردستان المركزية في تركيا المعاصرة) أرمينيا الذين يسمون أنفسهم بنفس الأسم، لهم السجية نفسها (أنظر الهجرات التاريخية). من خلال روايات أخرى لسترابو، نعلم بأن الكرد الذين يُسمّون كورت (Kurt) حسب تسميتهم الكلاسيكية المتأخرة، يوجدون الآن في مناطق أناضول و أرمينيا و شمال سوريا و العراق و في امتدادات واسعة من الأراضي في غرب و جنوب غرب ايران. و يستشهد ايضا المؤرخ بوليبس في عام 220 لما قبل الميلاد بالكرد، الذين يطلق هو عليهم تسمية كورتي (Kurti) يستشهد بهم كقاطني أو سكان ميديا (Media) و شرق أناضول (حيث أنهم مازالوا هناك اليوم). و يعد بالإجماع المصطلح كورت (Kurt) (و المكتوب في النصوص اللاتينية كيرتي "Cyrtii") سلفا مباشرا للمصطلح المعاصر "كورد" (Kurd). و المصادر الفارسية الوسطى (Middle Persian sources) العائدة لفترة ما قبل الاسلام تسمي الكرد بـ "كورت"(Kurt) ايضا. و في الحقيقة، المصطلح المستخدم لتسمية الكرد في اللغة التركية الحديثة هو نفس المصطلح في المصادر الفارسية الوسطى، و أن كان يُنطق (U) بتدوير الشفتين أي (Kürt) ( أي كيُرت –المترجم-).

رغم ترسخ المصطلح كورت (Kurt) كمؤشر شائع دال على الكرد، تواصلت التباينات بثبات حتى الحقبة الحديثة. و على سبيل المثال، يكتب المؤرخ الروماني بليني (Pliny) عن هذه العملية الانتقالية في بداية القرن الأول لما قبل الميلاد: "الشعب الذي انضم الى حذياب (Adiabene) (كردستان المركزية في شمال العراق) شعب سُمي فيما مضى بكاردوخي (Karduchi) و الآن يسمى بكوردويني (Cordueni)، و الذين يتدفق نهر دجلة بمحاذاتهم" (Natural History VI.xviii.44).

تقريبا، يتميز القرن الرابع لما قبل الميلاد و سقوط الأخمينيين على يد الأسكندر الكبير نهاية تأريخ الكرد القديم و بدء الفترة الكلاسيكية. كانت الامبراطورية السلوقية الآيلة الى الزوال التي اسسها احد جنرالات الأسكندر الكبير بعد مماته في 332 لما قبل الميلاد، على الأراضي الآسيوية التي استولى عليها، كانت بحلول نهاية القرن الثالث لما قبل الميلاد تفقد المناطق الشرقية الخاضعة لسيطرتها، باستمرار و ثبات، الى نجم فرثيا الصاعد. كان الفرثيون، و هم شعب أيراني (Iranic) كالكرد، مشابهين للكرد من أوجه عديدة و يختلفون عن الشعوب الايرانية الاخرى، كالفرس، و بالأخص في ليونة (أو تراخي –المترجم-) حكمهم السياسي. و معظم الكرد اما تحالفوا مع الاتحاد الفرثي (Parthian Federation) الآخذ في الاتساع، اما استولى عليهم هذا الاتحاد أبان توسعه الذي بدأ في القرن الثالث لما قبل الميلاد. و انتهى ثلثي الشرقيين لكردستان بكونها وقعت ضمن أقاليم هذا الاتحاد. في القرون الأربعة للحقبة الفرثية (247 لما قبل الميلاد الى 226 للميلاد) كانت المملكات و الأمارات الكردية؛ كوردين/كوردويني (Gordyene/Cordueni) أي (بتليس و سيرت الحديثة)، حذياب (اربيل الحديثة) و ماده (ميديا) و ايلمايس (عيلام) (Elymais) (لورستان الحديثة)، كيرم (كرمانشاه الحديثة)، موكريان (مهاباد الحديثة)، شهرزور (السليمانية الحديثة)، بارجان (Barchan) (بارزان الحديثة) و سَنَك (سهنة و كنكاور الحديثة)، كانوا أعضاء شبه مستقلين أو مستقلين تماما في الاتحاد الفرثي لحوالي ثلاثة قرون (الخارطة 16).

مملكة حذياب الكردية، حيث كانت عاصمتها في أربيلا (Arbela) (أي اربيل الحديثة) تستحق جل اهتمامنا هنا، و على وجه الخصوص لتأريخه الديني الآسر. بعيد تحولها من الأرستقراطية الى اليهودية في القرن الأول لما قبل الميلاد، حذت أجزاء واسعة من السكان الكرد العام للمملكة نفس الحذو. أبان الغزو الروماني ليهودا و سامرة (67-68 لما قبل الميلاد) كانت حذياب هي الوحيدة التي أرسلت مؤناً و جنوداً لإنقاذهم. و شاركت حذياب أيضا في الدفاع اليائس عن منطقة الجليل (Galilee) (Grayzel 1968.163).

الا ان حذياب، و بحلول القرن الرابع، كانت قد أصبحت مسيحية على نطاق واسع، و تعد سجلات الكنيسة العائدة لتلك الفترة من بين السجلات التاريخية الأكثر قيمة و التي توضح هذه الفترة من تاريخ الكرد (أنظر اليهودية و المسيحية). و مصطلح حذياب الملَيتن (أي موضوع في قالب أو شكل لاتيني –المترجم-) هو تحريف للأسم القبلي الكردي هَدَبان (Hadhaban) أو هَزَوان/هَزاوند (Hazawan/Hazawand). و قد وصلت هذه العشيرة الكثيفة الأفراد الى كردستان المركزية من جنوب زاكروس في القرن الثالث لما قبل الميلاد. كانت بعض بقايا الهدبانيين لم تزل توجد في جنوب زاكروس في الحقبة القروسطية المتاخرة (انظر العشائر). و وطد الهدبانيون سيادتهم السياسية و العسكرية بسرعة في المنطقة و اخذوا من اربيلا (Arbela) القديمة عاصمة لهم، مانحين تسميتهم الاثنية الخاصة بهم للمدينة لفترة من الزمن. و اصبحت اربيلا تعرف بهَزا (Haza) حتى أعاد الفاتح الساساني للمملكة، أردشير الأول، تسميتها على اسمه نوتر ارتخشير (Notar Artkhsher). (و في الفترة الاسلامية، اعيد الأسم الآشوري القديم أرل ايلا (Arl ela) اخيراً كـ"اربيل" (Arbil). و رغم تفوق الفرس الساسانيين عليهم في نهاية الأمر، في القرن الثالث لما بعد الميلاد، نهض الهدبانيون مجددا في القرن الحادي عشر الأمر الذي تمخض عنه السلالة الأيوبية الحاكمة للملك صلاح الدين (أنظر التاريخ القروسطي).

و في حوالي تلك الفترة نفسها حين كانت ثلثي الشرقيين لكردستان تندمج شيئا فشيئا مع فرثيا، كانت ثلاث مملكات كردية غربية (كبدوقية، كوماجينا، و على وجه الخصوص بُنطس) توسع من مناطق حكمها التي كانت مستقلة استقلالا تاما، باتجاه و الى ما وراء بحر ايجا. الا انهم اصطدموا بالجمهورية الرومانية الآخذة في الاتساع و التي اخضعتهم اخيرا. و كلف الأمر ثلاثة قادة و مجالس رومانية متعاقبة؛ ماريوس و لوكولوس و بومبي (Pompey) كي يحصلوا على الإذعان النهائي من تلك الدول الكردية الغربية. امتدت مملكة بنطس في ذروتها على يد ميتريدات الكبير ( ميتريدات السادس، اوباتور، حوالي 121-63 لما قبل الميلاد) الى أن وصلت الى بلاد الإغريق و القفقاس و جنوب اوكرانيا (الخارطة 17).

و تجب ملاحظة ان المصادر الاغريقية-الرومانية القديمة تشير الى ملوك ميتريدات (و الى بضعة ملوك آخرين ذوي أصل كردي في هذه الفترة) تشير اليهم كونهم "فرس". و قاموا بذلك لحقيقتين بسيطتين. اولا استخدموا المصطلح "فارسي Persian" بدون احكام ليعني أي شخص ذي خلفية ثقافية و جينية ايرانية (Iranic). الكرد كانوا و مازالوا ايرانيين (Iranic). بل كانت اللغة الكردية اقرب الى اللغة الفارسية حينئذ مما هي عليها الآن. و في الحقيقة ردّد سترابو حوالي هذه الفترة الكلمات القديمة لهيرودتس حين يجزم قائلا بأنه "يستطيع الميديون و الفرس فهم لغة بعضهم البعض" بصعوبة قليلة، بينما يسمون الكرد (Kurds/Cyrtii) في نفس الوقت، قاطني ميديا(Media) و بلاد الفرس الأصلية(Persis proper). السبب الثاني هو أن الهجرات الكردية الهائلة من جنوب شرقي زاكروس كانت تجلب الكرد من الجنوب من بلاد الفرس الأصلية الى بنطس و مناطق اخرى في أناضول الشرقية و المركزية.

لم يلبث أن التقت حدود الجمهورية الرومانية و تلك العائدة للاتحاد الفرثي على نهر فرات في عام 57 لما قبل الميلاد. و تلا ذلك قرن من الحروب الدامية التي عاثت الخراب في كردستان الغربية و ثبتت نهر الفرات في نهاية الأمر كالحد (border) بين القوتين. و هكذا وقع الثلث الغربي لكردستان تحت سلطة (الحق او سلطة القضاء او إقامة القانون–المترجم-) الرومانية. و ضم الكرد المتأثرين؛ البنطسيين و الكبدوقيين و الكوماجينيين كما ضم الكرد الأقل شهرة، و المهملون غالباً، الا وهم كرد جبال أمانوس على الساحل المتوسطي.

يبدو أنه و منذ عهود قديمة، كانت اراضي امانوس المرتفعة حول انطاكية و بمحاذاة الساحل المتوسطي، موطن الكرد الغربيين. و يعد الأسم الكردي الكلاسيكي الآنف الذكر الأورونتوس "Orontes" (العاصي حديثا) تسمية لأكبر نهر في سوريا و الذي يتدفق عبر أنطاكية، دليلا على وجودهم هناك في عهد الأسكندر الكبير. يظهر التراث الفني لهذه المنطقة، أذا عدنا الى الوراء لغاية فترة هلف، منذ حوالي 8000 عام، تظهر وحدة رائعة في التصميم و الأسلوب مع أجزاء أخرى لكردستان (أنظر التصاميم و الموتيفات الزخرفية). أبان فترة غزو الأسكندر الكبير، كانت جبال أمانوس تحت سيطرة الكرد، حيث تأرينوا بالكامل بحلول تلك الفترة. و حاول ايضا الملوك السلوقيون الهيلينيون، و على وجه الخصوص انطيوخس الثاني، اسكان هؤلاء الكرد في مدينتهم أنطاكية المؤسسة حديثا و ميناء اسكندرونة (حوالي 300 لماقبل الميلاد). و أقامت أخيرا أُسر كردية عدة ذات نفوذ، و على وجه الخصوص اسر فيراس "Veras" (اتحاد براز الحديثBaraz ) الأميرية و اسر بيلكاناي "Belcanae" (اتحاد بيليكان الحديث Belikan)، اقاموا في هذه المراكز التجارية النشطة و الكثيرة الحركة و بنوا علاقات وطيدة مع المدراء (administrators) الرومانيين الجدد للمنطقة. تواصلت هذه العلاقة الكردية-الرومانية حتى بداية القرن الثامن للميلاد و حتى الزوال النهائي لحكم الروماني/البيزنطي في المنطقة. في كلا الحصارين الفارسيين و الذين حصلا في 260 للميلاد تحت حكم شابور الأول و 538 تحت حكم خسرو الأول، شارك كرد جبال أمانوس المحيطة في الدفاع عن افامية (Appamea) و انطاكية؛ حيث كانت أنطاكية ثالث كبريات مدن الأمبراطورية الرومامية/البيزنطية في ذلك الحين.

زود أدراج كردستان الغربية و الشمالية ضمن الأراضي الرومانية فرصة ذهبية للديانة الكردية الأصلية؛ عبادة الملائكة "Cult of Angels"(أنظر الدين) لتستوعب جميع الآلهة الاغريقية-الرومانية القديمة في هيئة الديانة المثراوية(Mithraism). لقد كانت الديانة و لمدة قرون في تواصل مع تلك الأديان على حدودها الغربية. و حملت المثراوية التي توسعت من كردستان الغربية مبادئ تلك الديانة بعيدا حتى بريطانيا. و نجحت المثراوية تقريبا في استيعاب دين الرومانيين القديم. كانت المثراوية، و قبل اعلان المسيحية في القرن الرابع كدين الدولة للامبراطورية، قد أصبحت اكثر الأديان أهمية في الأمبراطورية.

يجب أن نضيف ملاحظة خاصة لحوادث هذه الفترة التأريخية حول التنقل السكاني الكردي الهائل من جنوب شرق زاكروس باتجاه شمال غرب زاكروس و الى سلاسل جبال طوروس و بنطس. كانت كردستان الشمالية و الغربية في أناضول النقاط النهائية لهذه الهجرة الكردية الداخلية، و التي اتت بأعداد غفيرة من الكرد بعيدا من الجنوب من جبال اقليم فارس "Persis"(فارس الحديث). نجحت هذه الهجرة الهائلة في تجنسة الشعب و الثقافة الكرديين في أطراف كردستان المختلفة. و رسخت اللغة البهلوانية (Pahlawani) كاللغة السائدة في كردستان (أنظر اللغة) ، و نشرت ديانة عبادة الملائكة الى جميع ارجاء الأقاليم (أنظر الدين) و وحّد الى حد كبير الادب و الفن القوميين و الروح القومي. بحلول نهاية القرن الثامن للميلاد، تجلت هذه التجنسة في السيطرة السياسية الكردية المتجددة على المنطقة، و التي غابت منذ سقوط الميديين. و وردت تفاصيل هذا و غيرها من التنقلات السكانية للكرد تحت المدخل المعنون بالهجرات التأريخية.

بحلول حوالي القرن الثالث لما قبل الميلاد كانت كوماجينا و كبدوقية و بنطس الى اقاصي الشمال الغربي قد استوعبت اعداداً كبيرة من القبائل الكردية المهاجرة. و حصل الملك الكردي البنطسي ميثريدات، في تحالف واحد فقط ضد الرومانيين، حصل على ولاء 14 قبيلة من تلك القبائل. و أصبحت القوات القبلية طلائع جيشه النظامي، و التي كانت تشن غارات على الأراضي الرومانية الأمامية و ذلك قبل قيام القوات البنطسية النظامية بالتقدم الى الأمام. شنت هذه القوات القبلية غير النظامية، مع عدة فرق محمولة بحرا من كليكيا، غارات على المدن الواقعة على الساحل الآيوني، قبل العبور الى اوروبا. يكتب بلوتارج، و هو يدعوهم لصوصاً و قراصنة،"انهم قدموا قرابين غريبة علىجبل اوليمبس (Olympus)، و أجروا طقوساً سرية أو اسراراً دينية (mysteries) معينة، من بينها تلك المتعلقة بالإله ميثرا" (أنظر عبادة الملائكة).

بالاضافة الى مناطق شمال غرب كردستان، شهدت أرمينيا و جنوب جورجيا و اران(Aran) ايضا أسكان ثابت و مستمر من قبل عدد كبير من القبائل الكردية. و لعب هؤلاء المهاجرون دورا حاسما في تاريخ تلك الأقوام في الحقبة الكلاسيكية و القروسطية. و يقدم المؤرخ الأرميني القروسطي المبكر، موسى الخوريني و الذي عاش بين (490 و 760 للميلاد)، يقدم وصفا مثيرا للاهتمام للتاريخ المبكر، و الأسطوري بعض الشيء، للأرمينيين حيث يربط ربطا قويا بين أسرة الملك الميدي آزي دهاك و الملوك و الأسر الأرمينية الأرستوقراطية الأوائل. يكتب موسى بأن أسلاف الملك الأرميني تيكران (Tigran) كانوا على صلة قرابة بآزي دهاك، و لكنهم فروا أخيرا من مملكته بسبب جوره (History, 114-139).

و يضع الشاعر الفارسي فردوسي في ملحمة شاهنامة، موطن آزي دهاك في المنطقة الواقعة في كردستان الجنوبية و جنوب كردستان المركزية، قرب همدان حيث هناك في الواقع حكم آزي دهاك. و هكذا يمكن تفسير رواية موسى على انها تضع موطن اسلاف تيكران (Tigran) في نفس المنطقة العامة في كردستان الجنوبية.

في اعادة تنظيم المملكة الأرمينية تحت حكم الملك فَلَرشَك (Valarshak) يبلغنا موسى بجلاء كان المنصب الثاني في الدولة من نصيب "ذرية آزي دهاك" على شكل الأسرة الموراتسية (Muratsean) الأرستقراطية. و ملك أرميني آخر ذُكر هو ايروَند (Eruand) و الذي يحارب الملك الفرثي أرتش "Artashes" (حوالي القرن الثاني للميلاد). يلتمس ايروند دعم موراتسين، الأرستقراطية الميدية-الأرمينية، و يحصل عليه لكن الحق به الهزيمة، و يقول موسى بأنه تقهقر الى موطنه الأصلي "ايروَندَفَن" (Eruandavan). و ايروند هو صيغة محرفة لـ"هرَفَند" (Haravand) او "هَرفَند/الفَند" (Haravand/Alvand)، و هو اسم لأعلى و أكثر الجبال قدسية في ميديا و الذي يطل على العاصمة القديمة همدان. و المصطلح ايروَندَفَن "Eruandavan" (و على نحو أصح أرفَندافَند"Arvandavand") اسم قبلي كردي نموذجي ذو اصل كردي جنوبي.

و قد تمت المحاولة لنسب الأصول الأثنية لـ"تيكران" (Tigran) الى الفرس. كما تم ايضاحه باختصار فيما سلف و تحت المدخل المعنون بـ"القبائل و الهجرات التأريخية" أيضا، فإن الصلة الكردية واضحة جدا. علاوة على ذلك، يجب أن يتم التنويه بأنه خلال القرون الأربعة للحقبة الفرثية، و التي انتهت في 224 للميلاد، كان الفرس الأثنيون اقلية قومية في الأرجاء الجنوبية النائية للاتحاد الفرثي، بعيدا أكثر من الف ميل من ارمينيا، حيث كانت الفسحة (أي الأراضي –المترجم-) التي تتوسطها تعج بالكرد الأثنيين. كما تم التنويه سلفا حول مسألة الأصل الأثني لميثريدات البنطسي السادس، ما يدل عليه المصطلح "فارسي" (Persian) ضمنا لأثنية تيكران، هو "ايراني" (Iranic) – و هو أسم مؤشر او دال اثني اوسع و الذي يتضمن الكرد.

التواريخ (أي السجلات التاريخية –المترجم-) الأرمينية، كيفما كان، مصادر قيمة للغاية، لإعادة بناء تأريخ الكرد و تنقلات سكانهم في الحقبتين الكلاسيكية و القروسطية.

و لعب أيضا الكرد الأرستقراطيون المهاجرون من الجنوب دورا ربما مشابها لدور الأسر الأرستقراطية الألمانية في اوروبا حتى منقَلَب القرن الحالي (القرن العشرين –المترجم-). و وفروا ملوكا و دوق و امراء كثيرين للتزاوج مع الأسر الملكية لمجموعات اثنية كالجورجيين، او حكموا مباشرة دول تم تشكيلها حديثا، حين كانت هناك حاجة لملك ذي نسب نبيل. كانوا يملكون العترة الضرورية للحكم، بينما كانوا يفتقرون الى الولاءات المثيرة للمشاكل لأمبراطوريات و مملكات ذلك العهد المتنازعة. تواصلت هذا الاجراء (او هذه الممارسة –المترجم-) حتى نهاية الحقبة القروسطية.

يستحق البكراتيون (Bagratids)، كالحذيابيين الذين تم ذكرهم آنفا، يستحقون ملاحظة خاصة. انهم حكموا اصلا عشيرة بكراوند (Bagrawand) الكردية الكثيرة الأفراد و التي سمي البكراتيون بأسمها. و اسسوا نوعما بسرعة قيادة محلية، كما اسسوا اسرة حاكمة و التي نمت حتى اصبحت ما يسمى بالبكراتيين. و منح البكراونديون اسمهم القبلي للمنطقة الواقعة على المجرى العلوي لنهر دجلة، و الذي يسميها بطليموس ببكروندين ريجيو (Bagrauandene Regio). كالهدبانيين، غيروا اسم عاصمتهم، أميدا (Amida) القديمة، و سموها باسمهم. لم تزل دياربكر (Diyarbakir) (من دياري بكر، "أي ديارُ بكران أو أرضُ بكران")، لم تزل أكبر مدينة في كردستان أناضول. حكم البكراتيون، مع وجود ثغرات كبيرة في ولايتهم، الجورجيين حتى 1801 للميلاد و تولي أمر روسيا لجورجيا.

كانت المنارات الكردية المهاجرة الأوائل تلك غالبا ما يتمازجون بسرعة مع محيطهم الأثني الجديد. و يعد تأريخ السلالة الأيوبية القروسطية الحاكمة (و الذي تم توثيقه بشكل أفضل بكثير من تأريخ البكراتيين) مثال جيد على كيفية فقدان سلالة كردية حاكمة فقدانا سريعا لكل أثر شخصيتها الأثنية الكردية تقريبا في محيط او خلفية اجنبية. أن تيكران الكبير (Tigran the Great)، و هو أعظم ملك للأرمينيين، رغم كونه من اصل كردي، تعاطف في أغلب الظن مع الأرمينيين. و الدليل المناقض الوحيد هو قراره بناء عاصمته الجديدة، تيكرانوسيرتا (Tigranocerta)، في عمق الأراضي الكردية (في كوردينا-كوردَي ريجيو "Gordena-Gordyei Regio" حسب تسمية بطليموس و كوردويني "Cordueni" حسب تسمية بليني) و خارج بلاد ارمينيا الأصلية. يمكن تفسير ذلك بأنه كان اشارة على أنه شعر بماضيه الكردي أكثر مما كان في الحسبان. تواصل الكرد المتمازجون، في كل الأحوال، في التوصل الى المراكز المهمة تحت ظل هوياتهم الجديدة أبان الحقبة القروسطية، و في الحقيقة يفعلون ذلك في يومنا هذا (أنظر الأندماج و التمازج).

تحدى مؤسس الأمبراطورية الساسانية الفارسية أردشير الأول، و الذي نجح في أستبدال الأتحاد الفرثي الطاعن في السن في 224 للميلاد، تحدى مباشرة ما سماه هو "ملك الكرد الميديين". و وحد هذا على نحو عاجل و تحت قيادة مملكة كيرم (Kerm) (كرمنشاه المعاصرة) مجموعة رائعة من أمارات و مملكات كردية من بارجان (Barchan) (بارزان المعاصرة) و هَكار (هكاري) و موكران (موكريان) و سَنَك (سهنة) و شهرزور (السليمانية المعاصرة). كان على أردشير خوض حرب دامت سنتين (224-226 للميلاد) ضد الكرد قبل حصوله أخيرا على ولاية (Suzerainty) من المملكات الكردية المختلفة. و قام بذلك فقط بموافقته على، و ذلك ضد سياسته الصارمة القاضية بحكم مركزي مباشر من خلال حكام يتم تعيينهم، اعادة تنصيب أمير كردي محلي، كايوس (Kayus)، كملك يتمتع بحكم ذاتي خاضع لدفع الجزية، يحكم الميديين. تواصلت أسرة كايوس كأمارة شبه مستقلة في كردستان المركزية و الجنوبية حتى عام 380 للميلاد، حين أزال اردشير الثاني (حوالي 379-383 للميلاد) آخر عضو هذه السلالة الكردية الحاكمة. نوهت المصادر الأرمينية القديمة بذكر آخر عضو لهذه السلالة الحاكمة (و الذي كان يحمل عنوان ويسمكان دُمباوند (Wisamakan of Dumbawand) من اسرة كَفوسكان (Kavosakan)) على انه كان معاصرا للملك الأرميني أرشك الثاني (حوالي 353 – 367 للميلاد). كانت أسرته آخر أسرة كردية حاكمة شبه مستقلة للقرون الخمسة التي تلت.

و تم احياء ذكرى هذا الحدث البالغ الأهمية في تأريخ الكرد من خلال تكهيف (تجويف -المترجم-) بارع على صخرة غابرة في تاق بوستان (Taq Bustan)، و هو موقع العاصمة التاريخية (كيرم) و السلالة الكايوسية الحاكمة (أنظر صورة الغلاف). يشكل هذا الحدث (رغم وجود اختلاف 7 سنوات غير مفسر حتى الآن) علامة على بداية التقويم القومي الكردي و الذي حسب هذا التقويم نحن الآن (1992) في عام 1604(انظر المهرجانات و الاحتفالات).

و حتى الآن يمكن ايجاد، على مقربة من مدينة دينَوَر (Dinawar) القديمة الواقعة في شمال شرق كرمنشاه، سلسلة من اضرحة مبنية بعناية تم حفرها في الصخور الغابرة للجبال و التي ينسبها العرف المحلي الى اسرة كافوس او كايوس.

و هناك نقطة لافتة للنظر هي أن المصطلح الذي تتم بواسطته الإشارة الى المقاتلين الكرد في النص الأصلي للسجل التاريخي لمعركة الملك اردشير المعروف بـ (كارنامك) "Karnamak". المصطلح هو جان سبار (Janspar)، و هو مكافئ فارسي للمصطلح الكردي المعاصر الذي يطلقونه على مقاتليهم، اي بيشمركه (Peshmerga)، و كلاهما يعنيان "المضحي بنفسه" من اجل القضية.

ما يثير التعجب، اتهم آخر الفرثيين اردشير نفسه بكونه "كرديا، وُلد للكرد، و تربى تحت خيمة الكرد" (قارن تاريخ كارنامك و تاريخ الطبري). كما تمت ملاحظته مسبقا، عاش في الواقع كرد في هذه الفترة في موطن اردشير الأصلي (اقليم فارس)، و يرى كارنامك بأن والده امضى قدرا وافرا من شبابه مع الكرد (كورتان Kurtan). الا ان ليس هناك دليل مباشر على انه كان يرتبط بهم اثنيا.

بعد ازالة اسرة كايوس في 380 للميلاد و حتى سقوط الساسانيين في 651 للميلاد، لم يعرف كيان كردي حكم بشكل مستقل او بشكل حكم ذاتي في كردستان، او في أي مكان آخر. تحت حكم البيزنطيين في اناضول، حتى الأرمينيون المسيحيون حُرموا من الحكم الوطني، ناهيك عن الكرد غير المسيحيين اساسا. كان على الكرد الإنتظار حتى تقوم القوات العربية للإسلام بتدمير الساسانيين و مطاردة البيزنطيين بعيدا، قبل ان يتمكنوا من اعادة توكيد حمكهم الوطني.

بحلول اواخر القرن الرابع، كان تدفق هائل من البدو من شمال و شرق الامبراطورية البيزنطية و الساسانية قد بدءوا بالضغط على حدودهم. و في هذه الاثناء، سمح قرن من الصراع الداخلي السياسي و الاقتصادي، و تحويل القوات العسكرية الى المناطق الحدودية النائية لمواجهة الضغط من قبل بدو السهل من الشمال، سمحا للكرد استغلال مزاياهم العددية و الاقتصادية داخل هذه الامبراطوريات. و سرعان ما بدأ الكرد بشن غارات على مناطق مجاورة. كما بدءوا بالتقدم أيضا على اسس ثقافية و دينية.

ورثت الكوارث البيئية و الاقتصادية لهذه الفترة بشكل طبيعي ثورانات اجتماعية كثيرة أيضا، و بالأخص في مناطق الحكم الساساني. من جبال زاكروس، اتى ثوري أجتماعي، الا و هو مزدك (Mazdak) و الذي اسس حركة جديدة على اُسس الديانة الكردية ألأصلية عبادة الملائكة. و سرعان ما تطورت تلك الحركة و اصبحت المحاولة الرئيسة الثانية لتخطي (لتلحق بـ –المترجم-) الزرادشتية (بعد حركتها السابقة، و ألأكثر تأثيرا، في اواخر الفترة الميدية). بدت الديانة لفترة من الزمن و كأنها قد تفلح في قهر الزرادشتية، و بالأخص حين اصبح الملك الساساني كَفات "Kavat" (حوالي 488 – 531 للميلاد) أحد المهتدين اليها (انظر عبادة الملائكة). و أتبع ابن و خلف الملك الساساني كفات، خسرو الأول، انوشيرفان، بطل الزرادشتية الأورثوذوكسية، سياسة أجراء مذابح منظمة هائلة ضد المزدكيين، و التي كانت قد بدأت قبل نهاية فترة حكم كفات نفسه، حوالي 528. زاوج انوشيرفان هذه المذابح المنظمة ضد المزدكية مع اصلاحات اجتماعية و اقتصادية كبيرة و ذلك لتقويض الجاذبية الاجتماعية للحركة للمواطنين المبتلين بالفقر. و قد اطلق بالفعل بعض العلماء المعاصرين من امثال كريستينسن(1925) و كليما (1957)، اطلقوا على الحركة المزدكية تسمية الشيوعية الأولى (First Communism).

افلحت المذابح المنظمة و عمليات القمع هذه فقط في دفع الحركة الى الخفاء. برزت مجددا و بسرعة ابان تدمير الساسانيين على يد القوات المسلمة، و من ثم تحدت و بكل ما اوتيت من قوة الخلافة الاسلامية.

هوامش المترجم:
(1) يصف الكاتب كلمة "سجلات" بـ "pollen" والتي تعني قاموسيا (لقاح، غبار الطلع، طبقة غبارية على جسم حشرة)، لا اعلم ماذا يقصد بذلك، لذلك وضعت التعبير بالانجليزية.
(2) كلمة موتيفات ترجمة لـ "motif" و التي تعني السمة الرئيسة في عمل فني.
(3) انثروبومورفي من انثربومورفيزم (anthropomorphism) والتي تعني خلع صفات بشرية على غير البشر كالآلهة مثلا –المترجم-
المصدر:
The Kurds: A Concise Handbook, By Mehrdad Izady, Department of Near Eastern ********s and Civilizations, Harvard University, Taylor and Francis International Publishers/ Washington – Philadelphia - London
__________________
 
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
عودة
أعلى