جوان
مراقب و شيخ المراقبين
الأمن السوري المستتب
لا يستطيع أحد أن ينكر بأن الحكم بسجن طل الملوحي خمس سنوات هو حكم همجي جائر.
التهمة هنا تستدعي التدقيق جيداً حيث أن طل اتهمت بالتخابر وتقديم معلومات لجهة أجنبية هي الولايات المتحدة القوة العسكرية والاستخباراتية الأعظم في العالم. وهنا السؤال ليس إذا كانت طل اتصلت بالأمريكيين أو لم تتصل بل السؤال الأهم هو ما الذي لا تعرفه الولايات المتحدة واستخباراتها عن سوريا واستطاعت طل ابنة الثمانية عشر ربيعاً وقت اعتقالها تقديمه لهم على طبق من ذهب. للإجابة عن هذه الإشكالية يجب أن نبحث في نقطتين.
النقطة الأولى هي أن وثائق ويكيليكس توضح وجود اتصالات بين مسؤلين كبار ورجال أعمال سوريين وبين السفارة الأمريكية وطبعاً الموقع لم ينشر أسماء العملاء السوريين واكتفى بعرض الوثيقة والعلومات التي نقلوها. بإمكان المهتمين العودة إلى هذه الوثائق في موقع ويكيليكس في القسم المخصص لسفارة الولايات المتحدة بدمشق. إذاً فالولايات المتحدة لديها العديد من القنوات القادرة على إمدادها بكل شاردة وواردة في سوريا من أعلى مراكز القرار.
النقطة الثانية تتمحور حول الشرخ الأمني الأخير في سوريا والذي كشف منذ فترة قصيرة بعد اعترافات الجاسوس المصري طارق عبد الرزاق ، مما أدى (بفضل المساعدة المصرية) لكشف تورط أحد كبار ضباط الأمن العسكري في سوريا العميد صالح النجم بالتجسس لصالح الموساد منذ خمسة عشر عاماً. و من ضمن ما كشفه صالح النجم معلومات عن موقع الكبر، المفاعل قيد الإنشاء الذي قصفته اسرائيل قرب دير الزور والذي تنفي سوريا وجود أي نشاط نووي فيه. ما لم يفاجئني كثيراً عند قراءة اعترافات طارق عبد الرزاق عند النائب العام هو أن ضابط المخابرات السوري العميل صالح النجم طلب من الموساد أن يرسل له مع طارق إضافة إلى المال ، بضعة زجاجات ويسكي و كمية من الحشيش بالإضافة إلى مقويات جنسية (فياغرا). الحقيقة هنا هي أن السيد الرئيس بشار الأسد يجب أن يشعر بالخزي والعار لا لأن العميد صالح النجم ثبت تجسسه للموساد فهو ليس الأول و لن يكون الأخير، بل لأنه من الواضح أن هؤلاء الذين يحمون نظامه حشاشون و مصابون بالعنة.
لماذا طل بالذات؟
مالذي فعلته هذه الطل الخطيرة لكي تستحق هذا الحكم التعسفي؟ لم أجد بعد أن أمضيت ساعات أتمعن وأدقق في مدونتها "مدونتي" ما يجرمها أو أن يستدعي من أجهزة الرعب السورية ملاحقتها والحكم عليها. حللت كتاباتها ومفرداتها وخواطرها لأرى إن كانت تنتمى إلى إيديولوجيا سياسية أو عقيدة دينية أو حتى إلى فكر سياسي أو تيار أدبي ، لكني عبثاً حاولت ، فكتابات طل وخواطرها كانت تعكس قدرة ملفتة على التعبيرلم تنضج بعد، يستطيع من يقرأها أن يكتشف بسهولة عمر طل وتجربتها بالحياة البعيدة عن أي انتماءات.
لكن بعد قرائتي لمدونة طل للمرة الثانية وجدت أن طل قد اقترفت عدة انتهاكات- وأنا هنا جاهز للشهادة ضدها إذا استدعتني محكمة أمن الدولة السورية الموقرة- لعل أبرزها البراءة، فطل تكتب بعفوية وبساطة تحاول من خلالها أن ترسم العالم لا كما هو في الواقع بل كما تريده أن يكون. أرادت أن تفهم العالم كما تريد أن تفهمه هي لا كما تريد أجهزة القمع أن تفهمنا هذا العالم.
وهذا ما لا يغفره نظام الصمود والتصدي السوري ،والذي همه الوحيد هو غسل أدمغة الشباب وترويضهم وإدخالهم في معاركه الدونكيشوتية الوهمية ليستتب أمنه ويستمر بالنهب والفساد الممنهج.
بالحكم على طل، أرسل النظام رسالته للشباب السوري: إذا حاول أحدكم أن يفكر أو أن يعبر أو حتى أن يحلم فهذا هو مصيره!!
الضحية المباشرة هي طل لكن الهدف الأكبر هو جيل طل القادرعلى التغيير يوماً ما. هذا الجيل يريده النظام جيلاً خائفاً وخانعاً كما كانت الأجيال السابقة والتي روضها من قبل الأسد الأب قبل أن يورث أبنه بشار سوريا ومن عليها.
فإن كان هناك ذنب لطل فإنه القدر، نعم إنه قدرك يا طل أن تولدي في هذا البلد الفاضل والذي الحاكم بأمر الله فيه يؤمن بأن الناس لهم الحق في كل شيء إلا أن يكونوا بشراً.
