قاعة فسيحة ممتدة يغلب اللون الأحمر علي أساسها، رجال بملامح مختلفة كأنهم جاءوا من جميع أنحاء العالم، ونساء تختلط محجباتهن بالسافرات في ود ورضا، علي المسرح مطربة صوتها شدي تغني لأم كلثوم «يا مسهرني» في أداء بكر، وكأن سيد مكاوي بُعث ليعيد لحنها إليها من جديد، وعلي اليسار وللأمام صورتان كبيرتان للغاية للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وعلي جدران القاعة لافتات صيغت بدقة تقول إحداها «نثمن مواقف مصر العزيزة تجاه قضايانا العادلة».
الزمان صباح الخميس.. والمكان مقر وزارة الثقافة لإقليم كردستان العراق في العاصمة أربيل، حيث تحتفل الوزارة وتحت رعاية رئيس الإقليم مسعود البرزاني بالمؤرخ والعلامة المصري محمدعلي عوني، وهو من أصل كردي في حضور عدد كبير من الأساتذة الأكراد والعرب والمصريين.
اللافت في الاحتفالية التي افتتحها وزير الثقافة فلك الدين كاكائي هو الغياب التام لأساتذة جامعة الأزهر، رغم تسلمهم دعوات رسمية لهم ولرئيس الجامعة الدكتور أحمد الطيب، باعتبار أن المؤرخ عوني كان من علماء الأزهر الشريف.
درية عوني ابنة المؤرخ المصري الكردي، والمتوفي عام 1952، قالت إن الأمن القومي ربما يكون قد اعترض علي سفرهم في هذا التوقيت الحساس، وبالرغم من الغياب الأزهري فإن اللافتات التي تشيد بالأزهر «منارة العلم» بقيت علي حالها علي أسوار مقر الاحتفالية، وأمام الفندق مقر إقامة الضيوف.
مواقف وقرارات مترتبة وللمصريين عابرة، كان لها هنا صدي عميق للغاية، خاصة ما يتعلق منها بموقف القاهرة من الأزمة الكردية وتطوراتها، صورة عبدالناصر داخل القاعة كانت لاستقباله زعيم الحركة القومية الكردية مصطفي البارزاني عام 1958، ورغم أن هذا اللقاء كان سريعا وجاء أثناء مرور البارزاني بالمياه الإقليمية المصرية بعد غياب دام 11 عاما في الاتحاد السوفيتي، فإننا سمعنا قصته عدة مرات في يوم واحد، ومن جميع المتحدثين الأكراد، وكذلك رواية إصدار أول صحيفة كردية، وكان ذلك من القاهرة عام 1898 علي يد أحد أفراد العائلة التيمورية، وإنشاء أول إذاعة كردية عام 1955.
وقال المشاركون في المؤتمر إن عبدالناصر افتتح إذاعتين للأكراد لا واحدة، الأولي ضمن البرامج الموجهة التي لجأ إليها إعلام عبدالناصر، والثانية تسبب في إنشائها حين أراد الشاه أن يرد علي «دعاية عبدالناصر» للأكراد بإنشائه محطة كردية تبث من طهران.
وفيما غابت الإشادة بأي مواقف للقاهرة تجاه القضية الكردية في مرحلة ما بعد عبدالناصر من جميع المتحدثين السياسيين والمؤرخين، فإن جملة «نتطلع للمواقف المصرية الجديدة» تكررت كثيرا، كما تكررت التعبيرات المباشرة والإسقاطات المجازية علي المواقف التركية التي تستهدف إقليم كردستان العراق، سعيا للقضاء علي مقاتلي حزب العمال الكردستاني، الذي تقول أنقرة إن معظمهم يقومون بعملياتهم انطلاقا من شمال العراق، خاصة في المنطقة الجبلية الوعرة.
داخل أروقة المؤتمر وخارجه، لم نسمع إدانة واضحة لحزب العمال وسلوكه، الذي قد يهز الاستقرار، الذي يعيشه الشمال قياسا بباقي العراق المشتعل بالتفجيرات والفتن، ولكن بعض السياسيين أكدوا لنا أن مسعود البارزاني يعيش في أزمة حقيقية، فالرجل لا يريد تدمير البنية التحتية التي تحققت بالفعل في الإقليم، خاصة في السليمانية وأربيل بفعل الجيش التركي، الذي يصفه الجميع هنا بالمتهور، وسيطر علي أروقة المؤتمر أسماء القادة والمفكرين والشخصيات العامة والسياسيين والعلماء والفنانين والشيوخ، ذوي الأصول الكردية، وبما أن محمد علي عوني، المحتفل به مصري «من أصل كردي»، فقد ركزت الأوراق علي بقية المصريين من أصل كردي.
وقدم الدكتور محمد علي السويركي «وهو أردني من أصل كردي» ورقة بعنوان «الكرد في مصر» توصل فيها إلي أن عشرات المشاهير المصريين وابتداء من العصر الفرعوني وحتي القرن العشرين هم من الأكراد.
قال السويركي: إن الكرد شكلوا في مصر دولتين عظميين، الأولي: الدولة الأيوبية، التي أسسها صلاح الدين الأيوبي، وأسهمت في رد الغزو الصليبي عن المنطقة، وبناء نهضة اقتصادية وعمرانية وزراعية وثقافية يشهد لها التاريخ.
أما الدولة الثانية فهي التي أنشأها محمد علي باشا الكبير ـ أصله من أكراد ديار بكر ـ في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، واعتبر بحق مؤسس مصر الحديثة، وصانع نهضتها العلمية والزراعية والعسكرية والصناعية.
ودخل الدكتور السويركي في جدال علمي طويل مع المثقفين والباحثين الكرد والعرب المتواجدين، بسبب قوله إن محمد علي «كردي»، وهو ما نفاه المشاركون الذين أكدوا أن الثابت هو أنه من أصل ألباني، وكانت حجة الباحث أنه نقل روايته من مقال لعباس محمود العقاد، نقلا عن الأمير محمد علي.
لكن الباحث توسع في نسب جذور عدد من المشاهير لأصول كردية ومنهم: الإمام المصلح محمد عبده، ومحرر المرأة قاسم أمين، والأديب عباس محمود العقاد، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والشاعرة عائشة التيمورية، والقاضي محمود تيمور، والشيخ عبدالباسط محمد عبدالصمت، والباحث حسن ظاظا، والفنانة سعاد حسني، والمخرج السينمائي أحمد بدرخان وابنه علي. كما ذكر الباحث السويركي العشرات من القادة العسكريين والقادة في الدول الفاطمية والأيوبية والمملوكية، وركز علي رجال العلماء والمتصوفة، وبينهم جمال الدين أبوالمحاسن، الذي يحمل أحد شوارع حي جاردن سيتي في القاهرة اسمه، وحيث يوجد مقر صحيفة «المصري اليوم»، لكن أكثر ما قاله الباحث إثارة بشأن المشاهير المصريين ذوي الأصول الكردية هو تأكيده أن الملكة نفرتيتي كانت كردية.
ويقول إن نفرتيتي كانت من «الميتاينين» الحوريين أجداد الكرد، وأنها تزوجت من امنحوتب الثالث، وبعد موته تزوجت بأخيه أمنحوتب الرابع «أخناتون».
ويشير السويركي إلي أن المصريين تأثروا في عهد أخناتون بالديانة الحورية، وأن نفرتيتي كانت شريكة زوجها في إعلان التوحيد.
ورغم الاستغراق في هذه الأبحاث التي أراد بها الباحثون الأكراد التأكيد علي أياديهم البيضاء للشعوب العربية وانصهار رموزهم في هذه الدول، فإن الفكرة الأساسية لم تغب عن المؤتمر حتي لو جاءت في كلمات عابرة هنا وهناك «قدمنا لكم الكثير فماذا ستقدمون لقضيتنا».
«صلاح الدين الكردي انتصر للمسلمين وللعرب جميعهم ضد الصليبيين في العصور الوسطي فلم ينس الغرب أنه أفسد مشروعهم التوسعي، لذلك يستهدفون الأمة التي أخرجته».
الزمان صباح الخميس.. والمكان مقر وزارة الثقافة لإقليم كردستان العراق في العاصمة أربيل، حيث تحتفل الوزارة وتحت رعاية رئيس الإقليم مسعود البرزاني بالمؤرخ والعلامة المصري محمدعلي عوني، وهو من أصل كردي في حضور عدد كبير من الأساتذة الأكراد والعرب والمصريين.
اللافت في الاحتفالية التي افتتحها وزير الثقافة فلك الدين كاكائي هو الغياب التام لأساتذة جامعة الأزهر، رغم تسلمهم دعوات رسمية لهم ولرئيس الجامعة الدكتور أحمد الطيب، باعتبار أن المؤرخ عوني كان من علماء الأزهر الشريف.
درية عوني ابنة المؤرخ المصري الكردي، والمتوفي عام 1952، قالت إن الأمن القومي ربما يكون قد اعترض علي سفرهم في هذا التوقيت الحساس، وبالرغم من الغياب الأزهري فإن اللافتات التي تشيد بالأزهر «منارة العلم» بقيت علي حالها علي أسوار مقر الاحتفالية، وأمام الفندق مقر إقامة الضيوف.
مواقف وقرارات مترتبة وللمصريين عابرة، كان لها هنا صدي عميق للغاية، خاصة ما يتعلق منها بموقف القاهرة من الأزمة الكردية وتطوراتها، صورة عبدالناصر داخل القاعة كانت لاستقباله زعيم الحركة القومية الكردية مصطفي البارزاني عام 1958، ورغم أن هذا اللقاء كان سريعا وجاء أثناء مرور البارزاني بالمياه الإقليمية المصرية بعد غياب دام 11 عاما في الاتحاد السوفيتي، فإننا سمعنا قصته عدة مرات في يوم واحد، ومن جميع المتحدثين الأكراد، وكذلك رواية إصدار أول صحيفة كردية، وكان ذلك من القاهرة عام 1898 علي يد أحد أفراد العائلة التيمورية، وإنشاء أول إذاعة كردية عام 1955.
وقال المشاركون في المؤتمر إن عبدالناصر افتتح إذاعتين للأكراد لا واحدة، الأولي ضمن البرامج الموجهة التي لجأ إليها إعلام عبدالناصر، والثانية تسبب في إنشائها حين أراد الشاه أن يرد علي «دعاية عبدالناصر» للأكراد بإنشائه محطة كردية تبث من طهران.
وفيما غابت الإشادة بأي مواقف للقاهرة تجاه القضية الكردية في مرحلة ما بعد عبدالناصر من جميع المتحدثين السياسيين والمؤرخين، فإن جملة «نتطلع للمواقف المصرية الجديدة» تكررت كثيرا، كما تكررت التعبيرات المباشرة والإسقاطات المجازية علي المواقف التركية التي تستهدف إقليم كردستان العراق، سعيا للقضاء علي مقاتلي حزب العمال الكردستاني، الذي تقول أنقرة إن معظمهم يقومون بعملياتهم انطلاقا من شمال العراق، خاصة في المنطقة الجبلية الوعرة.
داخل أروقة المؤتمر وخارجه، لم نسمع إدانة واضحة لحزب العمال وسلوكه، الذي قد يهز الاستقرار، الذي يعيشه الشمال قياسا بباقي العراق المشتعل بالتفجيرات والفتن، ولكن بعض السياسيين أكدوا لنا أن مسعود البارزاني يعيش في أزمة حقيقية، فالرجل لا يريد تدمير البنية التحتية التي تحققت بالفعل في الإقليم، خاصة في السليمانية وأربيل بفعل الجيش التركي، الذي يصفه الجميع هنا بالمتهور، وسيطر علي أروقة المؤتمر أسماء القادة والمفكرين والشخصيات العامة والسياسيين والعلماء والفنانين والشيوخ، ذوي الأصول الكردية، وبما أن محمد علي عوني، المحتفل به مصري «من أصل كردي»، فقد ركزت الأوراق علي بقية المصريين من أصل كردي.
وقدم الدكتور محمد علي السويركي «وهو أردني من أصل كردي» ورقة بعنوان «الكرد في مصر» توصل فيها إلي أن عشرات المشاهير المصريين وابتداء من العصر الفرعوني وحتي القرن العشرين هم من الأكراد.
قال السويركي: إن الكرد شكلوا في مصر دولتين عظميين، الأولي: الدولة الأيوبية، التي أسسها صلاح الدين الأيوبي، وأسهمت في رد الغزو الصليبي عن المنطقة، وبناء نهضة اقتصادية وعمرانية وزراعية وثقافية يشهد لها التاريخ.
أما الدولة الثانية فهي التي أنشأها محمد علي باشا الكبير ـ أصله من أكراد ديار بكر ـ في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، واعتبر بحق مؤسس مصر الحديثة، وصانع نهضتها العلمية والزراعية والعسكرية والصناعية.
ودخل الدكتور السويركي في جدال علمي طويل مع المثقفين والباحثين الكرد والعرب المتواجدين، بسبب قوله إن محمد علي «كردي»، وهو ما نفاه المشاركون الذين أكدوا أن الثابت هو أنه من أصل ألباني، وكانت حجة الباحث أنه نقل روايته من مقال لعباس محمود العقاد، نقلا عن الأمير محمد علي.
لكن الباحث توسع في نسب جذور عدد من المشاهير لأصول كردية ومنهم: الإمام المصلح محمد عبده، ومحرر المرأة قاسم أمين، والأديب عباس محمود العقاد، وأمير الشعراء أحمد شوقي، والشاعرة عائشة التيمورية، والقاضي محمود تيمور، والشيخ عبدالباسط محمد عبدالصمت، والباحث حسن ظاظا، والفنانة سعاد حسني، والمخرج السينمائي أحمد بدرخان وابنه علي. كما ذكر الباحث السويركي العشرات من القادة العسكريين والقادة في الدول الفاطمية والأيوبية والمملوكية، وركز علي رجال العلماء والمتصوفة، وبينهم جمال الدين أبوالمحاسن، الذي يحمل أحد شوارع حي جاردن سيتي في القاهرة اسمه، وحيث يوجد مقر صحيفة «المصري اليوم»، لكن أكثر ما قاله الباحث إثارة بشأن المشاهير المصريين ذوي الأصول الكردية هو تأكيده أن الملكة نفرتيتي كانت كردية.
ويقول إن نفرتيتي كانت من «الميتاينين» الحوريين أجداد الكرد، وأنها تزوجت من امنحوتب الثالث، وبعد موته تزوجت بأخيه أمنحوتب الرابع «أخناتون».
ويشير السويركي إلي أن المصريين تأثروا في عهد أخناتون بالديانة الحورية، وأن نفرتيتي كانت شريكة زوجها في إعلان التوحيد.
ورغم الاستغراق في هذه الأبحاث التي أراد بها الباحثون الأكراد التأكيد علي أياديهم البيضاء للشعوب العربية وانصهار رموزهم في هذه الدول، فإن الفكرة الأساسية لم تغب عن المؤتمر حتي لو جاءت في كلمات عابرة هنا وهناك «قدمنا لكم الكثير فماذا ستقدمون لقضيتنا».
«صلاح الدين الكردي انتصر للمسلمين وللعرب جميعهم ضد الصليبيين في العصور الوسطي فلم ينس الغرب أنه أفسد مشروعهم التوسعي، لذلك يستهدفون الأمة التي أخرجته».
« نحن نبدأ الآن في بناء قواعد المجد »
و«نقول للأعداء نحن جميعا مع القادة.. ولا توجد أي ثغرة»
و«نقول للأعداء نحن جميعا مع القادة.. ولا توجد أي ثغرة»