دراسة تاريخية الأكراد تحت الانتداب الفرنسي-انتفاضات الثلاثين

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع كول نار
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

كول نار

Kurd Day Team

دراسة تاريخية الأكراد تحت الانتداب الفرنسي-انتفاضات الثلاثين

شهدت الساحة السورية في العشرينات هيجانا شعبيا كبيرا ضد السلطات الفرنسية, و تجسد الصراع في هذه الفترة بين الفرنسيين من جهة, و بين الزعامات العشائرية و الإقطاعية و الدينية, التي كانت تعتمد على جمهور الفلاحين من جهة ثانية.
برزت، خلال هذه الفترة برجوازية المدن (فئات المثقفين و التجار) كقوة اجتماعية صاعدة و ذات مصالح اقتصادية متوافقة مرحليا, مع نمط الاستثمار الاستعماري, إذ رشحت هذه البرجوازية نفسها كوسيط اقتصادي, و عميل سياسي بين المركز الرأسمالي الاستعماري (المتروبول الفرنسي) و السوق المحلية في سوريا. و كان أشد ما تطمح إليه الفئة المثقفة (و الأفندية ) هو الحصول على مناصب إدارية و مراكز سياسية و رتب و رواتب. و لكي تستطيع برجوازية المدن أن تنفيذ مهامها الكومبرادورية بشروط أفضل, ولانتزاع مكاسب أكثر, كان يتوجب عليها التحالف مع زعماء الريف (آغا, بك, شيخ, ملا…) المسيطرين على الإنتاج الزراعي.
رأت السلطات الفرنسية بأن هذا التحالف بين المدينة و الريف, في ظروف العشرينات, يضر بمصلحة الاستثمارات الرأسمالية المركزية, و قد يزعزع استمرارية الاستغلال الاستعماري, و يؤدي إلى زيادة تكاليف الإدارة الاستعمارية. لذلك, و منذ عام 1927, لجأت السلطات الفرنسية إلى محاولة فصل برجوازية المدن عن القوى الريفية (المعتمدة على الجمهور الفلاحي), أو تحييدها على الأقل. و بدأ الفرنسيون يفاوضون البرجوازيين (و خاصة العرب السنة), و يساومون معهم على الشروط الناظمة لحكم البلاد ( و إدارة السوق الاقتصادية). وبذلك انتقل شكل الصراع من الكفاح الفلاحي المسلح في الريف, إلى المساوات الاقتصادية و السياسية في المدن.
حتى ذلك الحين, لم تلعب البرجوازية الكردية سوى دوراً هامشياً في مجريات الأحداث, ولكون المجتمع الكردي, حتى ذلك الحين, لم يكن قد أفرز فئة برجوازية قادرة على المساومة مع السلطات الفرنسية, إذ لم تضع هذه الأخيرة في الحسبان طموحات الجماهير الكردية القومية, حيث أنها لم تتردد في السماح بنقل الجيوش التركية على الخط الحديدي من أجل قمع انتفاضة الشيخ سعيد في 1925. و كذلك ألغت هذه السلطات مقر اللجنة التنفيذية لجمعية خويبون في حلب في صيف 1928 (20), على الرغم من أن هذه الجمعية لم تكن تطالب بأية حقوق سياسية لأكراد سورية.
فضلا عن ذلك نشرت السلطات الفرنسية دساتير لمختلف المناطق و الفئات السورية, و لم تأخذ في الاعتبار الوجود القومي الكردي, على المستوى الدستوري. و حتى بالنسبة لليزيديين, الذين ناصروا الفرنسيين أثناء الحرب العاليمة الأولى, أصابهم اليأس من عدم المبالاه التي لاقوها من قبل الفرنسيين فيما خصّ مطالبهم الدينية و المحلية.

انتفاضات جبل الأكراد
حاول الفرنسيون في السنوات الخمس الأولى من الانتداب, بسط نفوذهم بالسلاح في المناطق الكردية, فلاقت هذه السياسة مقاومة شعبية مسلحة عامة, ففي منطقتي جبل الأكراد و جبل الزاوية (20 مكرر). قاوم الأكراد قوات الاحتلال و قدموا تضحيات كبيرة و كبدوا الفرنسيين خسائر جسيمة.
اضطرت السلطات الفرنسية فيما بعد إلى إتباع اسلوب المساومة لكسب أصحاب النفوذ في المنطقة, و فعلا استطاعت هذه السلطات كسب تأييد الكثير من زعماء العشائر الكردية القوية, ففضلا عن اليزيديين, أقام الفرنسيون علاقات طيبة مع زعماء عشيرة جومي الكبيرة, و مع أحمد آغا الكينج الملي, ومع أبناء العم شيخو و فائق آغا ذوي النفوذ القوي في منطقة جبل الأكراد, و هذان الأخيران فضّلا الولاء للفرنسيين و لو كان ذلك على حساب المصلحة القومية, حيث لم يستجيبا لنداء الشيخ سعيد قائد انتفاضة ديار بكر ضد الأتراك " و كان ذلك سهلا وممكنا, كان بالإمكان قطع طريق السكة الحديدية في تركيا و نسفه, و كانت السكة الحديدية الوسيلة الوحيدة السريعة لإيصال الجيش التركي المؤن الموجهة من الغرب إلى الشرق ضد الثورات الكردية, لكن زعماء الجبل تقاعسوا عن تلبية هذا النداء القومي"(21).
و هذا ما ساهم في تقليص الرصيد القومي لوجهاء و زعماء العشائر بين الجماهير الكردية التي كانت متحمسة لمساندة الأكراد المنتفضين في ديار بكر.
و كان الاقتصاد (الزراعي) الكردي في هذه المنطقة متأخراً, و تابعا لسيطرة البرجوازية التجارية الكردية, و يجعلها قاصرة عن تحقيق مكاسب وطنية, فتبوأت الفئة المثقفة بتحمل المسؤولية الوطنية ضد القوات التركية و الفرنسية وحلفائها من زعماء العشائر الكردية.
قام المصلح الاجتماعي الكردي إبراهيم خليل و هو أحد الضباط السابقين في الجيش العثماني, بقيادة الحركة الوطنية في المنطقة, معتمدا على بعض المبادئ الإسلامية في العدالة. بشّر بين الأكراد بعقيدة اجتماعيه ـ دينيه, استطاع أن يستخدمها كأداة إيديولوجية لحركته الوطنية. فقاوم الأتراك الكماليين والفرنسيين معاَ باسم الإسلام, في حين كان, باسم العدالة الاجتماعية, يحرض الفلاحين ضد الزعماء العشائريين و الملاكين الكبار الذين كانوا يتعاونون مع السلطات (التركية و الفرنسية), و لذلك فقد نال إبراهيم خليل وبسرعة فائقة تأييد الفئات الاجتماعية الأكثر فقرا من بين الأكراد. في عام 1930و بعد انضمام بعض المثقفين إلى حركته, أسس إبراهيم رابطة لتأطير و تنظيم تابعيه سميت برابطة المريدين.
بعد أن اتخذت حركة إبراهيم الخليل طابعا تنظيميا, و لترافق نشاط هذه الحركة مع انتفاضة آكري الشهيرة, شنت السلطات التركية و الفرنسية حملة قمع شديدة ضد أنصار رابطة المريدين الناشطة في منطقة الأكراد ضمن الحدود التركية والسورية (الخاضعة لفرنسا). فقامت القوات العسكرية و أجهزة البوليس التركية بمجازر جماعية وحشية بحق أعضاء رابطة المريدين و عائلاتهم منذ بداية انتشار قواعد الرابطة في المناطق الكردية خشية التحام هذه الحركة و انضمامها إلى انتفاضة آكري التي كان يقودها إحسان نوري باشا. بينما فضل الفرنسيون أن يقاتلوا المريدين بواسطة الزعماء العشائريين الكرد الموالين لفرنسا, و المدعومين عسكريا من قبلها.
قام المريديون في البداية, بتشكيل مجموعات صغيرة مسلحة للإغارة على القوات التركية و الفرنسية, و لمقاومة مرتزقة رؤساء العشائر, و فيما بعد, انضم إلى الحركة جمهور كبير من الفلاحين الأكراد الذين كانوا ينتمون إلى قبائل و عائلات متواضعة, أو الفارة من بطش زعمائها. (22)
أصبحت الحركة, بعد انتهاء خمس سنوات من عمرها, ذي قاعدة جماهيرية تؤهلها من مقاومة الفرنسيين و حلفائهم من زعماء العشائر.
هذا التطور الكبير في قوة الحركة, جعل الفرنسيين يضغطون على رموزهم المحليين, و يطالبونهم بإنهاء نفوذ المريديين في المنطقة, قبل انتشارها إلى مناطق أخرى. فقام زعماء العشائر باضطهاد شديد ضد كل فلاح يثبت تعاونه مع المريديين , و طلبوا من رجال الدين التابعين لهم , إصدار فتاوى تُدين المريديين و من يساندهم بالكفر و الإلحاد و الخروج على أولي الأمر.
تحت وطأة القمع و الاضطهاد الطبقي و السياسي, لجأ المريديون إلى أسلوب الاغتيالات ضد رموز السلطة و عملائها من الوجهاء المحليين. فكان للاغتيالات "السياسية" فوائد كثيرة للمريديين, إذ بعد اغتيال كل زعيم عشيرة, كانت السلطة تتفتت غالبا في العشيرة, و كانت تتفتح إمكانية أكبر لتحرر الفلاح من السلطة العشائرية و انضمامه إلى الحركة, ثم أن المريديين كانوا يثبتون إخلاصهم للفلاحين بشكل ملموس عندما كانوا يقتلون كل "زعيم" يسيء إلى فلاحيه و يتعامل مع الفرنسيين أو الأتراك, و قد أعطى هذا الأسلوب "أكبر النتائج فلم يعد بإمكان الآغوات قتل الفلاحين كما لو كانوا ثعالب تعتدي على الكروم. لقد انتهى جلد الفلاحين و لكن على مشهد خمسة قبور لخمسة آغوات مرصوفة جنبا إلى جنب غربي بلدة بلبل, كما لو كانت نصبا تاريخيا لثورة شعبية فلاحية " (23).
شهدت المنطقة حربا أهلية فظيعة, قام فيها رجال الإقطاع بأعمال عدائية متطرفة ضد الجماهير الفلاحية الموالية للحركة, و اغتالوا عددا من قادة الحركة و أحرقوا بيوتهم, فكان رد الحركة سريعا, إذ استطاعت قيادة هذه الأخيرة أن تعبئ جمهور الفلاحين للقيام بانتفاضة شملت كل منطقة جبل الأكراد. فشعر الفرنسيون بأن زمام الأمور بدأ يفلت من أيديهم و أيدي عملائهم.
فتقدمت قوات عسكرية فرنسية في 1936 للسيطرة على الوضع من جديد على جبل الأكراد و جرت اشتباكات عنيفة بين هذه القوات من جهة و بين أنصار المريديين من جهة أخرى, أثبت خلالها قادة المريديين جدارة فائقة في إدارة العمليات العسكرية و الدفاع عن أرضهم, حيث أجبروا الفرنسيين على وقف زحفهم.
عرض الحاكم الفرنسي هدنة للتفاوض مع قادة المقاومة, فشكلت هذه الأخيرة و فدا مؤلفا من علي قنوط و الشيخ عربكو, فتفاوض الجانبان في وادي ميدانا, و اتضح من المفاوضات بأن الفرنسيين كانوا يحاولون إخماد المقاومة بأسلوب المكر و المراوغة و شراء الذمم, و لم يكن مبتغاهم من الهدنة و التفاوض سوى كسب الوقت و محاولة الشق بين صفوف المقاومة و فرض سيطرتهم من جديد, لكن " رفض فيها الثوار الإذعان لشروط المحتلين, و فشلت المفاوضات, و دامت ثورة الأكراد في منطقة عفرين مدة خمسة عشر عاما سقط خلالها عدد كبير من الثوار"(24).
كانت سنتي 1938-1939 حاسمتين و ذات أهمية خاصة للمنطقة و لحركة المريديين, حيث ألحقت اسكندرون نهائيا بتركيا في 24 حزيران 1939 بموجب اتفاقية تركية-فرنسية, استنكرها الكرد و العرب بمختلف فيأتهم الدينية, و في هذا الظرف المحلي الملتهب رأى الترك و الفرنسيون ضرورة الاتفاق و التعاون في قمع حركة المريديين, و خاصة في المنطقة التي وقعت في يد الأتراك. أما في جنوب الحدود (في سورية), استطاعت الحركة أن تستمر في نشاطها السياسي, و كحركة معارضة مسلحة, على الأقل حتى عام 1947, عندما استطاعت هذه الحركة تنفيذ حكم الموت بالنائب في البرلمان السوري, شيخو آغا (الكردي) و ذلك أمام البرلمان بالذات, عقابا له على ماضيه كمناصر وحليف للفرنسيين, و نشاطاته الموالية للحكومة السورية التي كانت تحميه و تحمي أمثاله, و تقوي نفوذهم و سيطرتهم على الفلاحين.
في الحقيقة, ساهمت أنشطة المريديين في تمهيد الساحة الكردية لتقبل و انتشار الفكر الديمقراطي-الاجتماعي. و فيما بعد سهلت انتشار الأفكار الشيوعية, و ساعدت على تطور الوعي القومي و الطبقي في المنطقة, حيث في عام 1962 تم تنسيق بين المريديين من جهة و منظمة الحزب الشيوعي السوري في جبل الأكراد من جهة ثانية, لخوض الانتخابات التشريعية (25).
الانتفاض لنصرة آكري
كانت جمعية خويبون الكردية التي تشكلت في لبنان عام1927(25 مكرر), وتبنت إدارة انتفاضة الأكراد على جبال آرارات,التي كانت قد بدأت في عام 1926. و كانت هذه الجمعية السياسية تضم نخبة من المثقفين و الوجهاء الأكراد (في تركيا و سورية) . إذ كانت قد عينت الجنرال إحسان نوري باشا كقائد عسكري, وإبراهيم حسكي كقائد مدني,لإدارة العمليات في جبال آغري. رغم النجاحات العظيمة التي حققتها قيادة الثورة, استطاعت القوات التركية أن تقضي عليها بالحديد والنار. و عندما دخلت الثورة في ظرف حرج, اجتمعت الهيئة المركزية لجمعية خويبون في 10 حزيران 1930 , ولتخفيف عبء الهجمات التركية على الثوار, قررت مهاجمة القوات التركية من الجنوب الشرقي, أي على الحدود مع سورية. وتم تحديد ستة جبهات وتم تعيين ليلة 3 /4 آب 1930 لبدء الهجوم وعلى ستة محاور, من الحدود العراقية وحتى جرابلس.
وبدأت المبادرة العسكرية الكردية في الليلة المحددة و على المحاور المحددة, و لكنها لم تستمر طويلاً و لم تتحقق إنجازات كبيرة, وليست لدينا معلومات كافية عن أسباب ذلك.
ففي منطقة كوبانه ( المنطقة الثانية) كان الأخوان بوزان بك شاهين ومصطفى بك شاهين, المكلفان بالهجوم , لم يتقدما كثيرا بعد أن تمكنت قواتهما من تدمير مركز للشرطة التركية في سروج.
و في المنطقة الرابعة, منطقة سريكانيه ( رأس العين) تم تعيين محمود بك ابراهيم باشا المللي كقائد للمنطقة, لكنه لم يتحرك كما كان متفقا عليه.
في جبهة الدرباسية, انطلقت قوة بقيادة أكرم جميل باشا, ومعه قدري بك جميل باشا, انطلقت ووصلت حتى 6 كيلو مترات من ماردين إلا أن زعماء العشائر لم توف بوعودها, ولم يتحقق أي إنجاز يستحق الذكر.
أما حاجو آغا زعيم عشيرة هفيركان الكردية, و معه جلادت بدرخان, فقد اخترق الحدود "و احتل في 5 آب 1930 قرية صغيرة في منطقة نصيبين و نشر فيها بيانا طالب فيه بالاستقلال الكردي مناشدا الأكراد الانتفاض من أجل مساندة أبناء قومهم المكافحين على قمم آرارات" (26).
استطاع أنصار و مقاتلو حاجو قهر القوات التركية المتعسكرة في نصيبين, و أغارت إحدى مفارز الأنصار بقيادة عليكي بطي (الهفيركي) و شمعوني حني حيدو (مسيحي كردي), أغارت على مديات حيث جرت معركة دامية بينها و بين الكتيبة العسكرية المتركزة في الثكنة, استشهد عدد من الأنصار, إلاّ أن المفرزة استطاعت احتلال سجن مديات المحصن, رغم قربه من الثكنة, وتم تحرير كافة السجناء و كان جميعهم من الأكراد (27).
رغم انضمام بعض العشائر و القبائل الكردية إلى جانب حاجو, فلم يستطع هذا الأخير الصمود بوجه الإمدادات العسكرية التركية الكثيفة, و خاصة التشكيلات الميكانيكية منها, فاضطر حاجو إلى التراجع نحو الجنوب (القامشلي) بعد أن سطّر صفحة
تاريخية جديدة في الانتماء الكردستاني, و وحدة حركة الشعب الكردي رغم الحدود الاستعمارية المفروضة عليه.
 
رد: دراسة تاريخية الأكراد تحت الانتداب الفرنسي-انتفاضات الثلاثين

سلمت يداك على ما خطت

يعطيك الف عافية على النقل المفيد
 
رد: دراسة تاريخية الأكراد تحت الانتداب الفرنسي-انتفاضات الثلاثين

كل الشكر لالك على رقة المرور
 
رد: دراسة تاريخية الأكراد تحت الانتداب الفرنسي-انتفاضات الثلاثين

تسلمين ورده ع الطرح المفيد .. والجميل

دوم ضلي زيدي ابداعك ..

ودي
 
رد: دراسة تاريخية الأكراد تحت الانتداب الفرنسي-انتفاضات الثلاثين

نورت اخي حسين
شكرا على المرور
 
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
عودة
أعلى