Kurd Day
Kurd Day Team
انتفاضة جبال ارارات في سنة ( 1927-1930) بقيادة الجنرال إحسان نوري باشا وسميت بانتفاضة ( اكري داغ ) .
انتفاضة جبل أكري
تشكل انتفاضة جبل أكري صفحة مشرقة من التاريخ النضالي للأمة الكردية الآرية ، في سبيل حريتها واستقلالها القومي .
انتفاضة أكري هي الصرخة الأليمة للأمة الكردية المضطهدة التي تعاني من صنوف العذاب والقهر القومي...
انتفاضة أكري هي صرخة حرية الشعب الكردي الأسير والمحروم والمضطهد إلى كل الشعوب والمجتمعات ، انتفاضة أكري هي وثيقة كتبت بدماء شيوخ ونساء وأطفال الكرد وسلمت إلى ممثلي تطلعاتهم من الأجيال القادمة .
لقد اثبت المناضلون الكرد في أكري للعالم اجمع إن جذوة الشوق إلى الحرية والاستقلال متقدة في قلب وضمير هذه الأمة دوما وابدأ .
ليس القصد من هذا الكتيب الصغير التعريف بالمناضلين القوميين الكرد في كردستان تركيا فحسب إذ إن بقاء راية استقلال الكرد خفاقة على ذرى أكري طيلة أربع سنوات إنما كان بفضل تضحيات المحاربين الشجعان من أبناء الأمة الكردية الذين حالوا دون تمكن الأتراك من تنكيس هذه الراية وابدوا في سبيل ذلك ضروبا من الشجاعة والبسالة في سفوح هذا الجبل أن الشهامة والبسالة والروح القتالية العالية والإقدام في المعارك هي مسألة متوارثة لدى أبناء الأمة الكردية منذ أجيال سحيقة وموغلة في القدم إذ هي موروث الإباء والأجداد العظام ،
ولا يختلف في هذه الخصال والسجايا الكردي في الجنوب عن أخيه اللورستاني أو القاطن في ارضروم أو في منطقة قوجان في شرق أيان أو في الاسكندرونة إن كل أصحاب العرق الآري يتحلون بمثل هذه الخصال والسجايا إن بسالة الآكريين ليست صفة وسجية خاصة بهم دون غيرهم بل هي قاسم مشترك لكل العنصر الكردي قاطبة ، وأحد ابلغ الأمثلة على ذلك هو ما يسطره الكرد من ملاحم بطولية في شمال العراق قبل الشروع بسرد إحداث جبل أكري أرى لزاما علي الاشادة بفضل وشجاعة أولئك الثوار الكرد الذين ضحوا بدمائهم عن طيب خاطر وبنكران ذات من اجل حرية أمتهم .
الذي اعرفه إن الكرد في تركيا كانوا حتى عام 1514م يعيشون على ريقه ملوك الطوائف وفي ذلك الحين قرر السلطان العثماني وخليفة المسلمين السلطان ياوز سليم ، وبالاتفاق مع الملا إدريس البدليسي وأمراء الكرد على منح الاستقلال الذاتي للإمارات الكردستانية ، وان تسك النقود بأسمائها ,إن تبعث ممثليها سنويا مع مبلغ من المال إلى طرف السلطان العثماني لقاء الحظوة بالحماية من قبل جيش الخليفة وان تعاضد هذه الإمارات السلطان عند نشوب حرب وقد اعتبر الخليفة هذا القرار رسميا بمنشور فرماني أصدره بهذا الخصوص .
بعد ذلك قام السلطان العثماني مراد زرع بذور الاختلاف بين الإمارات الكردية وتسنى له بذلك القضاء على حكوماتها .
هذا وقد حافظت إمارات كل من بدليس والعمادية وهكاري على استقلالها الذاتي حتى عام 1690ومن ثم قضى الأتراك على إمارة بدليس عام 1697 ونهبوا ملك أميرها .
في عام 1832 أعلن الأمير محمد باشا الرواندوزي الثورة في منطقة سوران وقام بإرسال بعض الأشخاص إلى روسيا لتعلم صناعة المدافع ( ويذكر بعض المؤرخين انه أرسلهم إلى مصر أيام محمد علي باشا ) وبعد عودة هؤلاء إلى رواندوز قاموا فعلا بصنع المدافع للجيش الكردي ولازالت بعض مدافعهم هذه باقية حتى ألان.
في عام 1843 أعلن الأمير بدر خان باشا أمير جزيرة بوتان الثورة ووصل إلى إطراف وان إلا إن ابن أخته الأمير يزدان شير خذله وخانه مع الأتراك واحتل الجزيرة عند ذاك انتكست ثورة الأمير بدر خان واضطر إلى تسليم نفسه إلى الجيش التركي حيث أبعده الأتراك مع عائلته وأطفاله إلى استانبول ....
في سنوات 1880—1881 أعلن الشيخ عبيد الله الثورة في شمدينان واحتل تلك المنطقة ثم اتجه صوب إيران واحتل قسما من أراضيها أيضا بعدها قاوم هجمات الجيشين العثماني والإيراني وآلت الثورة إلى الفشل وقبض الأتراك على الشيخ عبيد الله ونفوه مع عائلته إلى الحجاز إلى إن وافته المنية هناك .
في عام 1914 أعلن سيد علي ابن الشيخ جلال الدين الثورة في منطقة هيزان – ناحية بدليس بمعاضدة ملا سليم حيث ساقا قوة مؤلفة من ألفين من المسلحين الأكراد منها بمساعدة الأهالي بعدها وصلت الإمدادات إلى الجيش التركي وفضلت الثورة وعادت قواتها إلى هيزان إلا إن الأتراك حاصروها واستسلم سيد علي حيث أعدمه الأتراك مع رفاقه في مدينة بدليس .
ما ملا سليم فقد التجأ إلى السفارة الروسية بعدها اندلعت الحرب العالمية الأولى فأخرج الأتراك ملا سليم من السفارة وشنقوه مع من كان بمعيته .
بعد الحرب الكونية تخلص أكراد العراق من رقة الحكم العثماني واعترفت معاهدة سيفر باستقلال كردستان ورضخت حكومة استانبول للأمر الواقع إلا إن مصطفى كمال باشا رئيس الجمهورية التركية سرعان ما تنصل من ذلك ونقض الاتفاقية وسن قانونا اعتبر بموجبه انه لا وجود لأية قومية في تركيا عدا القومية التركية فالكل أتراك وعلى اثر ذلك قام خالد بيك الجبراني قائد الفرق العشائرية في مدينة ارضروم وبمساعدة من الضباط الأكراد بتشكيل جمعية استقلال كردستان .
في عام 1924 قام إحسان نوري الجبراني وبمساعدة أربعة من الضباط الأكراد هم كل من ( راسم توفيق – خورشيد وعالي رضا ) بتحشيد القوات في منطقة بيت الشباب ( التابعة لهكاري ) من اجل تحرير كردستان لكنهم لم يوفقوا في مسعاهم حيث انهار عالي رضا وتشتتت قواته وعلى اثر ذلك تم إلقاء القبض على خالد بيك واقتيد إلى بدليس .
وفي عام 1925 أعلن الشيخ سعيد بيراني الثورة واحتل مدينة خاربيت إلا إن الإمدادات وصلت إلى الجيش التركي عن طريق السكك الحديدية فانهارت الثورة وقد خانه احد أصحابه والمدعو ( قاسم جبراني ) قائد العشائر ، وألقي القبض على الشيخ ورفاقه وشنقوا جميعا في مدينة ديار بكر وفي أواخر عام 1925 أعلن الشيخ عبد الله كيلاني زاده ابن الشيخ عبد القادر نهري الثورة في منطقة نهري واسر طابورا من القوات التركية بعدها انهارت الثورة والتجأ قائدها إلى العراق .
وفي هذه الفترة تم إعدام كل من خالد بيك الجبراني ويوسف ضياء – مندوب بدليس السابق في المجلس الوطني التركي – مع إخوة عالي رضا وصهرهم في مدينة بدليس . في عام 1926قام برو هسكي تيلي من عشيرة جلالي في جبل أكري بإعلان عصيانه ولجأ الى الجبال وفي عام 1927 وصل إحسان نوري إلى أكري وتولى زمام قيادة الثورة حيث انتخب قائدا عسكريا عام من قبل جمعية خويبون وفي ذلك العام رفع العلم الكردي الثلاثي الألوان خفاقا فوق ذرى دبل أكري الشامخ وأعلن استقلال كردستان وكان قد اتفق على لون العلم الكردي عام 1920 من قبل جمعية تعالي كردستان ، وقامت جمعية خويبون بإرساله إلى أكري حيث زين به إحسان نوري هامة جبل أكري لأول مرة .
أكري
كان نشيد أكري الوطني هو :
أكري ، أكري ، قد كنت نارا
كنت دوما شامخ الهامة
كنت مشعلا فوق كردستان
اتقد يا أكري ، اتقد يا أكري
لك كل التحية والتبجيل يا أكري ، أيها الجبل الشامخ والجميل فأنت دوما كنت قبلة أبنائك الذين كانوا يقدونك دوما لاستذكار تاريخهم المجيد واسترجاع أمجادهم الغابرة .
آيا أكري إن اسمك يذكرنا بتاريخ الإسلاف حيث كنت دوما منبع النور والنار منذ القرون الخزالي وكنت دوما رمز القوة والمنعة واليوم إذ تتقد شعلة النار في قلوب أبنائك ، فاسمح لي كابن وفي وبار لك إن انحني إمام عظمتك بكل خشوع وتواضع وتبجيل وان انفض الغبار عن بعض صفحات تاريخك المجيد .
أكري هذا الجبل الشاهق الذي يبرز من الجهة الشمالية الشرقية لحدود كردستان تركيا يناطح كبد السماء وينتصب كالجدار واقفا ليحمي الوطن من عدوان الغرباء فهو الذي لم يجرؤ احد حتى الآن على الوصول إلى قمته . كان أكري في وقت ما معبدا للزرادشتيين وأصبح فيما بعد قبلة للشباب الكردي المغوار الذين تمكنوا ولأول مرة من رفع راية استقلال الكرد الثلاثية الألوان خفاقة على ذراه ، بعد إن عمدوها بدمائهم ولعدة سنوات وعلى مرأى من الأعداء الطغاة.
إن أكري اسم يبعث على الشعور بالزهو والافتخار فهو المعروف منذ القدم ببراكينه الهادرة وهو الوفي والحامي لأبنائه منذ ألاف السنين وهكذا يصبح اسم أكري محفورا في ذاكرتنا دوما وابدأ
كان الأشوريون يسمونه ( اورارتو ) والعبريون ( آرارات ) وسماه المؤرخ اليوناني هيرودوت ( آلاراد ) وقد نقش اسم ( اور ارتو ) على الحجر لأول مرة الملك الأشوري ( سلمانصر ) عام 1260 ق . م .
ويذكر المؤرخ الشهير دموركان ان دولة آرارات المتنفذة كانت موجودة قبل الميلاد بألفي عام ، وتؤيد ذلك المكتشفات الأثرية في مدينة وان العاصمة والمناطق الأخرى المجاورة لآرارات مع المكتشفات الأثرية في ساحل البحر الأسود ويتبين من هذا إن كلتا المنطقتين كانت لهما حضارة مشتركة ، أي أن حدود دولة آرارات كانت تصل إلى البحر الأسود .
يقال إن أكري هو من سلالة كوتي العظيمة وقد بقي ردحا من الزمن تحت سيطرة دول أخرى من نفس عرقه وأصله ، مثل السوباريين والنايريين وفي مطلع القرن الثامن قبل الميلاد بلغت حضارة أكري أوج قوتها ومجدها في سنوات 825-800 ق. م كان ملك أكري يدعى منقاش والذي هو نفس مناش جخا الوارد ذكره في الآفيستا ومنوجك المذكور في الشاهنامةة وقد هاجم من الجنوب قوات كل من آشور نيبال وسلمانصر ، ووجه إليها ضربات قوية ثم انسحب بعد ان ترك وراءه ملة في جنوب بحيرة رضائية دون عليها إعماله في ذلك الزمن كانت الرضائية تدعى جيجس جكس ( الرضائية هي تسمية سلطوية إيرانية حديثه لمدينة أورمية في كردستان ايران .
يقول هيرودوت انه كانت تقيم في إطراف جبل آرارات قبيلة الآروت الوثنية وان موطنها ( ناير ) كان يمتد حتى نهر آراس ، وكانت هذه المنطقة أيضا مطنا لطائفة آرزانت الميدية ، ويظهر إن اسم آرارات قد اشتق من اسم هذه الطائفة .
وان وجود منطقة باسم الخالدين على مقربة من طرابزون ، يؤكد الحقيقة القائلة إن حدود دولة آرارات كانت تمتد حتى البحر الأسود إن اكتساب دولة ميديا القوة والاقتدار على يد ملكها العظيم هوخشتره ، كان سببا مباشرا في تقويض آرارات ملك من السلالة المانوية التي كان موطنها جنوب غرب بحيرة جيجس – الرضائية .. ومنذ عام 600 ق. م. بدأ الوهن يدب في أوصال دولة آرارات حتى سيطر عليها الأرمن
يذكر هيرودوت إن حضارة الآراراتيين كانت أرقى من حضارة الأرمن وان الأرمن قد اعتنقوا ديانتهم وأطلق الأرمن فيما بعد على هذه المنطقة تسمية ( هايستان ) وسموا أنفسهم كذلك ( هنايك ) وأصبح جبل أكري محلا يزاول فيه ملك الأرمن هواية الصيد .
كان جبل أكري قبل الحرب العالمية الأولى ملتقى الحدود الروسية – الإيرانية – العثمانية . وبعد تأسيس الاتحاد السوفيتي سيطر الأرمن على هذه المنطقة ثم تمكن العثمانيون وبمساعدة الأكراد من استردادها من الأرمن ويطلق الأتراك أيضا على هذه المنطقة تسمية ( أكري ) حيث استبدلوا تسمية ( قره كوسه ) ب ( أكري ) بعد معركة أكري .
وفي الأزمان الغابرة كان الكرد يسمون النار ( آزر ) وكانوا يسمون الجبل أيضا ( آزر ) ثم تحول لفظ الكلمة تدريجيا إلى ( آكه ر) ومن ثم إلى ( أكرين ) وقد همدت براكين هذا الجبل وبردت حممها واليوم أيضا تظهر وبكل وضوح الصخور العظيمة السوداء في الجهات الأربع من قمة أكري .
برو هسكي تيلي :
ينتمي إبراهيم أغا الذي كان يدعي برو هسكي تيلي إلى عشيرة جلالي وهو سليل عائلة هسه سوري ، كان ممثلا للشعب الكردي في هيئة خويبون نظرا لبطولاته وخدماته في سبيل حرية شعبه ومن ثم منح لقب الباشوية ، كان بيته محاذيا لجبل أكري .,
صد هجمات الجيش الروسي في الحرب العالمية الأولى مع كور هسو قوتكي ( الذي كان بيته أيضا في أكري ) ومنعاه من التوغل في جبل أكري لكن الروس اتفقوا على منحهم السكر والرز مقابل عدم مداهمة جيشهم من الخلف .
بعد الثورة البلشفية في روسيا انسحبت القوات الروسية من أراضي الدولة العثمانية ، ولكن المسلحين الأرمن حلوا محلهم لكن قوات كور هسو وبرو هسكي تصدت لهم وقد هاجم كور هسو مدينة بايزيد لكنه قتل في حربه مع الأمن فتولى عندها برو هسكي إدارة القوات في أكري وهجم على بايزيد واحتلها قبل وصول القوات العثمانية إليها ، وبعد أيام وصل العثمانيون واستلموا المدينة وقد زوج هسكي من أخت محمود أفندي رئيس بلدية بايزيد وافتتح دكانا في المدينة ومكث فيها أما عائلته وأطفاله الآخرين فقد بقوا في آرارات .
في عهد الشيخ سعيد الكبير بقي هسكي على الحياد وبعد اعتقال الشيخ سعيد حاول ابنه علي رضا مع بعض وجهاء عشيرة هسني النجاة بأنفسهم فأصدرت الحكومة التركية قرارا بمنعهم من عبور الحدود إلى إيران وذلك بالتعاون مع عشيرة كور حسين باشا ( حسين باشا الأعور ) وعشيرة دلالي لكنهم لم يفلحوا في مسعاهم هذا حيث اجتاز هؤلاء الحدود ولجئوا إلى إيران وبعد انتكاسة ثورة الشيخ سعيد قامت الحكومة التركية بتهجير رؤساء الكرد مع نسائهم وأطفالهم إلى غرب الاناصول .
اتصل أصحاب برو به مقترحين عليه إخراجه من المدينة قبل إقدام الحكومة التركية على ذلك فأجابهم برو قائلا : " لقد أسديت خدمات جلي للحكومة التركية ، واليوم فأني بقال ، لوم أتدخل في أي أمر كان ، وأنا صديق للدولة فعلام تراهم ينوون إخراجي ؟ " لم يخطر بباله قط إن الكرد سواء خدموا الحكومة التركية أم لم يخدموها فهم عندها سواسية كأسنان المشط .
في صبيحة احد الأيام من أواخر عام 1926 كان أطفال برو قد نهضوا لتوهم من النوم في قريتهم ( سفلكي ) الكائنة في أكري وكانوا قد بدو توا بسوق دوابهم ومواشيهم إلى المراعي :
حول ذلك اخبرنا برو بنفسه قائلا : في احد الأيام جاءني انبي الصغير ( ايلخان ) م أكري وهو في عجلة من أمره حيث كنت حينها في بيتي الكائن في بايزيد وكنت أتناول طعامي قال لي ابني لقد جاء عشرون خيالا تركيا برفقة ضابط إلى القرية مع تباشير الصباح الأولى وسألوا عنك فأرسلنا خادمنا ليبحث عن جوادك ، فامتطى الخادم جوادك وسار ينهب به الأرض نهبا فتبعه بعض الخيالة الأتراك وعندما ازدردته الهضاب علت أصوات البنادق كانت والدتي قد أخبرت الضابط بأنك لست في القرية لكننا لم نعرف ما تمخضت عنه أصوات البنادق .
قلت لابني : " عجل بالعودة إلى القرية فورا وقل للخيالة إن أبي قد ذهب إلى ( قيزل دزي ) أما أنا فسأسلك طريق ( قوتيس ) ولا تنس إن تجلب لي بندقيتي وزنار الرصاص إلى ضفة النهر .
خرجت من البيت وإنا أتمتم مع نفسي عجبا إنني لم أسيء إلى الدولة وكنت طيلة الوقت في مدينة بايزيد لكنهم هم الذين ذهبوا إلى القرية يتعقبونني ومادام الأمر قد وصل إلى هذا الحد فعانقي قبضتي يا بندقتي وليحدث ما يحدث .
خرجت من المدينة وسلكت طريق( قوتيس) حتى وصلت ضفة النهر فلمحت قطيعي يرعى هناك وسألت الراعي : ماذا حدث ؟ قال : جاء العسكر إلى القرية ولم يجدوا أثر لك ، فتبع بعض الخيالة جوادك وصادفهم في الطريق بعض الهاربين م الخدمة العسكرية من عشيرة كسكوبي ، والذين تصدوا للخيالة وأطلقوا النار عيهم وجرحوا احدهم .
أرسلته إلى القرية على الفور فعاد حاملا بندقيتي معه وقال: " لقد غادر الخيالة وتركوا الجريح في بيتك "
عاد برو مع خادمه إلى القرية ، وأرسل الجريح مع اثنين من الأكراد إلى بايزيد كان الوقت أواخر الشتاء ولم يكن أكري قد نزع عنه رداءه الأبيض بعد ويقال إن ملابس نساء وأطفال الكرد قد تناثرت في البراري وتمزقت بفعل حراب الأتراك ونهشت الجوارح والضواري أجسادهم الغضة الطرية وبعثروها أشلاء وكان أكري قد غار بين السحب يرقب عن كثب المجزرة الدموية الرهيبة لثؤلاء الجناة الأوباش كان يرغي ويزيد ويمطر الكون باللعنات في وقت كان أزيز وصفير الرياح الهوجاء المتلاطمة بهامته الشامخة يضفي على المكان وحشة رهيبة ويلف المكان صمت كصمت القبور !
كان أكري يزمجر غاضبا ولسان حاله يقول :
كنت تمطر النيران على الرؤوس .
وتشع بنورك في كل الإرجاء
وتجعل الأرض ترتعد من الهيجان
اتقد يا أكري ... اتقد يا أكري ؟ !
فجأة علت أصوات بعض البنادق من جهة الخيالة الذين طاردوا جواد برو وحدث تراشق بالنيران قرب قرية( جبه كونبتي ) حيث كان في القرية بعض الهاربين من الخدمة العسكرية من إفراد عشيرة كسكويي والذين تصدوا للعساكر وقتلوا احدهم وجرحوا آخر ا إذ من عادة الكرد إن يردوا الصاع صاعين وكان هذا القتيل هو أول ضحايا العدو خلال هذه الانتفاضة الدموية إذا لم يع الأتراك إن في الكهوف والمغارات العميقة والمعتمة وخلف الجنادل العالية الرهيبة ترقد فهود ونمور واسود غافية وان إيقاظها من غفوتها أمر يبعث على الرعب !!
عصفت بآكري ذكريات شبابه فمزق رداءه الأبيض القشيب وكالجياد العربية الأصيلة الجامحة التي تدق بحوا فراها الأرض كلما سمعت أصوات قرع الطبول لاعتقادها إن هذه طبول حرب وإنها على وشك الذهاب للغزو انطلق أكري يفتح أحضانه الامومية لاستقبال أبنائه المقاتلين الأشاوس ، وكان ينتصب كخنجر مغروز في صدر العدو وهو يسترق السمع إلى الأغاني الوطنية التي كان يرددها شباب الكرد وكان بذلك يزداد زهوا وغرورا .
هجر سكان القرى الواقعة أسفل أكري قراهم وتسلقوا هامة أكري العظيم وكان الضابط التركي يظن إن بمقدوره خداع برو هسكي واستدراجه من عرينه لذلك أرسل شخصا إلى برو يخبره انه يود لقاءه في قرية ( هلاج ) للتداول في بعض الأمور .
روى برو ماجرى له قائلا :
قلت في نفسي ان هؤلاء الأتراك قد نفخ الشيطان في آذانهم وأخشى إن يحدثونني ويغافلونني فأصدقهم وانقاد لهم وأخيرا ذهبت وقلت للترجمان : لا تترجم لي كل ما يقوله بل اخبرني بفحوى كلامه فقط وقد أطنب الضابط في حديثه ، لكن المترجم كان يقتضب في ترجمته وبعد كل حيدث كان الضابط يقول : ما تقول يا أغا ؟ وكنت أجيبه قائلا :" إنني لم افقه من كلامك شيئا ! وكانت هذه هي الحقيقة .
عندما أعياه الأمر ورأى انه لا جدوى من حديثه معي ، قال : إننا وانتم مسلمون ، لقد أرسلت رجالك إلى الجبل وهم يسرقون هناك ويسلبونا المسلمين أموالهم وهذه خطيئة كبرى ، لا تشقوا عصا الطاعة وعودوا إلى قراكم واحيوا مع نسائكم وأطفالكم بسعادة نقل لي المترجم قوله هذا فأجبته قائلا : قل للضابط لقد فهمت كلامه هذا وإنني كنت مطيعا للدولة وأنفذ ما يترتب علي من واجبات تجاهها وكنت سعيدا في بيتي بين أهلي وأطفالي وأزاول عملي ولكن انتم من حاول إبعادي عن أهلي وأطفالي ، لماذا ؟ إن هذا ظلم تقترفه الدولة بحقنا ، ولأجل إن نرفع عن أنفسنا الضيم فإننا قد هجرنا قرانا والتجأنا إلى هذه الجبال رأى الضابط إن خداع برو هسكي من أصعب الأمور فاستنفر عساكره وجاء بهم قبالة أكري حيث ضربوا خيامهم هناك كان عدد خلفاء برو ضئيلا وكانوا بين فكتي كماشة الجيش ولم يعلموا إن العدو قد ترك خيامه مضاءة في الليل للتمويه وشق دياجير الظلام مستفيدا من الليل الدامس وتوجه صوب التلال المحيطة بآكري وضرب الحصار على ملجأ برو . وما ان لاحت تباشير الصباح حتى علت أصوات البنادق والمدافع الرشاشة ( الميتراليوز ) وانهمر غيث الرصاص فوق رؤوس الكرد لكن برو لم يضطرب واحتفظ برباطه جأشه وعرف حقيقة ما حدث كانت قوات برو مكونة من اثنين من إخوته واثنين من أبناء أخته وثلاثة من قبيلة هسه سوري ، وجماعة من عشيرة موسى بيركي ، ورجال محو بكر وبعض المقاتلين من عشيرة كسكويي .
حمل الجميع بنادقهم وهبوا لصد العدوان ، وحمي وطيس المعركة فكانت أصوات المدافع ولعلعة الرصاص تهز الجبال هزا وقد استشهد في هذه المعركة الضارية احمد آغا شقيق برو هسكي الشجاع وكذلك شقيق محو بكر وجرح برو هسكي أيضا لكن قوات العدو لم تتمكن من الصمود إمام بسالة واستئساد المقاتلين الكرد فتراجعت القهقرى تاركة وراءها بنادقها ومدافعها ووقع العديد منهم اسرى بيد القوات الكردية إلا إن الكرد سرعان ما اخلوا سبيلهم كي يعرف الأتراك إن الكرد يأنفون من قتل الأسرى لان شهامتهم تأبى عليهم ذلك .
بعد استحواذ الثوار الكرد على مواقع وأسلحة القوات التركية تركوا المدافع المغتنمة لعدم إلمامهم بكيفية الاستفادة منها ولكي يمسح الضابط التركي عن جبين قواته وصمة عار الهزيمة فقد لجأ وبمساعدة سكان غربي أكري الذين كانوا موالين له إلى التسلل ليلا إلى تلك المواقع واستعادة ما استطاع استعادته من المدافع والخيام وقد أحس رجال برو بتسللهم هذا لكن بعد فوات الأوان حيث تعقبوهم لكن دون جدوى قضى مسلحو برو عام 1926 على صدر أكري دون منغصات وفي تلك الإثناء قدم إلى أكري تمر شمكي رئيس قبيلة شمكان القاطنة في منطقة توزهيي وهو رجل شجاع وكردي ذكي وعلى أتم استعداد للتضحية بروحه في سبيل حرية الوطن ولقد ذاع صيته بين الرفاق بالشجاعة والإقدام والمروءة وقد اصطحب معه أخاه شارخو .
كان الوقت إطلالة الربيع وكان أكري يحتضن أبناءه على صدره كأم رؤوم كي يحميهم وقد ازدان بحلة خضراء زراعية احتفاء بأشباله وضراغمه الجاثمين فوق صدره الرحب .
عندما شرعت تركيا بنفي الزعماء الأكراد كان الشيخ عبد القادر وهو احد زعماء قبيلة ساكان في جبل أكري قد نفي أيضا إلى منطقة أزمير مع أهله وأبنائه لكنه ما لبث إن هرب من منفاه مع ابن أخته صالح ولجأ إلى جبل أكري وأصبحت القوات المرابطة في جهة ساكان في أكري تحت إمرته .
بدأت الحرارة تسري في جسد أكري وأصبح بإمكانه استقبال الضيوف بكل ترحاب وعندها كان على برو إن يبدأ هجومه وهكذا كان إذا استفاق سكان بايزيد في صبيحة احد الأيام على أصوات بنادق الآكريين الأشاوس وأشاع الأتراك ان بعض قطاع الطرق قد داهموا المدينة استمر القتال حتى المساء لكن الثوار لم يفلحوا في الاستيلاء على المدينة وعادوا إدراجهم إلى أكري كانت ربيعة خانم الزوجة الصغرى لبرو قد بقيت في بايزيد فأسرع برو مع بعض محاربيه إلى المدينة واخذ زوجته معه إلى أكري .
على اثر هذه الانتفاضة تملك الذعر الحكومة التركية وقررت إخماد الانتفاضة بأي ثمن كان فتوجهت قوة تركية إلى أكري في مطلع خريف عام 1927 في محاولة لاجتياحه وتشتيت شمل القوات الكردية كان سكان شمالي أكري قد لزموا جانب الحكومة فتقدمت القوات التركية من تلك الجهة واحتلت بعض المرتفعات ونصبت خيامها في مكان يتوسط أكري الكبير وأكري الصغير وشرعوا بالقتال . قام بيشمركة أكري بإرسال نسائهم وأطفالهم إلى منطقة ( تامبات )) التابعة لعشيرة ساكان في إيران وأداروا ظهورهم إلى حدود إيران المحايدة ووجهوا وجهتهم صوب العدو .
قبل قدوم الأعداء قامت نخبة من البيشمركة البواسل بتسلق الجبال والوصول إلى الخطوط الخلفية للعدو وشرعوا بإيقاد فتيل المعركة .
هذا وقد قدم بعض أكراد ساكان في إيران لنجدة إخوانهم وهكذا جر العدو أذيال الخيبة والهزيمة وانسحب نحو الوسط وقد كانت بعض القوات التركية ما تزال تقاتل في صفحة جبل كري وقد شنت هجمات عنيفة بغية اللحاق بقواتها المنسحبة في القاطع الأوسط من الجبل وقد ساعدتهم في ذلك القوات التركية المتمركزة في الجهة الغربية من أكري واستعرت الحرب وحمي أوارها كان اشاوش أكري يخوضون التون الحرب بكل ضراوة واندفاع وعلى حين غرة تبدل الجو وهطلت إمطار غزيرة وشديدة وعلت الغيوم السوداء وجه أكري المكفهر واخفت هذه المجزرة الرهيبة عن الأنظار .
استجاب أكري لنداء أبنائه الإبطال حيث استفاد المقاتلون الكرد من سنوح هذه الفرصة وشنوا هجوما صاعقا ومباغتا على العدو وعندما تلاشى الضباب بان أكري وكانت قوات العدو المهزومة تشاهد وهي تولول هاربة لا تلوي على شيء وقد غنم الثوار الكرد الكثير من أسلحة العدو واسروا العديد من إفراده لكن لم يكن في نية الثوار الكرد الاحتفاظ بالأسرى والذين كان من ضمنهم العديد من الضباط نظرا لان الثوار لم يكونوا يملكون من القوت ما يكفي لإطعام الأسرى وكانت شهامتهم ونخوتهم التي جلبوا عليها تأبى عليهم قتل الأسرى وهكذا أطلقوا سراحهم بعد أربع وعشرين ساعة وأرسلوهم إلى بايزيد لقد غنم الكرد في هذه المعركة الكثير من البنادق والعتاد وقد ظهرت علائم هذا الانتصار واضحة على وجوه مقاتلي أكري وكأن مجهولا من عالم الغيب كان يهتف لأكري قائلا :
وديانك امتلأت دماء .
وتناثرت الجثث في الإنحاء .
صحيح انك كنت نارا.
لكن أبناءك الآن هم النار .
علم العدو ولما تنسحب قواته من أكري بعد بأن إحسان نوري متواجد بين أكراد أكري .
كان أحسان نوري قد قدم مع عشرين من فرسان عشيرة حيدري ، والذين كان من ضمنهم ابن خالته( سيفدين بيك) ابن الرئيس السابق فتح الله بيك ، وبعض رجال عشيرة هسني ، حيث كان قد تخطى الحدود التركية وتجول بين عشائر حيدران وهسنان للاطلاع على وضع الكرد وتفقد أحوالهم ، وقرب قرية ( خنس ) سمع بان الأتراك قد أرسلوا الجيش إلى جبل أكري فتوجه مع فرسانه إلى هناك على الفور .
- من هو إحسان نوري ؟
إحسان نوري هو من أكراد بدليس من عشيرة جبران كان احد الضباط الأكراد في الجيش التركي وكان لأربع سنوات قائدا لقوات الحدود التركية – الإيرانية في مدينة بايزيد وكان يعرف منطقة أكري عين المعرفة في عام 1919 كان أحسان نوري من ضمن مندوبي حامية استانبول لمساعدة مصطفى كمال باشا وقد دفعت هذه المجموعة من الضباط القوات العسكرية الى التمرد على حكومة فريد باشا المعادية للقوى الوطنية وعجلت هذه العملية ف سقوط حكومة فريد باشا لمع اسم إحسان نوري واشتهر في صفوف الجيش إثناء العمليات العسكرية المهمة وفي وضع الخطط الحربية في الاجتماعات العسكرية التي كانت تعقد في مدينتي اكدر وسيرت .
بعد قيام الجمهورية التركية رأى إحسان نوري إن قادتها قد تنكروا لوعودهم التي قطعوها للكرد في قادتها قد تنكروا لوعودهم التي قطعوها للكرد في الحرية والاستقلال و إزاء هذا الأمر فقد شكل سرا القوات العشائرية وتولى قيادتها عام 1924 في قرية بيت الشباب قرب الحدود العراقية وبمساعدة أربعة من الضباط الأكراد هم كل من ( رامي راسم ، توفيق ، خورشيد وعالي رضا ) وأعلن تمرده على الدولة التركية إلا إن هذه الانتفاضة سرعان ماخبا نارها ووقع عالي رضا بيك أسيرا بيد الأتراك
قمت بتشكيل قوة عسكرية من الشباب الكردي المغوار ورفعنا راية كردستان خفاقة فوق ذرى أكري وكان الذعر بدب في أوصال القوات التركية المهزومة والمرابطة في إطراف مدينة بايزيد لمرآي هذه الراية بينما كان حراس أكري الإبطال يهزون الإرجاء بأصواتهم الهادرة وهم يهتفون لرايتهم ويصفقون لها وقتئذ كنا قد أقمنا في أكري تشكيلات عسكرية الى جانب إدارة مدنية وكانت راية الكرد ترفرف خفاقة وكلك كان جنوب أكري قد دخل أيضا تحت سلطة ادراة كردستان الحرة وقد استبشر مقاتلو أكري خيرا بهذا الانتصار الرائع وبدءوا يهزون الجبال بهدير أصواتهم وهم يرددون نشيدهم الوطني ، قائلين :
أحطت بذرا عيك الشرق والغرب .
وفاض صدرك بالحمم
قد كنت دوما للكرد كعبة
فاتقد يا أكري،،، اتقد يا أكري
لقد تولى الثوار الكرد مهمة إعادة أعمار القرى في هذه المنطقة .
عندما كانت رحى المعارك تدور ف أكري كان قد عقد في ذات الوقت وفي مكان بعيد مؤتمر قومي كردي كبير ، وأعلن عن تأسيس جمعية خويبون – الاستقلال ، وانتخب إحسان نوري قائدا عاما للقوات العسكرية و انيطت به مسؤولية ادراة الشؤون الحربية . تقاطر الثوار الكرد إلى جبل أكري من كل حدب وصوب وكان فرزنده بيك من عشيرة هسني والذي كان قد حرر مدينة ملا زكرت من سيطرة الأتراك أيام ثورة الشيخ سعيد الكبير قد قدم إلى أكري مع أخيه كاظم بيك وابن عمه ورجال أشداء من عشيرة هسني كما كان العديد من الزعماء الأكراد مثل خالص بيك ابن عبدا لمجيد بيك السبكي وتاج الدين بيك من رؤساء قبيلة رزكي وأدو عزيز الحيدري من الزعماء الأشداء واحمد حاجي برو مع بعض إخوته ، وسيد عبد الوهاب أفندي مع ابن عمه سيد رسول برز نجي قد فروا من منفاهم في أزمير وجاءوا بالتتابع إلى أكري .
تم انتخاب هسكي واليا على أكري ، وتمر شمكي قائدا لقوات الدرك في أكري وبهذه المناسبة ردد الوطنيون الكرد نشيد أكري ، قائلين :
اليوم أيضا التهبت حماستك .
وتعالت نيرانك كالقلاع
وعقدت على هامتك المجالس
فاتقد يا أكري،، اتقد يا أكري ..
كان أيوب أغا من رؤساء عشيرة قوتان قد التجأ مع بعض من أقربائه وأصدقائه والتابعين له إلى القسم الشمالي من أكري في كلفي ( كور خان) وذلك على اثر إبعاد أخيه الكبير إلى غرب الأناضول وقد تعرض هؤلاء إلى هجمات الروم ( يقصد الأتراك ) وقاتلوا لعدة ساعات ثم هجموا على الأتراك وقتلوا واسروا بعض الإفراد من القوات التركية ، والتي اضطرت للتقهقر والتراجع اتصل أيوب أغا بقوات أكري وهكذا أصبح شمال أكري أيضا تحت سيطرة القوميين الكرد .
كانت قوات أكري قد ازدادت عددا وقويت شوكتها وكان سكان مدينة بايزيد يقصدون إطراف أكري بغية الاحتطاب وقد اضطروا إلى دفع جزية لقاء ذلك مع الحصول على الموافقة مسبقا من اللجان الكردية في أكري كي يتمكنوا من الاقتراب من حدود أكري والاحتطاب بحرية .
رأت الدولة التركية انه لا يمكنها عمل شيء رغم قواتها الكبيرة وخاصة إنني قد شكلت في أكري إدارة كردية لذلك منت نفسها بالاحتيال علينا وبغية إسقاط وتدمير قوة أكري والمجالس القومية الكردية فقد سنت قانونا لهذا الغرض أسمته ( قانون التعجيل ) ووفق عليه في المجلس الوطني التركي الأعلى وتم بموجب هذا القانون إصدار قرار بالعفو العام عن جميع من قاموا بإعمال تخريب ضد الدولة وعمم هذا القرار في إرجاء بلاد كردستان وقد أرسلوا نسخة من القرار مع رجل مسن إلى أكري كي نطلع عليه .
كانوا يأملون من أبناء أكري وقف العمليات القتالية والرضوخ للدولة والاستفادة من هذا القرار قلت بدوري إن هذا جزء من أحابيل وخدع الروم لا تصدقوا ليس هناك عفو كان لبرو هسكي أخ جد متدين كان يقول لقد جنح الأتراك إلى الكفر وكل من يستسلم لهم يعد كافرا مثلهم وتعتبر زوجته طالقا كان الآراراتيون يدعونه ( صوفي ) بينما كان اسمه أيوب عندما علم الرؤساء إن الدولة قد أطلقت سراح من كان معتقلا أو منفيا وإعادتهم إلى أماكنهم عندها صدقوا نواياها وقد وشعت الدولة شكاوي سكان أكري نصب عينيها وأطلقت سراح أشخاص آخرين أيضا .
إضافة إلى قيام ممثلي الدولة بالدعاية بين سكان أكري فقد اتصلوا بكل من إحسان نوري والشيخ عبد القادر واللذين كانت عائلتاهما منفيتين إلى غرب الأناضول وقد خجلوا معهما في مفاوضات وكانوا يقولون لهما وباسم الدولة بأنه سيطلق سراح عائلتيهما مع أطفالهما وسيعادون إليهما في حال عودتهما إلى طاعة الدولة وقد رفضت مقترحات ممثلي الدولة من قبل إحسان نوري لكن الشيخ عبد القادر توجه مع ابن عمه إلى بايزيد وسلما نفسيهما إلى الدولة عندها كلف الشيخ عبد القادر بمرافقة ممثلي الدولة والتوجه إلى أكري لإقناع برو هسكي بلزوم جانب الدولة وذلك بطيب الكلام ومعسولة واستغلال علاقات الصداقة بينه وبين الشيخ عندما علم آكريون بذلك قطعوا عليهم الطريق ومنعوهم من الوصول إلى أكري ، وأجبروهم على العودة من حيث أتوا .
كانت الدولة تصرح : كفوا عن القتال ، أطيعوا الدولة استفيدوا من هذا القرار فإجابتهم إدارة أكري قائلة : إذا كانت الدولة صادقة في ما تقول فلتطلق سراح الرؤساء الكرد المبعدين ولتعيدهم إلى أماكنهم السابقة كي نصدق مزاعمها ولم يمر طويل وقت حتى عادت عائلة الشيخ مع أطفاله وأطلق سراح الرؤساء الكرد المبعدين إلى غرب الأناضول وعادوا إلى ديارهم وهكذا وبموجب هذا القانون كان الكرد يستسلمون للدولة ويعودون إلى أماكنهم هذا وقد قام البعض منهم ممن كانوا قد التجئوا إلى أكري بالحذو حذو الشيخ عبد القادر وذهبوا إلى بايزيد ولم تكن الدولة تجردهم من سلاحهم بل كانت تكافؤهم أيضا ، وكان من ضمن هؤلاء أيضا سيد عبد الوهاب برزنجي وأغا تمر شمكي ، وكان هذان من أكثر الكرد استعدادا للتضحية وقد استسلما للدولة بناء على طلب من قائد الوطنيين الكرد حيث كانت خطة القائد تقضي بنشر تنظيم ( خويبون ) في مناطق كردستان الأخرى ، وكان على احدهما ان يعمل في منطقة ارجيش والأخر في منطقتي توزلوج وقاخزمان إن الروح الوطنية كانت ملتهبة في صدور البعض من قادة الفرق الفدائية لدرجة أنهم كانوا يعدون الاستلام للدولة كفرا ولم يغيروا ادني اهتمام لـ ( قانون التعجيل ) .
في خضم هذه الإحداث التقي قائد الوطنيين الكرد بالممثل الرسمي لجمعية ( طاشناق ) الارمنية في أكري نظرا لآن المؤتمر الكردي كان يسعى للاتحاد مع الأرمن وتوحيد الجهود المشتركة والوقوف بوجه العدو المشترك وكان الكرد والأرمن قد تلقيا ذلك بكل ترحاب كان اسمه ( ارديشير مراديان ) وكان مشهورا بين أكراد زيلان حيث كان من أهالي قرية مسيحية قريبة من خنس وكان شابا واعيا وقوميا مخلصا .
كان البعض يرى إن استضافة القائد الكردي للممثل الارمني هي مناسبة لانضمام القوات المسلحة الارمنية إلى جانب القوميين الكرد لكن الحقيقة لم تكن كذلك إن استسلام بعض الكرد المهاجرين وسريان مفعول قانون التعجيل قد اثر كثيرا في انخفاض عدد قوات أكري وتعرضها إلى أزمة شديدة من ناحية التغذية والتموين لكن ذلك لم يؤثر في موقفنا تجاه الروم .
كان الوقت شتاء وكانت الثلوج تغطي منطقة بايزيد حتى حدود وطنيي أكري حل الربيع ولما تنزاح الثلوج بعد كان هذا في وقت قد ذابت فيه الثلوج في إطراف أكري واخضرت الأرض وكان هذا سببا في هلاك الكثير من قطعان الماشية والدواب في منطقة بايزيد مع الحكومة على ضرورة التفاوض مع إدارة أكري لإرسال مواشيهم وقطعانهم لترعى في إطراف أكري وهكذا تدفقت سيول قطعان المواشي والدواب نحو أكري وأصبح لزاما إن يقدم أصحاب المواشي استنادا إلى عدد مواشيهم نسبة من الماشية إلى إدارة أكري وهكذا خفت وطأة الأزمة الغذائية على سكان أكري وتحسنت أحوالهم قام القائد الوطني الكردي وبهدف زيادة هيبته ونفوذه وإظهار رفضه لقانون التعجيل بإرسال كل من خالص بيك مع بعض فرسانه وفرزنده بيك مع بعض فرسانه إلى المناطق الخاضعة لنفوذ الروم لغرض السيطرة على الطرق وقطع سبل المواصلات وخطوط التلغراف والتلفون وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة .
ما أن ذاع نبأ حادثة أكري بن الترك حتى قامت مجموعة خالص بيك بمحاصرة واعتقال (300) شخص من العساكر الحديثة التسليح وتجريدهم من السلاح ووضعهم تحت المراقبة وكان خالص بيك يقوم بعملياته النضالية مع سبعة من إفراده .
أما فرز نده بيك وكذلك مجموعة أدو عزيزي ومجموعات صغيرة أخرى والتي خرجت من أكري فقد سيطروا على الطرق القريبة وكانوا يقومون بعمليات سريعة خاطفة ثم يعودون للالتحام بقوات أكري وكانوا بهذا يراوغون الدولة اذ في الحقيقة لم يكن قد بقي في أكري أكثر من عشرة مسلحين فقط لمقاومة فرقة بايزيد !!
حل الصيف الفصل المناسب لعمليات المداهمة والهجوم وتوجه الشيخ عبد القادر مع إتباعه إلى مرابع جبل شنك الذي يبعد عن أكري حيث أعادت الدولة عائلته وأطفاله من أزمير .
كانت مجموعات فدائيي أكري تتوغل عميقا داخل الأراضي الخاضعة للسيطرة التركية فقد كانت مجموعة فرزنده بيك توسع من دائرة هجماتها إلى منطقة حسن قلة القريبة من ارضروم حيث شنت في إحدى المرات هجوما على خان يقع وسط حسن قلة واحتلت أيضا سري قامش حيث كان بعض الضباط الترك متوجهين مع عوائلهم إلى سري قامش وقد أسروهم جميعا ومن ثم أطلقوا سراحهم احتراما للنساء اللواتي كن برفقتهم ان الاحترام الزائد للنساء وصيانة عرضهن قد اظهر الخصال الحميدة للكرد وكان صدى ذلك قد ذاغ بين الضباط الأتراك .
عــــــلو بشـــو
إن مجموعة علو بشو المؤلفة من خمسة أشخاص فقط كانت تتجول حتى مشارف ارضروم وفي احدى المرات وقرب مرتفع بالآن دوكن ، تعقبت مفرزة عسكرية هؤلاء الفدائيين ونصبت لهم كمينا وبعد معركة قصيرة قتل ضابط وعدة جنود واستولى الفدائيون على أسلحتهم وارتدوا بزاتهم العسكرية ثم عادوا وكان علو بشو مرتديا زي الضابط .
اثر معركة 1930 وبعد سقوط آكري بيد الروم كان بعض الفدائيين قد بقوا هناك وبشكل متفرق حيث كان علو بشو قد استعصى على العدو في مغارة مع رفيق له وكان عسكر الروم قد حاصروا المغارة وهم يحاولون اقتحامها فنشبت معركة بين الطرفين وبعد هنيهة ارادة علو بشو أن يسلم نفسه فسمح له علو بشو بذلك بعد أن جرده من بندقيته وعتاده وبقي علو بشو لوحده كان الجنود يرمونه بالقنابل لكن علو بشو كان يحول دون انفجارها اذ كان يلتقطها وهي في الهواء ويقذفها صوب الجيش ، وصادف مرة انه لم يتمكن من التقاط قنبلة قادمة نحوه فارتطمت بالأرض قريبا منه وانفجرت فأدمى وجهه وأظلمت الدنيا في عينيه لكنه لم يترك العدو يشعر بذلك حيث ظل يشاغله ببندقيته كان الليل قد حل وبدأ الجو بالتغير وهطلت امطار غزيرة وتفاديا لغزارة المطر فقد استلقى العسكر قرب باب المغارة لعلمهم انه قد بقي فيها شخص واحد فقط .
كان علو بشو قد ارتدى الزي العسكري ووضع السترة العسكرية فوق كتفيه إضافة إلى غرازة الإمطار فقد كان الجو شديد الحلكة والسواد ايضا ولهذا فقد تسلل علو بشو وبهدوء إلى بابا المغارة واستلقى على الأرض كباقي العساكر وشيئا فشيئا تمكن ان يشق لنفسه طريقا بينهم وما إن انتأى عن باب المغارة قليلا حتى انتصب واقفا ومشى في حال سبيله لقد كان كل من يراه يتخيل احد هؤلاء العساكر بحق وحقيق ! وهكذا افلت من قبضة هؤلاء والتحق برفاقه .
في احد الايام ارسل ضابط تركي خبرا اليهم طالبا رؤيتهم واللقاء بهم حيث كان ممد آغا الحيدري من ضمن هؤلاء الفارين وصل الضابط بينهم وخاطبهم قائلا : " لقد كنت ضمن العسكر الذين حاصرا علو بشو في المغارة فمن هو علو بشو هذا ؟! وعندما دلوه عليه قبله بين عينيه قائلا : " كيف من المغارة وتسللت من بيننا ؟ " فشرح له علو بشو ذلك .
ذكر ممد آغا ذات مرة يقول :" ذات يوم قال لي علو بشو انه قد رأى في منامه حلما وان المعسكر سيهاجموننا في هذا اليوم ، وسنقاتل وهو سيقتل في هذه المعركة !" وقد حدث ذلك بالفعل حيث داهمهم الاتراك في ذلك اليوم وحمي وطيس المعركة واشتد اوراها وقتل فيها علو بشو .
كان تللو ، وهو من أمراء ملا زكرت ، يذهب بمعية رفيقه جافرش وبعض الرجال الهسنيين حتى منطقة موش حيث إضافة إلى قيامهم بعملياتهم العسكرية فقد كانوا حلقة الوصل بين أكري ومناطق كردستان الأخرى .
ورغم هذا الأسلوب النضالي فقد كان بريق نضال وطنيي آكري يستطع على تلك المناطق من كردستان لأن آكري كان مركز ثورة كردستان وقلبها النابض .
كان حاجو آغا رئيس عشيرة هفركي يتولى أدارة مناطق مديات وميردين وشرناخ في القسم الشرقي من كردستان تركيا وكانت المجموعات التابعة له تتوغل حتى اروه وهكاري .
شرعت جريدة تركية ، اسمها ( كجه بوستاسي ) بنشر بعض المقالات التي كانت تحت عنوان ( تمرد آكري الكبير) ، احد الضباط الاتراك كان هذا الضابط قد جاء الى كردستان عام 1929 وعمل في لواء الجندرمة الخيالة واشترك في بعض معارك الكرد لقد انطلق الكاتب في شهر تموز 1929 من زونكولداك وجاء الى طرابزون وحول ذلك كتب يقول :
ما أن يسمع سواق طرابزون باسم اكدر – مدينة الى الشمال من جبل آكري وقريبة جدا من حدود ارمنستان السوفييتية – حتى يهزوا رؤؤسهم قائلين " نذهب حتى ارضروم ولا نستطيع الذهاب الى ابعد من ذلك فهناك يكثر الاشقياء " في تلك السنة كانت تبذل الجهود الحثيثة في الشرق والمحاولات العسكرية كانت مستمرة من اجل احتلال جبل آكري واخماد الثورة وبعد المكوث في طرابزون عدة ايام حاولت ايجاد سيارة وعثرت على سائق من اصداقاء رفاقي وبعد جهد جهيد اقنعته باخذنا الى ارضروم كان يتذمر ويتشكى طوال الطريق بسبب المتمردين الكرد وفي كوموشهانه مدينة في منتصف الطريق بين ارضروم ورطرابزون – كان الناس يقولون:
في احدى المرات كان مدير ناحية يجتاز المناطق الشرقية للوصول الى محل عمله وعند وصوله جبل كوب – بين بايبورت وراضروم – اعترضه اربعة من المسحلين الكرد واوقفوا سيارته وسلبوه نقوده وقسموها فيما بينهم على الشكل التالي :
( هذه اجرة طريقك يا هسو وهذه اجرة طريقي وهذه نثرية البيت وهذه نثرية المزرعة ) وبعد هذا الاقتسام رجعوا الى المدير قائلين له : " اننا لسنا قطاع طرق لقد اخذنا حاجتنا من المال فقط والبقية نعيده اليك فاليك به " وارجعوا اليه بقية المبلغ قائلين له : تفضل على بركة الله ! ..
وفي جبل كوب ، التقى زوهدي كويفن ايضا بشخصين مسلحين حيث نزلا الى الطريق كالصاعقة يقول زوهدي كويفن : " قالوا لي : ( تلقينا نبأ مفاده ان اربعين مسلحا من ديرسم – المنطقة الواقعة بين ارزبيجان وخربوط والتي يطلق الاتراك عليها اليوم اسم تونجلي – قادمون الى هنا لكننا لا ندري حتى الان اين هم ) " لقد وصل هذا الضابط ارضروم بشق الانفس وهو يرتعد خوفا وهلعا اما السائق الذي كان مقررا ان ياخذهم ال اكدر فما ان سمع باعتراض المسلحين الكرد طريقهم والرعب الذي تملكهم جراء ذلك حتى جاء اليهم قائلا : " لا استطيع الذهاب ابعد من ارضروم ، انا عائد الى طرابزون فتدبروا لأنفسكم حلا ! .
كان هذا هو تذمر الضابط التركي من مسألة الفعاليات والتصرفات المتزنة لمحموعة من القدائيين الكرد اثناء قيامه باداء المهمة الموكلة اليه وقد نشر ذلك في جريدة استانبولية .
ان المجموعات التي كانت تبتعد عن آكري كانت تستضاف بكل احترام من قبل الكرد لذلك لم يكونوا بحاجة الى حمل الطعام والمتاع معهم وكان جرحاهم يعالجون في المنطقة ويرسلون الى مراكزهم وكانت احدى المجموعات قد ذهبت ذات مرة الى منطقة آدلجواز وجبل سيبان حيث كان هنالك بعض تجار المواشي يرعون مواشيهم ولم يستضيغوا المجموعة بل حتى لم ينحروا لهم ذبيحة واحدة كان هؤلاء يجمعون الماشية من كردستان ويأخذونها الى سوريا ليبيعونها هناك ومن اجل تخويف وتنبيه هؤلاء فقد توجهت مجموعات فرزنده بيك وخالص بيك وادو عزيزي الى جبل سيبان لغرض نهب قطعان هولاء التجار التي كانت تزيد على ثلاثة الأف رأس وجلبها الى آكري وقد تم تنفيذ هذا القرار ورغم اعتراض عساكر الروم سبيلهم ومحاولتهم استرجاع قطعان الماشية الا انهم لم يفلحوا في ذلك وقد ابرق اصحاب المواشي الى انقرة قائلين :
" اذا لم تكن الدولة قادرة على المحافظة علينا وعلى اموالنا من تجاوزات الاشقياء الكرد فالافضل ان تترك كردستان للكرد كي نعرف نحن ايضا مصيرنا !! .
كانت الاحداث تتسابق وتتوالى ، وبما ان الدولة لم تحقق غرضها من قانون التعجيل فقد ارسلت هيئة من ممثليها الى بايزيد لغرض التفاوض .
لقاء الكرد والترك
نا في المرابع ( زوزان ) حيث أرسل ألينا قائد جند رمة بايزيد ، عارف حكمت ، خبرا وجاء للقائنا ، كان قد جلب معه صورة فوتوغرافية لعقيلتي ياشار خانم ، والتي كانوا قد التقطوها لها في بايزيد وأعطاها لي قائلا : جاءت هيئة من أنقرة وهي نود اللقاء في الساعة الثامنة صباحا من اليوم التالي :
في صباح اليوم التالي تم عقد هذا اللقاء في الأراضي الخاضعة لسيطرة تركيا ، خلف الحدود الأكثرية – التركية كان وفدنا يتكون من أنا ( أحسان نوري ) وبعض الرؤساء الكرد مع عشرين فارسا هم آية في الشجاعة والبسالة والإقدام وممن قد عركوا الدهر وخبروا عواديه .
إما الأتراك فقد جاؤوا بسيارتين وبرفقتهم عشرة من العساكر كانت الهيئة مكونة من ممثلين عن المجلس الوطني التركي الأعلى – حيث كان احدهما ممثلا عن استانبول ، والأخر عن مدينة بايزيد وهو قائد فرقة قره كوسه – مع بعض الضباط وعارف حكمت وأمراء جند رمة بايزيد .
كانت مقترحات ممثلي الهيئة هي : -
عودة الأمن والاستقرار إلى أكري .
الكف عن مداهمة الطرق والقيام بالإعمال التخريبية ضد الدولة .
إعادة مواشي التجار إليهم .
زيادة على ذلك خروج إحسان نوري من أكري ، وفق أية شروط يرتئيها هو .
ومقابل ذلك ، يتم العفو عن كافة إعمال التخريب التي قام بها الآراراتيون ، وستقوم الدولة بتقديم كافة أنواع المساعدة إليهم وتوفير الطمأنينة اللازمة لهم . قمت بدوري برد ورفض كافة مقترحاتهم ، فقالوا لي عد إلى وطنك والدولة تتعهد بتوفير كافة مستلزمات الراحة والطمأنينة لك فأجبتهم قائلا : أنا في وطني ، ولست بحاجة إليكم في شيء ، وانأ لا أثق أصلا بأقوال دولتكم !. قالوا لي : اختر أية دولة ود الذهاب إليها ونحن سنتكفل بترتيب عمل لك هناك مع راتب !.
قلت : إنا لا أود إن يكون اسم دولتكم علي فقالوا : سنمنحك جواز سفر واذهب حيث تشاء وبملء حريتك ، وان القنصل التركي في تبريز هو الذي سيعطيك الجواز بنفسه .
أجبتهم قائلا : لا تتعبوا أنفسكم سدى ، لن اذهب إلى أي مكان أنا خادم للأمة الكردية ، وهم فقط ( أي الكرد ) القادرون على إملاء الأوامر علي ، وإذا كنتم صادقين في أقوالكم فردوا على علم استقلا ل الكرد الذي يرفرف على ذرى أكري وعلى مرأى من الدولة .
انتقلوا إلى مسألة مواشي التجار وقالوا : من أتى بهذه الماشية فليردها إلى أصحابها .
قلت لهم : إن الذين أتوا بهذه الماشية قد أتوا عليها جميعا واكلوها ، وإذا لم تصدقوا ، أريتهم فرزنده بيك وخالص بيك وقلت : هذان قد جاءا بالماشية ويمكنكم السؤال منهما ، قال احد الممثلين مخاطبا فرزنده بيك : إن لم تعيدا الماشية فان الدولة لن تعفو عنكما !. أجاب فرزنده بيك : نحن لا نطلب عفوا من الدولة ولسنا بحاجة إلى ذلك بعدها تحدثوا لفترة مع برو هسكي وتحدثنا نحن بدورنا مع الضباط .
إن مطالب الآكريين كانت تنحصر في كلمتين فقط وهما ( حرية كردستان ) ولم يكن يراودهم ادني شك في إن الدولة تعرف ذلك ، وان قيام أحرار كردستان برفع علم استقلال كردستان الثلاثي الألوان خفاقا فوق ذرى أكري جبال جزيرة بوتان مديات ساسون خرزان وجبال كردستان الأخرى ، كان اسطع دليل على وضوح أهدافهم وكان واضحا إن الدولة تسعى لخداعنا
إن الذي تم الاتفاق عليه في هذا اللقاء هو فقط إن تتوقف هجمات قوى أكري على بايزيد وبالمقابل تحجم الدولة عن إرسال القوى والعساكر إلى أكري .
في ختام تلك المناقشات قال بعض الضباط الذين كانوا قد تعرفوا على اسم إحسان نوري في استانبول مخاطبين إحسان نوري : أية خدمة شخصية تود إن نسديها لك ؟ فأجبتهم : أرسلوا زوجتي إلى حلب ! .
انقضى الصيف ورجعت العشائر من المرابع في قراها وقد أقام الشيخ عبد القادر ، الذي كان قد استسلم للدولة ولم يزل خاضعا لا وأمراها في قريته الواقعة في النصف الغربي من أكري ، إما علو بشو الذي لم يستمع إلى الشيخ ولم يستسلم للدولة ، فقد أرسل الشيخ مسلحيه إليه فذهبنا بدرونا لجندة علو بشو وعندها عاد إتباع الشيخ من حيث أتوا .
طلبت بعض العوائل من عشيرة هسه سوري من الدولة السماح لهم بإعادة أعمار قرية كاني كورك الواقعة في وسط أكري وبمحاذاة الحدود الآكرية – التركية تحت سيطرة تركيا وكانت كاني كورك مكانا مناسبا لعقد اللقاءات والمباحثات بين ممثلي الدولة والآراراتيين بعد أيام من إعادة أعمار أكري والضباط الأتراك من مدينة بايزيد ، وقد استضاف رئيس القرية حميد إسماعيل هؤلاء بحرارة وساد هذا اللقاء جو ودي حيث التقطت فيه بعض الصور التذكارية .
اقترح الضباط الأتراك على إحسان نوري الذهاب يوما إلى بايزيد والحلول ضيفا عليهم فأجبتهم قائلا : تعهدوا بضمان عودتي سالما إلى أكري وسآتي إليكم على الرأس والعين ، وبكل سرور ، لقد كنت واثقا من شهامة زملائي من الضباط الأتراك وعدم نكثهم للعهد ، قال الضباط : سنفكر في الأمر بعدها سنرسل في طلبك ، بعد مضي أيام معدودات جاءني خبر من وزارة الداخلية التركية ، عن طريق والي بايزيد بان شريكة حياتي قد غادرت تركيا متوجهة إلى سوريا .
بناء على اقتراح الحكومة التقى مسؤولو بايزيد مع زعماء أكري في كاني كورك مرة أخرى كانت الحكومة قد أتت معها في هذا اللقاء ببعض الزعماء الكرد الموالين والمطيعين لها ، كان من بينهم تيمور كسكويي ، رئيس عشيرة كسكويي ، والذي قال في سياق الحديث ، إنا تركي ابن تركي ، وكان بكلامه هذا يتودد ويتملق للحكومة ، كان وقع كلام تيمور هذا على الآكريين كبيرا حيث أجابه برو هسكي ، بكل برود وتحقير واستهجان ، أتمنى من الله إن تقبر بعد موتك مع إخوانك الأتراك !.
في شتاء ذلك العام وإثناء المعركة التي حدثت بين الكرد والعساكر التركية لوحظت جثة تيمور وهي ملقاة بجانب جثة ضابط تركي في مكان واحد وفي منخفض من الارض وقد اوتي بالجثتين ودفنتا معا حيث استجيب دعاء برو . بعد هذا اللقاء بأيام وقعت حادثة أكدت لزعماء أكري ان الغرض من هذا اللقاء لم يكن إلا لخداع واستغفال الآكريين .
معركة كاني كورك
في صبيحة احد أيام الخريف ، حيث كان نسيم الصباح يداعب الإرجاء ، والندى قد افترش الأرض وشرع بالتبلور على وجه المراتع الصفراء الزاهية ، كقطرات فضية تبلورت على وجنات صفراء . كانت أشعة الشمس قد مزقت ستائر الظلام ، وجعلتها هباء منثورا في أعالي الغيوم وما كادت الأشعة تلامس وجه الأرض حتى علت أصوات البنادق قرب خط الحدود الكردية التركية وعلى أثراها سمعت رشقات المدافع لوم يمض طويل وقت حتى وقعت قرية كرد آفا ف مرمى مدفعية العدو .
إن قرية كرد آفا التي كانت تبعد بضع مئات من الأمتار عن خط الحدود الكردية التركية كانت اقرب اقرب قرية إلى العدو وكان بيتنا وبيت برو في هذه القرية وعلم استقلال الكرد كان أيضا يرفرف على هذه القرية وكان اسم القرية سابقا تركمن فغيرت اسمها إلى كرد آفا .
لقد حنث الأتراك في قولهم وكانوا قد غافلونا نحن الكرد .
إن أكراد أكري ، والحق يقال كانوا قد خدعوا ولذلك فان قسما من قوات أكري كانت منشغلة بإعمالها الحياتية داخل الأراضي الخاضعة للسيطرة التركية وقد توجه قسم من الفرسان الكرد كي يحتلوا بعض الأماكن الحساسة والمهمة في قمة أكري بين أكري الكبير والصغير وليمنعوا الأتراك من التسلل من تلك الناحية لان هذه المنطقة كانت دوما محور هجمات الجيش التركي بغية قطع الصلة بين مناطق أكري والأراضي الإيرانية المحايدة وبغية محاصرة وتطويق قوات أكري لم يكن احد على هذه القمة كي يزدأنا ( يدعمنا ) حيث كنا في القرية جميعا وكانت هنالك ثمة قرية إلى جوارنا لكنها كانت تبعد عنا بعض الشيء ، وهي قرية موسى بيركي
هجر أهالي هاتين القريتين مساكنهم وتوجهت النساء والأطفال إلى مشارف الحدود الإيرانية وكانت طائرات العدو تحلق في سماء أكري وهي تمطر النساء والأطفال بوابل قذائفها وقنابلها الحارقة .
بقي القائد الكردي مع برو هسكي واثني عشر رجلا في القرية لصد هجوم العدو واحتدمت المعركة واستعرت لكنها لم تكن تعني شيئا بالنسبة للأكريين كنا نرى الاعداء وقد احتلوا الروابي المواجهة لكاني كورك وكانت هناك مجموعة من الخيالة مع مدفع لم تكن تلاحظ هنالك اية هجمات للمشاة لوم تكن طلقات المشاة والمدافع مصوبة نحو أكري بيد أن المعركة الضارية كانت على أشدها في طرف كاني كورك .
في كاني كورك كانت تسكن 25 عائلة وكانوا قد أعادوا بناء القرية بناء على موافقة الحكومة وكان مناضلو آكري على علم يقين بان سكان كاني كورك لم يفعلوا ما يغيظ الدولة كي تطبق عليهم قوات الدولة من كل حدب وصوب وفجأة لاحظنا سحب الدخان وهي تلف كاني كورك وعلى أثرها هرعت النساء والأطفال الكرد صوب الحدود وجاؤؤا إلى أكري كنت ممتطيا جوادي وذاهبا لاستطلاع المكان فلمحتهم يتوجهون صوب قرية الشيخ عبد القادر الذي كان مواليا للدولة وإثناء فرارهم لمحت طفلين قد أضلا أمهما وهما وحيدان في السهل يبكيان فاخترقت سحب نيران مدفعية العدو وضعت الطفلين على صهوة جوادي وعدت بهما إلى حيث رفاقنا .
كانت طائرات العدو مستمرة في رشق النساء والأطفال بالقنابل والقذائف وفجأة وعلى حين غرة أصاب ابن أخ برو البالغ من العمر تسع سنوات والذي يدعى إبراهيم طائرة ببندقيته وأسقطها أرضا حيث سقطت داخل الأراضي الخاضعة للسيطرة التركية وتوجهت فرق الخيالة التركية فورا لندة الطائرة وقد تواروا عن الأنظار خلف إحدى التلال .
حتى هذا الوقت لم يدر احد سبب قيام الأتراك بصب جام غضبهم وحقدهم على كاني كورك وما هي إلا هنيهة حتى عاد بعض المناضلين الذين كانوا داخل الأراضي حتى عاد بعض المناضلين الذين كانوا داخل الأراضي التابعة للسيطرة التركية وكان هؤلاء هم : ايلخان الابن الأصغر لبرو ، وملا شن الله الذي كان من أوفياء الأمة الكردية حيث كان يخطب باسم الأمة الكردية أيام الجمع ومن على منبر جامع أكري وكان برفقتهم خمسة من الفدائيين حيث قالوا :
وصلنا كاني كورك في وقت متأخر من الليل وكنا مرهقين غاية الإرهاق حيث ارتأينا إن نستريح في بيت حميد إسماعيل ومن ثم نعبر الحدود في اليوم التالي ولم ندر كيف عرف الأتراك بوجودنا في بيت حميد إسماعيل حيث خرج صاحب القرية ( حميد إسماعيل ) للتو ضوء فشاهد مجموعة من الخيالة الأتراك متجهين صوب القرية عندها تذكر وجود الفدائيين في بيته والكرد ل ايتوانون عن عمل أي شيء من اجل المحافظة على سلامة ضيوفهم وحمايتهم ومن اجل هذا فقد صرخ في الخالية قائلا :
إياكم إن تتقدموا ومن جهة أخرى نادى على زوجته قائلا عجلي إلى ببندقيتي فأخذت زوجته قائلا عجلي إلى ببندقيتي فأخذت زوجته بندقيته إليه ونهضنا نحن بدورنا وحملنا بنادقنا وتمنطقنا بأحزمة الرصاص وعدونا خارجين لم يتوقف الخيالة عن السير بل كانوا يحثون السير باتجاه القرية فأطلق حميد إسماعيل رصاصة من بندقيته وأردى احد الجنود صريعا ووصلنا نحن أيضا وشرعنا بالقتال إلى جانب حميد إسماعيل وقد هب أهالي القرية أيضا لنجدتنا حيث قتلنا بعض العساكر واستولينا على أسلحتهم ومن ثم تقدمت فرقة عسكرية كانت مرابطة حول القرية ليلا لنجدة الخيالة واحتدم القتال بيننا وقد سقط ثلاثة من رجال القرية شهداء ورأينا إن لا طاقة لنا بمجابهة الفرقة العسكرية فغادرنا القرية وتركناها وإثناء الانسحاب قتلت ثلاث نساء مع طفلة في الرابعة من عمرها وجئنا نحن إلى طرفكم بينما توجه القرويون إلى طرف الشيخ .
بعدها علم إن رجلين آخرين مع طفلة صغيرة جدا قد جرحوا على اثر القصف المدفعي الذي أعقب القتال كما جرحت زوجة حميد إسماعيل وأخوه وذلك ردا على جميلها في استضافة الضباط الأتراك قبل أيام.
تعقبت فرقة من العساكر التركية سكان كاني كورك الذين هربوا من وجههم وعبر جنود الأعداء الجسر الحدودي ودخلوا أراضينا حيث كانوا يبغون الاستيلاء على مواشي ودواب سكان كاني كورك والتي كانت ترعى عندنا على ضفة النهر إن رؤية هؤلاء الجنود ورؤية الهروب المأساوي لنساء وأطفال الكرد من قبضة العساكر الأتراك لم تترك لدى المجموعات الصغيرة من الاكريين التي كانت تراقب الإحداث من على القمة ادني مجال للتحمل واستقر رأي شجعان الكرد على إحياء مثل بطولي رائع من أمثلة أبائهم وأجدادهم الأوائل التي يحتذي بها عبر التاريخ كي تسر أرواح أولئك العظماء الصناديد الذين امتشقوا سيوفهم وشقوا بجيادهم عباب بحور الأعداء من اجل صيانة وطنهم وحريتهم حيث كانوا يبغون كشف الستار وإماطة اللثام إمام أعين أعداء الكرد عن حروب الإيرانيين والطورانيين التاريخية ( اعتقد إن المؤلف يقصد هنا تلك الحروب التي ورد ذكرها في ( شاهنامة ) الفردوسي – المترجم ).
ولكي يعلم الجميع إن أبناء الأمة الكردية الحاليين ما هم إلا سليل أولئك الإبطال العظام صناديد سوح المعارك وانه لم يطرأ على روحهم القتالية ودمائهم الآرية الزكية أي تغيير باختصار أرادوا في هذا اليوم إن يقارنوا بين روح البسالة والقتال والرجولة عند الكرد والترك وان يبرهنوا على ذلك وينتزعوا الاعتراف بشجاعتهم من الأصدقاء والأعداء كانوا يبغون التضحية بأرواحهم رخيصة على مذبح حرية معشوقتهم ولقد صمموا على ذلك رغم تفوق العدو عدة وعددا ورغم إن كل مقاتل كردي كان يقابله مائة من عساكر العدو.
لذلك كان ضروريا إن تعوض شجاعة وبسالة الكرد عن قلة عددهم وبعد لثم وتقبيل صخور أكري السوداء المكفهرة والتي هي بالنسبة للأمة الكردية بمنزلة الحجر الأسود في الكعبة أداروا ظهورهم إلى أكري وصدروهم إلى الأعداء وتقدموا نحو الإمام غير هيابين كانت ساحة المعركة منبسطة وجرداء وبعيدة عن أكري حيث لم يكن بمقدور الأعداء عندها التبجح بان الكرد يستفيدون من خبرتهم بمرتفعات ووديان أكري في حربهم معهم وكان العدو يفوقهم من ناحية العدد ونوعية الأسلحة إضعافا مضاعفة ومن ناحية المواضع القتالية فان اغلب المواضع الحساسة والهامة كانت تحت سيطرة العدو حيث كانوا يتمركزون في القرى وعلى المرتفعات وعلى العكس من ذلك تماما كان الكرد متمركزين في الأراضي السهلية المنبسطة والجرداء ولكن رغم كل هذا التفوق والتباين .
فان المناضلين الكرد كانوا مصممين على خوض المعركة مهما كانت النتائج لكان أرواح الإبطال الإيرانيين القدامى قد حلت فيهم ( يقصد المؤلف كردستان إيران مثل رستم زال و كاوه وكوهدرز وغيرهم – المترجم )
فقد كانوا يتسابقون من اجل التضحية .
إن الأكريين لم يكونوا يودون إن تراق دماء الأبرياء لكنهم كانوا يودون إن يثاروا لهم كانوا يريدون إن يخضبوا بدمائهم القانية السنابل الخريفية البيضاء النابتة على أطراف ضفة النهر الحدودي ، وعلى الأرض الخضراء الزاهية كانوا يريدون إن يظهروا للعيان راية الوطن الكردي خفاقة مرة أخرى ولم تكن رشقات القنابل والقذائف قادرة على الحؤول دون تقدمهم فقد كانت دماء المقاتلين الكرد تغلي في عروقهم .
وإمام صمود وبسالة المقاتلين الكرد ، انسحب العدو من آكري وفر صوب قرية كاني كورك ، وكان العدو يمطر الجسر الواقع قبالة كاني كورك على النهر الحدودي بنيران كثيفة بغية منع الكرد من عبوره واجتيازه وصل رفاقي المقاتلون إلى الجسر وتمترسوا في صفحة وشرعوا بالقتال كنت إنا الخيال الوحيد بينهم وق وصلت قرب الجسر ، ولم أجد مكانا اخفي فيه الفرس فقدته إلى منخفض من الأرض .
كان العدو قد ركز نيران ال(ميتراليوز ) على الجسر بغية الحيلولة دون عبورنا إياه ، رأيت إن المعركة ستطول على هذه الشاكلة فحزمت أمري وامتطيت جوادي وهمزته واستطعت الوصول إلى الجسر لم اعر إذنا صاغية إلى عتب الرفاق وطلبهم لي بالترجل لان العدو يتمركز في القرية بل عبرت الجسر وأطلقت رصاصة صوب القرية فجاءني الرد رشقة من الرصاص لكني مع ذلك دخلت القرية وغادرها الأتراك من الطرف الأخر وفي هذه الإثناء كان كل من يادو دلخري وعثمان كيلم مع ثلاثة من الفرسان قد تلقوا امرأ باجتياز المنطقة المواجهة للجسر والتي تبعد خمسمائة متر إلى الغرب من جسر كاني كورك حيث همزوا خيولهم باتجاه تلة تقع إلى اليمين والى الخلف قليلا من قوات العدو .
في القرية كانت ثمة نساء أسيرات وبضمنهن امرأة حامل وقد اخفين أنفسهن عرفن إنني كردي من وقع حوافر فرسي ، حيث كان الجنود الأتراك المتواجدون في القرية قد غادروها كانت هنالك جثة امرأة مخضبة بدمها حيث قتلها الأتراك في القرية بعد رفضها الذهاب معهم وكانت تظهر على جسدها أثار عدة طعنات حراب كانت هذه المرأة هي زوجة ابن عم حميد إسماعيل .
كانت القرية محتلة وقد وصلت ناحيتي بعض النسوة الناجيات بعيون ملؤها الدمع والتصقن بعنان فرسي مانعات إياي من التقدم حيث امسكن بإقدام فرسي .
كان برو يقاتل مع رفاقه المنبطحين على الأرض في مواجهة الجسر وعندما رأوا إنني عدوت بفرسي داخل القرية قاموا وعبروا الجسر وجاءوا إلي راجلين انتحت النساء جانبا وذهبنا جميعا خلف القرية وفي هذه الإثناء كان كل من يادو دلخري وعثمان كيلم قد تمكنا من الوصول إلى طرف العدو وخلفه وبدءا بضربه . رأى الأتراك إننا قد سيطرنا على القرية وأننا نشن الهجمات من جهتين فدب الذعر في صفوفهم .
قال برو هسكي : ها قد حان دوري الآن وبعد رجاء وإلحاح اخذ فرسي وامتطاه وسار في اثر الأفراد الذين هربوا من كاني كورك ولكن هؤلاء الأتراك كانوا قد ابتعدوا كثيرا لذلك فقد عاد ادارجه لكنه ما لبث إن حث السير نحو مواضع الأعداء ولوحده كان الطريق بعيدا والأرض سهلة ومنبسطة و ملى بالقضيض ( صغار الحصى ) ولكي لا يتمكن الأتراك من النيل من برو فقد زكزنا عليهم نيراننا الكثيفة وصل برو إلى الرابية التي كان عليها الأتراك عندها لم يتمكن الأعداء من مشاهدته حيث كانوا منهمكين بالانسحاب حيث استقل سيارته ولاذ بالفرار وبعدها أرسل سيارته لجر المدافع الثقيلة حيث أنقذوها من أيدي الكرد .
قام يادو زيلاني الدلخري والذي كان متموضعا في الطرف الخلفي للعدو بشن الهجوم على فلول الروميين المتقهقرين حيث تمكن من اسر بعضهم إما نحن فقد خرجنا من قرية قوتس المواجهة للجبل الواقع خلف بايزيد وشرعنا نشيع فلول الروميين المنهزمين بزخات من طلقات البنادق حيث كان هنالك مجموعة من عساكرهم ومدافعهم على مرتفع قوتس .
لقد كانت هذه المعركة تبعث على العجب العجاب فقد كان أكثر من ألفين من المشاة والخيالة من المدربين تدريبا جيدا والمجهزين بالقنابل والمدافع الصغيرة والكبيرة وقاذفات القنابل يتصدون لخمسة عشر رجلا وستة خيالة من الكرد لكنك كنت تخيلهم كانه قطيعا قد وع الذئب في صفوفه حيث كانوا يفرون غير مولين على شيء ، وتاركين وراءهم مدافعهم وقد وقعت مجاميع منهم في الاسر كما كانوا قد تركوا الطائرة وحراسها لوحدهم لقد تقدم الكرد حتى قرية قوتس الرابضة على صدر الجبل المواجه لبايزيد
كان كردي من قرية هللاج ويدعى ابراهيم آزو ، قد قام بمرافقة الطيار الذي اسقط الكرد طائرته الى مدينة بايزيد واثناء عودته عرج على مرتفع قوتس كان مرتفع قوتس يدعى مرتفع الشيطان – وعند وصوله الينا قال : عندما اتيت الى مرتفع الشيطان لمحت عساكر الترك وهم يفرون من امامكم وكان ثمة ضباط اتراك يرقبون ميدان المعركة بالنواظير حيث كان احدهم يضرب ركبته بكفه قائلا : يا الهي ما هذا النحس ؟
كل هؤلاء المشاة والخيالة المزودين بالمدافع يفرون امام خفنة من العراة والحفاة والجياع الكرد !!
ولكن ليس معروفا لدينا ما قد كتبه هذا القائد التركي في تقريره عن هذه المعركة وكم قدر عدد الكرد ان اصداء هذه المعركة كانت قد انتشرت بين الناس واخذوا يحيكون الاساطير حولها فقد كانوا يقولون انه قد ظهر بين صفوف المقاتلين الكرد فارس ملفع بالبياض كان يغير على الاتراك ويهزمهم .
كانت الشمس مائلة نحو المغيب حين توجه بعض مقاتلي آكري نحو الطائرة التي اسقطها الكرد وكان اثنا عشر رجلا يتزعمهم ايوب آغا شقيق برو هسكي مع بعض رجال موسى بركي قد وصلوا قبل غيرهم الى حراس الطائرة وشرعوا باطلاق النار كان المعسكر متمترسين في أماكنهم بشكل جيد ، حيث كانوا قد حفروا خندقا بين التلال القريبة من قرية دودكان ، وكان على المقاتلين في ارض سهلة منبسطة وتحت وابل نيران العدو . قام كل من سيد رسول برزنجي وفرزنده الهسني وهما مضرب المثل في الشجاعة والبطولة باصلاء الخيالة الاتراك بنيران بنادقهم من الميسرة .. وقد عبر بعض رجالنا واحتلوا الرابية الواقعة امام العدو كما استطاع الفارس الكردي الذي كان قد توجه الى كاني كورك لوحده ( المؤلف هنا يقصد نفسه – المترجم )
ان يصل الى واد يفصل بين مرتفعين كان يحتلهما الكرد والترك حيث كان القتال بينهما سجالا ولم يترجل عن جواده بل سار مترابلا ( متمايلا في جنبه ) حتى وصل الطرف المحاذي لمرتفع العدو وقد استطاع تفادي نيران العدو بالاستفادة من كثرة جثث القتلى المتراكمة هناك .
رأى قائد الخيالة التركي ان الكرد لن يستسلموا وان لامناص من الانسحاب لذلك اصدر اوامره بهذا الشأن وعدا بجواده مع ثلاثة من العساكر الخيالة ، حاول سيد رسول وفرزنده الامساك بهذا الضابط لكنهما لم يفلحا في ذلك .
أما بقية العساكر فلم تسنح لهم الفرصة للوصول ال جيادهم لذا تقهقروا راجلين وعندما خفتت اصوات البنادق صاح المقاتلون لقد هرب الروميون ! وعندها لم ادخر جهدا واسرعت نحو مكان الروميين حيث كانت خيولهم قد بقيت هناك مع ثلاثة قتلى وبعض الجرحى مع اسلحتهم وقد استولى المقاتلون الكرد كل على فرس اما العدو فكان ينسحب زرافات وعلى ارض سهلة كمجاميع طيور الصيد .
رأى احد الفرسان ان العدو يوشك على الافلات من ايديهم فلم يدخر جهدا بل همز جواده ولحق بالعدو لوحده لم يكن يحمل بندقية بل كان شاهرا مسدسا بيده فاطلق رصاصة لكن الخرطوشة بقيت داخل السبطانة وعطب المسدس التفت بعض العساكر فرأوا فارسا لوحده على صهوة جواده لكن الفارس لم يحاول الاختفاء بل صاح بالتركية على الضباط الاتراك سلموا انفسكم ارفعوا ايديكم عاليا
دهش افراد العدو ووجموا كأنما حط على رؤوسهم الطير وانصاعوا للاوامر . دخل الفارس بين صفوف الاعداء وجرد جنديا من بندقية وحزام عتاده ثم امرهم قائلا القوا بأسلحتكم الى الارض فالقوها منصاعين ثم طمأن الاسرى قائلا لهم اطمئنوا بالا ، سأرسلكم الليلة الى بايزيد بين رفاقكم ان هذا الفارس لم يكن غير القائد الكردي بذاته .. !!
انتفاضة جبل أكري
تشكل انتفاضة جبل أكري صفحة مشرقة من التاريخ النضالي للأمة الكردية الآرية ، في سبيل حريتها واستقلالها القومي .
انتفاضة أكري هي الصرخة الأليمة للأمة الكردية المضطهدة التي تعاني من صنوف العذاب والقهر القومي...
انتفاضة أكري هي صرخة حرية الشعب الكردي الأسير والمحروم والمضطهد إلى كل الشعوب والمجتمعات ، انتفاضة أكري هي وثيقة كتبت بدماء شيوخ ونساء وأطفال الكرد وسلمت إلى ممثلي تطلعاتهم من الأجيال القادمة .
لقد اثبت المناضلون الكرد في أكري للعالم اجمع إن جذوة الشوق إلى الحرية والاستقلال متقدة في قلب وضمير هذه الأمة دوما وابدأ .
ليس القصد من هذا الكتيب الصغير التعريف بالمناضلين القوميين الكرد في كردستان تركيا فحسب إذ إن بقاء راية استقلال الكرد خفاقة على ذرى أكري طيلة أربع سنوات إنما كان بفضل تضحيات المحاربين الشجعان من أبناء الأمة الكردية الذين حالوا دون تمكن الأتراك من تنكيس هذه الراية وابدوا في سبيل ذلك ضروبا من الشجاعة والبسالة في سفوح هذا الجبل أن الشهامة والبسالة والروح القتالية العالية والإقدام في المعارك هي مسألة متوارثة لدى أبناء الأمة الكردية منذ أجيال سحيقة وموغلة في القدم إذ هي موروث الإباء والأجداد العظام ،
ولا يختلف في هذه الخصال والسجايا الكردي في الجنوب عن أخيه اللورستاني أو القاطن في ارضروم أو في منطقة قوجان في شرق أيان أو في الاسكندرونة إن كل أصحاب العرق الآري يتحلون بمثل هذه الخصال والسجايا إن بسالة الآكريين ليست صفة وسجية خاصة بهم دون غيرهم بل هي قاسم مشترك لكل العنصر الكردي قاطبة ، وأحد ابلغ الأمثلة على ذلك هو ما يسطره الكرد من ملاحم بطولية في شمال العراق قبل الشروع بسرد إحداث جبل أكري أرى لزاما علي الاشادة بفضل وشجاعة أولئك الثوار الكرد الذين ضحوا بدمائهم عن طيب خاطر وبنكران ذات من اجل حرية أمتهم .
الذي اعرفه إن الكرد في تركيا كانوا حتى عام 1514م يعيشون على ريقه ملوك الطوائف وفي ذلك الحين قرر السلطان العثماني وخليفة المسلمين السلطان ياوز سليم ، وبالاتفاق مع الملا إدريس البدليسي وأمراء الكرد على منح الاستقلال الذاتي للإمارات الكردستانية ، وان تسك النقود بأسمائها ,إن تبعث ممثليها سنويا مع مبلغ من المال إلى طرف السلطان العثماني لقاء الحظوة بالحماية من قبل جيش الخليفة وان تعاضد هذه الإمارات السلطان عند نشوب حرب وقد اعتبر الخليفة هذا القرار رسميا بمنشور فرماني أصدره بهذا الخصوص .
بعد ذلك قام السلطان العثماني مراد زرع بذور الاختلاف بين الإمارات الكردية وتسنى له بذلك القضاء على حكوماتها .
هذا وقد حافظت إمارات كل من بدليس والعمادية وهكاري على استقلالها الذاتي حتى عام 1690ومن ثم قضى الأتراك على إمارة بدليس عام 1697 ونهبوا ملك أميرها .
في عام 1832 أعلن الأمير محمد باشا الرواندوزي الثورة في منطقة سوران وقام بإرسال بعض الأشخاص إلى روسيا لتعلم صناعة المدافع ( ويذكر بعض المؤرخين انه أرسلهم إلى مصر أيام محمد علي باشا ) وبعد عودة هؤلاء إلى رواندوز قاموا فعلا بصنع المدافع للجيش الكردي ولازالت بعض مدافعهم هذه باقية حتى ألان.
في عام 1843 أعلن الأمير بدر خان باشا أمير جزيرة بوتان الثورة ووصل إلى إطراف وان إلا إن ابن أخته الأمير يزدان شير خذله وخانه مع الأتراك واحتل الجزيرة عند ذاك انتكست ثورة الأمير بدر خان واضطر إلى تسليم نفسه إلى الجيش التركي حيث أبعده الأتراك مع عائلته وأطفاله إلى استانبول ....
في سنوات 1880—1881 أعلن الشيخ عبيد الله الثورة في شمدينان واحتل تلك المنطقة ثم اتجه صوب إيران واحتل قسما من أراضيها أيضا بعدها قاوم هجمات الجيشين العثماني والإيراني وآلت الثورة إلى الفشل وقبض الأتراك على الشيخ عبيد الله ونفوه مع عائلته إلى الحجاز إلى إن وافته المنية هناك .
في عام 1914 أعلن سيد علي ابن الشيخ جلال الدين الثورة في منطقة هيزان – ناحية بدليس بمعاضدة ملا سليم حيث ساقا قوة مؤلفة من ألفين من المسلحين الأكراد منها بمساعدة الأهالي بعدها وصلت الإمدادات إلى الجيش التركي وفضلت الثورة وعادت قواتها إلى هيزان إلا إن الأتراك حاصروها واستسلم سيد علي حيث أعدمه الأتراك مع رفاقه في مدينة بدليس .
ما ملا سليم فقد التجأ إلى السفارة الروسية بعدها اندلعت الحرب العالمية الأولى فأخرج الأتراك ملا سليم من السفارة وشنقوه مع من كان بمعيته .
بعد الحرب الكونية تخلص أكراد العراق من رقة الحكم العثماني واعترفت معاهدة سيفر باستقلال كردستان ورضخت حكومة استانبول للأمر الواقع إلا إن مصطفى كمال باشا رئيس الجمهورية التركية سرعان ما تنصل من ذلك ونقض الاتفاقية وسن قانونا اعتبر بموجبه انه لا وجود لأية قومية في تركيا عدا القومية التركية فالكل أتراك وعلى اثر ذلك قام خالد بيك الجبراني قائد الفرق العشائرية في مدينة ارضروم وبمساعدة من الضباط الأكراد بتشكيل جمعية استقلال كردستان .
في عام 1924 قام إحسان نوري الجبراني وبمساعدة أربعة من الضباط الأكراد هم كل من ( راسم توفيق – خورشيد وعالي رضا ) بتحشيد القوات في منطقة بيت الشباب ( التابعة لهكاري ) من اجل تحرير كردستان لكنهم لم يوفقوا في مسعاهم حيث انهار عالي رضا وتشتتت قواته وعلى اثر ذلك تم إلقاء القبض على خالد بيك واقتيد إلى بدليس .
وفي عام 1925 أعلن الشيخ سعيد بيراني الثورة واحتل مدينة خاربيت إلا إن الإمدادات وصلت إلى الجيش التركي عن طريق السكك الحديدية فانهارت الثورة وقد خانه احد أصحابه والمدعو ( قاسم جبراني ) قائد العشائر ، وألقي القبض على الشيخ ورفاقه وشنقوا جميعا في مدينة ديار بكر وفي أواخر عام 1925 أعلن الشيخ عبد الله كيلاني زاده ابن الشيخ عبد القادر نهري الثورة في منطقة نهري واسر طابورا من القوات التركية بعدها انهارت الثورة والتجأ قائدها إلى العراق .
وفي هذه الفترة تم إعدام كل من خالد بيك الجبراني ويوسف ضياء – مندوب بدليس السابق في المجلس الوطني التركي – مع إخوة عالي رضا وصهرهم في مدينة بدليس . في عام 1926قام برو هسكي تيلي من عشيرة جلالي في جبل أكري بإعلان عصيانه ولجأ الى الجبال وفي عام 1927 وصل إحسان نوري إلى أكري وتولى زمام قيادة الثورة حيث انتخب قائدا عسكريا عام من قبل جمعية خويبون وفي ذلك العام رفع العلم الكردي الثلاثي الألوان خفاقا فوق ذرى دبل أكري الشامخ وأعلن استقلال كردستان وكان قد اتفق على لون العلم الكردي عام 1920 من قبل جمعية تعالي كردستان ، وقامت جمعية خويبون بإرساله إلى أكري حيث زين به إحسان نوري هامة جبل أكري لأول مرة .
أكري
كان نشيد أكري الوطني هو :
أكري ، أكري ، قد كنت نارا
كنت دوما شامخ الهامة
كنت مشعلا فوق كردستان
اتقد يا أكري ، اتقد يا أكري
لك كل التحية والتبجيل يا أكري ، أيها الجبل الشامخ والجميل فأنت دوما كنت قبلة أبنائك الذين كانوا يقدونك دوما لاستذكار تاريخهم المجيد واسترجاع أمجادهم الغابرة .
آيا أكري إن اسمك يذكرنا بتاريخ الإسلاف حيث كنت دوما منبع النور والنار منذ القرون الخزالي وكنت دوما رمز القوة والمنعة واليوم إذ تتقد شعلة النار في قلوب أبنائك ، فاسمح لي كابن وفي وبار لك إن انحني إمام عظمتك بكل خشوع وتواضع وتبجيل وان انفض الغبار عن بعض صفحات تاريخك المجيد .
أكري هذا الجبل الشاهق الذي يبرز من الجهة الشمالية الشرقية لحدود كردستان تركيا يناطح كبد السماء وينتصب كالجدار واقفا ليحمي الوطن من عدوان الغرباء فهو الذي لم يجرؤ احد حتى الآن على الوصول إلى قمته . كان أكري في وقت ما معبدا للزرادشتيين وأصبح فيما بعد قبلة للشباب الكردي المغوار الذين تمكنوا ولأول مرة من رفع راية استقلال الكرد الثلاثية الألوان خفاقة على ذراه ، بعد إن عمدوها بدمائهم ولعدة سنوات وعلى مرأى من الأعداء الطغاة.
إن أكري اسم يبعث على الشعور بالزهو والافتخار فهو المعروف منذ القدم ببراكينه الهادرة وهو الوفي والحامي لأبنائه منذ ألاف السنين وهكذا يصبح اسم أكري محفورا في ذاكرتنا دوما وابدأ
كان الأشوريون يسمونه ( اورارتو ) والعبريون ( آرارات ) وسماه المؤرخ اليوناني هيرودوت ( آلاراد ) وقد نقش اسم ( اور ارتو ) على الحجر لأول مرة الملك الأشوري ( سلمانصر ) عام 1260 ق . م .
ويذكر المؤرخ الشهير دموركان ان دولة آرارات المتنفذة كانت موجودة قبل الميلاد بألفي عام ، وتؤيد ذلك المكتشفات الأثرية في مدينة وان العاصمة والمناطق الأخرى المجاورة لآرارات مع المكتشفات الأثرية في ساحل البحر الأسود ويتبين من هذا إن كلتا المنطقتين كانت لهما حضارة مشتركة ، أي أن حدود دولة آرارات كانت تصل إلى البحر الأسود .
يقال إن أكري هو من سلالة كوتي العظيمة وقد بقي ردحا من الزمن تحت سيطرة دول أخرى من نفس عرقه وأصله ، مثل السوباريين والنايريين وفي مطلع القرن الثامن قبل الميلاد بلغت حضارة أكري أوج قوتها ومجدها في سنوات 825-800 ق. م كان ملك أكري يدعى منقاش والذي هو نفس مناش جخا الوارد ذكره في الآفيستا ومنوجك المذكور في الشاهنامةة وقد هاجم من الجنوب قوات كل من آشور نيبال وسلمانصر ، ووجه إليها ضربات قوية ثم انسحب بعد ان ترك وراءه ملة في جنوب بحيرة رضائية دون عليها إعماله في ذلك الزمن كانت الرضائية تدعى جيجس جكس ( الرضائية هي تسمية سلطوية إيرانية حديثه لمدينة أورمية في كردستان ايران .
يقول هيرودوت انه كانت تقيم في إطراف جبل آرارات قبيلة الآروت الوثنية وان موطنها ( ناير ) كان يمتد حتى نهر آراس ، وكانت هذه المنطقة أيضا مطنا لطائفة آرزانت الميدية ، ويظهر إن اسم آرارات قد اشتق من اسم هذه الطائفة .
وان وجود منطقة باسم الخالدين على مقربة من طرابزون ، يؤكد الحقيقة القائلة إن حدود دولة آرارات كانت تمتد حتى البحر الأسود إن اكتساب دولة ميديا القوة والاقتدار على يد ملكها العظيم هوخشتره ، كان سببا مباشرا في تقويض آرارات ملك من السلالة المانوية التي كان موطنها جنوب غرب بحيرة جيجس – الرضائية .. ومنذ عام 600 ق. م. بدأ الوهن يدب في أوصال دولة آرارات حتى سيطر عليها الأرمن
يذكر هيرودوت إن حضارة الآراراتيين كانت أرقى من حضارة الأرمن وان الأرمن قد اعتنقوا ديانتهم وأطلق الأرمن فيما بعد على هذه المنطقة تسمية ( هايستان ) وسموا أنفسهم كذلك ( هنايك ) وأصبح جبل أكري محلا يزاول فيه ملك الأرمن هواية الصيد .
كان جبل أكري قبل الحرب العالمية الأولى ملتقى الحدود الروسية – الإيرانية – العثمانية . وبعد تأسيس الاتحاد السوفيتي سيطر الأرمن على هذه المنطقة ثم تمكن العثمانيون وبمساعدة الأكراد من استردادها من الأرمن ويطلق الأتراك أيضا على هذه المنطقة تسمية ( أكري ) حيث استبدلوا تسمية ( قره كوسه ) ب ( أكري ) بعد معركة أكري .
وفي الأزمان الغابرة كان الكرد يسمون النار ( آزر ) وكانوا يسمون الجبل أيضا ( آزر ) ثم تحول لفظ الكلمة تدريجيا إلى ( آكه ر) ومن ثم إلى ( أكرين ) وقد همدت براكين هذا الجبل وبردت حممها واليوم أيضا تظهر وبكل وضوح الصخور العظيمة السوداء في الجهات الأربع من قمة أكري .
برو هسكي تيلي :
ينتمي إبراهيم أغا الذي كان يدعي برو هسكي تيلي إلى عشيرة جلالي وهو سليل عائلة هسه سوري ، كان ممثلا للشعب الكردي في هيئة خويبون نظرا لبطولاته وخدماته في سبيل حرية شعبه ومن ثم منح لقب الباشوية ، كان بيته محاذيا لجبل أكري .,
صد هجمات الجيش الروسي في الحرب العالمية الأولى مع كور هسو قوتكي ( الذي كان بيته أيضا في أكري ) ومنعاه من التوغل في جبل أكري لكن الروس اتفقوا على منحهم السكر والرز مقابل عدم مداهمة جيشهم من الخلف .
بعد الثورة البلشفية في روسيا انسحبت القوات الروسية من أراضي الدولة العثمانية ، ولكن المسلحين الأرمن حلوا محلهم لكن قوات كور هسو وبرو هسكي تصدت لهم وقد هاجم كور هسو مدينة بايزيد لكنه قتل في حربه مع الأمن فتولى عندها برو هسكي إدارة القوات في أكري وهجم على بايزيد واحتلها قبل وصول القوات العثمانية إليها ، وبعد أيام وصل العثمانيون واستلموا المدينة وقد زوج هسكي من أخت محمود أفندي رئيس بلدية بايزيد وافتتح دكانا في المدينة ومكث فيها أما عائلته وأطفاله الآخرين فقد بقوا في آرارات .
في عهد الشيخ سعيد الكبير بقي هسكي على الحياد وبعد اعتقال الشيخ سعيد حاول ابنه علي رضا مع بعض وجهاء عشيرة هسني النجاة بأنفسهم فأصدرت الحكومة التركية قرارا بمنعهم من عبور الحدود إلى إيران وذلك بالتعاون مع عشيرة كور حسين باشا ( حسين باشا الأعور ) وعشيرة دلالي لكنهم لم يفلحوا في مسعاهم هذا حيث اجتاز هؤلاء الحدود ولجئوا إلى إيران وبعد انتكاسة ثورة الشيخ سعيد قامت الحكومة التركية بتهجير رؤساء الكرد مع نسائهم وأطفالهم إلى غرب الاناصول .
اتصل أصحاب برو به مقترحين عليه إخراجه من المدينة قبل إقدام الحكومة التركية على ذلك فأجابهم برو قائلا : " لقد أسديت خدمات جلي للحكومة التركية ، واليوم فأني بقال ، لوم أتدخل في أي أمر كان ، وأنا صديق للدولة فعلام تراهم ينوون إخراجي ؟ " لم يخطر بباله قط إن الكرد سواء خدموا الحكومة التركية أم لم يخدموها فهم عندها سواسية كأسنان المشط .
في صبيحة احد الأيام من أواخر عام 1926 كان أطفال برو قد نهضوا لتوهم من النوم في قريتهم ( سفلكي ) الكائنة في أكري وكانوا قد بدو توا بسوق دوابهم ومواشيهم إلى المراعي :
حول ذلك اخبرنا برو بنفسه قائلا : في احد الأيام جاءني انبي الصغير ( ايلخان ) م أكري وهو في عجلة من أمره حيث كنت حينها في بيتي الكائن في بايزيد وكنت أتناول طعامي قال لي ابني لقد جاء عشرون خيالا تركيا برفقة ضابط إلى القرية مع تباشير الصباح الأولى وسألوا عنك فأرسلنا خادمنا ليبحث عن جوادك ، فامتطى الخادم جوادك وسار ينهب به الأرض نهبا فتبعه بعض الخيالة الأتراك وعندما ازدردته الهضاب علت أصوات البنادق كانت والدتي قد أخبرت الضابط بأنك لست في القرية لكننا لم نعرف ما تمخضت عنه أصوات البنادق .
قلت لابني : " عجل بالعودة إلى القرية فورا وقل للخيالة إن أبي قد ذهب إلى ( قيزل دزي ) أما أنا فسأسلك طريق ( قوتيس ) ولا تنس إن تجلب لي بندقيتي وزنار الرصاص إلى ضفة النهر .
خرجت من البيت وإنا أتمتم مع نفسي عجبا إنني لم أسيء إلى الدولة وكنت طيلة الوقت في مدينة بايزيد لكنهم هم الذين ذهبوا إلى القرية يتعقبونني ومادام الأمر قد وصل إلى هذا الحد فعانقي قبضتي يا بندقتي وليحدث ما يحدث .
خرجت من المدينة وسلكت طريق( قوتيس) حتى وصلت ضفة النهر فلمحت قطيعي يرعى هناك وسألت الراعي : ماذا حدث ؟ قال : جاء العسكر إلى القرية ولم يجدوا أثر لك ، فتبع بعض الخيالة جوادك وصادفهم في الطريق بعض الهاربين م الخدمة العسكرية من عشيرة كسكوبي ، والذين تصدوا للخيالة وأطلقوا النار عيهم وجرحوا احدهم .
أرسلته إلى القرية على الفور فعاد حاملا بندقيتي معه وقال: " لقد غادر الخيالة وتركوا الجريح في بيتك "
عاد برو مع خادمه إلى القرية ، وأرسل الجريح مع اثنين من الأكراد إلى بايزيد كان الوقت أواخر الشتاء ولم يكن أكري قد نزع عنه رداءه الأبيض بعد ويقال إن ملابس نساء وأطفال الكرد قد تناثرت في البراري وتمزقت بفعل حراب الأتراك ونهشت الجوارح والضواري أجسادهم الغضة الطرية وبعثروها أشلاء وكان أكري قد غار بين السحب يرقب عن كثب المجزرة الدموية الرهيبة لثؤلاء الجناة الأوباش كان يرغي ويزيد ويمطر الكون باللعنات في وقت كان أزيز وصفير الرياح الهوجاء المتلاطمة بهامته الشامخة يضفي على المكان وحشة رهيبة ويلف المكان صمت كصمت القبور !
كان أكري يزمجر غاضبا ولسان حاله يقول :
كنت تمطر النيران على الرؤوس .
وتشع بنورك في كل الإرجاء
وتجعل الأرض ترتعد من الهيجان
اتقد يا أكري ... اتقد يا أكري ؟ !
فجأة علت أصوات بعض البنادق من جهة الخيالة الذين طاردوا جواد برو وحدث تراشق بالنيران قرب قرية( جبه كونبتي ) حيث كان في القرية بعض الهاربين من الخدمة العسكرية من إفراد عشيرة كسكويي والذين تصدوا للعساكر وقتلوا احدهم وجرحوا آخر ا إذ من عادة الكرد إن يردوا الصاع صاعين وكان هذا القتيل هو أول ضحايا العدو خلال هذه الانتفاضة الدموية إذا لم يع الأتراك إن في الكهوف والمغارات العميقة والمعتمة وخلف الجنادل العالية الرهيبة ترقد فهود ونمور واسود غافية وان إيقاظها من غفوتها أمر يبعث على الرعب !!
عصفت بآكري ذكريات شبابه فمزق رداءه الأبيض القشيب وكالجياد العربية الأصيلة الجامحة التي تدق بحوا فراها الأرض كلما سمعت أصوات قرع الطبول لاعتقادها إن هذه طبول حرب وإنها على وشك الذهاب للغزو انطلق أكري يفتح أحضانه الامومية لاستقبال أبنائه المقاتلين الأشاوس ، وكان ينتصب كخنجر مغروز في صدر العدو وهو يسترق السمع إلى الأغاني الوطنية التي كان يرددها شباب الكرد وكان بذلك يزداد زهوا وغرورا .
هجر سكان القرى الواقعة أسفل أكري قراهم وتسلقوا هامة أكري العظيم وكان الضابط التركي يظن إن بمقدوره خداع برو هسكي واستدراجه من عرينه لذلك أرسل شخصا إلى برو يخبره انه يود لقاءه في قرية ( هلاج ) للتداول في بعض الأمور .
روى برو ماجرى له قائلا :
قلت في نفسي ان هؤلاء الأتراك قد نفخ الشيطان في آذانهم وأخشى إن يحدثونني ويغافلونني فأصدقهم وانقاد لهم وأخيرا ذهبت وقلت للترجمان : لا تترجم لي كل ما يقوله بل اخبرني بفحوى كلامه فقط وقد أطنب الضابط في حديثه ، لكن المترجم كان يقتضب في ترجمته وبعد كل حيدث كان الضابط يقول : ما تقول يا أغا ؟ وكنت أجيبه قائلا :" إنني لم افقه من كلامك شيئا ! وكانت هذه هي الحقيقة .
عندما أعياه الأمر ورأى انه لا جدوى من حديثه معي ، قال : إننا وانتم مسلمون ، لقد أرسلت رجالك إلى الجبل وهم يسرقون هناك ويسلبونا المسلمين أموالهم وهذه خطيئة كبرى ، لا تشقوا عصا الطاعة وعودوا إلى قراكم واحيوا مع نسائكم وأطفالكم بسعادة نقل لي المترجم قوله هذا فأجبته قائلا : قل للضابط لقد فهمت كلامه هذا وإنني كنت مطيعا للدولة وأنفذ ما يترتب علي من واجبات تجاهها وكنت سعيدا في بيتي بين أهلي وأطفالي وأزاول عملي ولكن انتم من حاول إبعادي عن أهلي وأطفالي ، لماذا ؟ إن هذا ظلم تقترفه الدولة بحقنا ، ولأجل إن نرفع عن أنفسنا الضيم فإننا قد هجرنا قرانا والتجأنا إلى هذه الجبال رأى الضابط إن خداع برو هسكي من أصعب الأمور فاستنفر عساكره وجاء بهم قبالة أكري حيث ضربوا خيامهم هناك كان عدد خلفاء برو ضئيلا وكانوا بين فكتي كماشة الجيش ولم يعلموا إن العدو قد ترك خيامه مضاءة في الليل للتمويه وشق دياجير الظلام مستفيدا من الليل الدامس وتوجه صوب التلال المحيطة بآكري وضرب الحصار على ملجأ برو . وما ان لاحت تباشير الصباح حتى علت أصوات البنادق والمدافع الرشاشة ( الميتراليوز ) وانهمر غيث الرصاص فوق رؤوس الكرد لكن برو لم يضطرب واحتفظ برباطه جأشه وعرف حقيقة ما حدث كانت قوات برو مكونة من اثنين من إخوته واثنين من أبناء أخته وثلاثة من قبيلة هسه سوري ، وجماعة من عشيرة موسى بيركي ، ورجال محو بكر وبعض المقاتلين من عشيرة كسكويي .
حمل الجميع بنادقهم وهبوا لصد العدوان ، وحمي وطيس المعركة فكانت أصوات المدافع ولعلعة الرصاص تهز الجبال هزا وقد استشهد في هذه المعركة الضارية احمد آغا شقيق برو هسكي الشجاع وكذلك شقيق محو بكر وجرح برو هسكي أيضا لكن قوات العدو لم تتمكن من الصمود إمام بسالة واستئساد المقاتلين الكرد فتراجعت القهقرى تاركة وراءها بنادقها ومدافعها ووقع العديد منهم اسرى بيد القوات الكردية إلا إن الكرد سرعان ما اخلوا سبيلهم كي يعرف الأتراك إن الكرد يأنفون من قتل الأسرى لان شهامتهم تأبى عليهم ذلك .
بعد استحواذ الثوار الكرد على مواقع وأسلحة القوات التركية تركوا المدافع المغتنمة لعدم إلمامهم بكيفية الاستفادة منها ولكي يمسح الضابط التركي عن جبين قواته وصمة عار الهزيمة فقد لجأ وبمساعدة سكان غربي أكري الذين كانوا موالين له إلى التسلل ليلا إلى تلك المواقع واستعادة ما استطاع استعادته من المدافع والخيام وقد أحس رجال برو بتسللهم هذا لكن بعد فوات الأوان حيث تعقبوهم لكن دون جدوى قضى مسلحو برو عام 1926 على صدر أكري دون منغصات وفي تلك الإثناء قدم إلى أكري تمر شمكي رئيس قبيلة شمكان القاطنة في منطقة توزهيي وهو رجل شجاع وكردي ذكي وعلى أتم استعداد للتضحية بروحه في سبيل حرية الوطن ولقد ذاع صيته بين الرفاق بالشجاعة والإقدام والمروءة وقد اصطحب معه أخاه شارخو .
كان الوقت إطلالة الربيع وكان أكري يحتضن أبناءه على صدره كأم رؤوم كي يحميهم وقد ازدان بحلة خضراء زراعية احتفاء بأشباله وضراغمه الجاثمين فوق صدره الرحب .
عندما شرعت تركيا بنفي الزعماء الأكراد كان الشيخ عبد القادر وهو احد زعماء قبيلة ساكان في جبل أكري قد نفي أيضا إلى منطقة أزمير مع أهله وأبنائه لكنه ما لبث إن هرب من منفاه مع ابن أخته صالح ولجأ إلى جبل أكري وأصبحت القوات المرابطة في جهة ساكان في أكري تحت إمرته .
بدأت الحرارة تسري في جسد أكري وأصبح بإمكانه استقبال الضيوف بكل ترحاب وعندها كان على برو إن يبدأ هجومه وهكذا كان إذا استفاق سكان بايزيد في صبيحة احد الأيام على أصوات بنادق الآكريين الأشاوس وأشاع الأتراك ان بعض قطاع الطرق قد داهموا المدينة استمر القتال حتى المساء لكن الثوار لم يفلحوا في الاستيلاء على المدينة وعادوا إدراجهم إلى أكري كانت ربيعة خانم الزوجة الصغرى لبرو قد بقيت في بايزيد فأسرع برو مع بعض محاربيه إلى المدينة واخذ زوجته معه إلى أكري .
على اثر هذه الانتفاضة تملك الذعر الحكومة التركية وقررت إخماد الانتفاضة بأي ثمن كان فتوجهت قوة تركية إلى أكري في مطلع خريف عام 1927 في محاولة لاجتياحه وتشتيت شمل القوات الكردية كان سكان شمالي أكري قد لزموا جانب الحكومة فتقدمت القوات التركية من تلك الجهة واحتلت بعض المرتفعات ونصبت خيامها في مكان يتوسط أكري الكبير وأكري الصغير وشرعوا بالقتال . قام بيشمركة أكري بإرسال نسائهم وأطفالهم إلى منطقة ( تامبات )) التابعة لعشيرة ساكان في إيران وأداروا ظهورهم إلى حدود إيران المحايدة ووجهوا وجهتهم صوب العدو .
قبل قدوم الأعداء قامت نخبة من البيشمركة البواسل بتسلق الجبال والوصول إلى الخطوط الخلفية للعدو وشرعوا بإيقاد فتيل المعركة .
هذا وقد قدم بعض أكراد ساكان في إيران لنجدة إخوانهم وهكذا جر العدو أذيال الخيبة والهزيمة وانسحب نحو الوسط وقد كانت بعض القوات التركية ما تزال تقاتل في صفحة جبل كري وقد شنت هجمات عنيفة بغية اللحاق بقواتها المنسحبة في القاطع الأوسط من الجبل وقد ساعدتهم في ذلك القوات التركية المتمركزة في الجهة الغربية من أكري واستعرت الحرب وحمي أوارها كان اشاوش أكري يخوضون التون الحرب بكل ضراوة واندفاع وعلى حين غرة تبدل الجو وهطلت إمطار غزيرة وشديدة وعلت الغيوم السوداء وجه أكري المكفهر واخفت هذه المجزرة الرهيبة عن الأنظار .
استجاب أكري لنداء أبنائه الإبطال حيث استفاد المقاتلون الكرد من سنوح هذه الفرصة وشنوا هجوما صاعقا ومباغتا على العدو وعندما تلاشى الضباب بان أكري وكانت قوات العدو المهزومة تشاهد وهي تولول هاربة لا تلوي على شيء وقد غنم الثوار الكرد الكثير من أسلحة العدو واسروا العديد من إفراده لكن لم يكن في نية الثوار الكرد الاحتفاظ بالأسرى والذين كان من ضمنهم العديد من الضباط نظرا لان الثوار لم يكونوا يملكون من القوت ما يكفي لإطعام الأسرى وكانت شهامتهم ونخوتهم التي جلبوا عليها تأبى عليهم قتل الأسرى وهكذا أطلقوا سراحهم بعد أربع وعشرين ساعة وأرسلوهم إلى بايزيد لقد غنم الكرد في هذه المعركة الكثير من البنادق والعتاد وقد ظهرت علائم هذا الانتصار واضحة على وجوه مقاتلي أكري وكأن مجهولا من عالم الغيب كان يهتف لأكري قائلا :
وديانك امتلأت دماء .
وتناثرت الجثث في الإنحاء .
صحيح انك كنت نارا.
لكن أبناءك الآن هم النار .
علم العدو ولما تنسحب قواته من أكري بعد بأن إحسان نوري متواجد بين أكراد أكري .
كان أحسان نوري قد قدم مع عشرين من فرسان عشيرة حيدري ، والذين كان من ضمنهم ابن خالته( سيفدين بيك) ابن الرئيس السابق فتح الله بيك ، وبعض رجال عشيرة هسني ، حيث كان قد تخطى الحدود التركية وتجول بين عشائر حيدران وهسنان للاطلاع على وضع الكرد وتفقد أحوالهم ، وقرب قرية ( خنس ) سمع بان الأتراك قد أرسلوا الجيش إلى جبل أكري فتوجه مع فرسانه إلى هناك على الفور .
- من هو إحسان نوري ؟
إحسان نوري هو من أكراد بدليس من عشيرة جبران كان احد الضباط الأكراد في الجيش التركي وكان لأربع سنوات قائدا لقوات الحدود التركية – الإيرانية في مدينة بايزيد وكان يعرف منطقة أكري عين المعرفة في عام 1919 كان أحسان نوري من ضمن مندوبي حامية استانبول لمساعدة مصطفى كمال باشا وقد دفعت هذه المجموعة من الضباط القوات العسكرية الى التمرد على حكومة فريد باشا المعادية للقوى الوطنية وعجلت هذه العملية ف سقوط حكومة فريد باشا لمع اسم إحسان نوري واشتهر في صفوف الجيش إثناء العمليات العسكرية المهمة وفي وضع الخطط الحربية في الاجتماعات العسكرية التي كانت تعقد في مدينتي اكدر وسيرت .
بعد قيام الجمهورية التركية رأى إحسان نوري إن قادتها قد تنكروا لوعودهم التي قطعوها للكرد في قادتها قد تنكروا لوعودهم التي قطعوها للكرد في الحرية والاستقلال و إزاء هذا الأمر فقد شكل سرا القوات العشائرية وتولى قيادتها عام 1924 في قرية بيت الشباب قرب الحدود العراقية وبمساعدة أربعة من الضباط الأكراد هم كل من ( رامي راسم ، توفيق ، خورشيد وعالي رضا ) وأعلن تمرده على الدولة التركية إلا إن هذه الانتفاضة سرعان ماخبا نارها ووقع عالي رضا بيك أسيرا بيد الأتراك
قمت بتشكيل قوة عسكرية من الشباب الكردي المغوار ورفعنا راية كردستان خفاقة فوق ذرى أكري وكان الذعر بدب في أوصال القوات التركية المهزومة والمرابطة في إطراف مدينة بايزيد لمرآي هذه الراية بينما كان حراس أكري الإبطال يهزون الإرجاء بأصواتهم الهادرة وهم يهتفون لرايتهم ويصفقون لها وقتئذ كنا قد أقمنا في أكري تشكيلات عسكرية الى جانب إدارة مدنية وكانت راية الكرد ترفرف خفاقة وكلك كان جنوب أكري قد دخل أيضا تحت سلطة ادراة كردستان الحرة وقد استبشر مقاتلو أكري خيرا بهذا الانتصار الرائع وبدءوا يهزون الجبال بهدير أصواتهم وهم يرددون نشيدهم الوطني ، قائلين :
أحطت بذرا عيك الشرق والغرب .
وفاض صدرك بالحمم
قد كنت دوما للكرد كعبة
فاتقد يا أكري،،، اتقد يا أكري
لقد تولى الثوار الكرد مهمة إعادة أعمار القرى في هذه المنطقة .
عندما كانت رحى المعارك تدور ف أكري كان قد عقد في ذات الوقت وفي مكان بعيد مؤتمر قومي كردي كبير ، وأعلن عن تأسيس جمعية خويبون – الاستقلال ، وانتخب إحسان نوري قائدا عاما للقوات العسكرية و انيطت به مسؤولية ادراة الشؤون الحربية . تقاطر الثوار الكرد إلى جبل أكري من كل حدب وصوب وكان فرزنده بيك من عشيرة هسني والذي كان قد حرر مدينة ملا زكرت من سيطرة الأتراك أيام ثورة الشيخ سعيد الكبير قد قدم إلى أكري مع أخيه كاظم بيك وابن عمه ورجال أشداء من عشيرة هسني كما كان العديد من الزعماء الأكراد مثل خالص بيك ابن عبدا لمجيد بيك السبكي وتاج الدين بيك من رؤساء قبيلة رزكي وأدو عزيز الحيدري من الزعماء الأشداء واحمد حاجي برو مع بعض إخوته ، وسيد عبد الوهاب أفندي مع ابن عمه سيد رسول برز نجي قد فروا من منفاهم في أزمير وجاءوا بالتتابع إلى أكري .
تم انتخاب هسكي واليا على أكري ، وتمر شمكي قائدا لقوات الدرك في أكري وبهذه المناسبة ردد الوطنيون الكرد نشيد أكري ، قائلين :
اليوم أيضا التهبت حماستك .
وتعالت نيرانك كالقلاع
وعقدت على هامتك المجالس
فاتقد يا أكري،، اتقد يا أكري ..
كان أيوب أغا من رؤساء عشيرة قوتان قد التجأ مع بعض من أقربائه وأصدقائه والتابعين له إلى القسم الشمالي من أكري في كلفي ( كور خان) وذلك على اثر إبعاد أخيه الكبير إلى غرب الأناضول وقد تعرض هؤلاء إلى هجمات الروم ( يقصد الأتراك ) وقاتلوا لعدة ساعات ثم هجموا على الأتراك وقتلوا واسروا بعض الإفراد من القوات التركية ، والتي اضطرت للتقهقر والتراجع اتصل أيوب أغا بقوات أكري وهكذا أصبح شمال أكري أيضا تحت سيطرة القوميين الكرد .
كانت قوات أكري قد ازدادت عددا وقويت شوكتها وكان سكان مدينة بايزيد يقصدون إطراف أكري بغية الاحتطاب وقد اضطروا إلى دفع جزية لقاء ذلك مع الحصول على الموافقة مسبقا من اللجان الكردية في أكري كي يتمكنوا من الاقتراب من حدود أكري والاحتطاب بحرية .
رأت الدولة التركية انه لا يمكنها عمل شيء رغم قواتها الكبيرة وخاصة إنني قد شكلت في أكري إدارة كردية لذلك منت نفسها بالاحتيال علينا وبغية إسقاط وتدمير قوة أكري والمجالس القومية الكردية فقد سنت قانونا لهذا الغرض أسمته ( قانون التعجيل ) ووفق عليه في المجلس الوطني التركي الأعلى وتم بموجب هذا القانون إصدار قرار بالعفو العام عن جميع من قاموا بإعمال تخريب ضد الدولة وعمم هذا القرار في إرجاء بلاد كردستان وقد أرسلوا نسخة من القرار مع رجل مسن إلى أكري كي نطلع عليه .
كانوا يأملون من أبناء أكري وقف العمليات القتالية والرضوخ للدولة والاستفادة من هذا القرار قلت بدوري إن هذا جزء من أحابيل وخدع الروم لا تصدقوا ليس هناك عفو كان لبرو هسكي أخ جد متدين كان يقول لقد جنح الأتراك إلى الكفر وكل من يستسلم لهم يعد كافرا مثلهم وتعتبر زوجته طالقا كان الآراراتيون يدعونه ( صوفي ) بينما كان اسمه أيوب عندما علم الرؤساء إن الدولة قد أطلقت سراح من كان معتقلا أو منفيا وإعادتهم إلى أماكنهم عندها صدقوا نواياها وقد وشعت الدولة شكاوي سكان أكري نصب عينيها وأطلقت سراح أشخاص آخرين أيضا .
إضافة إلى قيام ممثلي الدولة بالدعاية بين سكان أكري فقد اتصلوا بكل من إحسان نوري والشيخ عبد القادر واللذين كانت عائلتاهما منفيتين إلى غرب الأناضول وقد خجلوا معهما في مفاوضات وكانوا يقولون لهما وباسم الدولة بأنه سيطلق سراح عائلتيهما مع أطفالهما وسيعادون إليهما في حال عودتهما إلى طاعة الدولة وقد رفضت مقترحات ممثلي الدولة من قبل إحسان نوري لكن الشيخ عبد القادر توجه مع ابن عمه إلى بايزيد وسلما نفسيهما إلى الدولة عندها كلف الشيخ عبد القادر بمرافقة ممثلي الدولة والتوجه إلى أكري لإقناع برو هسكي بلزوم جانب الدولة وذلك بطيب الكلام ومعسولة واستغلال علاقات الصداقة بينه وبين الشيخ عندما علم آكريون بذلك قطعوا عليهم الطريق ومنعوهم من الوصول إلى أكري ، وأجبروهم على العودة من حيث أتوا .
كانت الدولة تصرح : كفوا عن القتال ، أطيعوا الدولة استفيدوا من هذا القرار فإجابتهم إدارة أكري قائلة : إذا كانت الدولة صادقة في ما تقول فلتطلق سراح الرؤساء الكرد المبعدين ولتعيدهم إلى أماكنهم السابقة كي نصدق مزاعمها ولم يمر طويل وقت حتى عادت عائلة الشيخ مع أطفاله وأطلق سراح الرؤساء الكرد المبعدين إلى غرب الأناضول وعادوا إلى ديارهم وهكذا وبموجب هذا القانون كان الكرد يستسلمون للدولة ويعودون إلى أماكنهم هذا وقد قام البعض منهم ممن كانوا قد التجئوا إلى أكري بالحذو حذو الشيخ عبد القادر وذهبوا إلى بايزيد ولم تكن الدولة تجردهم من سلاحهم بل كانت تكافؤهم أيضا ، وكان من ضمن هؤلاء أيضا سيد عبد الوهاب برزنجي وأغا تمر شمكي ، وكان هذان من أكثر الكرد استعدادا للتضحية وقد استسلما للدولة بناء على طلب من قائد الوطنيين الكرد حيث كانت خطة القائد تقضي بنشر تنظيم ( خويبون ) في مناطق كردستان الأخرى ، وكان على احدهما ان يعمل في منطقة ارجيش والأخر في منطقتي توزلوج وقاخزمان إن الروح الوطنية كانت ملتهبة في صدور البعض من قادة الفرق الفدائية لدرجة أنهم كانوا يعدون الاستلام للدولة كفرا ولم يغيروا ادني اهتمام لـ ( قانون التعجيل ) .
في خضم هذه الإحداث التقي قائد الوطنيين الكرد بالممثل الرسمي لجمعية ( طاشناق ) الارمنية في أكري نظرا لآن المؤتمر الكردي كان يسعى للاتحاد مع الأرمن وتوحيد الجهود المشتركة والوقوف بوجه العدو المشترك وكان الكرد والأرمن قد تلقيا ذلك بكل ترحاب كان اسمه ( ارديشير مراديان ) وكان مشهورا بين أكراد زيلان حيث كان من أهالي قرية مسيحية قريبة من خنس وكان شابا واعيا وقوميا مخلصا .
كان البعض يرى إن استضافة القائد الكردي للممثل الارمني هي مناسبة لانضمام القوات المسلحة الارمنية إلى جانب القوميين الكرد لكن الحقيقة لم تكن كذلك إن استسلام بعض الكرد المهاجرين وسريان مفعول قانون التعجيل قد اثر كثيرا في انخفاض عدد قوات أكري وتعرضها إلى أزمة شديدة من ناحية التغذية والتموين لكن ذلك لم يؤثر في موقفنا تجاه الروم .
كان الوقت شتاء وكانت الثلوج تغطي منطقة بايزيد حتى حدود وطنيي أكري حل الربيع ولما تنزاح الثلوج بعد كان هذا في وقت قد ذابت فيه الثلوج في إطراف أكري واخضرت الأرض وكان هذا سببا في هلاك الكثير من قطعان الماشية والدواب في منطقة بايزيد مع الحكومة على ضرورة التفاوض مع إدارة أكري لإرسال مواشيهم وقطعانهم لترعى في إطراف أكري وهكذا تدفقت سيول قطعان المواشي والدواب نحو أكري وأصبح لزاما إن يقدم أصحاب المواشي استنادا إلى عدد مواشيهم نسبة من الماشية إلى إدارة أكري وهكذا خفت وطأة الأزمة الغذائية على سكان أكري وتحسنت أحوالهم قام القائد الوطني الكردي وبهدف زيادة هيبته ونفوذه وإظهار رفضه لقانون التعجيل بإرسال كل من خالص بيك مع بعض فرسانه وفرزنده بيك مع بعض فرسانه إلى المناطق الخاضعة لنفوذ الروم لغرض السيطرة على الطرق وقطع سبل المواصلات وخطوط التلغراف والتلفون وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة .
ما أن ذاع نبأ حادثة أكري بن الترك حتى قامت مجموعة خالص بيك بمحاصرة واعتقال (300) شخص من العساكر الحديثة التسليح وتجريدهم من السلاح ووضعهم تحت المراقبة وكان خالص بيك يقوم بعملياته النضالية مع سبعة من إفراده .
أما فرز نده بيك وكذلك مجموعة أدو عزيزي ومجموعات صغيرة أخرى والتي خرجت من أكري فقد سيطروا على الطرق القريبة وكانوا يقومون بعمليات سريعة خاطفة ثم يعودون للالتحام بقوات أكري وكانوا بهذا يراوغون الدولة اذ في الحقيقة لم يكن قد بقي في أكري أكثر من عشرة مسلحين فقط لمقاومة فرقة بايزيد !!
حل الصيف الفصل المناسب لعمليات المداهمة والهجوم وتوجه الشيخ عبد القادر مع إتباعه إلى مرابع جبل شنك الذي يبعد عن أكري حيث أعادت الدولة عائلته وأطفاله من أزمير .
كانت مجموعات فدائيي أكري تتوغل عميقا داخل الأراضي الخاضعة للسيطرة التركية فقد كانت مجموعة فرزنده بيك توسع من دائرة هجماتها إلى منطقة حسن قلة القريبة من ارضروم حيث شنت في إحدى المرات هجوما على خان يقع وسط حسن قلة واحتلت أيضا سري قامش حيث كان بعض الضباط الترك متوجهين مع عوائلهم إلى سري قامش وقد أسروهم جميعا ومن ثم أطلقوا سراحهم احتراما للنساء اللواتي كن برفقتهم ان الاحترام الزائد للنساء وصيانة عرضهن قد اظهر الخصال الحميدة للكرد وكان صدى ذلك قد ذاغ بين الضباط الأتراك .
عــــــلو بشـــو
إن مجموعة علو بشو المؤلفة من خمسة أشخاص فقط كانت تتجول حتى مشارف ارضروم وفي احدى المرات وقرب مرتفع بالآن دوكن ، تعقبت مفرزة عسكرية هؤلاء الفدائيين ونصبت لهم كمينا وبعد معركة قصيرة قتل ضابط وعدة جنود واستولى الفدائيون على أسلحتهم وارتدوا بزاتهم العسكرية ثم عادوا وكان علو بشو مرتديا زي الضابط .
اثر معركة 1930 وبعد سقوط آكري بيد الروم كان بعض الفدائيين قد بقوا هناك وبشكل متفرق حيث كان علو بشو قد استعصى على العدو في مغارة مع رفيق له وكان عسكر الروم قد حاصروا المغارة وهم يحاولون اقتحامها فنشبت معركة بين الطرفين وبعد هنيهة ارادة علو بشو أن يسلم نفسه فسمح له علو بشو بذلك بعد أن جرده من بندقيته وعتاده وبقي علو بشو لوحده كان الجنود يرمونه بالقنابل لكن علو بشو كان يحول دون انفجارها اذ كان يلتقطها وهي في الهواء ويقذفها صوب الجيش ، وصادف مرة انه لم يتمكن من التقاط قنبلة قادمة نحوه فارتطمت بالأرض قريبا منه وانفجرت فأدمى وجهه وأظلمت الدنيا في عينيه لكنه لم يترك العدو يشعر بذلك حيث ظل يشاغله ببندقيته كان الليل قد حل وبدأ الجو بالتغير وهطلت امطار غزيرة وتفاديا لغزارة المطر فقد استلقى العسكر قرب باب المغارة لعلمهم انه قد بقي فيها شخص واحد فقط .
كان علو بشو قد ارتدى الزي العسكري ووضع السترة العسكرية فوق كتفيه إضافة إلى غرازة الإمطار فقد كان الجو شديد الحلكة والسواد ايضا ولهذا فقد تسلل علو بشو وبهدوء إلى بابا المغارة واستلقى على الأرض كباقي العساكر وشيئا فشيئا تمكن ان يشق لنفسه طريقا بينهم وما إن انتأى عن باب المغارة قليلا حتى انتصب واقفا ومشى في حال سبيله لقد كان كل من يراه يتخيل احد هؤلاء العساكر بحق وحقيق ! وهكذا افلت من قبضة هؤلاء والتحق برفاقه .
في احد الايام ارسل ضابط تركي خبرا اليهم طالبا رؤيتهم واللقاء بهم حيث كان ممد آغا الحيدري من ضمن هؤلاء الفارين وصل الضابط بينهم وخاطبهم قائلا : " لقد كنت ضمن العسكر الذين حاصرا علو بشو في المغارة فمن هو علو بشو هذا ؟! وعندما دلوه عليه قبله بين عينيه قائلا : " كيف من المغارة وتسللت من بيننا ؟ " فشرح له علو بشو ذلك .
ذكر ممد آغا ذات مرة يقول :" ذات يوم قال لي علو بشو انه قد رأى في منامه حلما وان المعسكر سيهاجموننا في هذا اليوم ، وسنقاتل وهو سيقتل في هذه المعركة !" وقد حدث ذلك بالفعل حيث داهمهم الاتراك في ذلك اليوم وحمي وطيس المعركة واشتد اوراها وقتل فيها علو بشو .
كان تللو ، وهو من أمراء ملا زكرت ، يذهب بمعية رفيقه جافرش وبعض الرجال الهسنيين حتى منطقة موش حيث إضافة إلى قيامهم بعملياتهم العسكرية فقد كانوا حلقة الوصل بين أكري ومناطق كردستان الأخرى .
ورغم هذا الأسلوب النضالي فقد كان بريق نضال وطنيي آكري يستطع على تلك المناطق من كردستان لأن آكري كان مركز ثورة كردستان وقلبها النابض .
كان حاجو آغا رئيس عشيرة هفركي يتولى أدارة مناطق مديات وميردين وشرناخ في القسم الشرقي من كردستان تركيا وكانت المجموعات التابعة له تتوغل حتى اروه وهكاري .
شرعت جريدة تركية ، اسمها ( كجه بوستاسي ) بنشر بعض المقالات التي كانت تحت عنوان ( تمرد آكري الكبير) ، احد الضباط الاتراك كان هذا الضابط قد جاء الى كردستان عام 1929 وعمل في لواء الجندرمة الخيالة واشترك في بعض معارك الكرد لقد انطلق الكاتب في شهر تموز 1929 من زونكولداك وجاء الى طرابزون وحول ذلك كتب يقول :
ما أن يسمع سواق طرابزون باسم اكدر – مدينة الى الشمال من جبل آكري وقريبة جدا من حدود ارمنستان السوفييتية – حتى يهزوا رؤؤسهم قائلين " نذهب حتى ارضروم ولا نستطيع الذهاب الى ابعد من ذلك فهناك يكثر الاشقياء " في تلك السنة كانت تبذل الجهود الحثيثة في الشرق والمحاولات العسكرية كانت مستمرة من اجل احتلال جبل آكري واخماد الثورة وبعد المكوث في طرابزون عدة ايام حاولت ايجاد سيارة وعثرت على سائق من اصداقاء رفاقي وبعد جهد جهيد اقنعته باخذنا الى ارضروم كان يتذمر ويتشكى طوال الطريق بسبب المتمردين الكرد وفي كوموشهانه مدينة في منتصف الطريق بين ارضروم ورطرابزون – كان الناس يقولون:
في احدى المرات كان مدير ناحية يجتاز المناطق الشرقية للوصول الى محل عمله وعند وصوله جبل كوب – بين بايبورت وراضروم – اعترضه اربعة من المسحلين الكرد واوقفوا سيارته وسلبوه نقوده وقسموها فيما بينهم على الشكل التالي :
( هذه اجرة طريقك يا هسو وهذه اجرة طريقي وهذه نثرية البيت وهذه نثرية المزرعة ) وبعد هذا الاقتسام رجعوا الى المدير قائلين له : " اننا لسنا قطاع طرق لقد اخذنا حاجتنا من المال فقط والبقية نعيده اليك فاليك به " وارجعوا اليه بقية المبلغ قائلين له : تفضل على بركة الله ! ..
وفي جبل كوب ، التقى زوهدي كويفن ايضا بشخصين مسلحين حيث نزلا الى الطريق كالصاعقة يقول زوهدي كويفن : " قالوا لي : ( تلقينا نبأ مفاده ان اربعين مسلحا من ديرسم – المنطقة الواقعة بين ارزبيجان وخربوط والتي يطلق الاتراك عليها اليوم اسم تونجلي – قادمون الى هنا لكننا لا ندري حتى الان اين هم ) " لقد وصل هذا الضابط ارضروم بشق الانفس وهو يرتعد خوفا وهلعا اما السائق الذي كان مقررا ان ياخذهم ال اكدر فما ان سمع باعتراض المسلحين الكرد طريقهم والرعب الذي تملكهم جراء ذلك حتى جاء اليهم قائلا : " لا استطيع الذهاب ابعد من ارضروم ، انا عائد الى طرابزون فتدبروا لأنفسكم حلا ! .
كان هذا هو تذمر الضابط التركي من مسألة الفعاليات والتصرفات المتزنة لمحموعة من القدائيين الكرد اثناء قيامه باداء المهمة الموكلة اليه وقد نشر ذلك في جريدة استانبولية .
ان المجموعات التي كانت تبتعد عن آكري كانت تستضاف بكل احترام من قبل الكرد لذلك لم يكونوا بحاجة الى حمل الطعام والمتاع معهم وكان جرحاهم يعالجون في المنطقة ويرسلون الى مراكزهم وكانت احدى المجموعات قد ذهبت ذات مرة الى منطقة آدلجواز وجبل سيبان حيث كان هنالك بعض تجار المواشي يرعون مواشيهم ولم يستضيغوا المجموعة بل حتى لم ينحروا لهم ذبيحة واحدة كان هؤلاء يجمعون الماشية من كردستان ويأخذونها الى سوريا ليبيعونها هناك ومن اجل تخويف وتنبيه هؤلاء فقد توجهت مجموعات فرزنده بيك وخالص بيك وادو عزيزي الى جبل سيبان لغرض نهب قطعان هولاء التجار التي كانت تزيد على ثلاثة الأف رأس وجلبها الى آكري وقد تم تنفيذ هذا القرار ورغم اعتراض عساكر الروم سبيلهم ومحاولتهم استرجاع قطعان الماشية الا انهم لم يفلحوا في ذلك وقد ابرق اصحاب المواشي الى انقرة قائلين :
" اذا لم تكن الدولة قادرة على المحافظة علينا وعلى اموالنا من تجاوزات الاشقياء الكرد فالافضل ان تترك كردستان للكرد كي نعرف نحن ايضا مصيرنا !! .
كانت الاحداث تتسابق وتتوالى ، وبما ان الدولة لم تحقق غرضها من قانون التعجيل فقد ارسلت هيئة من ممثليها الى بايزيد لغرض التفاوض .
لقاء الكرد والترك
نا في المرابع ( زوزان ) حيث أرسل ألينا قائد جند رمة بايزيد ، عارف حكمت ، خبرا وجاء للقائنا ، كان قد جلب معه صورة فوتوغرافية لعقيلتي ياشار خانم ، والتي كانوا قد التقطوها لها في بايزيد وأعطاها لي قائلا : جاءت هيئة من أنقرة وهي نود اللقاء في الساعة الثامنة صباحا من اليوم التالي :
في صباح اليوم التالي تم عقد هذا اللقاء في الأراضي الخاضعة لسيطرة تركيا ، خلف الحدود الأكثرية – التركية كان وفدنا يتكون من أنا ( أحسان نوري ) وبعض الرؤساء الكرد مع عشرين فارسا هم آية في الشجاعة والبسالة والإقدام وممن قد عركوا الدهر وخبروا عواديه .
إما الأتراك فقد جاؤوا بسيارتين وبرفقتهم عشرة من العساكر كانت الهيئة مكونة من ممثلين عن المجلس الوطني التركي الأعلى – حيث كان احدهما ممثلا عن استانبول ، والأخر عن مدينة بايزيد وهو قائد فرقة قره كوسه – مع بعض الضباط وعارف حكمت وأمراء جند رمة بايزيد .
كانت مقترحات ممثلي الهيئة هي : -
عودة الأمن والاستقرار إلى أكري .
الكف عن مداهمة الطرق والقيام بالإعمال التخريبية ضد الدولة .
إعادة مواشي التجار إليهم .
زيادة على ذلك خروج إحسان نوري من أكري ، وفق أية شروط يرتئيها هو .
ومقابل ذلك ، يتم العفو عن كافة إعمال التخريب التي قام بها الآراراتيون ، وستقوم الدولة بتقديم كافة أنواع المساعدة إليهم وتوفير الطمأنينة اللازمة لهم . قمت بدوري برد ورفض كافة مقترحاتهم ، فقالوا لي عد إلى وطنك والدولة تتعهد بتوفير كافة مستلزمات الراحة والطمأنينة لك فأجبتهم قائلا : أنا في وطني ، ولست بحاجة إليكم في شيء ، وانأ لا أثق أصلا بأقوال دولتكم !. قالوا لي : اختر أية دولة ود الذهاب إليها ونحن سنتكفل بترتيب عمل لك هناك مع راتب !.
قلت : إنا لا أود إن يكون اسم دولتكم علي فقالوا : سنمنحك جواز سفر واذهب حيث تشاء وبملء حريتك ، وان القنصل التركي في تبريز هو الذي سيعطيك الجواز بنفسه .
أجبتهم قائلا : لا تتعبوا أنفسكم سدى ، لن اذهب إلى أي مكان أنا خادم للأمة الكردية ، وهم فقط ( أي الكرد ) القادرون على إملاء الأوامر علي ، وإذا كنتم صادقين في أقوالكم فردوا على علم استقلا ل الكرد الذي يرفرف على ذرى أكري وعلى مرأى من الدولة .
انتقلوا إلى مسألة مواشي التجار وقالوا : من أتى بهذه الماشية فليردها إلى أصحابها .
قلت لهم : إن الذين أتوا بهذه الماشية قد أتوا عليها جميعا واكلوها ، وإذا لم تصدقوا ، أريتهم فرزنده بيك وخالص بيك وقلت : هذان قد جاءا بالماشية ويمكنكم السؤال منهما ، قال احد الممثلين مخاطبا فرزنده بيك : إن لم تعيدا الماشية فان الدولة لن تعفو عنكما !. أجاب فرزنده بيك : نحن لا نطلب عفوا من الدولة ولسنا بحاجة إلى ذلك بعدها تحدثوا لفترة مع برو هسكي وتحدثنا نحن بدورنا مع الضباط .
إن مطالب الآكريين كانت تنحصر في كلمتين فقط وهما ( حرية كردستان ) ولم يكن يراودهم ادني شك في إن الدولة تعرف ذلك ، وان قيام أحرار كردستان برفع علم استقلال كردستان الثلاثي الألوان خفاقا فوق ذرى أكري جبال جزيرة بوتان مديات ساسون خرزان وجبال كردستان الأخرى ، كان اسطع دليل على وضوح أهدافهم وكان واضحا إن الدولة تسعى لخداعنا
إن الذي تم الاتفاق عليه في هذا اللقاء هو فقط إن تتوقف هجمات قوى أكري على بايزيد وبالمقابل تحجم الدولة عن إرسال القوى والعساكر إلى أكري .
في ختام تلك المناقشات قال بعض الضباط الذين كانوا قد تعرفوا على اسم إحسان نوري في استانبول مخاطبين إحسان نوري : أية خدمة شخصية تود إن نسديها لك ؟ فأجبتهم : أرسلوا زوجتي إلى حلب ! .
انقضى الصيف ورجعت العشائر من المرابع في قراها وقد أقام الشيخ عبد القادر ، الذي كان قد استسلم للدولة ولم يزل خاضعا لا وأمراها في قريته الواقعة في النصف الغربي من أكري ، إما علو بشو الذي لم يستمع إلى الشيخ ولم يستسلم للدولة ، فقد أرسل الشيخ مسلحيه إليه فذهبنا بدرونا لجندة علو بشو وعندها عاد إتباع الشيخ من حيث أتوا .
طلبت بعض العوائل من عشيرة هسه سوري من الدولة السماح لهم بإعادة أعمار قرية كاني كورك الواقعة في وسط أكري وبمحاذاة الحدود الآكرية – التركية تحت سيطرة تركيا وكانت كاني كورك مكانا مناسبا لعقد اللقاءات والمباحثات بين ممثلي الدولة والآراراتيين بعد أيام من إعادة أعمار أكري والضباط الأتراك من مدينة بايزيد ، وقد استضاف رئيس القرية حميد إسماعيل هؤلاء بحرارة وساد هذا اللقاء جو ودي حيث التقطت فيه بعض الصور التذكارية .
اقترح الضباط الأتراك على إحسان نوري الذهاب يوما إلى بايزيد والحلول ضيفا عليهم فأجبتهم قائلا : تعهدوا بضمان عودتي سالما إلى أكري وسآتي إليكم على الرأس والعين ، وبكل سرور ، لقد كنت واثقا من شهامة زملائي من الضباط الأتراك وعدم نكثهم للعهد ، قال الضباط : سنفكر في الأمر بعدها سنرسل في طلبك ، بعد مضي أيام معدودات جاءني خبر من وزارة الداخلية التركية ، عن طريق والي بايزيد بان شريكة حياتي قد غادرت تركيا متوجهة إلى سوريا .
بناء على اقتراح الحكومة التقى مسؤولو بايزيد مع زعماء أكري في كاني كورك مرة أخرى كانت الحكومة قد أتت معها في هذا اللقاء ببعض الزعماء الكرد الموالين والمطيعين لها ، كان من بينهم تيمور كسكويي ، رئيس عشيرة كسكويي ، والذي قال في سياق الحديث ، إنا تركي ابن تركي ، وكان بكلامه هذا يتودد ويتملق للحكومة ، كان وقع كلام تيمور هذا على الآكريين كبيرا حيث أجابه برو هسكي ، بكل برود وتحقير واستهجان ، أتمنى من الله إن تقبر بعد موتك مع إخوانك الأتراك !.
في شتاء ذلك العام وإثناء المعركة التي حدثت بين الكرد والعساكر التركية لوحظت جثة تيمور وهي ملقاة بجانب جثة ضابط تركي في مكان واحد وفي منخفض من الارض وقد اوتي بالجثتين ودفنتا معا حيث استجيب دعاء برو . بعد هذا اللقاء بأيام وقعت حادثة أكدت لزعماء أكري ان الغرض من هذا اللقاء لم يكن إلا لخداع واستغفال الآكريين .
معركة كاني كورك
في صبيحة احد أيام الخريف ، حيث كان نسيم الصباح يداعب الإرجاء ، والندى قد افترش الأرض وشرع بالتبلور على وجه المراتع الصفراء الزاهية ، كقطرات فضية تبلورت على وجنات صفراء . كانت أشعة الشمس قد مزقت ستائر الظلام ، وجعلتها هباء منثورا في أعالي الغيوم وما كادت الأشعة تلامس وجه الأرض حتى علت أصوات البنادق قرب خط الحدود الكردية التركية وعلى أثراها سمعت رشقات المدافع لوم يمض طويل وقت حتى وقعت قرية كرد آفا ف مرمى مدفعية العدو .
إن قرية كرد آفا التي كانت تبعد بضع مئات من الأمتار عن خط الحدود الكردية التركية كانت اقرب اقرب قرية إلى العدو وكان بيتنا وبيت برو في هذه القرية وعلم استقلال الكرد كان أيضا يرفرف على هذه القرية وكان اسم القرية سابقا تركمن فغيرت اسمها إلى كرد آفا .
لقد حنث الأتراك في قولهم وكانوا قد غافلونا نحن الكرد .
إن أكراد أكري ، والحق يقال كانوا قد خدعوا ولذلك فان قسما من قوات أكري كانت منشغلة بإعمالها الحياتية داخل الأراضي الخاضعة للسيطرة التركية وقد توجه قسم من الفرسان الكرد كي يحتلوا بعض الأماكن الحساسة والمهمة في قمة أكري بين أكري الكبير والصغير وليمنعوا الأتراك من التسلل من تلك الناحية لان هذه المنطقة كانت دوما محور هجمات الجيش التركي بغية قطع الصلة بين مناطق أكري والأراضي الإيرانية المحايدة وبغية محاصرة وتطويق قوات أكري لم يكن احد على هذه القمة كي يزدأنا ( يدعمنا ) حيث كنا في القرية جميعا وكانت هنالك ثمة قرية إلى جوارنا لكنها كانت تبعد عنا بعض الشيء ، وهي قرية موسى بيركي
هجر أهالي هاتين القريتين مساكنهم وتوجهت النساء والأطفال إلى مشارف الحدود الإيرانية وكانت طائرات العدو تحلق في سماء أكري وهي تمطر النساء والأطفال بوابل قذائفها وقنابلها الحارقة .
بقي القائد الكردي مع برو هسكي واثني عشر رجلا في القرية لصد هجوم العدو واحتدمت المعركة واستعرت لكنها لم تكن تعني شيئا بالنسبة للأكريين كنا نرى الاعداء وقد احتلوا الروابي المواجهة لكاني كورك وكانت هناك مجموعة من الخيالة مع مدفع لم تكن تلاحظ هنالك اية هجمات للمشاة لوم تكن طلقات المشاة والمدافع مصوبة نحو أكري بيد أن المعركة الضارية كانت على أشدها في طرف كاني كورك .
في كاني كورك كانت تسكن 25 عائلة وكانوا قد أعادوا بناء القرية بناء على موافقة الحكومة وكان مناضلو آكري على علم يقين بان سكان كاني كورك لم يفعلوا ما يغيظ الدولة كي تطبق عليهم قوات الدولة من كل حدب وصوب وفجأة لاحظنا سحب الدخان وهي تلف كاني كورك وعلى أثرها هرعت النساء والأطفال الكرد صوب الحدود وجاؤؤا إلى أكري كنت ممتطيا جوادي وذاهبا لاستطلاع المكان فلمحتهم يتوجهون صوب قرية الشيخ عبد القادر الذي كان مواليا للدولة وإثناء فرارهم لمحت طفلين قد أضلا أمهما وهما وحيدان في السهل يبكيان فاخترقت سحب نيران مدفعية العدو وضعت الطفلين على صهوة جوادي وعدت بهما إلى حيث رفاقنا .
كانت طائرات العدو مستمرة في رشق النساء والأطفال بالقنابل والقذائف وفجأة وعلى حين غرة أصاب ابن أخ برو البالغ من العمر تسع سنوات والذي يدعى إبراهيم طائرة ببندقيته وأسقطها أرضا حيث سقطت داخل الأراضي الخاضعة للسيطرة التركية وتوجهت فرق الخيالة التركية فورا لندة الطائرة وقد تواروا عن الأنظار خلف إحدى التلال .
حتى هذا الوقت لم يدر احد سبب قيام الأتراك بصب جام غضبهم وحقدهم على كاني كورك وما هي إلا هنيهة حتى عاد بعض المناضلين الذين كانوا داخل الأراضي حتى عاد بعض المناضلين الذين كانوا داخل الأراضي التابعة للسيطرة التركية وكان هؤلاء هم : ايلخان الابن الأصغر لبرو ، وملا شن الله الذي كان من أوفياء الأمة الكردية حيث كان يخطب باسم الأمة الكردية أيام الجمع ومن على منبر جامع أكري وكان برفقتهم خمسة من الفدائيين حيث قالوا :
وصلنا كاني كورك في وقت متأخر من الليل وكنا مرهقين غاية الإرهاق حيث ارتأينا إن نستريح في بيت حميد إسماعيل ومن ثم نعبر الحدود في اليوم التالي ولم ندر كيف عرف الأتراك بوجودنا في بيت حميد إسماعيل حيث خرج صاحب القرية ( حميد إسماعيل ) للتو ضوء فشاهد مجموعة من الخيالة الأتراك متجهين صوب القرية عندها تذكر وجود الفدائيين في بيته والكرد ل ايتوانون عن عمل أي شيء من اجل المحافظة على سلامة ضيوفهم وحمايتهم ومن اجل هذا فقد صرخ في الخالية قائلا :
إياكم إن تتقدموا ومن جهة أخرى نادى على زوجته قائلا عجلي إلى ببندقيتي فأخذت زوجته قائلا عجلي إلى ببندقيتي فأخذت زوجته بندقيته إليه ونهضنا نحن بدورنا وحملنا بنادقنا وتمنطقنا بأحزمة الرصاص وعدونا خارجين لم يتوقف الخيالة عن السير بل كانوا يحثون السير باتجاه القرية فأطلق حميد إسماعيل رصاصة من بندقيته وأردى احد الجنود صريعا ووصلنا نحن أيضا وشرعنا بالقتال إلى جانب حميد إسماعيل وقد هب أهالي القرية أيضا لنجدتنا حيث قتلنا بعض العساكر واستولينا على أسلحتهم ومن ثم تقدمت فرقة عسكرية كانت مرابطة حول القرية ليلا لنجدة الخيالة واحتدم القتال بيننا وقد سقط ثلاثة من رجال القرية شهداء ورأينا إن لا طاقة لنا بمجابهة الفرقة العسكرية فغادرنا القرية وتركناها وإثناء الانسحاب قتلت ثلاث نساء مع طفلة في الرابعة من عمرها وجئنا نحن إلى طرفكم بينما توجه القرويون إلى طرف الشيخ .
بعدها علم إن رجلين آخرين مع طفلة صغيرة جدا قد جرحوا على اثر القصف المدفعي الذي أعقب القتال كما جرحت زوجة حميد إسماعيل وأخوه وذلك ردا على جميلها في استضافة الضباط الأتراك قبل أيام.
تعقبت فرقة من العساكر التركية سكان كاني كورك الذين هربوا من وجههم وعبر جنود الأعداء الجسر الحدودي ودخلوا أراضينا حيث كانوا يبغون الاستيلاء على مواشي ودواب سكان كاني كورك والتي كانت ترعى عندنا على ضفة النهر إن رؤية هؤلاء الجنود ورؤية الهروب المأساوي لنساء وأطفال الكرد من قبضة العساكر الأتراك لم تترك لدى المجموعات الصغيرة من الاكريين التي كانت تراقب الإحداث من على القمة ادني مجال للتحمل واستقر رأي شجعان الكرد على إحياء مثل بطولي رائع من أمثلة أبائهم وأجدادهم الأوائل التي يحتذي بها عبر التاريخ كي تسر أرواح أولئك العظماء الصناديد الذين امتشقوا سيوفهم وشقوا بجيادهم عباب بحور الأعداء من اجل صيانة وطنهم وحريتهم حيث كانوا يبغون كشف الستار وإماطة اللثام إمام أعين أعداء الكرد عن حروب الإيرانيين والطورانيين التاريخية ( اعتقد إن المؤلف يقصد هنا تلك الحروب التي ورد ذكرها في ( شاهنامة ) الفردوسي – المترجم ).
ولكي يعلم الجميع إن أبناء الأمة الكردية الحاليين ما هم إلا سليل أولئك الإبطال العظام صناديد سوح المعارك وانه لم يطرأ على روحهم القتالية ودمائهم الآرية الزكية أي تغيير باختصار أرادوا في هذا اليوم إن يقارنوا بين روح البسالة والقتال والرجولة عند الكرد والترك وان يبرهنوا على ذلك وينتزعوا الاعتراف بشجاعتهم من الأصدقاء والأعداء كانوا يبغون التضحية بأرواحهم رخيصة على مذبح حرية معشوقتهم ولقد صمموا على ذلك رغم تفوق العدو عدة وعددا ورغم إن كل مقاتل كردي كان يقابله مائة من عساكر العدو.
لذلك كان ضروريا إن تعوض شجاعة وبسالة الكرد عن قلة عددهم وبعد لثم وتقبيل صخور أكري السوداء المكفهرة والتي هي بالنسبة للأمة الكردية بمنزلة الحجر الأسود في الكعبة أداروا ظهورهم إلى أكري وصدروهم إلى الأعداء وتقدموا نحو الإمام غير هيابين كانت ساحة المعركة منبسطة وجرداء وبعيدة عن أكري حيث لم يكن بمقدور الأعداء عندها التبجح بان الكرد يستفيدون من خبرتهم بمرتفعات ووديان أكري في حربهم معهم وكان العدو يفوقهم من ناحية العدد ونوعية الأسلحة إضعافا مضاعفة ومن ناحية المواضع القتالية فان اغلب المواضع الحساسة والهامة كانت تحت سيطرة العدو حيث كانوا يتمركزون في القرى وعلى المرتفعات وعلى العكس من ذلك تماما كان الكرد متمركزين في الأراضي السهلية المنبسطة والجرداء ولكن رغم كل هذا التفوق والتباين .
فان المناضلين الكرد كانوا مصممين على خوض المعركة مهما كانت النتائج لكان أرواح الإبطال الإيرانيين القدامى قد حلت فيهم ( يقصد المؤلف كردستان إيران مثل رستم زال و كاوه وكوهدرز وغيرهم – المترجم )
فقد كانوا يتسابقون من اجل التضحية .
إن الأكريين لم يكونوا يودون إن تراق دماء الأبرياء لكنهم كانوا يودون إن يثاروا لهم كانوا يريدون إن يخضبوا بدمائهم القانية السنابل الخريفية البيضاء النابتة على أطراف ضفة النهر الحدودي ، وعلى الأرض الخضراء الزاهية كانوا يريدون إن يظهروا للعيان راية الوطن الكردي خفاقة مرة أخرى ولم تكن رشقات القنابل والقذائف قادرة على الحؤول دون تقدمهم فقد كانت دماء المقاتلين الكرد تغلي في عروقهم .
وإمام صمود وبسالة المقاتلين الكرد ، انسحب العدو من آكري وفر صوب قرية كاني كورك ، وكان العدو يمطر الجسر الواقع قبالة كاني كورك على النهر الحدودي بنيران كثيفة بغية منع الكرد من عبوره واجتيازه وصل رفاقي المقاتلون إلى الجسر وتمترسوا في صفحة وشرعوا بالقتال كنت إنا الخيال الوحيد بينهم وق وصلت قرب الجسر ، ولم أجد مكانا اخفي فيه الفرس فقدته إلى منخفض من الأرض .
كان العدو قد ركز نيران ال(ميتراليوز ) على الجسر بغية الحيلولة دون عبورنا إياه ، رأيت إن المعركة ستطول على هذه الشاكلة فحزمت أمري وامتطيت جوادي وهمزته واستطعت الوصول إلى الجسر لم اعر إذنا صاغية إلى عتب الرفاق وطلبهم لي بالترجل لان العدو يتمركز في القرية بل عبرت الجسر وأطلقت رصاصة صوب القرية فجاءني الرد رشقة من الرصاص لكني مع ذلك دخلت القرية وغادرها الأتراك من الطرف الأخر وفي هذه الإثناء كان كل من يادو دلخري وعثمان كيلم مع ثلاثة من الفرسان قد تلقوا امرأ باجتياز المنطقة المواجهة للجسر والتي تبعد خمسمائة متر إلى الغرب من جسر كاني كورك حيث همزوا خيولهم باتجاه تلة تقع إلى اليمين والى الخلف قليلا من قوات العدو .
في القرية كانت ثمة نساء أسيرات وبضمنهن امرأة حامل وقد اخفين أنفسهن عرفن إنني كردي من وقع حوافر فرسي ، حيث كان الجنود الأتراك المتواجدون في القرية قد غادروها كانت هنالك جثة امرأة مخضبة بدمها حيث قتلها الأتراك في القرية بعد رفضها الذهاب معهم وكانت تظهر على جسدها أثار عدة طعنات حراب كانت هذه المرأة هي زوجة ابن عم حميد إسماعيل .
كانت القرية محتلة وقد وصلت ناحيتي بعض النسوة الناجيات بعيون ملؤها الدمع والتصقن بعنان فرسي مانعات إياي من التقدم حيث امسكن بإقدام فرسي .
كان برو يقاتل مع رفاقه المنبطحين على الأرض في مواجهة الجسر وعندما رأوا إنني عدوت بفرسي داخل القرية قاموا وعبروا الجسر وجاءوا إلي راجلين انتحت النساء جانبا وذهبنا جميعا خلف القرية وفي هذه الإثناء كان كل من يادو دلخري وعثمان كيلم قد تمكنا من الوصول إلى طرف العدو وخلفه وبدءا بضربه . رأى الأتراك إننا قد سيطرنا على القرية وأننا نشن الهجمات من جهتين فدب الذعر في صفوفهم .
قال برو هسكي : ها قد حان دوري الآن وبعد رجاء وإلحاح اخذ فرسي وامتطاه وسار في اثر الأفراد الذين هربوا من كاني كورك ولكن هؤلاء الأتراك كانوا قد ابتعدوا كثيرا لذلك فقد عاد ادارجه لكنه ما لبث إن حث السير نحو مواضع الأعداء ولوحده كان الطريق بعيدا والأرض سهلة ومنبسطة و ملى بالقضيض ( صغار الحصى ) ولكي لا يتمكن الأتراك من النيل من برو فقد زكزنا عليهم نيراننا الكثيفة وصل برو إلى الرابية التي كان عليها الأتراك عندها لم يتمكن الأعداء من مشاهدته حيث كانوا منهمكين بالانسحاب حيث استقل سيارته ولاذ بالفرار وبعدها أرسل سيارته لجر المدافع الثقيلة حيث أنقذوها من أيدي الكرد .
قام يادو زيلاني الدلخري والذي كان متموضعا في الطرف الخلفي للعدو بشن الهجوم على فلول الروميين المتقهقرين حيث تمكن من اسر بعضهم إما نحن فقد خرجنا من قرية قوتس المواجهة للجبل الواقع خلف بايزيد وشرعنا نشيع فلول الروميين المنهزمين بزخات من طلقات البنادق حيث كان هنالك مجموعة من عساكرهم ومدافعهم على مرتفع قوتس .
لقد كانت هذه المعركة تبعث على العجب العجاب فقد كان أكثر من ألفين من المشاة والخيالة من المدربين تدريبا جيدا والمجهزين بالقنابل والمدافع الصغيرة والكبيرة وقاذفات القنابل يتصدون لخمسة عشر رجلا وستة خيالة من الكرد لكنك كنت تخيلهم كانه قطيعا قد وع الذئب في صفوفه حيث كانوا يفرون غير مولين على شيء ، وتاركين وراءهم مدافعهم وقد وقعت مجاميع منهم في الاسر كما كانوا قد تركوا الطائرة وحراسها لوحدهم لقد تقدم الكرد حتى قرية قوتس الرابضة على صدر الجبل المواجه لبايزيد
كان كردي من قرية هللاج ويدعى ابراهيم آزو ، قد قام بمرافقة الطيار الذي اسقط الكرد طائرته الى مدينة بايزيد واثناء عودته عرج على مرتفع قوتس كان مرتفع قوتس يدعى مرتفع الشيطان – وعند وصوله الينا قال : عندما اتيت الى مرتفع الشيطان لمحت عساكر الترك وهم يفرون من امامكم وكان ثمة ضباط اتراك يرقبون ميدان المعركة بالنواظير حيث كان احدهم يضرب ركبته بكفه قائلا : يا الهي ما هذا النحس ؟
كل هؤلاء المشاة والخيالة المزودين بالمدافع يفرون امام خفنة من العراة والحفاة والجياع الكرد !!
ولكن ليس معروفا لدينا ما قد كتبه هذا القائد التركي في تقريره عن هذه المعركة وكم قدر عدد الكرد ان اصداء هذه المعركة كانت قد انتشرت بين الناس واخذوا يحيكون الاساطير حولها فقد كانوا يقولون انه قد ظهر بين صفوف المقاتلين الكرد فارس ملفع بالبياض كان يغير على الاتراك ويهزمهم .
كانت الشمس مائلة نحو المغيب حين توجه بعض مقاتلي آكري نحو الطائرة التي اسقطها الكرد وكان اثنا عشر رجلا يتزعمهم ايوب آغا شقيق برو هسكي مع بعض رجال موسى بركي قد وصلوا قبل غيرهم الى حراس الطائرة وشرعوا باطلاق النار كان المعسكر متمترسين في أماكنهم بشكل جيد ، حيث كانوا قد حفروا خندقا بين التلال القريبة من قرية دودكان ، وكان على المقاتلين في ارض سهلة منبسطة وتحت وابل نيران العدو . قام كل من سيد رسول برزنجي وفرزنده الهسني وهما مضرب المثل في الشجاعة والبطولة باصلاء الخيالة الاتراك بنيران بنادقهم من الميسرة .. وقد عبر بعض رجالنا واحتلوا الرابية الواقعة امام العدو كما استطاع الفارس الكردي الذي كان قد توجه الى كاني كورك لوحده ( المؤلف هنا يقصد نفسه – المترجم )
ان يصل الى واد يفصل بين مرتفعين كان يحتلهما الكرد والترك حيث كان القتال بينهما سجالا ولم يترجل عن جواده بل سار مترابلا ( متمايلا في جنبه ) حتى وصل الطرف المحاذي لمرتفع العدو وقد استطاع تفادي نيران العدو بالاستفادة من كثرة جثث القتلى المتراكمة هناك .
رأى قائد الخيالة التركي ان الكرد لن يستسلموا وان لامناص من الانسحاب لذلك اصدر اوامره بهذا الشأن وعدا بجواده مع ثلاثة من العساكر الخيالة ، حاول سيد رسول وفرزنده الامساك بهذا الضابط لكنهما لم يفلحا في ذلك .
أما بقية العساكر فلم تسنح لهم الفرصة للوصول ال جيادهم لذا تقهقروا راجلين وعندما خفتت اصوات البنادق صاح المقاتلون لقد هرب الروميون ! وعندها لم ادخر جهدا واسرعت نحو مكان الروميين حيث كانت خيولهم قد بقيت هناك مع ثلاثة قتلى وبعض الجرحى مع اسلحتهم وقد استولى المقاتلون الكرد كل على فرس اما العدو فكان ينسحب زرافات وعلى ارض سهلة كمجاميع طيور الصيد .
رأى احد الفرسان ان العدو يوشك على الافلات من ايديهم فلم يدخر جهدا بل همز جواده ولحق بالعدو لوحده لم يكن يحمل بندقية بل كان شاهرا مسدسا بيده فاطلق رصاصة لكن الخرطوشة بقيت داخل السبطانة وعطب المسدس التفت بعض العساكر فرأوا فارسا لوحده على صهوة جواده لكن الفارس لم يحاول الاختفاء بل صاح بالتركية على الضباط الاتراك سلموا انفسكم ارفعوا ايديكم عاليا
دهش افراد العدو ووجموا كأنما حط على رؤوسهم الطير وانصاعوا للاوامر . دخل الفارس بين صفوف الاعداء وجرد جنديا من بندقية وحزام عتاده ثم امرهم قائلا القوا بأسلحتكم الى الارض فالقوها منصاعين ثم طمأن الاسرى قائلا لهم اطمئنوا بالا ، سأرسلكم الليلة الى بايزيد بين رفاقكم ان هذا الفارس لم يكن غير القائد الكردي بذاته .. !!