Kurd Day
Kurd Day Team
خامسا: المصادر الارمنية:
يرتبط تأريخ ارمينيا في الفترة التي سبقت ظهور الاسلام ارتباطا وثيقا بتأريخ الكرد، لذا فلا عجب ان وردت بعض النتف والنصوص القصيرة والاشارات العابرة في بعض المصادر الارمنية، اسهمت الى حد ما في كشف جوانب غامضة من تاريخ الكرد في النواحي الجغرافية والتاريخية واللغوي. فالمؤرخ الارمني موسى الخوريني(109) اشار الى وجود المار (وهي الصيغة الارمنية لاسم ماد) حوالي نهر آراكس(110) منذ زمن الملك الارمني تيكران الكبير (140- 55 ق. م). وقد حاول هذا المؤرخ الارمني كما يذكر احد الباحثين الكرد- بدافع التعصب- ان يربط في تأريخه بين الاساطير الارمنية والايرانية التي تجعل من الملك الارمني تيكران حليفا للملك الفارسي الاخميني كورش (558-530 ق. م) في انتصاره على ملك المار (استياجز) عام 550 ق. م رغم الفارق الزمني الكبير بينهما بحوالي اربعة قرون تقريبا(111). ويضيف ان الملك تيكران أرجع الى منزله شقيقته (تيكرانوهى) التي كانت زوج الملك الميدي مع زوجته الثانية (آنوش) ومعهم عشرة آلاف من اسرى المار (الميديين)، حيث تم اسكانهم على جانبي نهر آراكس خلف السلسلة الشرقية للجبل العظيم آرارات(112). وقد استند مينورسكي الى هذه المقولة في بناء نطريته القائلة بأن الميديين هم اسلاف الشعب الكردي والتي طرحها المؤخر العشرين للاستشراق الذي عقد في بروكسل عام 1938، واعاده في كتابه دراسات حول تأريخ قفقاسيا الصادر في لندن باللغة الانكليزية عام 1939 عام يوضح نظريته: "ومن الجدير بالذكر الاشارة الى ان في أيام موسى الخوريني كانت قد مضت فترة طويلة على زوال الميديين القدماء، ولكن مما يجلب الانتباه هو ان المؤرخ الارمني يطلق مع ذلك اسمهم على معاصريه من الكرد في تلك الانحاء، ومن هنا فانه يحتفظ بالتقليد القديم حول اعتبار الكرد احفادا للميديين"(113). ولتعزيز نظريته ودعمها بمزيد من الوضوح يمضي قائلا: "في زمن موسى الخوريني لم يكن هناك ميديون في الوجود وانما كان الكرد يحتلون سفوح جبل آرارات، كذلك تضمنت مخطوطة ارمنية غريبة نموذجا من الفباء ولغة دونت في وقت يسبق عام 1446م، وهي دعاء برموز كردية تمثل لغة الميديين (مار) مع استعمال لفظ لايزال يشاهد في القواميس"(114). اما المؤرخ اليزيه وردبت Elisee Vardapat فقد كتب تأريخ وارتان (وردن) عن حروب الارمن، متناولا حوادث السنوات من 439 الى 451م، حيث تطرق الى معركة افارير التي جرت بين الفرس بقيادة ملكهم يزدجرد الثاني (438-457م) والارمن بقيادة زعيمهم وارتان ماميكونيان، وانتهت بخسارة الارمن للمعركة ومقتل قائدهم(115)، ومن خلال وصفه للمعارك وطوبوغرافية ارض ارمينيا اشار الى جبل كودك Gudke الارمني وموقعه بالقرب من جبل الجودي(116)- زوزن(117).
سادسا: المصادر الفارسية:
تعتبر المصادر الفارسية من الاهمية بمكان في كشف جوانب خفية من تاريخ الكرد قبل الاسلام، فالعلاقات التاريخية والجغرافية والدينية بين الشعبين ساهمت الى حد بعيد في صياغة تاريخ مشترك قبل مجيء الاسلام، وليس ادل على ذلك من التباس الامر على كثير من المؤرخين حول اعتبارهم شعبا واحدا. ويحتل كتاب "خداي نامه"(118) المركز الاول في تطرقه لتسمية الكرد بشكلها الحالي، ويليه كتاب " كارنامه اردشير بابكان"(119). ويعتقد كثير من الباحثين ان كتاب خداي نامه كان المصدر الاصيل لأقدم المصنفات العربية والفارسية الذي تناول تاريخ ايران قبل الاسلام(120)، حيث ان هذا الكتاب لسوء الحظ لم يصلنا، ولكن نجد اقتباسات كثيرة منه في مؤلفات الدينوري، الطبري، المقدسي، المسعودي، الثعالبي، وغيرهم(121). فمثلا يذكر الطبري الرسالة التي تلقاها اردشير بابكان (224-241م) من آخر ملوك الفرث اردوان الخامس (208-226م) واصفا اياه بالكردي، حيث يقول: "فبينما هو كذلك اذ ورد عليه رسول الاردوان بكتاب منه فجمع اردشير الناس وقرأ الكتاب بحضرتهم فاذا فيه: انك قد عدوت طورك واجتلبت حتفك ايها الكردي المربي في خيام الكرد، من اذن لك في التاريخ الذي لبسته والبلاد التي احتويت عليها وغلبت ملوكها.. الخ"(122). ويفسر احد الباحثين الكرد هذه التسمية (الكرد) بانها تعني القبائل الرحالة الايرانية (كوجران)(123) التي كانت دون مستوى اهل المدن الاشراف ثقافة ونسبا، ولاتعني التسمية القومية بالمفهوم الحديث(124). وفي تفسيره للآية القرآنية "قالوا حرقوه وانصروا الهتكم ان كنتم فاعلين"(125) يذكر الطبري: (قال مجاهد تلوت هذه الآية على عبدالله بن عمر فقال: اتدري يا مجاهد من الذي اشار بتحريق ابراهيم عليه السلام بالنار، قال قلت لا قال رجل من اعراب فارس قال قلت يا ابا عبدالرحمن وهل للفرس اعراب قال نعم الكرد هم اعراب فارس فرجل منهم هو الذي اشار بتحريق ابراهيم بالنار، وان اسم الذي حرقوه هيزن"(126). وفي تعليق الباحث المذكور على تفسير هذه الآية يؤكد ماسبق ان قاله انهم يعنون الاعراب آنذاك البدو الرحل وليست مجموعة تمتلك خصائص قومية محددة(127)، ويستند في دعواه الى اقوال حمزة الاصفهاني (350ه، 961م) الذي يذكر بان الفرس اطلقوا للديالمة (اكراد طبرستان) وللعرب (اكراد سورستان)(128). يتفق الباحث مع ما ذكره جمال رشيد في التفسير الذي اطلقه بشأن رواية الطبري الاولى، ولكنه يرى بأن الرواية الثانية تصطدم بحقائق تاريخية، الا وهي التفاوت الزمني الكبير- مايقارب الالف عام بين العصر الذي ظهر فيه ابراهيم الخليل، عليه السلام- في مطلع الالف الثاني قبل الميلاد(129)، وبين ظهور القبائل التي تكلمت بلغات هندو- ايرانية في الشرق الادنى في بداية الالف الاول قبل الميلاد كما ذكرتها مدونات الملوك الآشوريين(130). وعلى الصعيد نفسه عبر العلماء والمؤرخين عن شكركم ازاء مثل هذه الروايات والاساطير القديمة للأولين(131). ومن جهة اخرى نفي الصلة بين الكرد وبين كارداكا السومرية التي ظهرت في الكتابات المسمارية التي خلفها لنا الملك (شوسين) (2036-2028 ق. م) رابع ملوك سلالة اور الثالثة (2111-2004 ق.م)(132). ولقد تطرقت الشاهنامه (رائعة الفرس الكبرى) للفردوسي(133) في احدى روايتها الى اصل الكرد وذكرت انه كان في قديم الزمان ملك ظالم اسمه الضحاك (Azhidahak) كان قد ظهر في منكبيه رأسا حيتين عجز الاطباء عن استئصالهما، فاضطروا الى تغذيتهما بمخ انسانين كل يوم بناء على نصيحة شيطانية(124). واستمر في هذا العمل لفترة من الزمن، حيث عانى الناس الأمرين، وقد احتاروا في كيفية التخلص من هذا الظلم، فكان ان عثر الصديقان الذكيان ارماييل وكرماييل على حيلة من شأنها التخفيف من آلام الناس(135)، فقد تواطأ مع طباخ الملك، فكان يكتفى بمخ انسان واحد بدل اثنين، فيخلطه مع مخ خروف ثم يقدمه الى الحيتين الشرهتين، وكان الشخص الذي تنقذه الخدعة من بين الاثنين يرسل الى الجبال والوهاد حتى لايراه احد بعد ذلك، وكلما بلغ عددهم المئتين بعث لهم الطاهي عددا من الغنم والمعز الى الجبال. وقد تزايد عدد هؤلاء بمرور الزمن واصبحوا اصول جميع الكرد في نواحي البلاد(136). وتورد الشاهنامه اخبارا اخرى عن الكرد فتذكر ان الملك الساساني اردشير الاول عندما اوقع الهزيمة باردوان وابنه، اشتبك مع الكرد حيث لاقى الهزيمة على ايديهم، مما حدا به الى ارسال رقباء (جواسيس) لمراقبة تحركات الكرد عن كثب، وعندما عاد هؤلاء اخبروه بأن الكرد قد اخلدوا الى الراحة، عندئذ هاجمهم في عقر دارهم وثأر لنفسه(137). وقبل هذا التأريخ كان كتاب كارنامك اردشير باكان قد ذكر: "بعد موت الاسكندر الرومي، بلغ عدد الحكام او ملوك الطوائف 240 شخصا. وكان سباهان وبارس وماجاء بهما في يد قائدهم وزعيمهم اردوان. واختار اردوان لحكم فارس شخصا يدعى بابك كان يقيم في استخر دون ولد من صلبه. وكان ساسان يعمل راعيا لبابك ويعيش مع الخراف، وهو من نسل دارا بن دارا وكان قد لجأ الى الفرار ابان حكم الاسكندر المشؤوم واختفى وعاش مع الرعاة الكرد. ولم يمكن بابك يعرف ان ساسان من نسل دارا بن دارا"(138). ويبدو للباحث ان المصادر الفارسية كغيرها من المصادر الكلاسيكية يغلب عليها الطابع الاسطوري والخرافي مع عدم الدقة في التواريخ المحلية والعالمية، وان هناك تناقضا بينما تذكره مدونات الملوك الآشوريين بشأن طهور الفرس كأمة وتأسيسها لاول دولة فارسية بعد قضاء كورش الاخميني على الدولة الميدية وبين ما تذكره على سبيل المثال لا الحصر الشاهنامه من ان هناك اربع دول فارسية حكمت المنطقة لمدة 3784 سنة قبل الفتح الاسلامي، وبعملية رياضية يخرج الباحث بنتيجة وهي ان عمر اول دولة فارسية حكمت ايران حتى الفتح الاسلامي لايربو على 1100 عام(139). ولعل احسن من نقد المصادر الفارسية هو المؤرخ اليعقوبي عندما يقول: "فارس تدعي لملوكها امورا كثيرة مما لايقبل مثلها، من الزيادة في الخلقة، حتى للواحد عدة افواه وعيون، تكون للآخر وجه من نحاس، ويكون على كتفي آخر حيتان تطعمان ادمغة الرجال، وطول المدة في العمر، ودفع الموت عن الناس، واشباه ذلمك مما تدفعه العقول ويجرى فيه مجرى اللعبات الهزل، ومما لا حقيقة له.. الخ"(140). لمحة موجزة عن تأريخ الكرد قبل الاسلام لقد تباينت آراء الباحثين والمؤرخين حول الانتماء الحقيقي للكرد وجنس اسلافهم التأريخيين، وهذا ماانعكس بدوره على العصر التأريخي الذي يستطيع الباحث ان يعتمده كبداية للتأريخ الكردي قبل الاسلام. ولكن استنادا الى مصادر تاريخ الكرد قبل الاسلام، والرأي الراجح بانتماء اللغات الميدية والكردية والفارسية الى ارومة اللغات الهندو ايرانية(141) يبدو للباحث ان ظهور الدولة الميدية على مسرح الاحداث في تأريخ الشرق الادنى القديم يعتبر كبداية للتأريخ الكردي.
يتبع بحلقة خامسة
يرتبط تأريخ ارمينيا في الفترة التي سبقت ظهور الاسلام ارتباطا وثيقا بتأريخ الكرد، لذا فلا عجب ان وردت بعض النتف والنصوص القصيرة والاشارات العابرة في بعض المصادر الارمنية، اسهمت الى حد ما في كشف جوانب غامضة من تاريخ الكرد في النواحي الجغرافية والتاريخية واللغوي. فالمؤرخ الارمني موسى الخوريني(109) اشار الى وجود المار (وهي الصيغة الارمنية لاسم ماد) حوالي نهر آراكس(110) منذ زمن الملك الارمني تيكران الكبير (140- 55 ق. م). وقد حاول هذا المؤرخ الارمني كما يذكر احد الباحثين الكرد- بدافع التعصب- ان يربط في تأريخه بين الاساطير الارمنية والايرانية التي تجعل من الملك الارمني تيكران حليفا للملك الفارسي الاخميني كورش (558-530 ق. م) في انتصاره على ملك المار (استياجز) عام 550 ق. م رغم الفارق الزمني الكبير بينهما بحوالي اربعة قرون تقريبا(111). ويضيف ان الملك تيكران أرجع الى منزله شقيقته (تيكرانوهى) التي كانت زوج الملك الميدي مع زوجته الثانية (آنوش) ومعهم عشرة آلاف من اسرى المار (الميديين)، حيث تم اسكانهم على جانبي نهر آراكس خلف السلسلة الشرقية للجبل العظيم آرارات(112). وقد استند مينورسكي الى هذه المقولة في بناء نطريته القائلة بأن الميديين هم اسلاف الشعب الكردي والتي طرحها المؤخر العشرين للاستشراق الذي عقد في بروكسل عام 1938، واعاده في كتابه دراسات حول تأريخ قفقاسيا الصادر في لندن باللغة الانكليزية عام 1939 عام يوضح نظريته: "ومن الجدير بالذكر الاشارة الى ان في أيام موسى الخوريني كانت قد مضت فترة طويلة على زوال الميديين القدماء، ولكن مما يجلب الانتباه هو ان المؤرخ الارمني يطلق مع ذلك اسمهم على معاصريه من الكرد في تلك الانحاء، ومن هنا فانه يحتفظ بالتقليد القديم حول اعتبار الكرد احفادا للميديين"(113). ولتعزيز نظريته ودعمها بمزيد من الوضوح يمضي قائلا: "في زمن موسى الخوريني لم يكن هناك ميديون في الوجود وانما كان الكرد يحتلون سفوح جبل آرارات، كذلك تضمنت مخطوطة ارمنية غريبة نموذجا من الفباء ولغة دونت في وقت يسبق عام 1446م، وهي دعاء برموز كردية تمثل لغة الميديين (مار) مع استعمال لفظ لايزال يشاهد في القواميس"(114). اما المؤرخ اليزيه وردبت Elisee Vardapat فقد كتب تأريخ وارتان (وردن) عن حروب الارمن، متناولا حوادث السنوات من 439 الى 451م، حيث تطرق الى معركة افارير التي جرت بين الفرس بقيادة ملكهم يزدجرد الثاني (438-457م) والارمن بقيادة زعيمهم وارتان ماميكونيان، وانتهت بخسارة الارمن للمعركة ومقتل قائدهم(115)، ومن خلال وصفه للمعارك وطوبوغرافية ارض ارمينيا اشار الى جبل كودك Gudke الارمني وموقعه بالقرب من جبل الجودي(116)- زوزن(117).
سادسا: المصادر الفارسية:
تعتبر المصادر الفارسية من الاهمية بمكان في كشف جوانب خفية من تاريخ الكرد قبل الاسلام، فالعلاقات التاريخية والجغرافية والدينية بين الشعبين ساهمت الى حد بعيد في صياغة تاريخ مشترك قبل مجيء الاسلام، وليس ادل على ذلك من التباس الامر على كثير من المؤرخين حول اعتبارهم شعبا واحدا. ويحتل كتاب "خداي نامه"(118) المركز الاول في تطرقه لتسمية الكرد بشكلها الحالي، ويليه كتاب " كارنامه اردشير بابكان"(119). ويعتقد كثير من الباحثين ان كتاب خداي نامه كان المصدر الاصيل لأقدم المصنفات العربية والفارسية الذي تناول تاريخ ايران قبل الاسلام(120)، حيث ان هذا الكتاب لسوء الحظ لم يصلنا، ولكن نجد اقتباسات كثيرة منه في مؤلفات الدينوري، الطبري، المقدسي، المسعودي، الثعالبي، وغيرهم(121). فمثلا يذكر الطبري الرسالة التي تلقاها اردشير بابكان (224-241م) من آخر ملوك الفرث اردوان الخامس (208-226م) واصفا اياه بالكردي، حيث يقول: "فبينما هو كذلك اذ ورد عليه رسول الاردوان بكتاب منه فجمع اردشير الناس وقرأ الكتاب بحضرتهم فاذا فيه: انك قد عدوت طورك واجتلبت حتفك ايها الكردي المربي في خيام الكرد، من اذن لك في التاريخ الذي لبسته والبلاد التي احتويت عليها وغلبت ملوكها.. الخ"(122). ويفسر احد الباحثين الكرد هذه التسمية (الكرد) بانها تعني القبائل الرحالة الايرانية (كوجران)(123) التي كانت دون مستوى اهل المدن الاشراف ثقافة ونسبا، ولاتعني التسمية القومية بالمفهوم الحديث(124). وفي تفسيره للآية القرآنية "قالوا حرقوه وانصروا الهتكم ان كنتم فاعلين"(125) يذكر الطبري: (قال مجاهد تلوت هذه الآية على عبدالله بن عمر فقال: اتدري يا مجاهد من الذي اشار بتحريق ابراهيم عليه السلام بالنار، قال قلت لا قال رجل من اعراب فارس قال قلت يا ابا عبدالرحمن وهل للفرس اعراب قال نعم الكرد هم اعراب فارس فرجل منهم هو الذي اشار بتحريق ابراهيم بالنار، وان اسم الذي حرقوه هيزن"(126). وفي تعليق الباحث المذكور على تفسير هذه الآية يؤكد ماسبق ان قاله انهم يعنون الاعراب آنذاك البدو الرحل وليست مجموعة تمتلك خصائص قومية محددة(127)، ويستند في دعواه الى اقوال حمزة الاصفهاني (350ه، 961م) الذي يذكر بان الفرس اطلقوا للديالمة (اكراد طبرستان) وللعرب (اكراد سورستان)(128). يتفق الباحث مع ما ذكره جمال رشيد في التفسير الذي اطلقه بشأن رواية الطبري الاولى، ولكنه يرى بأن الرواية الثانية تصطدم بحقائق تاريخية، الا وهي التفاوت الزمني الكبير- مايقارب الالف عام بين العصر الذي ظهر فيه ابراهيم الخليل، عليه السلام- في مطلع الالف الثاني قبل الميلاد(129)، وبين ظهور القبائل التي تكلمت بلغات هندو- ايرانية في الشرق الادنى في بداية الالف الاول قبل الميلاد كما ذكرتها مدونات الملوك الآشوريين(130). وعلى الصعيد نفسه عبر العلماء والمؤرخين عن شكركم ازاء مثل هذه الروايات والاساطير القديمة للأولين(131). ومن جهة اخرى نفي الصلة بين الكرد وبين كارداكا السومرية التي ظهرت في الكتابات المسمارية التي خلفها لنا الملك (شوسين) (2036-2028 ق. م) رابع ملوك سلالة اور الثالثة (2111-2004 ق.م)(132). ولقد تطرقت الشاهنامه (رائعة الفرس الكبرى) للفردوسي(133) في احدى روايتها الى اصل الكرد وذكرت انه كان في قديم الزمان ملك ظالم اسمه الضحاك (Azhidahak) كان قد ظهر في منكبيه رأسا حيتين عجز الاطباء عن استئصالهما، فاضطروا الى تغذيتهما بمخ انسانين كل يوم بناء على نصيحة شيطانية(124). واستمر في هذا العمل لفترة من الزمن، حيث عانى الناس الأمرين، وقد احتاروا في كيفية التخلص من هذا الظلم، فكان ان عثر الصديقان الذكيان ارماييل وكرماييل على حيلة من شأنها التخفيف من آلام الناس(135)، فقد تواطأ مع طباخ الملك، فكان يكتفى بمخ انسان واحد بدل اثنين، فيخلطه مع مخ خروف ثم يقدمه الى الحيتين الشرهتين، وكان الشخص الذي تنقذه الخدعة من بين الاثنين يرسل الى الجبال والوهاد حتى لايراه احد بعد ذلك، وكلما بلغ عددهم المئتين بعث لهم الطاهي عددا من الغنم والمعز الى الجبال. وقد تزايد عدد هؤلاء بمرور الزمن واصبحوا اصول جميع الكرد في نواحي البلاد(136). وتورد الشاهنامه اخبارا اخرى عن الكرد فتذكر ان الملك الساساني اردشير الاول عندما اوقع الهزيمة باردوان وابنه، اشتبك مع الكرد حيث لاقى الهزيمة على ايديهم، مما حدا به الى ارسال رقباء (جواسيس) لمراقبة تحركات الكرد عن كثب، وعندما عاد هؤلاء اخبروه بأن الكرد قد اخلدوا الى الراحة، عندئذ هاجمهم في عقر دارهم وثأر لنفسه(137). وقبل هذا التأريخ كان كتاب كارنامك اردشير باكان قد ذكر: "بعد موت الاسكندر الرومي، بلغ عدد الحكام او ملوك الطوائف 240 شخصا. وكان سباهان وبارس وماجاء بهما في يد قائدهم وزعيمهم اردوان. واختار اردوان لحكم فارس شخصا يدعى بابك كان يقيم في استخر دون ولد من صلبه. وكان ساسان يعمل راعيا لبابك ويعيش مع الخراف، وهو من نسل دارا بن دارا وكان قد لجأ الى الفرار ابان حكم الاسكندر المشؤوم واختفى وعاش مع الرعاة الكرد. ولم يمكن بابك يعرف ان ساسان من نسل دارا بن دارا"(138). ويبدو للباحث ان المصادر الفارسية كغيرها من المصادر الكلاسيكية يغلب عليها الطابع الاسطوري والخرافي مع عدم الدقة في التواريخ المحلية والعالمية، وان هناك تناقضا بينما تذكره مدونات الملوك الآشوريين بشأن طهور الفرس كأمة وتأسيسها لاول دولة فارسية بعد قضاء كورش الاخميني على الدولة الميدية وبين ما تذكره على سبيل المثال لا الحصر الشاهنامه من ان هناك اربع دول فارسية حكمت المنطقة لمدة 3784 سنة قبل الفتح الاسلامي، وبعملية رياضية يخرج الباحث بنتيجة وهي ان عمر اول دولة فارسية حكمت ايران حتى الفتح الاسلامي لايربو على 1100 عام(139). ولعل احسن من نقد المصادر الفارسية هو المؤرخ اليعقوبي عندما يقول: "فارس تدعي لملوكها امورا كثيرة مما لايقبل مثلها، من الزيادة في الخلقة، حتى للواحد عدة افواه وعيون، تكون للآخر وجه من نحاس، ويكون على كتفي آخر حيتان تطعمان ادمغة الرجال، وطول المدة في العمر، ودفع الموت عن الناس، واشباه ذلمك مما تدفعه العقول ويجرى فيه مجرى اللعبات الهزل، ومما لا حقيقة له.. الخ"(140). لمحة موجزة عن تأريخ الكرد قبل الاسلام لقد تباينت آراء الباحثين والمؤرخين حول الانتماء الحقيقي للكرد وجنس اسلافهم التأريخيين، وهذا ماانعكس بدوره على العصر التأريخي الذي يستطيع الباحث ان يعتمده كبداية للتأريخ الكردي قبل الاسلام. ولكن استنادا الى مصادر تاريخ الكرد قبل الاسلام، والرأي الراجح بانتماء اللغات الميدية والكردية والفارسية الى ارومة اللغات الهندو ايرانية(141) يبدو للباحث ان ظهور الدولة الميدية على مسرح الاحداث في تأريخ الشرق الادنى القديم يعتبر كبداية للتأريخ الكردي.
يتبع بحلقة خامسة