Kurd Day
Kurd Day Team
أجرت صحيفة – خه بات – اليومية لسان حال الحزب الديموقراطي الكردستاني التي تصدر في أربيل عاصمة اقليم كردستان العراق حوارا مع السياسي الكردي صلاح بدرالدين بمناسبة الذكرى السابعة بعد المائة لميلاد الزعيم الخالد مصطفى البارزاني التي تصادف الرابع عشر من آذار الجاري حيث يروي بعضا من مشاهداته وانطباعاته خلال لقاءاته مع البارزاني قبل أكثر من أربعين عاما وفي ما يلي الترجمة العربية للحوار الذي أجري بالكردية ونشر اليوم 14 – 3 – 2010 في الصحيفة المذكورة :
الجزء الأول :
مازال هناك العديد من الذين يتابعون بشغف وهدوء تفاصيل نهج البارزاني الخالد ولاينفكون يربطون الماضي بالحاضر بموضوعية وتحليل علمي ويجدون في كل مرحلة تجتازها الحركة التحررية الكردستانية وخاصة في كردستان العراق حضورا معنويا وفكريا للبارزاني ببصماته الواضحة ونتائج نضاله وانجازاته خلال أكثر من نصف قرن ومن بين هؤلاء بل في مقدمتهم السياسي الكردي صلاح بدرالدين من قادة الحركة الكردية السورية البارزين منذ ستينات القرن الماضي والرئيس السابق لحزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا والذي يترأس الآن مؤسسة كاوا للثقافة الكردية في أربيل ومنسق جمعيات الصداقة الكردية العربية الذي التقى البارزاني الخالد في المناطق المحررة بكردستان العراق منذ اواسط الستينات وتواصل معه بعد ذلك وقد أجرينا معه في صحيفة – خه بات – الناطقة باسم الحزب الديموقراطي الكردستاني اللقاء التالي بمناسبة الذكرى السنوية لميلاد البارزاني والذي يصفه كقائد قومي شجاع ويكشف العديد من الخفايا للمرة الأولى من بينها شهادة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بخصوص البارزاني : " كان البارزاني رجلا عظيما تعرض للغدر " .
أجرى اللقاء : آسو علي فرج
في بداية حديثه اعتبر صلاح بدرالدين نهج البارزاني كأحد مصادر الفكر القومي الذي ألهم كرد سوريا وقام عليه الحزب الأول في غرب كردستان " الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا " وتابع :
انطلقت الحركة القومية الكردية في غرب كردستان تاريخيا في بداية نشوء تنظيمها السياسي الأول من مصدرين في الفكر القومي والعمل السياسي وهما حركة – خويبون – ونهج البارزاني الذي كان عصارة تجربة الحركة القومية في كردستان العراق المتقدمة أشواطا على سائر الأجزاء الأخرى من كردستان التاريخية وقد كان ومازال تأثير ودور هذين العاملين عميقا في الحياة السياسية لشعبنا في سوريا . صلاح بدر الدين وفي استمالة لتسليط الضوء على حركة – خويبون – قال : تأسست الحركة في القامشلي أواخر عشرينات القرن المنصرم وأعلنت رسميا أمام وسائل الاعلام بعد ذلك بعام في – صوفر – بلبنان بمشاركة حزب الطاشناق الأرمني وكانت الحركة ذات توجه قومي كردستاني لذلك انتشرت بالاضافة الى جزئي كردستان في الشمال والغرب في الجنوب أيضا حيث تأسست خلاياها التنظيمية في بارزان والسليمانية وبغداد وكانت العلاقات متواصلة بين قادة خويبون والبارزانيين من جهة أخرى كان كرد سوريا وخاصة نخبهم المتعلمة يتابعون انتفاضات البارزانيين ومواجهاتهم العسكرية للمحتل البريطاني والجيش العراقي ودور البارزاني في قيادة العمليات وفي جمهورية مهاباد الديموقراطية خاصة بعد أن نقل مندوب كرد سوريا الراحل قدري جميل انطباعاته ومشاهداته حول البارزاني حيث شارك في احتفالات قيام الجمهورية في مهاباد بكردستان الشرقية كما تابعوا أخبار مسيرة البارزاني الطويلة من ايران الى العراق وتركيا واجتياز نهر آراس لدخول الاتحاد السوفييتي وما حصل للبارزانيين هناك في عهد ستالين ثم قيام الحزب الديموقراطي الكردستاني في العراق برئاسة البارزاني ودوره في توجيه الحزب نحو الالتزام بالفكر القومي الديموقراطي لذلك فقد كان لتجربة البارزاني خاصة والبارزانيين عموما منذ الشيخ عبد السلام تأثيرا بالغا في الفكر القومي بكردستان سوريا .
يعود صلاح بدرالدين الى ظروف الخلافات العاصفة في كردستان العراق خلال لقائه الأول بالبارزاني ( أيار 1967 ) قائلا :
عندها كان الخلاف على أشده داخل صفوف الحزب الديموقراطي الكردستاني والانقسام كان حاصلا في الثورة وقد ترك بظله المقلق مخيما على الحركة الكردية في أجزاء كردستان الأخرى ولم تكن أسباب الخلاف واضحة لنا في بداياته الأولى مما أثير الكثير من الاشاعات من جانب أعداء الكرد وفي حزبنا الديموقراطي الكردي في سوريا كان الانقسام حاصلا منذ عام 1965 أي قبل لقائي بالبارزاني وكنت حينها عضو المكتب السياسي للبارتي الديموقراطي الكردي اليساري في سوريا وسكرتيرنا الأول كان الراحل عثمان صبري وكان أحد أهم أسباب الانقسام مسألة خلافات كردستان العراق حول من هو الشرعي ومن على حق وكنا قد حسمنا موقفنا كيسار قومي ديموقراطي باتجاه الاعتراف بشرعية قائد الحزب والثورة البارزاني وكانت الحالة مشابهة لوضعنا في الحركة الكردية بايران وتركيا .
يروي صلاح بدر الدين انطباعاته وأحاسيسه خلال أول لقاء مع البارزاني ومشاهداته للكونفرانس العسكري – السياسي الذي عقد آنذاك قائلا :
عند وصولنا الى – كاني سماق – قرب بلدة – كلالة - كان يرافقني الشهيد – محمد حسن – عضو اللجنة المنطقية لحزبنا في القامشلي وكنا قد سرنا اثنى عشر يوما بدء من – جم شرف – على ضفة دجلة في كردستان سوريا ومرورا بكردستان تركيا ثم عبور نهر الزاب نحو كردستان العراق انطلاقا من مناطق زاخو مرورا بالمناطق المحاذية للحدود التركية وصولا الى – بالكي – وقد صودف وجودنا في – كاني سماق – انعقاد الكونفرانس العسكري السياسي الذي القى فيه البارزاني كلمة جامعة هامة اعتبرت وثيقة فكرية – سياسية شكلت معلما من معالم نهج البارزاني وقد كان فرصة للتعرف على غالبية قادة الحزب والثورة في كردستان العراق منهم من استشهد وقضى نحبه ومنهم من مازالوا على قيد الحياة وقد مكثنا حينها مدة كافية وتواصلنا مع الكثيرين والتقينا البارزاني في لقاءات مطولة في – قسري - وتباحثنا مع سيادته في أمور مختلفة مما ساعدتنا في فهم واستيعاب تفاصيل الوضع في كردستان العراق ومجمل قضايا الخلاف وأسبابها ونتائجها كما شرحنا له وضعنا في كردستان سوريا شعبا وحركة وحزبا ومعاناة وموقف السلطة السورية الشوفينية ومخاطر مخطط الحزام العربي الذي كان قد كشف عنه وآثار التجريد من الجنسية السورية والسجناء السياسيين ومسألة آفاق الحركة التحررية الكردية في المنطقة وعاهدناه على وقوف أبناء غرب كردستان الى جانب الثورة وقيادته الشرعية كما تم بحث العلاقات الكردية العربية ولاقينا من سيادته التشجيع في متابعة وتعميق تلك العلاقات التي كنا قد بدأنا السير بذلك الاتجاه على الصعيدين السوري والاقليمي وخاصة مع حركة التحرر الفلسطينية .
كان اللقاء الأول مع البارزاني له طعم آخر ولاأخفي أنني بقيت لساعات في وضع لم أصدق نفسي أنني في حضرة ذلك العظيم ووجها لوجه أمامه وعشت لحظات تتلاطم فيها الحقيقة بالحلم والمشاعر الجياشة بالواقعية ولدى عودتي الى غرب كردستان أبلغنا اللجنة المركزية لحزبنا بتقرير مفصل حول كل ما شاهدناه بما في ذلك مباحثاتنا مع البارزاني وانطباعاتنا وعلى أثر ذلك جددت القيادة موقفها الداعم لثورة ايلول والوقوف الى جانب قائدها وتجسيد ذلك في اعلام الحزب بالداخل والخارج .
من جملة انطباعاته في تلك الزيارة يلحظ صلاح بدرالدين مدى عشق البارزاني لكردستان قائلا :
حينها علمت أن البارزاني يعشق كردستان التاريخية الكبرى ويحمل هموم كرد الأجزاء الأربعة مستفسرا عن ظروف وأحوال كرد سوريا بصورة تفصيلية وبعد أن أعلمته عن معتقلينا السياسيين أصر على توجيه رسالة للقيادة السورية مطالبا اطلاق سراحهم وكنت بقرارة نفسي أعلم أن الرسالة قد تزيد العقاب بسبب المواقف الشوفينية للنظام السوري وعدائه السافر لثورة ايلول وقائدها الا درجة أن جل الاتهامات الموجهة الى مناضلينا كان ينحصر في العلاقة مع البارزاني ولكن كان ذلك موقفا نبيلا من السيد البارزاني واشارة الا أن لكرد سوريا من يسأل عنهم .
كان لسياسة البارزاني التحررية ونظرته القومية مدى واسع وحول ذلك يقول صلاح بدر الدين :
من دون التعمق في الجواب النظري في هذا المجال أحيلكم الى ثلاثة وثائق تثبت نهجه القومي الكردستاني الديموقراطي العميق احدى تلك الوثائق كلمته في مؤتمر - باكو - في آذربيجان السوفييتية عام 1948 الذي حضره مندوبون كرد من مختلف أجزاء كردستان ولاأبالغ اذا أكدت أن 80 بالمائة من مضمون تلك الكلمة كان يصلح أن يشكل برنامجا لحركة التحرر الكردستانية في ذلك الزمان وحتى في عصرنا الراهن لقد كان تعريفا للحركة بالأجزاء الأربعة كحركة تحرر وطني والقضية الكردية في الشرق الأوسط هي مسألة تحرر قومي والكرد شعب حي مسالم يستحق ان يقرر مصيره بنفسه وكفاحه سلمي دفاعي عادل ينشد الديموقراطية والعدالة الاجتماعية ومن الضرورة بمكان تعزية علاقات الصداقة والنضال المشترك مع الشعوب العربية والتركية والايرانية منددا بكل الوسائل العنفية والارهابية واعتبارها غريبة عن النضال الكردي وأن الحوار السلمي هو الطريق لحل القضية الكردية في المنطقة هذه هي المبادىء التي تضمنتها كلمة البارزاني وهي منطلقات استراتيجية تصلح لعصرنا الراهن أيضا .
الجزء الثاني :
هذا السياسي رئيس مؤسسة كاوا للثقافة الكردية يواصل سرد الحجج والدلائل الحية حول نهج البارزاني القومي الديموقراطي بطرح الوثيقة الثانية قائلا :
عندما أرسل اليه المكتب السياسي لحزبه الديموقراطي الكردستاني من بغداد تقريرا حول النشاطات ومنها أنه أقام علاقات مع الحركة الكردية في ايران أجاب البارزاني بصفته رئيسا للحزب : " عليكم اقامة العلاقات مع الحركة الكردية في الأجزاء الثلاثة وليس مع جزء فحسب " وهي اشارة معبرة من جانب البارزاني يجب الأخذ بها في الوقت الحاضر .
أما الوثيقة الثالثة فهي نص كلمة البارزاني في الكونفرانس السياسي – العسكري الذي عقد في – كاني سماق – في 15 أيار عام 1967 وفيها حدد استراتيجية الثورة ومواقفها السياسية تجاه السلام والمفاوضات مع الحكومات العراقية والنظرة الى علاقات الصداقة مع الشعب العربي وأن الصراع هو مع الأنظمة وليس مع العرب وما ينتظر من المجتمع الدولي تجاه الحقوق الكردية كما تضمنت تقييمه للصراع والمواجهات الداخلية معلنا أن العمل الحزبي وسيلة وليس هدفا وأن – الكردايتي – هي خيمة الكرد الجامعة بعيدا عن التعصب الآيديولوجي وأن مقياس الوطنية الصادقة هو مدى خدمة هذا الشعب والتفاني في سبيل أهدافه ومصالحه وأن الاقتتال الداخلي خيار محرم مهلك كما تضمنت سياسته الاجتماعية تجاه المظلومين والفقراء وعامة الشعب باعلان السهر على كرامته واحترام ارادته وخدمته وجاء في كلمته دعوة للمغرر بهم للعودة الى صفوف الثورة وتعزيز القوى لمواجهة الشوفينية والعنصرية وتحقيق الحقوق والأهداف . يسجل التاريخ عدالة البارزاني الخالد في المناطق المحررة حينذاك وبهذا الصدد يقول صلاح بدرالدين :
عندما زرت كردستان العراق وخلال المدة التي قضيتها ذهابا وايابا ( 25 ) يوم والمدة التي قضيتها في منطقة كلالة التقيت بالكثيرين ان كانوا قياديين وكوادر ومسؤلين سياسيين وبيشمركة أو قرويين وناس عاديين لم ألحظ أي أثر لنفوذ الاقطاعيين في المناطق المحررة وبالرغم من حالة الفقر التي كانت سائدة نتيجة الحصار الحكومي والحروب الا أن الناس كانوا أحرارا ومفعمون بالأمل ومتحمسون للنضال وتقديم التضحيات وفهمت أن البارزاني قد بسط عدالته وقوانينه المعبرة عن مصالح الغالبية من الشعب والفقراء كما لاحظت أن حماية البارزاني وحرسه الخاص المؤتمن عليهم كانوا بارزانيين وكلدان وآشورييون وأزيديين وهذا تعبير ثقافي سياسي انساني في غاية العمق عن مدى ديموقراطية وعلمانية نظرة البارزاني الى مسألة الأديان والطوائف وحريتها في مجتمع كردستان وصدقية مفهومه الكردستاني للثورة والمصير المشترك لسكان المنطقة الأصليين ولاشك أن ذلك يعود الى طبيعة الحياة المشتركة العادلة في بارزان منذ الشيخ عبد السلام الذي أطلق عليه المستشرق الأمريكي ورجل الدين – ويغرام – تسمية ( شيخ المسيحيين ) كناية عن رعايته للحرية الدينية في بارزان وذلك خلال تجواله في المنطقة منذ أكثر من مائة عام . أنشأ البارزاني حينها محكمة مختصة بشؤون المناطق المحررة الى جانب مقر المكتب السياسي في - كاني سماق - للفصل في قضايا المواطنين وحل مشاكلهم وقد تابعت عدة قضايا تتعلق بالزواج والطلاق والخطف والقتل والميراث ولمست العدالة بكل ما للكلمة من معنى .
حول العلاقة العضوية بين الثورة والشعب واهتمام البارزاني الخالد بقضايا المواطنين صغيرها وكبيرها يقول صلاح بدرالدين :
في زيارتي الثانية بعد صدور بيان الحادي عشر من آذار عام 1970 الى كردستان العراق تلبية لدعوة رسمية من البارزاني الخالد وكنت في ضيافته الكريمة ببلدة – حاجي عمران – وفي احدى الليالي وفي ديوانه الذي كان يضم حوالي الأربعين من المراجعين وعامة الناس وبعد أن قدم السجائر لمن حوله وكنت من بينهم كتقليد لتكريم الضيف استأذن أحد الحضور وقدم شكوى ضد سائقي السيارات وبينهم سائقي سيارات البيشمركة الذين يزعجون المواطنين ويجفلون المواشي في طريق كلالة – حاجي عمران فتجاوب معه البارزاني وبدأ الحديث حول الموضوع داعيا الى احترام الناس وتوجه بعد ذلك الى الشهيد – فرانسوا حريري – الذي كان بصحبة الراحل – ادريس البارزاني – في مدخل الديوان يأمره بالحفاظ على حقوق المواطنين ومعاقبة كل سائق يزعج أي مواطن في جميع الطرقات مكررا أنه لن يقبل أبدا الاساءة الى الشعب من أي مصدر كان لقد أثر في ذلك المشهد كثيرا وزادني اعجابا بقائد الثورة وزعيم الشعب وتأكدت بأن سر قوة البارزاني يكمن في ايمانه بشعبه واعتماده عليه رغم كل التحديات من أعدائه . كانت خيانة الشعب والقضية من مصادر قلق البارزاني وانزعاجه اللامحدود وبهذا الصدد يقول صلاح بدرالدين :
بعد التعرف على البارزاني وتعدد اللقاءات معه لاحظت مدى انزعاجه الشديد وتغير ملامحه عند ذكر رؤساء الجحوش الذين خانوا الشعب وكذلك الذين خانوا الحزب والثورة فلم يكن هناك مجال لديه للتردد في ادانة هؤلاء ومواجهتهم بكل قوة الى جانب امكانية العفو عنهم اذا ماتابوا بصدق وقناعة في جميع الأحوال كان يتمتع بشخصية مهيبة ومحبوبة في الآن ذاته .
كل من حظي بلقاء البارزاني الخالد لاحظ مدى احترامه وتقديره للناس وفي هذا المجال يقول صلاح بدرالدين :
بداية أقول أن البارزاني ينتمي الى قوم يقدم التضحيات ويعاني الهجرة والتشرد في سبيل القضية القومية – الكردايتي - طوال أربعة أجيال متواصلة وبذلك حازوا على محبة الشعب الكردي في كل مكان من جهة أخرى وحسب معرفتي أهل مناطق بارزان معروفون باحترام الناس والتواضع في تعاملاتهم الانسانية وقد كان البارزاني يجسد هذا السلوك الانساني بأجلى صوره وعرف عنه التواضع والبعد عن المكابرة وعدم السماح بتملق الآخرين .
من خصال البارزاني الخالد أنه كان يتقبل النقد البناء الصادر بصدق ويقول صلاح بدرالدين أنه في احدى اللقاءات وجه نقدا فأجابه البارزاني يا صلاح المجنون ليس الأمر كما تقول وبدأ بشرح وجهة نظره حول الموضوع .
في المرة الأولى وحول بعض القضايا الفكرية – السياسية والقومية وجهت نقدا أمام البارزاني لقيادة الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي كان رئيسه وكان بعد كلمتي في المؤتمر الثامن ل ح د ك في - ناوبردان - التي لم تخل من الحماس الزائد فرد علي مخاطبا وبلهجة محببة وبابتسامة عريضة : ياصلاح المجنون المسألة أعقد مما تتصور وبدأ بسرد تجربته خلال تواجده في الاتحاد السوفيتي ومعاناته وصحبه هناك وتعقيدات القضية الكردية والموقفين الدولي والاقليمي والظروف الصعبة للحركة الكردية في الأجزاء الأربعة وأعترف أنني اقتنعت بمعظم ملاحظاته وأخذت بقسم منها فيما بعد .
من أحد هموم البارزاني وتمنياته بناء علاقات كردية عربية سليمة وبهذا الصدد يقول صلاح بدرالدين :
خلال زيارتي الأولى وعندما كنت في ضيافته اندلعت الحرب العربية الاسرائيلية المعروفة بحرب الأيام الستة أو حرب حزيران ومنذ اليوم الأول كان باديا أن العرب خسروا الحرب وكان القلق باد بوضوح على محيا البارزاني وتساءل مرة لماذا خسر العرب ؟ مجيبا بسبب خيانة حكامهم وكانت له مواقف ثابتة فحين تنشب الحرب بين اسرائيل والعرب كان يوقف العمليات في كردستان .
حول العلاقات الكردية مع الفلسطينيين وياسر عرفات الذي كان لصلاح بدرالدين دور رئيس فيها يقول :
في احدى لقاءاتي مع الراحل ياسر عرفات في بداية سبعينات القرن الماضي ببيروت رغبت في طرح موضوع البارزاني الخالد وتعريف تاريخه وشخصيته ودوره وذلك بعد أن تورط البعض في اعطاء صورة خاطئة عنه لدى الرأي العام العربي فدهشت عندما لمست تعطش السيد عرفات لمعرفة الحقيقة وأصر على استبقائي لمدة أربعة ساعات كاملة وشرحت له القصة بكل موضوعية وحسب قناعتي الكاملة فلاحظت عليه التأثر من جهة والارتياح من جانب آخر لأنه أصبح على دراية بدور الزعيم الخالد البارزاني وكنت قد مررت بنفس التجربة قبل ذلك مع الزعيم الشهيد كمال جنبلاط وبعد انتهاء اللقاء فاجأني الراحل عرفات بالقول : البارزاني قائد عظيم وقد غدروا به وأصبح يردد هذا الكلام في كل مرة يلقاني وبعد ذلك بسنوات طلب مني اللقاء مع الرئيس مسعود البارزاني وفعلا مهدت السبيل وحصلت عدة لقاءات بينهما وأسر لي انطباعته بعد ذلك بالقول أن الرئيس مسعود قائد صادق وهادىء ومعتدل وتعززت العلاقات بين الزعيمين فيما بعد وفي احدى اللقاءات مع عرفات وبحضور عدد من اعضاء القيادة الفلسطينية بينهم ابو اياد وابو جهاد والرئيس ابو مازن بدأ بالحديث عن البارزاني قائلا : لقد تعرض الكرد والبارزاني الى الابادة من جانب الأنظمة العربية الشوفينية ولو كنت بدل البارزاني لنسجت العلاقات مع اسرائيل وغيرها لتوفير الحماية من الفناء .
في ختام اللقاء الصحفي طالب السياسي الكردي صلاح بدرالدين بألم ممزوج بالأمل بضرورة البحث والتعمق في جمع وتوضيب آثار البارزاني الخالد وصياغة وثائق ومصادر وجوانب نهجه واقامة " مؤسسة البارزاني للسلام " مسترسلا :
هناك تقصير تجاه البارزاني ونهجه نحن نؤمن بالتطور ونعلم أن الحياة تتطور ولكن هناك ثوابت تبقى ماثلة في حياة أجيال بكاملها وهناك في نهج البارزاني ثوابت ومبادىء ووثائق القسم الأعظم منها بحوزة الأخ الرئيس مسعود ما أحوج الكرد اليها في القرن الحادي والعشرين مع امكانية تطويرها وصقلها لتتناسب مع روح العصر ومتطلبات مصالح الحركة التحررية الكردستانية ومنذ عشرة أعوام طرحت مشروع انشاء " مؤسسة البارزاني للسلام " كمنظمة كردستانية – عالمية ومازلت أنتظر التجاوب مع المقترح وأكرر دعوتي للرئاسة والبرلمان والحكومة في الاقليم لتلبية اقتراحي بخصوص المشروع .
الجزء الأول :
مازال هناك العديد من الذين يتابعون بشغف وهدوء تفاصيل نهج البارزاني الخالد ولاينفكون يربطون الماضي بالحاضر بموضوعية وتحليل علمي ويجدون في كل مرحلة تجتازها الحركة التحررية الكردستانية وخاصة في كردستان العراق حضورا معنويا وفكريا للبارزاني ببصماته الواضحة ونتائج نضاله وانجازاته خلال أكثر من نصف قرن ومن بين هؤلاء بل في مقدمتهم السياسي الكردي صلاح بدرالدين من قادة الحركة الكردية السورية البارزين منذ ستينات القرن الماضي والرئيس السابق لحزب الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا والذي يترأس الآن مؤسسة كاوا للثقافة الكردية في أربيل ومنسق جمعيات الصداقة الكردية العربية الذي التقى البارزاني الخالد في المناطق المحررة بكردستان العراق منذ اواسط الستينات وتواصل معه بعد ذلك وقد أجرينا معه في صحيفة – خه بات – الناطقة باسم الحزب الديموقراطي الكردستاني اللقاء التالي بمناسبة الذكرى السنوية لميلاد البارزاني والذي يصفه كقائد قومي شجاع ويكشف العديد من الخفايا للمرة الأولى من بينها شهادة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بخصوص البارزاني : " كان البارزاني رجلا عظيما تعرض للغدر " .
أجرى اللقاء : آسو علي فرج
في بداية حديثه اعتبر صلاح بدرالدين نهج البارزاني كأحد مصادر الفكر القومي الذي ألهم كرد سوريا وقام عليه الحزب الأول في غرب كردستان " الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا " وتابع :
انطلقت الحركة القومية الكردية في غرب كردستان تاريخيا في بداية نشوء تنظيمها السياسي الأول من مصدرين في الفكر القومي والعمل السياسي وهما حركة – خويبون – ونهج البارزاني الذي كان عصارة تجربة الحركة القومية في كردستان العراق المتقدمة أشواطا على سائر الأجزاء الأخرى من كردستان التاريخية وقد كان ومازال تأثير ودور هذين العاملين عميقا في الحياة السياسية لشعبنا في سوريا . صلاح بدر الدين وفي استمالة لتسليط الضوء على حركة – خويبون – قال : تأسست الحركة في القامشلي أواخر عشرينات القرن المنصرم وأعلنت رسميا أمام وسائل الاعلام بعد ذلك بعام في – صوفر – بلبنان بمشاركة حزب الطاشناق الأرمني وكانت الحركة ذات توجه قومي كردستاني لذلك انتشرت بالاضافة الى جزئي كردستان في الشمال والغرب في الجنوب أيضا حيث تأسست خلاياها التنظيمية في بارزان والسليمانية وبغداد وكانت العلاقات متواصلة بين قادة خويبون والبارزانيين من جهة أخرى كان كرد سوريا وخاصة نخبهم المتعلمة يتابعون انتفاضات البارزانيين ومواجهاتهم العسكرية للمحتل البريطاني والجيش العراقي ودور البارزاني في قيادة العمليات وفي جمهورية مهاباد الديموقراطية خاصة بعد أن نقل مندوب كرد سوريا الراحل قدري جميل انطباعاته ومشاهداته حول البارزاني حيث شارك في احتفالات قيام الجمهورية في مهاباد بكردستان الشرقية كما تابعوا أخبار مسيرة البارزاني الطويلة من ايران الى العراق وتركيا واجتياز نهر آراس لدخول الاتحاد السوفييتي وما حصل للبارزانيين هناك في عهد ستالين ثم قيام الحزب الديموقراطي الكردستاني في العراق برئاسة البارزاني ودوره في توجيه الحزب نحو الالتزام بالفكر القومي الديموقراطي لذلك فقد كان لتجربة البارزاني خاصة والبارزانيين عموما منذ الشيخ عبد السلام تأثيرا بالغا في الفكر القومي بكردستان سوريا .
يعود صلاح بدرالدين الى ظروف الخلافات العاصفة في كردستان العراق خلال لقائه الأول بالبارزاني ( أيار 1967 ) قائلا :
عندها كان الخلاف على أشده داخل صفوف الحزب الديموقراطي الكردستاني والانقسام كان حاصلا في الثورة وقد ترك بظله المقلق مخيما على الحركة الكردية في أجزاء كردستان الأخرى ولم تكن أسباب الخلاف واضحة لنا في بداياته الأولى مما أثير الكثير من الاشاعات من جانب أعداء الكرد وفي حزبنا الديموقراطي الكردي في سوريا كان الانقسام حاصلا منذ عام 1965 أي قبل لقائي بالبارزاني وكنت حينها عضو المكتب السياسي للبارتي الديموقراطي الكردي اليساري في سوريا وسكرتيرنا الأول كان الراحل عثمان صبري وكان أحد أهم أسباب الانقسام مسألة خلافات كردستان العراق حول من هو الشرعي ومن على حق وكنا قد حسمنا موقفنا كيسار قومي ديموقراطي باتجاه الاعتراف بشرعية قائد الحزب والثورة البارزاني وكانت الحالة مشابهة لوضعنا في الحركة الكردية بايران وتركيا .
يروي صلاح بدر الدين انطباعاته وأحاسيسه خلال أول لقاء مع البارزاني ومشاهداته للكونفرانس العسكري – السياسي الذي عقد آنذاك قائلا :
عند وصولنا الى – كاني سماق – قرب بلدة – كلالة - كان يرافقني الشهيد – محمد حسن – عضو اللجنة المنطقية لحزبنا في القامشلي وكنا قد سرنا اثنى عشر يوما بدء من – جم شرف – على ضفة دجلة في كردستان سوريا ومرورا بكردستان تركيا ثم عبور نهر الزاب نحو كردستان العراق انطلاقا من مناطق زاخو مرورا بالمناطق المحاذية للحدود التركية وصولا الى – بالكي – وقد صودف وجودنا في – كاني سماق – انعقاد الكونفرانس العسكري السياسي الذي القى فيه البارزاني كلمة جامعة هامة اعتبرت وثيقة فكرية – سياسية شكلت معلما من معالم نهج البارزاني وقد كان فرصة للتعرف على غالبية قادة الحزب والثورة في كردستان العراق منهم من استشهد وقضى نحبه ومنهم من مازالوا على قيد الحياة وقد مكثنا حينها مدة كافية وتواصلنا مع الكثيرين والتقينا البارزاني في لقاءات مطولة في – قسري - وتباحثنا مع سيادته في أمور مختلفة مما ساعدتنا في فهم واستيعاب تفاصيل الوضع في كردستان العراق ومجمل قضايا الخلاف وأسبابها ونتائجها كما شرحنا له وضعنا في كردستان سوريا شعبا وحركة وحزبا ومعاناة وموقف السلطة السورية الشوفينية ومخاطر مخطط الحزام العربي الذي كان قد كشف عنه وآثار التجريد من الجنسية السورية والسجناء السياسيين ومسألة آفاق الحركة التحررية الكردية في المنطقة وعاهدناه على وقوف أبناء غرب كردستان الى جانب الثورة وقيادته الشرعية كما تم بحث العلاقات الكردية العربية ولاقينا من سيادته التشجيع في متابعة وتعميق تلك العلاقات التي كنا قد بدأنا السير بذلك الاتجاه على الصعيدين السوري والاقليمي وخاصة مع حركة التحرر الفلسطينية .
كان اللقاء الأول مع البارزاني له طعم آخر ولاأخفي أنني بقيت لساعات في وضع لم أصدق نفسي أنني في حضرة ذلك العظيم ووجها لوجه أمامه وعشت لحظات تتلاطم فيها الحقيقة بالحلم والمشاعر الجياشة بالواقعية ولدى عودتي الى غرب كردستان أبلغنا اللجنة المركزية لحزبنا بتقرير مفصل حول كل ما شاهدناه بما في ذلك مباحثاتنا مع البارزاني وانطباعاتنا وعلى أثر ذلك جددت القيادة موقفها الداعم لثورة ايلول والوقوف الى جانب قائدها وتجسيد ذلك في اعلام الحزب بالداخل والخارج .
من جملة انطباعاته في تلك الزيارة يلحظ صلاح بدرالدين مدى عشق البارزاني لكردستان قائلا :
حينها علمت أن البارزاني يعشق كردستان التاريخية الكبرى ويحمل هموم كرد الأجزاء الأربعة مستفسرا عن ظروف وأحوال كرد سوريا بصورة تفصيلية وبعد أن أعلمته عن معتقلينا السياسيين أصر على توجيه رسالة للقيادة السورية مطالبا اطلاق سراحهم وكنت بقرارة نفسي أعلم أن الرسالة قد تزيد العقاب بسبب المواقف الشوفينية للنظام السوري وعدائه السافر لثورة ايلول وقائدها الا درجة أن جل الاتهامات الموجهة الى مناضلينا كان ينحصر في العلاقة مع البارزاني ولكن كان ذلك موقفا نبيلا من السيد البارزاني واشارة الا أن لكرد سوريا من يسأل عنهم .
كان لسياسة البارزاني التحررية ونظرته القومية مدى واسع وحول ذلك يقول صلاح بدر الدين :
من دون التعمق في الجواب النظري في هذا المجال أحيلكم الى ثلاثة وثائق تثبت نهجه القومي الكردستاني الديموقراطي العميق احدى تلك الوثائق كلمته في مؤتمر - باكو - في آذربيجان السوفييتية عام 1948 الذي حضره مندوبون كرد من مختلف أجزاء كردستان ولاأبالغ اذا أكدت أن 80 بالمائة من مضمون تلك الكلمة كان يصلح أن يشكل برنامجا لحركة التحرر الكردستانية في ذلك الزمان وحتى في عصرنا الراهن لقد كان تعريفا للحركة بالأجزاء الأربعة كحركة تحرر وطني والقضية الكردية في الشرق الأوسط هي مسألة تحرر قومي والكرد شعب حي مسالم يستحق ان يقرر مصيره بنفسه وكفاحه سلمي دفاعي عادل ينشد الديموقراطية والعدالة الاجتماعية ومن الضرورة بمكان تعزية علاقات الصداقة والنضال المشترك مع الشعوب العربية والتركية والايرانية منددا بكل الوسائل العنفية والارهابية واعتبارها غريبة عن النضال الكردي وأن الحوار السلمي هو الطريق لحل القضية الكردية في المنطقة هذه هي المبادىء التي تضمنتها كلمة البارزاني وهي منطلقات استراتيجية تصلح لعصرنا الراهن أيضا .
الجزء الثاني :
هذا السياسي رئيس مؤسسة كاوا للثقافة الكردية يواصل سرد الحجج والدلائل الحية حول نهج البارزاني القومي الديموقراطي بطرح الوثيقة الثانية قائلا :
عندما أرسل اليه المكتب السياسي لحزبه الديموقراطي الكردستاني من بغداد تقريرا حول النشاطات ومنها أنه أقام علاقات مع الحركة الكردية في ايران أجاب البارزاني بصفته رئيسا للحزب : " عليكم اقامة العلاقات مع الحركة الكردية في الأجزاء الثلاثة وليس مع جزء فحسب " وهي اشارة معبرة من جانب البارزاني يجب الأخذ بها في الوقت الحاضر .
أما الوثيقة الثالثة فهي نص كلمة البارزاني في الكونفرانس السياسي – العسكري الذي عقد في – كاني سماق – في 15 أيار عام 1967 وفيها حدد استراتيجية الثورة ومواقفها السياسية تجاه السلام والمفاوضات مع الحكومات العراقية والنظرة الى علاقات الصداقة مع الشعب العربي وأن الصراع هو مع الأنظمة وليس مع العرب وما ينتظر من المجتمع الدولي تجاه الحقوق الكردية كما تضمنت تقييمه للصراع والمواجهات الداخلية معلنا أن العمل الحزبي وسيلة وليس هدفا وأن – الكردايتي – هي خيمة الكرد الجامعة بعيدا عن التعصب الآيديولوجي وأن مقياس الوطنية الصادقة هو مدى خدمة هذا الشعب والتفاني في سبيل أهدافه ومصالحه وأن الاقتتال الداخلي خيار محرم مهلك كما تضمنت سياسته الاجتماعية تجاه المظلومين والفقراء وعامة الشعب باعلان السهر على كرامته واحترام ارادته وخدمته وجاء في كلمته دعوة للمغرر بهم للعودة الى صفوف الثورة وتعزيز القوى لمواجهة الشوفينية والعنصرية وتحقيق الحقوق والأهداف . يسجل التاريخ عدالة البارزاني الخالد في المناطق المحررة حينذاك وبهذا الصدد يقول صلاح بدرالدين :
عندما زرت كردستان العراق وخلال المدة التي قضيتها ذهابا وايابا ( 25 ) يوم والمدة التي قضيتها في منطقة كلالة التقيت بالكثيرين ان كانوا قياديين وكوادر ومسؤلين سياسيين وبيشمركة أو قرويين وناس عاديين لم ألحظ أي أثر لنفوذ الاقطاعيين في المناطق المحررة وبالرغم من حالة الفقر التي كانت سائدة نتيجة الحصار الحكومي والحروب الا أن الناس كانوا أحرارا ومفعمون بالأمل ومتحمسون للنضال وتقديم التضحيات وفهمت أن البارزاني قد بسط عدالته وقوانينه المعبرة عن مصالح الغالبية من الشعب والفقراء كما لاحظت أن حماية البارزاني وحرسه الخاص المؤتمن عليهم كانوا بارزانيين وكلدان وآشورييون وأزيديين وهذا تعبير ثقافي سياسي انساني في غاية العمق عن مدى ديموقراطية وعلمانية نظرة البارزاني الى مسألة الأديان والطوائف وحريتها في مجتمع كردستان وصدقية مفهومه الكردستاني للثورة والمصير المشترك لسكان المنطقة الأصليين ولاشك أن ذلك يعود الى طبيعة الحياة المشتركة العادلة في بارزان منذ الشيخ عبد السلام الذي أطلق عليه المستشرق الأمريكي ورجل الدين – ويغرام – تسمية ( شيخ المسيحيين ) كناية عن رعايته للحرية الدينية في بارزان وذلك خلال تجواله في المنطقة منذ أكثر من مائة عام . أنشأ البارزاني حينها محكمة مختصة بشؤون المناطق المحررة الى جانب مقر المكتب السياسي في - كاني سماق - للفصل في قضايا المواطنين وحل مشاكلهم وقد تابعت عدة قضايا تتعلق بالزواج والطلاق والخطف والقتل والميراث ولمست العدالة بكل ما للكلمة من معنى .
حول العلاقة العضوية بين الثورة والشعب واهتمام البارزاني الخالد بقضايا المواطنين صغيرها وكبيرها يقول صلاح بدرالدين :
في زيارتي الثانية بعد صدور بيان الحادي عشر من آذار عام 1970 الى كردستان العراق تلبية لدعوة رسمية من البارزاني الخالد وكنت في ضيافته الكريمة ببلدة – حاجي عمران – وفي احدى الليالي وفي ديوانه الذي كان يضم حوالي الأربعين من المراجعين وعامة الناس وبعد أن قدم السجائر لمن حوله وكنت من بينهم كتقليد لتكريم الضيف استأذن أحد الحضور وقدم شكوى ضد سائقي السيارات وبينهم سائقي سيارات البيشمركة الذين يزعجون المواطنين ويجفلون المواشي في طريق كلالة – حاجي عمران فتجاوب معه البارزاني وبدأ الحديث حول الموضوع داعيا الى احترام الناس وتوجه بعد ذلك الى الشهيد – فرانسوا حريري – الذي كان بصحبة الراحل – ادريس البارزاني – في مدخل الديوان يأمره بالحفاظ على حقوق المواطنين ومعاقبة كل سائق يزعج أي مواطن في جميع الطرقات مكررا أنه لن يقبل أبدا الاساءة الى الشعب من أي مصدر كان لقد أثر في ذلك المشهد كثيرا وزادني اعجابا بقائد الثورة وزعيم الشعب وتأكدت بأن سر قوة البارزاني يكمن في ايمانه بشعبه واعتماده عليه رغم كل التحديات من أعدائه . كانت خيانة الشعب والقضية من مصادر قلق البارزاني وانزعاجه اللامحدود وبهذا الصدد يقول صلاح بدرالدين :
بعد التعرف على البارزاني وتعدد اللقاءات معه لاحظت مدى انزعاجه الشديد وتغير ملامحه عند ذكر رؤساء الجحوش الذين خانوا الشعب وكذلك الذين خانوا الحزب والثورة فلم يكن هناك مجال لديه للتردد في ادانة هؤلاء ومواجهتهم بكل قوة الى جانب امكانية العفو عنهم اذا ماتابوا بصدق وقناعة في جميع الأحوال كان يتمتع بشخصية مهيبة ومحبوبة في الآن ذاته .
كل من حظي بلقاء البارزاني الخالد لاحظ مدى احترامه وتقديره للناس وفي هذا المجال يقول صلاح بدرالدين :
بداية أقول أن البارزاني ينتمي الى قوم يقدم التضحيات ويعاني الهجرة والتشرد في سبيل القضية القومية – الكردايتي - طوال أربعة أجيال متواصلة وبذلك حازوا على محبة الشعب الكردي في كل مكان من جهة أخرى وحسب معرفتي أهل مناطق بارزان معروفون باحترام الناس والتواضع في تعاملاتهم الانسانية وقد كان البارزاني يجسد هذا السلوك الانساني بأجلى صوره وعرف عنه التواضع والبعد عن المكابرة وعدم السماح بتملق الآخرين .
من خصال البارزاني الخالد أنه كان يتقبل النقد البناء الصادر بصدق ويقول صلاح بدرالدين أنه في احدى اللقاءات وجه نقدا فأجابه البارزاني يا صلاح المجنون ليس الأمر كما تقول وبدأ بشرح وجهة نظره حول الموضوع .
في المرة الأولى وحول بعض القضايا الفكرية – السياسية والقومية وجهت نقدا أمام البارزاني لقيادة الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي كان رئيسه وكان بعد كلمتي في المؤتمر الثامن ل ح د ك في - ناوبردان - التي لم تخل من الحماس الزائد فرد علي مخاطبا وبلهجة محببة وبابتسامة عريضة : ياصلاح المجنون المسألة أعقد مما تتصور وبدأ بسرد تجربته خلال تواجده في الاتحاد السوفيتي ومعاناته وصحبه هناك وتعقيدات القضية الكردية والموقفين الدولي والاقليمي والظروف الصعبة للحركة الكردية في الأجزاء الأربعة وأعترف أنني اقتنعت بمعظم ملاحظاته وأخذت بقسم منها فيما بعد .
من أحد هموم البارزاني وتمنياته بناء علاقات كردية عربية سليمة وبهذا الصدد يقول صلاح بدرالدين :
خلال زيارتي الأولى وعندما كنت في ضيافته اندلعت الحرب العربية الاسرائيلية المعروفة بحرب الأيام الستة أو حرب حزيران ومنذ اليوم الأول كان باديا أن العرب خسروا الحرب وكان القلق باد بوضوح على محيا البارزاني وتساءل مرة لماذا خسر العرب ؟ مجيبا بسبب خيانة حكامهم وكانت له مواقف ثابتة فحين تنشب الحرب بين اسرائيل والعرب كان يوقف العمليات في كردستان .
حول العلاقات الكردية مع الفلسطينيين وياسر عرفات الذي كان لصلاح بدرالدين دور رئيس فيها يقول :
في احدى لقاءاتي مع الراحل ياسر عرفات في بداية سبعينات القرن الماضي ببيروت رغبت في طرح موضوع البارزاني الخالد وتعريف تاريخه وشخصيته ودوره وذلك بعد أن تورط البعض في اعطاء صورة خاطئة عنه لدى الرأي العام العربي فدهشت عندما لمست تعطش السيد عرفات لمعرفة الحقيقة وأصر على استبقائي لمدة أربعة ساعات كاملة وشرحت له القصة بكل موضوعية وحسب قناعتي الكاملة فلاحظت عليه التأثر من جهة والارتياح من جانب آخر لأنه أصبح على دراية بدور الزعيم الخالد البارزاني وكنت قد مررت بنفس التجربة قبل ذلك مع الزعيم الشهيد كمال جنبلاط وبعد انتهاء اللقاء فاجأني الراحل عرفات بالقول : البارزاني قائد عظيم وقد غدروا به وأصبح يردد هذا الكلام في كل مرة يلقاني وبعد ذلك بسنوات طلب مني اللقاء مع الرئيس مسعود البارزاني وفعلا مهدت السبيل وحصلت عدة لقاءات بينهما وأسر لي انطباعته بعد ذلك بالقول أن الرئيس مسعود قائد صادق وهادىء ومعتدل وتعززت العلاقات بين الزعيمين فيما بعد وفي احدى اللقاءات مع عرفات وبحضور عدد من اعضاء القيادة الفلسطينية بينهم ابو اياد وابو جهاد والرئيس ابو مازن بدأ بالحديث عن البارزاني قائلا : لقد تعرض الكرد والبارزاني الى الابادة من جانب الأنظمة العربية الشوفينية ولو كنت بدل البارزاني لنسجت العلاقات مع اسرائيل وغيرها لتوفير الحماية من الفناء .
في ختام اللقاء الصحفي طالب السياسي الكردي صلاح بدرالدين بألم ممزوج بالأمل بضرورة البحث والتعمق في جمع وتوضيب آثار البارزاني الخالد وصياغة وثائق ومصادر وجوانب نهجه واقامة " مؤسسة البارزاني للسلام " مسترسلا :
هناك تقصير تجاه البارزاني ونهجه نحن نؤمن بالتطور ونعلم أن الحياة تتطور ولكن هناك ثوابت تبقى ماثلة في حياة أجيال بكاملها وهناك في نهج البارزاني ثوابت ومبادىء ووثائق القسم الأعظم منها بحوزة الأخ الرئيس مسعود ما أحوج الكرد اليها في القرن الحادي والعشرين مع امكانية تطويرها وصقلها لتتناسب مع روح العصر ومتطلبات مصالح الحركة التحررية الكردستانية ومنذ عشرة أعوام طرحت مشروع انشاء " مؤسسة البارزاني للسلام " كمنظمة كردستانية – عالمية ومازلت أنتظر التجاوب مع المقترح وأكرر دعوتي للرئاسة والبرلمان والحكومة في الاقليم لتلبية اقتراحي بخصوص المشروع .