أين ضاعت العقيدة(الجزء الاول)

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع muhmmad alo
  • تاريخ البدء تاريخ البدء

muhmmad alo

كاتب



الحمد لله ثم الحمد لله ؛ الحمد لله الذي يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن الهادي محمدا عبده ورسوله جاء بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير أما بعد : فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ، وإن من كلام الله تعالى قوله (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)1 ؛ قال الإمام القاسمي في تفسيره : لو كانوا يعلمون : إيغال في تجهيلهم لأنهم لا يعلمونه مع وضوحه لدى من له أدنى مُسكة (أي حظ ونصيب من الفهم).
إن عيش المسلمين مع عنكبوتيات الأفكار والأعمال ردحا طويلا قد شل فعالياتهم وأودى بهم إلى الحضيض ، والانحراف عن موالاة الله ورسوله مما لا تتجاوزه الأمة حتى تدفع فاتورته الباهظة ، وادعاء الصلاح والتقوى مع الشهوات الباطنة في النفوس يزيد الداء خفاء ، وقد قلنا في الخطبة الماضية أن الطرح المغلوط للأمور مما لنا منه حظ كبير ، ومن آثار ذلك انحسار كثير من مقومات العقيدة الإيمانية من النفوس ، والأخطاء التي نعيشها فكرا أو سلوكا لا يمكن تحليلها إلا بقراءة التاريخ وفهم الحاضر وتبين معالم المستقبل ، وقد فقه من صلحت بهم الأمة ذلك فكان رائدهم الدعاء الوارد في قوله تعالى (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)2. وما بين الدنيا والآخرة منازل يلزم معها التفكر فيما مضى وفيما يمضي وفيما سيأتي ؛ أما نحن فربما أصبحنا سكارى بأهوائنا لا توقظنا مصيبة ولا تحركنا مأساة ولا تزحزحنا عن أغلاطنا الأهوال ، وكل السبب يكمن في الفهم السقيم للأمور. الإمام الغزالي رحمه الله كان فقيها بالنفوس يقول في إحيائه ما مؤداه : (ربما جاهد المريد نفسه حتى ترك الفواحش والمعاصي ثم ظن أنه قد هذب خلقه واستغنى عن المجاهدة وليس كذلك فان حسن الخلق هو مجموع صفات المؤمنين). ما هي صفات المؤمنين؟ منها قوله تعالى في سورة الأنفال (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم)3 ، ومنها قوله تعالى : (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمسكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون)4 ويعقب الإمام القاسمي على الآية بقوله : ليس الصلاح والطاعة والفعل المرضي في تزكية النفس الذي يجب أن تذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البر (هو أمر القبلة) ، ولكن البر الذي يجب الاهتمام به هو هذه الخصال التي عدها جل شأنه.
والبر هو اسم جامع للطاعات وأعمال الخير المقربة إلى الله ؛ أي باختصار صفات المؤمنين ، ومن صفات المؤمنين أيضا ما ذكرته سورة المؤمنون وسورة الفرقان وغيرها.
ونعود إلى الغزالي الذي يقول : فمن أشكل عليه حاله فليعرض نفسه على هذه الآيات فوجود جميع هذه الصفات علامة حسن الخلق وفَقدُ جميعها علامة سوء الخلق ووجود بعضها دون البعض يدل على البعض دون البعض فليشتغل بحفظ ما وجده وتحصيل ما فقده.
والذي حصل ما يلي: إن الإيمان لا يمكن أن يتحقق إلا بمحاوره الثلاثة : القول والعمل والاعتقاد ، وربما راعت الشريعة بعض الظروف القولية أو ظروف الأعمال الظاهرة ولكنها أبدا لم تتسامح مع الجانب الاعتقادي الذي بضعفه ينهار كل شيء. كلكم تعلمون الحديث الشريف: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده (عمل) فان لم يستطع فبلسانه (قول) فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) .. هل هناك ذرة من الإيمان بعد ذلك؟ لا يوجد أبدا حبة من خردل من إيمان في قلب من مات الجانب الاعتقادي عنده 6 ولسنا نحب صدم الناس ولكننا نحب تفقيههم وتذكيرهم ونصيحتهم ، وإن من النصح لهم أن نذكر لهم بصراحة الضعف الخطير في الجانب الاعتقادي لديهم ، وأن كثيرين منا عليهم العودة ليفهموا الإسلام من ألف بائه الأولى.
إن الأعمال الظاهرة مقاييس للناس ولقد قال الفاروق عمر رضي الله عنه للناس: (إنما نؤاخذ الرجل على ما ظهر لنا من عمله وندع سريرته إلى الله) ولكن سرائر القلوب وحدها هي مناط القبول أو الرد عند الله تعالى ، وصدق الهادي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (إنما الأعمال بالنيات ... )7
الرجل الذي تذكره بالله في أمر شرعي واضح بين يتجاوزه ؛ فيجادل طويلا فإن لم تبق له حجة قال لك: أخي أنا هكذا ، والمرأة المصلية التي تذكرها طويلا بعاقبة الغيبة عند الله ونتنها عند الناس فيزداد تغيظها من النصيحة! والإنسان الذي لا يأمن جاره بوائقه أو الذي يبيت شبعان ريان سكران وأهل حيه يكاد بعضهم يموت من الجوع وهو لا يلتفت إليهم .. والذي لا يلذع قلبه كل ما فيه الأمة من الفساد والرذائل المعيبة فإذا التزم ولده بالمسجد أو ابنته بالحجاب ناصبهما العداء بدل النصح والرعاية والذهاب معهما إلى دين الله ، والذي توكل إليه أمانة في منصب من المناصب فيتخذه منبرا للابتزاز وأخذ الرشى وتعطيل مصالح الناس ، والراشي الملعون الذي يدمر الأمة وينخر كما ينخر السوس في جسد المؤسسات والإدارات والمصالح العامة من أجل مصالح وأطماع لا من أجل ضرورة شديدة ألجأته إلى ذلك ثم يأتيك بعد ذلك يصلي في الصف الأول وابتسامته عرضها شبر ؛ فقد ازدادت عصابة المتعاملين معه واحدا ، والذي لديه شقة مفروشة لا يعجبه دخلها الطبيعي من الحلال فيطلب من المكتب العقاري أن يبحث له عن بعض من يستأجرونها في الحرام ليكسب أكثر ، والذي يؤتمن على سيارة من سيارات الدولة فيُملكها ابنه المراهق يسوح فيها كالمجانين ويؤذي الناس بمنظره ويذكرهم ويكون المسبب ليلعنوه ويلعنوا أمه وأباه على هذه التربية الفاسدة ، والعالم الذي يتصدى للحق فيأتيه ترغيب أو ترهيب فيبيع دينه بدل أن يسكب دمه ليفديه ، أو يعتزل الناس إن لم يستطع الجهر بالحق ، والطبيب الجشع الذي يعامل فقراء الناس كما يعامل أغنياءهم ويغلق صوت قلبه كي لا يذكره بهم ، والملتزمة التي تعود أبناءها بتربيتها المعوجة على الكذب والنفاق وتخرج منهم أسوأ النماذج التي يمكن أن يبتلى بها الناس ، والتاجر الفاجر الذي يتمسح بالعلماء (كما تتمسح القطة الجرباء بصاحبها السليم كي يظن الناس بها العافية) فإذا نصحه أحد العلماء نصيحة صادقة أو نبهه إلى منكر لا ينبغي له فعله أعرض عنه وصار يأكل من لحمه ، والذي يُنتقَدُ بعض أجداده فتثور حمية الجاهلية في رأسه فيرغي ويزبد ويهدر ويرعد ؛ غيرة على الشرف التليد فإذا استبيحت بيضة الإسلام وكسرت أجنحته رأيت قلبا ميتا ونفسا ذليلة ، ومدرسة الدين التي تمنع تلميذاتها منعا باتا مطلقا من سماع الألحان ثم تبيح ذلك لبناتها فإن سئلت قالت: حرام من أجل أن لا يتعقدن! (أي يصبحن معقدات) وكأن تعقيد بنات الناس حلال وتعقيد بناتها حرام ، والذي يعلم أبناءه ألا يصاحبوا إلا أبناء العائلات والذوات ولا يربيه على أن أكرمكم عند الله أتقاكم وأن من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه وأن قدم فلاح تقي خير عند الله من عائلة من أهل الحسب والنسب تعيش في الخمور والفجور ، والأستاذة التي أبعدت إحدى التلميذات عن درس ديني لأن الدرس لا يحوي إلا الجميلات والتلميذة المسكينة خلقها الله سمراء داكنة الوجه لا تناسب المستوى فتقول عنها الأستاذة: لو لم يكن لها ذنوب كثيرة لما كانت بهذا الشكل (ولعلها رأت صورتها فيها) والمتحدث العظيم باسم الإسلام والذي يبكي على الإسلام وأهله وينتقد العلماء وتقصيرهم في محاربة المنكرات فإن رأيت ما في بيته علمت أنه لا يترك منكرا إلا ويحضره إلى بيته وأن له السبق في إحضار الآفات إلى الأمة ، والمتدين الغافل الذي لا يعلم في أي صف صار ولده ، أو الذي يلحق الدروس التي لا تتحدث إلا عن الطيران في الهواء والمشي فوق الماء وبيته أصبح شديد الانحراف عن الدين شديد الكره له والماء يمشي من تحته والفجور والانحلال يطير من فوقه وهو لا يحس ولا يريد أن يحس ، والعامل الغشاش والمهني الكذاب وصاحب الورشة الدجال وكل الذين يعدون فيخلفون ، ثم يحلفون ويكذبون.
كل هذه الصور وآلاف غيرها مبثوثة في حياتنا وفي تاريخنا وستبقى حملا ثقيلا في مستقبلنا إن لم نحاربها ؛ هذه الصور وأمثالها ليست نتيجة ضغط اجتاح بعض جوانب القول أو الفعل ؛ هذه الصور نتيجة فهم قاصر للعقيدة كلها أو قل انحراف عن العقيدة كلها.
 
رد: أين ضاعت العقيدة(الجزء الاول)

بارك الله فيك ولك أخي..
الله يجزيك الخير ويحميك لأهلك..
دمت بخير..
الم..
 
رد: أين ضاعت العقيدة(الجزء الاول)

بارك الله فيك اخي

والله يجزيك الخير يارب
 
رد: أين ضاعت العقيدة(الجزء الاول)

سلام عليكم
اخت الم
لكي ان شاء مثل ما ذكرتي لنا
نور الله قلبكِ
مشكورة
 
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
عودة
أعلى