في الليل عندما تصمت الأشياء , ويهبط الظلام فيلف الكون بعباءة من العتمة تسدل أستارها على كل شيء , ويتحدرجد القمر خجولا فوق صفحة السماء وكأنه كرة من الثلج يخترق ضوءه أستار الليل ليرسم لوحة تمتزج فيها خيوط الضوء المنبعثة من القمر بجدائل الليل السرمدية , وكأن الكون يتهيأ لاستقبال عاشقين قد أضناهما العشق ..! .
وينساب الليل محتضنا ضوء القمر ليخترق الأبواب والنوافذ , ويدغدغ الأسرة الحيرى معلنا بدء الموعد للقاء المنتظر بين تلك الأرواح الثكلى ..! .
في هذا الوقت بالذات أحاول أن أخترق صمتي , ورويدا رويدا تبدأ جفوة بين جسدي وفراشي وكأنه يريد أن يلفظني عندما أتلمسه فلا أجدك إلى جانبي , أغادر الفراش بخطى متعثرة , أهرول وراءك خارج الغرفة , أبحث عنك في كل مكان .. في ثنايا وردة جورية .. في عطر ياسمينة .. في ظل زيزفونة .. بين أغصان زيتونة ..! .
أبحث عنك في نسمة شرقية أو غربية .. في زقزقة عصفورة .. أو شدو بلبل .. أبحث عنك في نوح حمامة قد فارقت سربها وضلت طريقها .. ولكن بلا جدوى ..! .
هل يا ترى قد نسيت موعدنا ..؟ ألم نلتقي ها هنا منذ أيام ..؟ في هذا المكان وذات الزمان , أيام وشهور وسنوات مرت ونحن نلتقي ونفترق في تلك الغرفة المعلقة بين عتمة الليل وصمت المكان , بجدرانها المخيفة وسقفها الموحش , لا فرق في الزمان ولا فرق في المكان , فكل شيء يكون كما نشتهي عندما نلتقي , وعندما يعلن الليل الزفاف ويرحل بنا بين الأفلاك والنجوم والمجرات كل يعلن النفير على طريقته ويوقد الشموع على طريقته ونحن نبحر بين تلك الترانيم بألبسة من لازورد , حيث لا حاقد ولا حاسد ولا عذول , وكل يومئذ في شغل فاكهون .
لم تخلف الموعد يوما , وهل تأخر موسى يوما عن الطور ..؟ وهل أخلفت الشمس يوما موعدها عند الظهور ..؟
كيف ..؟ وكانت تسبقني دوما إلى الموعد , لا شيء يؤخرها , لا شيء يمنعها فشيئا ما كان يجذبني باتجاه المكان , رائحة أنفاسها الزكية , وعبق جسدها الطاهر , كنت أعلم يقينا أنها هناك تنتظرني , فما الذي أخرها هذه المرة ..؟ وما الذي قد تغير ..؟ أسئلة كثيرة حيرى .. ولكن بلا جواب .
أعود أدراجي أتلمس الوسادة , وأمرر يدي فوق الفراش علها تكون قد عادت فهي لم تخطيء الطريق أبدا , لأن قلبها دليلها .
ولكن الفراش لم يزل باردا .. باهتا .. صامتا .. لا أتحسس فيه أية نشوة للحرارة التي كانت تدغدغ جسدي , فتتقد فيه كل الجمرات دفعة واحدة حتى تحيله لهبا وليس عليه أي أثر على أن شخصا ما قد مر من هنا .
ولم أزل في هذه الحالة من الحيرة تنتقل بي الهواجس إلى عوالم شتى تبتلعني الأمواج إلى أعماق سحيقة ثم تطفو بي إلى السطح مرة أخرى وبريق عينيك الجميلتين لا يفارقني ..! .
أهرول بين النافذة والباب جيئة وذهابا , ربما تمرين من هنا أو لعلني أسمع همسك يدغدغ أذني , أو ألمح طيفك يلامس زجاج النافذة فأطبع على شفتيك قبلة سكرى .
الوقت يمر والساعات تتوالى , ويتملكني اليأس شيئا فشيئا , وأسئلة كثيرة تتصارع في ذاكرتي .. هل يا ترى هجرتني .. أم نسيت موعدها ..؟ أم أن قلبها قد قد من حجر ..؟ ما هكذا عرفتها .. ما هكذا علمتها .. ما هكذا عشقتها .. دللتها .. جملتها .. شكلتها .. بأناملي سرحت خصائلها .. بأناملي جدلت جدائلها .. وكتبتها في ذاكرتي أسطورة عشق إغريقية .. ورسمتها أشرعة سفن فينيقية .. ودونتها في كتب التاريخ امرأة في عشقها .. وفي ثوراتها .. بربرية ..! .
كانت كالريح المرسلة تفيض حبا وحنانا ودفئا , ألتمس لها ألف عذر وعذر .. كيف تهجرني وقد كنت لها نفسا , كيف ترحل عني وقد كنت لها قدما , كيف أبصرت طريقها وقد لها عينا , كيف أضاعتني وقد كنت لها دما ..؟! .
ليست هي من تفعلها .. ليست هي من تفعلها .. ربما فعلنها صويحبات يوسف , وربما بعدها يفعلنها صويحبات يوسف , لكنها ليست هي التي تفعلها ولم أزل مثلما يعقوب محتفظا بقميص يوسف ربما يعود به دمه المهدور ظلما وقد ابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم .
مع أول صيحة للديكة ومع الشفق الأول الممزوج بدم يوسف تبدد خيوطه عتمة الليل حيث يغادر الناس حفاة عراة لا فرق بينهم يومئذ وكل نفس بما كسبت رهينة .
رأيتك خلسة تتسللين إلى فراشي متعبة مقهورة , مكسورة الجناح تحلمين بليلة دافئة لا تنتهي , فقد آن للمرساة أن تكسر وأن يمزق الشراع ويهدأ الطوفان ويضع المسافر رحله .
فآه من السفر .. وألف آه من ليل المسافرين .. وآه من المحطات التي لم تزل تحتفظ بالكثير من الذكريات عن المسافرين , وآثار حقائبهم لم تزل مرسومة على أرصفة المحطات تحدثنا عن عشق كل واحد منهم وغصته , وعن آلام كل واحد منهم وآماله .
ماذا ترك وراءه ..؟ وما الذي يريده من أيامه المقبلة ..؟ ولماذا كل هؤلاء المسافرين يغادرون المحطات بلا كلمة وداع ..؟ فكل المسافرين عاشقين , ولكل منهم عشقه الخاص به ..! .
أيتها المسافرة في شراييني , نقطة دم تأبى الرحيل بلا وداع , أيتها المسافرة في رئتي نسمة صباح ربيعية تحمل معها همس شفتيك , وعبق أنفاسك ..! .
أيتها المسافرة في بصري حيث يلتقي عشق السماء بالكرة الأرضية فتضمها بهالة من قوس قزح , كضمة أم أتعبها الحنين لابن آب لتوه من سفر طويل .
آه منك وأنت بعيدة .. وألف آه منك وأنت قريبة .. وألف ألف آه عندما أضمك إلى صدري بشدة ورغبة مجنونة في أن تخترق أضلاعي أضلاعك ويمتزج دمي بدمك , ورئتي تلامس رئتيك , وقلبي بقلبك , ويهمس له أني أحبك ..! .
وآه منك عندما أمسك بصورتك بين يدي بخشوع أرتلها كعابد زاهد يرتل آي من كتاب مقدس .
وآه منك عندما أقلب أوراقي القديمة فأعثر على قصاصات تحمل اسمك فأطبعه على قلبي بحروف من نور ..! .
وآه منك عندما أمر بمكان كنت قد جلست فيه يوما ما , أو مررت فيه يوما ما فأختزل فيه كل أحزان العالم ..! .
وآه منك عندما كنت تجلسين على ركبتي أداعبك كطفلة بدأت للتو بنقل خطواتها الأولى ..! .
وآه منك , ومن قميص يوسف وإخوته ومن الذئب , وهل حقا أنه كان بريئا ..! .
آه منك .. وآه مني ... وآه من سنينك وسنيني .. وحنينك وحنيني .. وظنونك وظنوني .. وذكرياتنا التي لم تزل تحلم بأن تكون يوما ما حديث سمر بيني وبينك , قبل أن يأخذنا النعاس ويرحل بنا إلى حيث الظلال والغلال , وإلى حقول اللؤلؤ والمرجان , وإلى حيث لا يرانا إنس ولا جان .
موضوع يلح علي في كل مرة لا مهرب لي منه وكأنه قدري يأبى إلا أن يرافقني حتى النهاية , ورغم إحساسي بأنني أسرفت في هذا الاتجاه , وأثقلت عليك كثيرا لدرجة أعلم يقينا أنك ضقت ذرعا به , ولكن لا مفر لي منه , وليس لك إلا أن تسلمي أمرك إلى الله وتقرئي ما أكتبه لك إذ ليس لك من ذلك بد , ولك بعد ذلك الخيار في أن تحكمي إما أنني فقدت صوابي وبدأت أهجر ويومئذ لا عتب علي ولا لوم , وإما أن يكون لزاما عليّ أن أندب سنواتي الخوالي فأكون قد أعذرت .
وعلى ما أذكر إن لم تخني ذاكرتي كنت قد كتبت لك في رسالة سابقة مقولة لنيلسون مانديلا حيث يقول : " لا فائدة من البكاء على اللبن المراق " .
وأسأل نفسي دائما إذا لم أبكي فماذا أفعل إذن ..؟ وهل بقي لي شيء سوى البكاء وأنا أودع سنواتي تتابع مسرعة كالنار المستعرة في الهشيم لم تترك وراءها إلا بقايا رماد تذروه الرياح . إنه عمري .. عشته وأعيشه في كل لحظة .. بدقائقه وتفاصيله ومفرداته .. بحلوه ومره ..! .
وكثيرا ما أضحك من نفسي عندما أذكر حلو الأيام لأنني لم أتجرع سوى مرها , حتى الأيام التي أسميها حلوة , كان لكل منها غصة ولكنني أذكرها أحيانا على سبيل المجاز لتستقيم الجملة بمفرداتها .
وأكثر ما يعذبني أنني كنت سلبيا في أكثر مراحل حياتي , إن لم يكن كلها حيث كانت ردة فعلي على أي حدث مهما بلغ من الأهمية والجسامة أن أتجرعه , وأمر عليه بصمت ولكي لا أكون متجنيا على نفسي وابتعد كثيرا عن الحقيقة كانت هناك بعض الإشارات الإيجابية في حياتي وإن لم تفعل فعلها .
المهم أنها كانت موجودة , وكانت تمرق من أيامي كما يمرق السهم من الرمية ولعلة في شخصي أو لنقص في فطرتي , أو لخطئ في تربيتي , تشتت فوق أرض منبسطة كما الساقية يتلاشى ماؤها حينما تفقد مجراها . وسواء كان هذا السبب أو ذاك فالنتيجة واحدة لأن الذي يهمني هو ما وصلت إليه حالي , ولو أنني كنت أعلم بأن البكاء سيعيد لي ولو بعضا من أيامي الخوالي لأنفقت ما بقي من عمري في البكاء .
ولكن هيهات وقد كان الذي كان وسبقت كلمة من ربك أن الذي مضى لا يرجع . بذلت كل ما أستطيع دعوت الله سرا وجهرة , دعوته في هجيع الليل والناس قد رقدوا " ربي أني قد مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " أكررها كل يوم مئات المرات " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " . ولكنه عمري ..! وهل من العدل أن أخرج من الدنيا كما دخلت إليها صفر اليدين لا ألوي على شيء .
وليت الأمر وقف عند هذا الحد بل هو أشد وأدهى إذ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا في كتاب مبين .
إنه عمري أعده بالأيام بالساعات بالدقائق والثواني وسرعان ما أختمه وكأنني لم أعش إلا عشية أو ضحاها . إنه عمري عشته حركة بحركة , ونفسا بنفس بين صعود وهبوط وأنا أعد الدرجات على سلم الحياة , واحدة إثر أخرى ثم بعد سنوات طويلة أكتشف عمق غبائي وأنني كنت دائما في هبوط ولم يكن الصعود الذي تراءى لي سوى وهما . حتى عندما كنت في أفضل حالاتي وأنا أتجاوز الدرجات صعودا وهبوطا شيئا ما كان يشدني إلى الأسفل وكأنه يريد أن يوقظني من حلم أسال لي من السراب عذبا فراتا .
إنه عمري ويا ويح نفسي وقد أضاعوني صغيرا وضيعوني كبيرا , هل هكذا هي الدنيا تشتري منا الحلو بثمن بخس وتبيعنا المر بالغالي ..؟ وكأننا معلقين بأرجلنا على عجلة الزمن , ما إن تصعد بنا حتى تهبط سريعا لتفقدنا نشوة الصعود والعجلة مستمرة في الدوران لا تهدأ ولا تستريح والسعيد منهم من تسنح له فرصة للصعود ..! .
فالكثيرون يقضون نحبهم وهم يتواترون في أرتال ربما يسعدهم الحظ في الصعود ولو لمسافة قليلة يمنون بها النفس الأمارة بالسوء ولو بالضحل من السعادة المزعومة .
إنه عمري .. وأنا أقف على العتبات الأخيرة منه , وأطل إطلالة خجولة على صفحات أيامي أقلبها بيد مرتجفة وذهن شارد وتتملكني رغبة جامحة في أن أقلب تلك الصفحات جميعها دفعة واحدة , إذ تأخذني رعدة شديدة عندما أحاول أن أنبش ما بين تلك الصفحات فليس فيها ما يدعو للافتخار .
وإنما كانت تراكمات لأخطاء سنين طويلة الخطأ تلو الخطأ والهزيمة إثر الهزيمة والتضحيات تكبر والضحايا تكثر .. وما خفي أعظم ..؟! .
إنه عمري الذي أتيت على جل سنواتي بل كلها على الأصح وأنا حاملا وليس محمولا أحمل عن نفسي وعن الآخرين ولكن لا أحد يحمل عني .
أتذكر هنا موقفا يثير في نفسي الضحك والسخرية والألم في آن واحد إذ كنت حينها على ما أذكر في حوالي الرابعة عشر من عمري , وكنا أنا وأمي نأتي من إحدى القرى المجاورة باتجاه قريتنا وعلى طول الطريق كانت أمي تحملني على ظهرها ورجلاي تخطان الأرض وعندما كنت أعترض على مثل هذا التصرف وأريد أن أفهم أمي بأنني قد كبرت على مثل هذه المسائل ويجب أن أعتمد على نفسي كان جوابها المعتاد حاضرا إنك ما زلت صغيرا ولم تقو بعد على المشي .
وهكذا مرت الأيام .. صغيرا على المشي .. صغيرا على الدراسة .. صغيرا على العمل .. صغيرا على المسؤولية .. صغيرا .. صغيرا .. حتى جعلت أمي مني قزما ..! .
إنه عمري .. حتى في اللحظة التي كانت أمي تحملني على ظهرها كنت أحس بثقل هذه الواقعة على نفسي , وكنت أشعر بأنني الحامل وليس المحمول .
أحمل أخطاء أمي الكثيرة , وكذلك أخطاء المجتمع الذي يمثل هذه الأخلاقيات الجوفاء والقيم الفاسدة , وكذلك كنت أحمل أخطائي التي ورثتها عن أمي والتي سوف أنقلها حتما بالوراثة إلى أولادي , وهكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
أسئلة كثيرة تتزاحم في داخلي , هل هذه هي الوسيلة الأنجع للتعبير عن حبنا للآخرين ..؟ وهل الناس جميعهم يحبون على هذه الشاكلة ..؟ وهل الحب بناء أو هدم ..؟ تضحية أم تجني ..؟ وهل الحب هو القوة الفاعلة في رسم ملامح الشخصية الإيجابية وتكوينها , أم أنه يمثل جانب الضعف فيها حيث يجعلها هشة فارغة لا قيمة لها ولا معنى ..؟! .
إنه عمري .. كل يوم منه يمر بألف غصة , وأنا أودع أيامه يوما إثر يوم لا أكاد أودع يوما حتى تهل بشائر اليوم الذي يليه , بل في الحقيقة تلوح أحزانه وتزمجر أهواله وتثور براكينه والذي يزيد الطين بلة هي القشعريرة التي تأخذني وأنا أتحفز لاستقبال يوم آخر يقينا لن يكون أفضل من سابقه إن لم يكن أسوأ على الإطلاق ..! .
أنا لا أطلق هذه الأحكام جزافا , ولا بناءا على ردة فعل أو نتيجة جهل وقلة دراية بما يحدث لي بل التجربة علمتني , والذي يحدث من حولي قطع الشك باليقين والحال التي وصلت إليها غنية عن الشرح .
هذه الواقعة ذكرتها على سبيل الاستدلال لا الحصر فهناك الكثير من الحالات التي يقشعر لها البدن وتعجبت أشد العجب وأنا أقرأ وصية أعرابية لابنها حيث تقول : " أي بني , إن سؤالك الناس ما في أيديهم من أشد الافتقار إليهم , ومن افتقرت إليه هنت عليه , ولا تزال تحفظ وتكرم حتى تسأل , فإذا ألحت عليك الحاجة ولزمك سوء الحال , فاجعل سؤالك إلى من إليه حاجة السائل والمسؤول فإنه يعطي السائل " .
ثم أجريت مقارنة بسيطة وسريعة بين هذه الوصية وبين ما كانت توصيني به أمي وليتها لم توصني وليتها ما ولدتني .. بل ليتني مت قبل أن أولد وكنت نسيا منسيا ..! .
ثم ألقيت نظرة سريعة على بعض ما كتبت فاستوقفتني وصية أمامة بنت الحارث لابنتها في ليلة زفافها , وأظنك قد قرأ تيها من قبل ولكن لا أظن أنك حفظتيها ولو أنه كان بودي لو أنك كنت تحفظينها , فإن فيها من الخير الكثير , ولكنني أردت أمرا وأراد الله غيره والله فعال لما يريد .
ثم قلت في نفسي أن أمامة أم ووالدتي أم ولكن يا ترى هل تكفي كلمة أم لنحكم للاثنين معا ..؟ وهل من العدل عندما نجري مثل هذه المقارنة أن نضع الاثنين في كفتي ميزان متراجحتين لا لشيء فقط لأن كلا منهما أم ..؟ وهل ندرك جميعا ما هو مطلوب من المرأة عندما تكون زوجة ثم ما هو مطلوب منها عندما تكون بعد ذلك أما ..؟
فإذا المرأة أساسا لا تمتلك المقومات التي تجعل منها زوجة صالحة , ثم تفتقد إلى الأرضية التي تنطلق منها لتحقيق الهدف النبيل والعظيم الذي كلفت به فكيف إذن نأتي بمعجزة فإذا بها أم صالحة تتكفل ببناء جيل , بل أجيال يعيثون في الأرض فسادا , وكيف الحال عندما تكون زوجة وأما معا , ثم تكون وكأن ليس لها في العير ولا في النفير ..! .
أما كان من الحكمة أن ننصح المرأة التي لا تمتلك مقومات الزوجة والأم بأن تضرب صفحا عن الزواج وتترهب ..؟ فيكون في ذلك خير لها وللمجتمع ونكون بذلك قد تجنبنا الكثير من الويلات والمآسي والضحايا الكثر التي تملأ الآكام والوديان وأنا أصدق شاهد وخير مثل على ذلك " وشهد شاهد من أهله " .
حيث كان قدري أن أكون ابنا لامرأة رعناء هوجاء حمقاء , لا تكل ولا تمل , لا تسمع ولا تطيع ولا ينفع معها لا لوما ولا عذلا .
يعز عليّ وأنا أنعت أمي بهذه الصفات , لكنه قضاء لا مفر منه فالذي أنقله لك قليل من كثير بل غيض من فيض فالجرح لا يؤلم إلا صاحبه وقد أثخنت أمي جسدي بالجراح العصية على الالتئام فهذا ينزف وذاك يقيح ولا تزال مستمرة في غيها وكأنها لا تستطيع أن تحيا إلا أن تفجر ما بقي في جسدي من شرايين .
ربما تتهميني بالإسراف في الوصف وهذا من حقك , ويقينا أنه يعز علي أن أصف أمي بمثل هذه الصفات , وقد أمرني الله تعالى أن أصاحبها في الدنيا معروفا , وأن أخفض لها جناح الذل من الرحمة , ولكنه يعز علي أيضا أن يسفك دمي وعلى يد من . على يد أغلى وأعظم وأنبل ما في الوجود , هكذا يفترض أن يكون ولكن الأمر معي كان مختلفا تماما , حيث سقطت أمي في شرك حب التملك , واعتبرتني صنيعة يدها أو قطعة أثاث في بيتها وعلي أن أدفع ثمن هذه الصنيعة رغم أنفي ولها حق التصرف بي بالكيفية التي تشاء دون أن تضع اعتبار لشخصي وأن من حقي أن أفكر وأقرر بينما اعتبرت أن هذا الحق منوط بها وحدها , هي التي تفكر عني وهي التي تقرر .
ولربما كان الأمر مقبولا لو أنها كانت تفكر بما يتفق والعقل والمنطق ولكنها كانت أبعد ما تكون عنهما , بل كانت تدفعني دفعا باتجاه الهاوية ثم تشمخ برأسها متباهية أمام الناس تعلمهم دروسا في الحب وفي التضحية ..!!؟؟ .
وكانت تقول لي دائما وهي تلقنني دروسا في الحياة أنا مثال الزوجة والأم وعلى جميع النساء أن يتعلمن مني ويحذون حذوي ولا أملك إلا أن يأخذني العجب من هول ما أرى وما أسمع , وأنا أدان في كل يوم ألف مرة بسبب تصرفاتها الحمقاء وقد عجزت أن تكون من قبل زوجة واليوم تعجز أن تكون أما ويقينا سوف تعجز غدا عن الرجوع إلى جادة الصواب , فالرجوع عن الخطأ فضيلة , ولكنها أوغلت بحيث أصبح الرجوع مستحيلا ثم أصمت أذنيها حتى لا تسمع صرخات القهر التي يتردد صداها في حنجرتي , ومشرط الجلاد يفعل في جسدي .
وأعصبت عينيها حتى لا ترى دمي النازف من كبدي ليغسل آثار خطاياها , قرأت حديثا لرسول الله عن ابن عباس قال : أتت امرأة من خثعم إلى رسول الله فقالت : إنني امرأة أيّم , وأريد أن أتزوج فما حق الزوج ؟ قال : " إن من حق الزوج على الزوجة إذا أرادها فراودها عن نفسها وهي على ظهر بعير لا تمنعه , ومن حقه أن لا تعطي شيئا من بيته إلا بإذنه , فإن فعلت ذلك كان الوزر عليها والأجر له , ومن حقه أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه , فإن فعلت جاعت وعطشت ولم يتقبل منها , وإن خرجت من بيتها بغير إذنه لعنتها الملائكة حتى ترجع إلى بيته أو تتوب " . أتدرين ماذا كان ردها ..؟ سوف أترك لك الإجابة على ذلك .
وكثيرا ما كنا نقرأ عن عقوق الولد لوالديه , وأنه لزاما علينا أن نكون بارين بهما لنتجنب العقوبة الجسيمة التي توعدنا الله بها , ولكننا غفلنا عما هو أعظم من ذلك بكثير والذي يشكل اللبنة الأساس في العلاقة بين الولد ووالديه , وهي حسن التربية .
وقد قرأت الكثير من الآيات والأحاديث في ذلك وسوف أورد لك الحديث التالي على سبيل المثال لا الحصر . يقول رسول الله : " لاعب ولدك سبعا , وأدبه سبعا , وراقبه سبعا , ثم اترك حبله على غاربه " . وأريد أن أسأل هل يا ترى أن والدتي أدت حقي عليها كما يجب ..؟ وسوف أجيب على هذا السؤال ببساطة .. فقد لاعبتني أمي سبعا , ولاعبتني سبعا , ولاعبتني سبعا , وما زالت تلاعبني , وسوف تبقى تلاعبني إلى أن يموت الأسبق منا . أتدرين لماذا ..؟ لك حق الإجابة من عدمها ...؟
وابن عباس يقول : من لم يجلس في الصغر حيث يكره , لم يجلس في الكبر حيث يحب . لعلك تتساءلين أو تسأليني أين كان والدك إذن وما هو دوره ..؟ وللإجابة على هذا السؤال والذي يبدو للوهلة الأولى أنه مجرد سؤال لا أكثر , ولكنه في الحقيقة هو أكثر من ذلك بكثير , فهو معاناة جيل بل أجيال لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا ضحية زواج غير متكافئ .
ولكي أكون منطقيا ومنصفا في الإجابة فإنها تحتاج مني إلى المئات بل الآلاف من الصفحات ! ولكنني سوف أختصر المسألة برمتها في بضع كلمات أو بضع سطور لأن الخوض فيها يؤذيني أيما إيذاء ..! .
فقد هجرنا والدي يا سيدتي أنا وأمي ولم أتجاوز بعد السنوات الأربع من العمر والسبب في ذلك ولكي لا أطيل عليك الحديث , هو أن أمي وبكل بساطة عجزت عن أن تكون زوجة صالحة وبالتالي وبالبديهة عجزت عن أن تكون أما صالحة . لذلك جرفني السيل فكنت ضحية طيش أمي ثم ضحية غبائها , ثم ضحية رعونتها , ثم ضحية والدي الذي لم يكن أقل طيشا ورعونة وغباءا من أمي , ولولا أنه كذلك لما اختار مثل أمي زوجة له .
حيث كان أمامه جملة من الخيارات , وكان مطلوبا منه فقط أن يعرف كيف يختار ولكونه كان وضيعا في نفسه لم يستطع أن يرتقي كثيرا وإنما اكتفى بالسهل ووقف عند الدرجة الأولى من السلم , ولكي ألتمس له عذرا فإن من طبيعة الغالبية العظمى من الرجال أنهم يريدون من المرأة الجمال أولا , ثم الجمال أولا , ثم الجمال أولا ثم يطمحون بعد ذلك إلى أشياء أخرى إن كانت هناك أشياء أخرى ولكن بعد فوات الأوان .
يقول مونتيني : " لست أرى زيجات أسرع فشلا , وأكثر كدرا , من تلك التي تعقد من أجل الجمال , أو تتم في عجلة استجابة لرغبات الغرام " .
ثم أقرأ لقيس بن عاصم وهو يخاطب أولاده بقوله : " لقد أحسنت إليكم صغارا وكبارا وقبل أن تولدوا ! " . قالوا : وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد ؟ قال : " اخترت لكم من الأمهات من لا تسبون بها " .
ويقول أمية بن أبي الصلت مخاطبا أولاده :
وأول إحساني إليكم تخيري لماجدة الأعراق باد عفافها
فلا جزى الله والدي عني خيرا , وأرجو أن أكون خصمه يوم نقف بين يدي الله حفاة عراة .
ثم رماني والدي هكذا وببساطة في عرض البحر , وأنا لا أملك ما أدفع به عن نفسي ثم أدار ظهره دون أن يطرف له جفن , أو تدمع له عين , وأعجب أشد العجب كيف يقال عن أولادنا , أنهم فلذات أكبادنا , ولما الغرابة ربما كان والدي بلا كبد ..؟! .
قال معاوية لعقيل بن أبي طالب : أي النساء أشهى ؟ قال : المواتية لما تهوى . قال : فأي النساء أسوأ ؟ قال : المجانبة لما ترضى . قال معاوية : هذا والله النقد العاجل . قال عقيل : بالميزان العادل .
كنت قد أوشكت أن أمسك عن الكتابة بهذا الأسلوب , وأن لا أتجاوز حدود الدائرة التي تضمني وإياك , ولكن بما أنك كنت قد أذنت لي بالكتابة بما يسمح بتجاوز حدود هذه الدائرة , ولك علي في ذلك فضل ومنة ..! .
عدت مرة أخرى ومن جديد أستجمع قواي وألم شتاتي لأكتب لك بعضا مما يعتلج صدري ويؤرقني .
وكثيرا ما حاولت أن أتجنب مثل هذه الأمور وألا أخوض فيها لكنني لا أجد نفسي إلا وأنا منساق إليها دون أن أدري ولم يكن انسياقي هذا عبثا بل هو تاريخ طويل أضعت في دهاليزه الكثير من نفسي .
وليست الغاية من إثارة مثل هذه الأمور هو مجرد الذكرى أو نبش لماض ربما أساء إلي بكثير أو قليل , وإنما كانت الغاية أكبر من ذلك بكثير فهناك مقولة أرددها كثيرا " ما أشبه الليلة بالبارحة " فأنا على مدى سنوات طويلة أدفع ثمن أخطاء لا يد لي فيها , سوى أنني كنت نتيجة لقاح هوى مجنون ورغبة مسعورة ..؟! .
فالزواج بمعناه القدسي لا يمكن إلا أن يكون تكافئا بين اثنين يوفر في أسوأ حالاته الحد الأدنى من التوافق .
يقول جبران خليل جبران : " ما أكثر النساء اللواتي يستعرن قلب الرجل , ولكن ما أقل اللواتي يستطعن الاحتفاظ به " . أنا لا أنكر أنني قد عرفت قبلك العديد من النساء ولقد أفصحت لك عن ذلك في اللقاءات الأولى , حرصا مني على أن تبدأ هذه العلاقة صافية نقية لا يكدر صفوها أي شيء , لا لبس فيها ولا غموض .. لا غش فيها ولا تدليس , وإنما نتعاهد على صفحة بيضاء نقية . ولقد احتفظت من دونهن وبجدارة بقلبي الذي كان عصيا على اللواتي سبقنك ولم يكن ذلك عن غفلة منك , أو هوى متبع أو طيش جهالة , بل كان عن بصيرة وتعقل ودراية وهذا ما كان يجعلني دائما أجد نفسي صغيرا أمام عظمتك .
يقول لارشفوكو : " إن فضل القليل من النساء يدوم أطول من جمالهن " . وقد أحسست منذ البداية أنك تعرفين ماذا تريدين , وتمهدين الطريق بحلم وأناة للوصول إلى بغيتك , رغم أنك كنت تتخبطين أحيانا وهذا أمر طبيعي .
أنا لا أقول أنك ملهمتي فحسب , أتغزل بك , وأكتب لك قصائد العشق فأنا لست شاعرا , وأنت أكبر من كل ما قيل في امرأة قبلك وما سوف يقال في امرأة بعدك . لأن الحب عندك ليس له حدود , ويثور على القيود والحب عندك ليس طقسا يمارس , ولا حالة من النشوة تضيع فيها الكلمات , بل الحب عندك تضحية وعطاء وبناء ومن ذا الذي يملك أن يبني إنسانا أو يعيد بنائه بعد أن قوضته يد الجهل والضلال .
أنت وحدك أعدت بنائي على أنقاض ما تهدم , وماض لم يكن فيه سوى الضياع والحسرة والأسى ! .
إن أكثر ما يثير إعجابي بك ويجعلني أقف مشدوها أمامك هو قدرتك الخارقة في أن تجمعي كل تلك الصفات , وتؤلفي بينها , فتارة أحسك وكأنك ما خلقت إلا لتكوني زوجة لشدة ما تثيرين إعجابي بك , وأنت تؤدين واجبك تجاه هذه العلاقة المقدسة على أتم ما يجب , وتارة أخرى أريد أن ألقي بنفسي في أحضانك حيث الدفء والأمان , لأنك تمثلين الأم في أعظم حالاتها وهي تضرب مثلا في التضحية حتى الفناء ..! .
وأعجب تارة أخرى عندما أجدك طفلة قد بلغت للتو سن المراهقة , تتراقصين في أحضاني وكأن الدنيا كلها ملك يديك , وكأن الناس من حولك كلهم عبيد لك وجواري وأتساءل عجبا هل يمكن أن تكون هذه بشرا ..؟ وأنت تجمعين كل هذه المتناقضات المؤتلفات ..!!؟؟ .
لذلك أجدك حاضرة في كل كلمة أكتبها لك , ولولاك لما كانت الكلمات ..! .
يقول كوتا : " ليس على ظهر الأرض ما هو أثمن للرجل من حب امرأة فاضلة " . قرأت الكثير من قصص الحب قديمها وحديثها وقرأت الكثير الكثير عن المرأة حتى لم أترك شاردة ولا واردة إلا عرفتها عنها , فلم أعثر بين تلك القراءات على من هي جديرة بأن ترقى إليك , ولو بقيد أنملة .
وحتى أكون موضوعيا ومنصفا , ربما يكون هناك من تفوقك في خصلة ما , ولكنه يقينا ليست هناك من تجمع كل خصالك معا . أنا لا أقول هذا مديحا لك لأنك فوق المديح ولا مجاملة لأنك لست امرأة المجاملات , وأنت تعرفينني حق المعرفة من أنا , وكيف أرغب أن أكون , والكيفية التي أحدد فيها مكاني من أية علاقة ما .
وإذا كنت تعرفينني حقا فبالبديهة يجب أن تعرفي أنه من المستحيل أن أتعامل معك على أساس من المجاملة , أو المثالية الجوفاء التي يدعيها الكثيرون زورا وبهتانا . وأظنك لا زلت تذكرين أمورا اختلفنا عليها وكثر الجدل حولها , وتوقفت عندها كثيرا ولو كان هناك مجال للمجاملة لمررت عليها مرور الكرام , على الأقل ارضاءا لك وتقديرا لمشاعرك وأنت تعانين ما تعانين .
أنا لم ألتزم هذا الموقف الحازم لمجرد الرغبة في أن أفرض نفسي عليك أو لأفهمك بأنني رجل عصري بلا منازع .. لا .. فالأمر يختلف كثيرا وبسؤال بسيط أوجهه لنفسي ولك , هل أنا أحبك ..؟ هل أنا حريص عليك ..؟ هل لزاما علي أن أحافظ عليك من نفسك ومن المتربصين بك ..؟ هل هو واجب علي أن أدافع عن قداسة العلاقة التي تربطني بك ..؟ لتستمر حتى النهاية كما يجب لها أن تستمر وكما أمرنا بها الخالق المبدع ليرتفع بهذه العلاقة فوق كل الشبهات , وليؤدي وظيفتها على أتم وجه , بعيدا عن عبث العابثين واستهتار المستهترين , وجهالة الجهال . إذا كان الجواب نعم فنكون قد بلغنا الغاية , ونحن ببساطة متفقون أنه لا مجال للمجاملات , وفي هذه العلاقة بالذات فالخطأ خطأ , والصواب صواب , ولا منطقة وسطى بينهما , ولا يمكن أن أصفح عن الخطأ من أجل الصواب .
لذلك عندما أقول لك أنه لا مثيل لك اليوم أقولها بصدق وإخلاص وأمانة ولأن ما أقوله هو عين الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة وإذا ادعيت غير ذلك هو تجني عليك وهدرا لكل الذي جمعتيه وهدما لكل الذي بنيتيه ..! .
ومن ذا الذي يفعل مثلك اليوم , أيتها الكثيرة في أفعالها , القليلة في أقوالها , الكبيرة إذا اشتد الخطب , والصغيرة الوادعة إذا ألزمتها الطاعة ..! .
سؤال يلح على ذاكرتي كل يوم فأفزع إلى الكثيرين ممن هم حولي , علني أجد مخرجا ولكن الحيلة أعيتني ولم يجبني إلى ذلك أحد لأنهم يرون أن فيما أقوله استحالة على الأقل ضمن المحيط الذي نعيش فيه فلذلك لم يصدقوني في كل الذي قلته عنك ظنا منهم بأني قد وقعت أسير هواك , ولم أعد أملك من أمري شيئا وإن ما أقوله عنك ليس إلا كلمات رجل قد تملكه هواه حتى استعبده فلا يدري ماذا يفعل ولا يعلم ما يقول ولكي أكون منصفا فهناك الكثير من الصحة فيما يقولون ولكن ليس كما يدعون ويفسرون فأنا صاحب هوى وهذا ما لا شك فيه ولكنني لست عبدا لهواي لأنني أعي ما أقول وأدرك ما أفعل , وكل شيء عندي بقدر ..! .
ولهم العذر كل العذر فيما يذهبون إليه لأن ليس كل النساء أنت ولكنك أنت كل النساء ومن ذا الذي يجد امرأة مثلك في هذا الزمن الصعب ..! وأنت بالنسبة للكثيرين شيء أبعد حتى من الخيال . وحتى من القصص الخرافية التي كتبت عن الكثير من النساء .
ولكنك أبيت إلا أن تكوني امرأة جاءت في زمن أصبحت فيه كل الأشياء الجميلة خرافية وكل الأشياء الصادقة خرافية والمرأة عندا ترغب في أن تكون أنثى حقيقية فهي خرافية والمشاعر عندما تنبعث من نفس صادقة فياضة فهي خرافية , وإذا أتقنت المرأة لعبتها فهي خرافية , ولحماقتنا توهمنا أننا واقعيون عندما سلبنا المرأة أنوثتها وهي أعز ما تملك , وسلبنا الرجل هيبته عندما كبا به جواده وهو لا يلوي عل شيء .
وعندما سرقنا الوردة من عطرها , والأقحوانة من نداها , وسرقنا الأرض من خضرتها والقمر من ضوءه , وسرقنا الشمس من نورها , وببساطة عجزنا من أن نسرق الواقعية من واقعيتها , لأننا لم نك يوما واقعيين .
البعض يسألني متشككا عن مدى مصداقية هذه الحالة التي أتكلم عنها ألا يمكن أن تكون حالة كاذبة أو مؤقته ..؟ كغيوم الصيف , أو كثلوج فصل الربيع سرعان ما تذوب تحت سطوة الشمس .
أو ربما جاءت نتيجة ظروف معينة وانفعالات مزيفة سرعان ما ينقشع زيفها , وتلسعنا الحقيقة المرة بسوطها , ألا يحتمل أن تكون نزوة نفس ساقتها أقدارها إلى حيث لا تدري ..؟ فتتحول المودة المزعومة إلى حقيقة مرة وتنقلب الجمرات الملتهبة بالحب إلى بقايا رماد لا تسمن ولا تغني من جوع ودون تردد أجيبهم إجابة الواثق من نفسه إنكم لا تعرفونها , إنكم لم تدخلوا عالمها الرحب ولم تطلعوا على المكنون في صدرها إنها أمّة من النساء وليست امرأة بذاتها ولقد كانت نسيج وحدها كل شيء عندها بحساب لا إفراط ولا تفريط ..! .
ولأجل ما سبق تدفعني رغبة قوية للكتابة إليك لأسد كل الثغرات وأدفع عنك كل السهام وأتمم ما نقص وأقطع الطريق على كل واش وحاسد من أن ينال منك ولو بكلمة وأحميك من مغبة السقوط في هاوية الردى .
وأرجو أن تدركي هذا ويقينا أنك تدركين ما الذي أريده منك وإلى أين أريد أن أصعد بك فكوني لي أمة أكن لك عبدا ..! .
قيل لمعاوية بن أبي سفيان , من أحب الناس إليك ؟ قال : من كانت له عندي يد صالحة , قيل له ثم من ؟ قال : من كانت لي عنده يد صالحة .
وقد جمعنا أنا وأنت الخلتين معا , فلي عندك يد صالحة ولك عندي ألف يد . ولا بد لهذه الأيادي أن تزهر يوما وتثمر وتفور السلال بالغلال .
هند بنت عتبة تقول : إنما النساء أغلال , فليختر الرجل غلا ليده . وقد اخترتك غلا ليدي ووثاقا إلى أن نلقى الله , وكما أنت في الدنيا أرجو أن تكوني غلا ليدي ووثاقا في الجنة حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
ودوما أختم رسالتي كالمعتاد , بمزيد من الأشواق , ومزيدا من القبلات ومزيدا من الأمنيات ... والتي أتمنى أن تصبح حقيقة يوما .. ما .. ؟! .
علي سليفي
12/ 11 / 2009
علي سليفي
وينساب الليل محتضنا ضوء القمر ليخترق الأبواب والنوافذ , ويدغدغ الأسرة الحيرى معلنا بدء الموعد للقاء المنتظر بين تلك الأرواح الثكلى ..! .
في هذا الوقت بالذات أحاول أن أخترق صمتي , ورويدا رويدا تبدأ جفوة بين جسدي وفراشي وكأنه يريد أن يلفظني عندما أتلمسه فلا أجدك إلى جانبي , أغادر الفراش بخطى متعثرة , أهرول وراءك خارج الغرفة , أبحث عنك في كل مكان .. في ثنايا وردة جورية .. في عطر ياسمينة .. في ظل زيزفونة .. بين أغصان زيتونة ..! .
أبحث عنك في نسمة شرقية أو غربية .. في زقزقة عصفورة .. أو شدو بلبل .. أبحث عنك في نوح حمامة قد فارقت سربها وضلت طريقها .. ولكن بلا جدوى ..! .
هل يا ترى قد نسيت موعدنا ..؟ ألم نلتقي ها هنا منذ أيام ..؟ في هذا المكان وذات الزمان , أيام وشهور وسنوات مرت ونحن نلتقي ونفترق في تلك الغرفة المعلقة بين عتمة الليل وصمت المكان , بجدرانها المخيفة وسقفها الموحش , لا فرق في الزمان ولا فرق في المكان , فكل شيء يكون كما نشتهي عندما نلتقي , وعندما يعلن الليل الزفاف ويرحل بنا بين الأفلاك والنجوم والمجرات كل يعلن النفير على طريقته ويوقد الشموع على طريقته ونحن نبحر بين تلك الترانيم بألبسة من لازورد , حيث لا حاقد ولا حاسد ولا عذول , وكل يومئذ في شغل فاكهون .
لم تخلف الموعد يوما , وهل تأخر موسى يوما عن الطور ..؟ وهل أخلفت الشمس يوما موعدها عند الظهور ..؟
كيف ..؟ وكانت تسبقني دوما إلى الموعد , لا شيء يؤخرها , لا شيء يمنعها فشيئا ما كان يجذبني باتجاه المكان , رائحة أنفاسها الزكية , وعبق جسدها الطاهر , كنت أعلم يقينا أنها هناك تنتظرني , فما الذي أخرها هذه المرة ..؟ وما الذي قد تغير ..؟ أسئلة كثيرة حيرى .. ولكن بلا جواب .
أعود أدراجي أتلمس الوسادة , وأمرر يدي فوق الفراش علها تكون قد عادت فهي لم تخطيء الطريق أبدا , لأن قلبها دليلها .
ولكن الفراش لم يزل باردا .. باهتا .. صامتا .. لا أتحسس فيه أية نشوة للحرارة التي كانت تدغدغ جسدي , فتتقد فيه كل الجمرات دفعة واحدة حتى تحيله لهبا وليس عليه أي أثر على أن شخصا ما قد مر من هنا .
ولم أزل في هذه الحالة من الحيرة تنتقل بي الهواجس إلى عوالم شتى تبتلعني الأمواج إلى أعماق سحيقة ثم تطفو بي إلى السطح مرة أخرى وبريق عينيك الجميلتين لا يفارقني ..! .
أهرول بين النافذة والباب جيئة وذهابا , ربما تمرين من هنا أو لعلني أسمع همسك يدغدغ أذني , أو ألمح طيفك يلامس زجاج النافذة فأطبع على شفتيك قبلة سكرى .
الوقت يمر والساعات تتوالى , ويتملكني اليأس شيئا فشيئا , وأسئلة كثيرة تتصارع في ذاكرتي .. هل يا ترى هجرتني .. أم نسيت موعدها ..؟ أم أن قلبها قد قد من حجر ..؟ ما هكذا عرفتها .. ما هكذا علمتها .. ما هكذا عشقتها .. دللتها .. جملتها .. شكلتها .. بأناملي سرحت خصائلها .. بأناملي جدلت جدائلها .. وكتبتها في ذاكرتي أسطورة عشق إغريقية .. ورسمتها أشرعة سفن فينيقية .. ودونتها في كتب التاريخ امرأة في عشقها .. وفي ثوراتها .. بربرية ..! .
كانت كالريح المرسلة تفيض حبا وحنانا ودفئا , ألتمس لها ألف عذر وعذر .. كيف تهجرني وقد كنت لها نفسا , كيف ترحل عني وقد كنت لها قدما , كيف أبصرت طريقها وقد لها عينا , كيف أضاعتني وقد كنت لها دما ..؟! .
ليست هي من تفعلها .. ليست هي من تفعلها .. ربما فعلنها صويحبات يوسف , وربما بعدها يفعلنها صويحبات يوسف , لكنها ليست هي التي تفعلها ولم أزل مثلما يعقوب محتفظا بقميص يوسف ربما يعود به دمه المهدور ظلما وقد ابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم .
مع أول صيحة للديكة ومع الشفق الأول الممزوج بدم يوسف تبدد خيوطه عتمة الليل حيث يغادر الناس حفاة عراة لا فرق بينهم يومئذ وكل نفس بما كسبت رهينة .
رأيتك خلسة تتسللين إلى فراشي متعبة مقهورة , مكسورة الجناح تحلمين بليلة دافئة لا تنتهي , فقد آن للمرساة أن تكسر وأن يمزق الشراع ويهدأ الطوفان ويضع المسافر رحله .
فآه من السفر .. وألف آه من ليل المسافرين .. وآه من المحطات التي لم تزل تحتفظ بالكثير من الذكريات عن المسافرين , وآثار حقائبهم لم تزل مرسومة على أرصفة المحطات تحدثنا عن عشق كل واحد منهم وغصته , وعن آلام كل واحد منهم وآماله .
ماذا ترك وراءه ..؟ وما الذي يريده من أيامه المقبلة ..؟ ولماذا كل هؤلاء المسافرين يغادرون المحطات بلا كلمة وداع ..؟ فكل المسافرين عاشقين , ولكل منهم عشقه الخاص به ..! .
أيتها المسافرة في شراييني , نقطة دم تأبى الرحيل بلا وداع , أيتها المسافرة في رئتي نسمة صباح ربيعية تحمل معها همس شفتيك , وعبق أنفاسك ..! .
أيتها المسافرة في بصري حيث يلتقي عشق السماء بالكرة الأرضية فتضمها بهالة من قوس قزح , كضمة أم أتعبها الحنين لابن آب لتوه من سفر طويل .
آه منك وأنت بعيدة .. وألف آه منك وأنت قريبة .. وألف ألف آه عندما أضمك إلى صدري بشدة ورغبة مجنونة في أن تخترق أضلاعي أضلاعك ويمتزج دمي بدمك , ورئتي تلامس رئتيك , وقلبي بقلبك , ويهمس له أني أحبك ..! .
وآه منك عندما أمسك بصورتك بين يدي بخشوع أرتلها كعابد زاهد يرتل آي من كتاب مقدس .
وآه منك عندما أقلب أوراقي القديمة فأعثر على قصاصات تحمل اسمك فأطبعه على قلبي بحروف من نور ..! .
وآه منك عندما أمر بمكان كنت قد جلست فيه يوما ما , أو مررت فيه يوما ما فأختزل فيه كل أحزان العالم ..! .
وآه منك عندما كنت تجلسين على ركبتي أداعبك كطفلة بدأت للتو بنقل خطواتها الأولى ..! .
وآه منك , ومن قميص يوسف وإخوته ومن الذئب , وهل حقا أنه كان بريئا ..! .
آه منك .. وآه مني ... وآه من سنينك وسنيني .. وحنينك وحنيني .. وظنونك وظنوني .. وذكرياتنا التي لم تزل تحلم بأن تكون يوما ما حديث سمر بيني وبينك , قبل أن يأخذنا النعاس ويرحل بنا إلى حيث الظلال والغلال , وإلى حقول اللؤلؤ والمرجان , وإلى حيث لا يرانا إنس ولا جان .
موضوع يلح علي في كل مرة لا مهرب لي منه وكأنه قدري يأبى إلا أن يرافقني حتى النهاية , ورغم إحساسي بأنني أسرفت في هذا الاتجاه , وأثقلت عليك كثيرا لدرجة أعلم يقينا أنك ضقت ذرعا به , ولكن لا مفر لي منه , وليس لك إلا أن تسلمي أمرك إلى الله وتقرئي ما أكتبه لك إذ ليس لك من ذلك بد , ولك بعد ذلك الخيار في أن تحكمي إما أنني فقدت صوابي وبدأت أهجر ويومئذ لا عتب علي ولا لوم , وإما أن يكون لزاما عليّ أن أندب سنواتي الخوالي فأكون قد أعذرت .
وعلى ما أذكر إن لم تخني ذاكرتي كنت قد كتبت لك في رسالة سابقة مقولة لنيلسون مانديلا حيث يقول : " لا فائدة من البكاء على اللبن المراق " .
وأسأل نفسي دائما إذا لم أبكي فماذا أفعل إذن ..؟ وهل بقي لي شيء سوى البكاء وأنا أودع سنواتي تتابع مسرعة كالنار المستعرة في الهشيم لم تترك وراءها إلا بقايا رماد تذروه الرياح . إنه عمري .. عشته وأعيشه في كل لحظة .. بدقائقه وتفاصيله ومفرداته .. بحلوه ومره ..! .
وكثيرا ما أضحك من نفسي عندما أذكر حلو الأيام لأنني لم أتجرع سوى مرها , حتى الأيام التي أسميها حلوة , كان لكل منها غصة ولكنني أذكرها أحيانا على سبيل المجاز لتستقيم الجملة بمفرداتها .
وأكثر ما يعذبني أنني كنت سلبيا في أكثر مراحل حياتي , إن لم يكن كلها حيث كانت ردة فعلي على أي حدث مهما بلغ من الأهمية والجسامة أن أتجرعه , وأمر عليه بصمت ولكي لا أكون متجنيا على نفسي وابتعد كثيرا عن الحقيقة كانت هناك بعض الإشارات الإيجابية في حياتي وإن لم تفعل فعلها .
المهم أنها كانت موجودة , وكانت تمرق من أيامي كما يمرق السهم من الرمية ولعلة في شخصي أو لنقص في فطرتي , أو لخطئ في تربيتي , تشتت فوق أرض منبسطة كما الساقية يتلاشى ماؤها حينما تفقد مجراها . وسواء كان هذا السبب أو ذاك فالنتيجة واحدة لأن الذي يهمني هو ما وصلت إليه حالي , ولو أنني كنت أعلم بأن البكاء سيعيد لي ولو بعضا من أيامي الخوالي لأنفقت ما بقي من عمري في البكاء .
ولكن هيهات وقد كان الذي كان وسبقت كلمة من ربك أن الذي مضى لا يرجع . بذلت كل ما أستطيع دعوت الله سرا وجهرة , دعوته في هجيع الليل والناس قد رقدوا " ربي أني قد مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " أكررها كل يوم مئات المرات " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " . ولكنه عمري ..! وهل من العدل أن أخرج من الدنيا كما دخلت إليها صفر اليدين لا ألوي على شيء .
وليت الأمر وقف عند هذا الحد بل هو أشد وأدهى إذ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا في كتاب مبين .
إنه عمري أعده بالأيام بالساعات بالدقائق والثواني وسرعان ما أختمه وكأنني لم أعش إلا عشية أو ضحاها . إنه عمري عشته حركة بحركة , ونفسا بنفس بين صعود وهبوط وأنا أعد الدرجات على سلم الحياة , واحدة إثر أخرى ثم بعد سنوات طويلة أكتشف عمق غبائي وأنني كنت دائما في هبوط ولم يكن الصعود الذي تراءى لي سوى وهما . حتى عندما كنت في أفضل حالاتي وأنا أتجاوز الدرجات صعودا وهبوطا شيئا ما كان يشدني إلى الأسفل وكأنه يريد أن يوقظني من حلم أسال لي من السراب عذبا فراتا .
إنه عمري ويا ويح نفسي وقد أضاعوني صغيرا وضيعوني كبيرا , هل هكذا هي الدنيا تشتري منا الحلو بثمن بخس وتبيعنا المر بالغالي ..؟ وكأننا معلقين بأرجلنا على عجلة الزمن , ما إن تصعد بنا حتى تهبط سريعا لتفقدنا نشوة الصعود والعجلة مستمرة في الدوران لا تهدأ ولا تستريح والسعيد منهم من تسنح له فرصة للصعود ..! .
فالكثيرون يقضون نحبهم وهم يتواترون في أرتال ربما يسعدهم الحظ في الصعود ولو لمسافة قليلة يمنون بها النفس الأمارة بالسوء ولو بالضحل من السعادة المزعومة .
إنه عمري .. وأنا أقف على العتبات الأخيرة منه , وأطل إطلالة خجولة على صفحات أيامي أقلبها بيد مرتجفة وذهن شارد وتتملكني رغبة جامحة في أن أقلب تلك الصفحات جميعها دفعة واحدة , إذ تأخذني رعدة شديدة عندما أحاول أن أنبش ما بين تلك الصفحات فليس فيها ما يدعو للافتخار .
وإنما كانت تراكمات لأخطاء سنين طويلة الخطأ تلو الخطأ والهزيمة إثر الهزيمة والتضحيات تكبر والضحايا تكثر .. وما خفي أعظم ..؟! .
إنه عمري الذي أتيت على جل سنواتي بل كلها على الأصح وأنا حاملا وليس محمولا أحمل عن نفسي وعن الآخرين ولكن لا أحد يحمل عني .
أتذكر هنا موقفا يثير في نفسي الضحك والسخرية والألم في آن واحد إذ كنت حينها على ما أذكر في حوالي الرابعة عشر من عمري , وكنا أنا وأمي نأتي من إحدى القرى المجاورة باتجاه قريتنا وعلى طول الطريق كانت أمي تحملني على ظهرها ورجلاي تخطان الأرض وعندما كنت أعترض على مثل هذا التصرف وأريد أن أفهم أمي بأنني قد كبرت على مثل هذه المسائل ويجب أن أعتمد على نفسي كان جوابها المعتاد حاضرا إنك ما زلت صغيرا ولم تقو بعد على المشي .
وهكذا مرت الأيام .. صغيرا على المشي .. صغيرا على الدراسة .. صغيرا على العمل .. صغيرا على المسؤولية .. صغيرا .. صغيرا .. حتى جعلت أمي مني قزما ..! .
إنه عمري .. حتى في اللحظة التي كانت أمي تحملني على ظهرها كنت أحس بثقل هذه الواقعة على نفسي , وكنت أشعر بأنني الحامل وليس المحمول .
أحمل أخطاء أمي الكثيرة , وكذلك أخطاء المجتمع الذي يمثل هذه الأخلاقيات الجوفاء والقيم الفاسدة , وكذلك كنت أحمل أخطائي التي ورثتها عن أمي والتي سوف أنقلها حتما بالوراثة إلى أولادي , وهكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
أسئلة كثيرة تتزاحم في داخلي , هل هذه هي الوسيلة الأنجع للتعبير عن حبنا للآخرين ..؟ وهل الناس جميعهم يحبون على هذه الشاكلة ..؟ وهل الحب بناء أو هدم ..؟ تضحية أم تجني ..؟ وهل الحب هو القوة الفاعلة في رسم ملامح الشخصية الإيجابية وتكوينها , أم أنه يمثل جانب الضعف فيها حيث يجعلها هشة فارغة لا قيمة لها ولا معنى ..؟! .
إنه عمري .. كل يوم منه يمر بألف غصة , وأنا أودع أيامه يوما إثر يوم لا أكاد أودع يوما حتى تهل بشائر اليوم الذي يليه , بل في الحقيقة تلوح أحزانه وتزمجر أهواله وتثور براكينه والذي يزيد الطين بلة هي القشعريرة التي تأخذني وأنا أتحفز لاستقبال يوم آخر يقينا لن يكون أفضل من سابقه إن لم يكن أسوأ على الإطلاق ..! .
أنا لا أطلق هذه الأحكام جزافا , ولا بناءا على ردة فعل أو نتيجة جهل وقلة دراية بما يحدث لي بل التجربة علمتني , والذي يحدث من حولي قطع الشك باليقين والحال التي وصلت إليها غنية عن الشرح .
هذه الواقعة ذكرتها على سبيل الاستدلال لا الحصر فهناك الكثير من الحالات التي يقشعر لها البدن وتعجبت أشد العجب وأنا أقرأ وصية أعرابية لابنها حيث تقول : " أي بني , إن سؤالك الناس ما في أيديهم من أشد الافتقار إليهم , ومن افتقرت إليه هنت عليه , ولا تزال تحفظ وتكرم حتى تسأل , فإذا ألحت عليك الحاجة ولزمك سوء الحال , فاجعل سؤالك إلى من إليه حاجة السائل والمسؤول فإنه يعطي السائل " .
ثم أجريت مقارنة بسيطة وسريعة بين هذه الوصية وبين ما كانت توصيني به أمي وليتها لم توصني وليتها ما ولدتني .. بل ليتني مت قبل أن أولد وكنت نسيا منسيا ..! .
ثم ألقيت نظرة سريعة على بعض ما كتبت فاستوقفتني وصية أمامة بنت الحارث لابنتها في ليلة زفافها , وأظنك قد قرأ تيها من قبل ولكن لا أظن أنك حفظتيها ولو أنه كان بودي لو أنك كنت تحفظينها , فإن فيها من الخير الكثير , ولكنني أردت أمرا وأراد الله غيره والله فعال لما يريد .
ثم قلت في نفسي أن أمامة أم ووالدتي أم ولكن يا ترى هل تكفي كلمة أم لنحكم للاثنين معا ..؟ وهل من العدل عندما نجري مثل هذه المقارنة أن نضع الاثنين في كفتي ميزان متراجحتين لا لشيء فقط لأن كلا منهما أم ..؟ وهل ندرك جميعا ما هو مطلوب من المرأة عندما تكون زوجة ثم ما هو مطلوب منها عندما تكون بعد ذلك أما ..؟
فإذا المرأة أساسا لا تمتلك المقومات التي تجعل منها زوجة صالحة , ثم تفتقد إلى الأرضية التي تنطلق منها لتحقيق الهدف النبيل والعظيم الذي كلفت به فكيف إذن نأتي بمعجزة فإذا بها أم صالحة تتكفل ببناء جيل , بل أجيال يعيثون في الأرض فسادا , وكيف الحال عندما تكون زوجة وأما معا , ثم تكون وكأن ليس لها في العير ولا في النفير ..! .
أما كان من الحكمة أن ننصح المرأة التي لا تمتلك مقومات الزوجة والأم بأن تضرب صفحا عن الزواج وتترهب ..؟ فيكون في ذلك خير لها وللمجتمع ونكون بذلك قد تجنبنا الكثير من الويلات والمآسي والضحايا الكثر التي تملأ الآكام والوديان وأنا أصدق شاهد وخير مثل على ذلك " وشهد شاهد من أهله " .
حيث كان قدري أن أكون ابنا لامرأة رعناء هوجاء حمقاء , لا تكل ولا تمل , لا تسمع ولا تطيع ولا ينفع معها لا لوما ولا عذلا .
يعز عليّ وأنا أنعت أمي بهذه الصفات , لكنه قضاء لا مفر منه فالذي أنقله لك قليل من كثير بل غيض من فيض فالجرح لا يؤلم إلا صاحبه وقد أثخنت أمي جسدي بالجراح العصية على الالتئام فهذا ينزف وذاك يقيح ولا تزال مستمرة في غيها وكأنها لا تستطيع أن تحيا إلا أن تفجر ما بقي في جسدي من شرايين .
ربما تتهميني بالإسراف في الوصف وهذا من حقك , ويقينا أنه يعز علي أن أصف أمي بمثل هذه الصفات , وقد أمرني الله تعالى أن أصاحبها في الدنيا معروفا , وأن أخفض لها جناح الذل من الرحمة , ولكنه يعز علي أيضا أن يسفك دمي وعلى يد من . على يد أغلى وأعظم وأنبل ما في الوجود , هكذا يفترض أن يكون ولكن الأمر معي كان مختلفا تماما , حيث سقطت أمي في شرك حب التملك , واعتبرتني صنيعة يدها أو قطعة أثاث في بيتها وعلي أن أدفع ثمن هذه الصنيعة رغم أنفي ولها حق التصرف بي بالكيفية التي تشاء دون أن تضع اعتبار لشخصي وأن من حقي أن أفكر وأقرر بينما اعتبرت أن هذا الحق منوط بها وحدها , هي التي تفكر عني وهي التي تقرر .
ولربما كان الأمر مقبولا لو أنها كانت تفكر بما يتفق والعقل والمنطق ولكنها كانت أبعد ما تكون عنهما , بل كانت تدفعني دفعا باتجاه الهاوية ثم تشمخ برأسها متباهية أمام الناس تعلمهم دروسا في الحب وفي التضحية ..!!؟؟ .
وكانت تقول لي دائما وهي تلقنني دروسا في الحياة أنا مثال الزوجة والأم وعلى جميع النساء أن يتعلمن مني ويحذون حذوي ولا أملك إلا أن يأخذني العجب من هول ما أرى وما أسمع , وأنا أدان في كل يوم ألف مرة بسبب تصرفاتها الحمقاء وقد عجزت أن تكون من قبل زوجة واليوم تعجز أن تكون أما ويقينا سوف تعجز غدا عن الرجوع إلى جادة الصواب , فالرجوع عن الخطأ فضيلة , ولكنها أوغلت بحيث أصبح الرجوع مستحيلا ثم أصمت أذنيها حتى لا تسمع صرخات القهر التي يتردد صداها في حنجرتي , ومشرط الجلاد يفعل في جسدي .
وأعصبت عينيها حتى لا ترى دمي النازف من كبدي ليغسل آثار خطاياها , قرأت حديثا لرسول الله عن ابن عباس قال : أتت امرأة من خثعم إلى رسول الله فقالت : إنني امرأة أيّم , وأريد أن أتزوج فما حق الزوج ؟ قال : " إن من حق الزوج على الزوجة إذا أرادها فراودها عن نفسها وهي على ظهر بعير لا تمنعه , ومن حقه أن لا تعطي شيئا من بيته إلا بإذنه , فإن فعلت ذلك كان الوزر عليها والأجر له , ومن حقه أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه , فإن فعلت جاعت وعطشت ولم يتقبل منها , وإن خرجت من بيتها بغير إذنه لعنتها الملائكة حتى ترجع إلى بيته أو تتوب " . أتدرين ماذا كان ردها ..؟ سوف أترك لك الإجابة على ذلك .
وكثيرا ما كنا نقرأ عن عقوق الولد لوالديه , وأنه لزاما علينا أن نكون بارين بهما لنتجنب العقوبة الجسيمة التي توعدنا الله بها , ولكننا غفلنا عما هو أعظم من ذلك بكثير والذي يشكل اللبنة الأساس في العلاقة بين الولد ووالديه , وهي حسن التربية .
وقد قرأت الكثير من الآيات والأحاديث في ذلك وسوف أورد لك الحديث التالي على سبيل المثال لا الحصر . يقول رسول الله : " لاعب ولدك سبعا , وأدبه سبعا , وراقبه سبعا , ثم اترك حبله على غاربه " . وأريد أن أسأل هل يا ترى أن والدتي أدت حقي عليها كما يجب ..؟ وسوف أجيب على هذا السؤال ببساطة .. فقد لاعبتني أمي سبعا , ولاعبتني سبعا , ولاعبتني سبعا , وما زالت تلاعبني , وسوف تبقى تلاعبني إلى أن يموت الأسبق منا . أتدرين لماذا ..؟ لك حق الإجابة من عدمها ...؟
وابن عباس يقول : من لم يجلس في الصغر حيث يكره , لم يجلس في الكبر حيث يحب . لعلك تتساءلين أو تسأليني أين كان والدك إذن وما هو دوره ..؟ وللإجابة على هذا السؤال والذي يبدو للوهلة الأولى أنه مجرد سؤال لا أكثر , ولكنه في الحقيقة هو أكثر من ذلك بكثير , فهو معاناة جيل بل أجيال لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا ضحية زواج غير متكافئ .
ولكي أكون منطقيا ومنصفا في الإجابة فإنها تحتاج مني إلى المئات بل الآلاف من الصفحات ! ولكنني سوف أختصر المسألة برمتها في بضع كلمات أو بضع سطور لأن الخوض فيها يؤذيني أيما إيذاء ..! .
فقد هجرنا والدي يا سيدتي أنا وأمي ولم أتجاوز بعد السنوات الأربع من العمر والسبب في ذلك ولكي لا أطيل عليك الحديث , هو أن أمي وبكل بساطة عجزت عن أن تكون زوجة صالحة وبالتالي وبالبديهة عجزت عن أن تكون أما صالحة . لذلك جرفني السيل فكنت ضحية طيش أمي ثم ضحية غبائها , ثم ضحية رعونتها , ثم ضحية والدي الذي لم يكن أقل طيشا ورعونة وغباءا من أمي , ولولا أنه كذلك لما اختار مثل أمي زوجة له .
حيث كان أمامه جملة من الخيارات , وكان مطلوبا منه فقط أن يعرف كيف يختار ولكونه كان وضيعا في نفسه لم يستطع أن يرتقي كثيرا وإنما اكتفى بالسهل ووقف عند الدرجة الأولى من السلم , ولكي ألتمس له عذرا فإن من طبيعة الغالبية العظمى من الرجال أنهم يريدون من المرأة الجمال أولا , ثم الجمال أولا , ثم الجمال أولا ثم يطمحون بعد ذلك إلى أشياء أخرى إن كانت هناك أشياء أخرى ولكن بعد فوات الأوان .
يقول مونتيني : " لست أرى زيجات أسرع فشلا , وأكثر كدرا , من تلك التي تعقد من أجل الجمال , أو تتم في عجلة استجابة لرغبات الغرام " .
ثم أقرأ لقيس بن عاصم وهو يخاطب أولاده بقوله : " لقد أحسنت إليكم صغارا وكبارا وقبل أن تولدوا ! " . قالوا : وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد ؟ قال : " اخترت لكم من الأمهات من لا تسبون بها " .
ويقول أمية بن أبي الصلت مخاطبا أولاده :
وأول إحساني إليكم تخيري لماجدة الأعراق باد عفافها
فلا جزى الله والدي عني خيرا , وأرجو أن أكون خصمه يوم نقف بين يدي الله حفاة عراة .
ثم رماني والدي هكذا وببساطة في عرض البحر , وأنا لا أملك ما أدفع به عن نفسي ثم أدار ظهره دون أن يطرف له جفن , أو تدمع له عين , وأعجب أشد العجب كيف يقال عن أولادنا , أنهم فلذات أكبادنا , ولما الغرابة ربما كان والدي بلا كبد ..؟! .
قال معاوية لعقيل بن أبي طالب : أي النساء أشهى ؟ قال : المواتية لما تهوى . قال : فأي النساء أسوأ ؟ قال : المجانبة لما ترضى . قال معاوية : هذا والله النقد العاجل . قال عقيل : بالميزان العادل .
كنت قد أوشكت أن أمسك عن الكتابة بهذا الأسلوب , وأن لا أتجاوز حدود الدائرة التي تضمني وإياك , ولكن بما أنك كنت قد أذنت لي بالكتابة بما يسمح بتجاوز حدود هذه الدائرة , ولك علي في ذلك فضل ومنة ..! .
عدت مرة أخرى ومن جديد أستجمع قواي وألم شتاتي لأكتب لك بعضا مما يعتلج صدري ويؤرقني .
وكثيرا ما حاولت أن أتجنب مثل هذه الأمور وألا أخوض فيها لكنني لا أجد نفسي إلا وأنا منساق إليها دون أن أدري ولم يكن انسياقي هذا عبثا بل هو تاريخ طويل أضعت في دهاليزه الكثير من نفسي .
وليست الغاية من إثارة مثل هذه الأمور هو مجرد الذكرى أو نبش لماض ربما أساء إلي بكثير أو قليل , وإنما كانت الغاية أكبر من ذلك بكثير فهناك مقولة أرددها كثيرا " ما أشبه الليلة بالبارحة " فأنا على مدى سنوات طويلة أدفع ثمن أخطاء لا يد لي فيها , سوى أنني كنت نتيجة لقاح هوى مجنون ورغبة مسعورة ..؟! .
فالزواج بمعناه القدسي لا يمكن إلا أن يكون تكافئا بين اثنين يوفر في أسوأ حالاته الحد الأدنى من التوافق .
يقول جبران خليل جبران : " ما أكثر النساء اللواتي يستعرن قلب الرجل , ولكن ما أقل اللواتي يستطعن الاحتفاظ به " . أنا لا أنكر أنني قد عرفت قبلك العديد من النساء ولقد أفصحت لك عن ذلك في اللقاءات الأولى , حرصا مني على أن تبدأ هذه العلاقة صافية نقية لا يكدر صفوها أي شيء , لا لبس فيها ولا غموض .. لا غش فيها ولا تدليس , وإنما نتعاهد على صفحة بيضاء نقية . ولقد احتفظت من دونهن وبجدارة بقلبي الذي كان عصيا على اللواتي سبقنك ولم يكن ذلك عن غفلة منك , أو هوى متبع أو طيش جهالة , بل كان عن بصيرة وتعقل ودراية وهذا ما كان يجعلني دائما أجد نفسي صغيرا أمام عظمتك .
يقول لارشفوكو : " إن فضل القليل من النساء يدوم أطول من جمالهن " . وقد أحسست منذ البداية أنك تعرفين ماذا تريدين , وتمهدين الطريق بحلم وأناة للوصول إلى بغيتك , رغم أنك كنت تتخبطين أحيانا وهذا أمر طبيعي .
أنا لا أقول أنك ملهمتي فحسب , أتغزل بك , وأكتب لك قصائد العشق فأنا لست شاعرا , وأنت أكبر من كل ما قيل في امرأة قبلك وما سوف يقال في امرأة بعدك . لأن الحب عندك ليس له حدود , ويثور على القيود والحب عندك ليس طقسا يمارس , ولا حالة من النشوة تضيع فيها الكلمات , بل الحب عندك تضحية وعطاء وبناء ومن ذا الذي يملك أن يبني إنسانا أو يعيد بنائه بعد أن قوضته يد الجهل والضلال .
أنت وحدك أعدت بنائي على أنقاض ما تهدم , وماض لم يكن فيه سوى الضياع والحسرة والأسى ! .
إن أكثر ما يثير إعجابي بك ويجعلني أقف مشدوها أمامك هو قدرتك الخارقة في أن تجمعي كل تلك الصفات , وتؤلفي بينها , فتارة أحسك وكأنك ما خلقت إلا لتكوني زوجة لشدة ما تثيرين إعجابي بك , وأنت تؤدين واجبك تجاه هذه العلاقة المقدسة على أتم ما يجب , وتارة أخرى أريد أن ألقي بنفسي في أحضانك حيث الدفء والأمان , لأنك تمثلين الأم في أعظم حالاتها وهي تضرب مثلا في التضحية حتى الفناء ..! .
وأعجب تارة أخرى عندما أجدك طفلة قد بلغت للتو سن المراهقة , تتراقصين في أحضاني وكأن الدنيا كلها ملك يديك , وكأن الناس من حولك كلهم عبيد لك وجواري وأتساءل عجبا هل يمكن أن تكون هذه بشرا ..؟ وأنت تجمعين كل هذه المتناقضات المؤتلفات ..!!؟؟ .
لذلك أجدك حاضرة في كل كلمة أكتبها لك , ولولاك لما كانت الكلمات ..! .
يقول كوتا : " ليس على ظهر الأرض ما هو أثمن للرجل من حب امرأة فاضلة " . قرأت الكثير من قصص الحب قديمها وحديثها وقرأت الكثير الكثير عن المرأة حتى لم أترك شاردة ولا واردة إلا عرفتها عنها , فلم أعثر بين تلك القراءات على من هي جديرة بأن ترقى إليك , ولو بقيد أنملة .
وحتى أكون موضوعيا ومنصفا , ربما يكون هناك من تفوقك في خصلة ما , ولكنه يقينا ليست هناك من تجمع كل خصالك معا . أنا لا أقول هذا مديحا لك لأنك فوق المديح ولا مجاملة لأنك لست امرأة المجاملات , وأنت تعرفينني حق المعرفة من أنا , وكيف أرغب أن أكون , والكيفية التي أحدد فيها مكاني من أية علاقة ما .
وإذا كنت تعرفينني حقا فبالبديهة يجب أن تعرفي أنه من المستحيل أن أتعامل معك على أساس من المجاملة , أو المثالية الجوفاء التي يدعيها الكثيرون زورا وبهتانا . وأظنك لا زلت تذكرين أمورا اختلفنا عليها وكثر الجدل حولها , وتوقفت عندها كثيرا ولو كان هناك مجال للمجاملة لمررت عليها مرور الكرام , على الأقل ارضاءا لك وتقديرا لمشاعرك وأنت تعانين ما تعانين .
أنا لم ألتزم هذا الموقف الحازم لمجرد الرغبة في أن أفرض نفسي عليك أو لأفهمك بأنني رجل عصري بلا منازع .. لا .. فالأمر يختلف كثيرا وبسؤال بسيط أوجهه لنفسي ولك , هل أنا أحبك ..؟ هل أنا حريص عليك ..؟ هل لزاما علي أن أحافظ عليك من نفسك ومن المتربصين بك ..؟ هل هو واجب علي أن أدافع عن قداسة العلاقة التي تربطني بك ..؟ لتستمر حتى النهاية كما يجب لها أن تستمر وكما أمرنا بها الخالق المبدع ليرتفع بهذه العلاقة فوق كل الشبهات , وليؤدي وظيفتها على أتم وجه , بعيدا عن عبث العابثين واستهتار المستهترين , وجهالة الجهال . إذا كان الجواب نعم فنكون قد بلغنا الغاية , ونحن ببساطة متفقون أنه لا مجال للمجاملات , وفي هذه العلاقة بالذات فالخطأ خطأ , والصواب صواب , ولا منطقة وسطى بينهما , ولا يمكن أن أصفح عن الخطأ من أجل الصواب .
لذلك عندما أقول لك أنه لا مثيل لك اليوم أقولها بصدق وإخلاص وأمانة ولأن ما أقوله هو عين الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة وإذا ادعيت غير ذلك هو تجني عليك وهدرا لكل الذي جمعتيه وهدما لكل الذي بنيتيه ..! .
ومن ذا الذي يفعل مثلك اليوم , أيتها الكثيرة في أفعالها , القليلة في أقوالها , الكبيرة إذا اشتد الخطب , والصغيرة الوادعة إذا ألزمتها الطاعة ..! .
سؤال يلح على ذاكرتي كل يوم فأفزع إلى الكثيرين ممن هم حولي , علني أجد مخرجا ولكن الحيلة أعيتني ولم يجبني إلى ذلك أحد لأنهم يرون أن فيما أقوله استحالة على الأقل ضمن المحيط الذي نعيش فيه فلذلك لم يصدقوني في كل الذي قلته عنك ظنا منهم بأني قد وقعت أسير هواك , ولم أعد أملك من أمري شيئا وإن ما أقوله عنك ليس إلا كلمات رجل قد تملكه هواه حتى استعبده فلا يدري ماذا يفعل ولا يعلم ما يقول ولكي أكون منصفا فهناك الكثير من الصحة فيما يقولون ولكن ليس كما يدعون ويفسرون فأنا صاحب هوى وهذا ما لا شك فيه ولكنني لست عبدا لهواي لأنني أعي ما أقول وأدرك ما أفعل , وكل شيء عندي بقدر ..! .
ولهم العذر كل العذر فيما يذهبون إليه لأن ليس كل النساء أنت ولكنك أنت كل النساء ومن ذا الذي يجد امرأة مثلك في هذا الزمن الصعب ..! وأنت بالنسبة للكثيرين شيء أبعد حتى من الخيال . وحتى من القصص الخرافية التي كتبت عن الكثير من النساء .
ولكنك أبيت إلا أن تكوني امرأة جاءت في زمن أصبحت فيه كل الأشياء الجميلة خرافية وكل الأشياء الصادقة خرافية والمرأة عندا ترغب في أن تكون أنثى حقيقية فهي خرافية والمشاعر عندما تنبعث من نفس صادقة فياضة فهي خرافية , وإذا أتقنت المرأة لعبتها فهي خرافية , ولحماقتنا توهمنا أننا واقعيون عندما سلبنا المرأة أنوثتها وهي أعز ما تملك , وسلبنا الرجل هيبته عندما كبا به جواده وهو لا يلوي عل شيء .
وعندما سرقنا الوردة من عطرها , والأقحوانة من نداها , وسرقنا الأرض من خضرتها والقمر من ضوءه , وسرقنا الشمس من نورها , وببساطة عجزنا من أن نسرق الواقعية من واقعيتها , لأننا لم نك يوما واقعيين .
البعض يسألني متشككا عن مدى مصداقية هذه الحالة التي أتكلم عنها ألا يمكن أن تكون حالة كاذبة أو مؤقته ..؟ كغيوم الصيف , أو كثلوج فصل الربيع سرعان ما تذوب تحت سطوة الشمس .
أو ربما جاءت نتيجة ظروف معينة وانفعالات مزيفة سرعان ما ينقشع زيفها , وتلسعنا الحقيقة المرة بسوطها , ألا يحتمل أن تكون نزوة نفس ساقتها أقدارها إلى حيث لا تدري ..؟ فتتحول المودة المزعومة إلى حقيقة مرة وتنقلب الجمرات الملتهبة بالحب إلى بقايا رماد لا تسمن ولا تغني من جوع ودون تردد أجيبهم إجابة الواثق من نفسه إنكم لا تعرفونها , إنكم لم تدخلوا عالمها الرحب ولم تطلعوا على المكنون في صدرها إنها أمّة من النساء وليست امرأة بذاتها ولقد كانت نسيج وحدها كل شيء عندها بحساب لا إفراط ولا تفريط ..! .
ولأجل ما سبق تدفعني رغبة قوية للكتابة إليك لأسد كل الثغرات وأدفع عنك كل السهام وأتمم ما نقص وأقطع الطريق على كل واش وحاسد من أن ينال منك ولو بكلمة وأحميك من مغبة السقوط في هاوية الردى .
وأرجو أن تدركي هذا ويقينا أنك تدركين ما الذي أريده منك وإلى أين أريد أن أصعد بك فكوني لي أمة أكن لك عبدا ..! .
قيل لمعاوية بن أبي سفيان , من أحب الناس إليك ؟ قال : من كانت له عندي يد صالحة , قيل له ثم من ؟ قال : من كانت لي عنده يد صالحة .
وقد جمعنا أنا وأنت الخلتين معا , فلي عندك يد صالحة ولك عندي ألف يد . ولا بد لهذه الأيادي أن تزهر يوما وتثمر وتفور السلال بالغلال .
هند بنت عتبة تقول : إنما النساء أغلال , فليختر الرجل غلا ليده . وقد اخترتك غلا ليدي ووثاقا إلى أن نلقى الله , وكما أنت في الدنيا أرجو أن تكوني غلا ليدي ووثاقا في الجنة حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
ودوما أختم رسالتي كالمعتاد , بمزيد من الأشواق , ومزيدا من القبلات ومزيدا من الأمنيات ... والتي أتمنى أن تصبح حقيقة يوما .. ما .. ؟! .
علي سليفي
12/ 11 / 2009
علي سليفي