وتبقى راما تسطر أيامي بيد من نخيل

  • بادئ الموضوع بادئ الموضوع خورشيد
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
وتبقى راما تسطر أيامي بيد من نخيل
مروان خورشيد عبد القادر .


راما..
تقلّد خروجها
لجدار باكر السقوط
تنزع يديّ من دم أغانيها
فتصفق أغصاني لها مطراً
يجيد سقوطي في لهفتها
تسرد في الضوء الشارد بي
خواتمها الفضية..
تميل على البحر لتفتح
عليّ أشرعة رحيلها
ثم تغلقني على هوائي فأنتشي ..
راما..
تعبئ أيامي لطلقتها
فأميل على إصبعها ..
لا خاتم يذكرها بي
ولا حواف الدم
يطأطئ
فأنتشي لها..
أبعد أسطورة الماء
عن ماء رجعتها
وأبدأ بعدّ أيامي !!..​

اليوم الأول​

اقترب دمي لحافة ليلتها
فراحت ترتّب فوضاي
و تقلب انتشائي داخلاً عميقاً فيها
اقتربت ظلالي من شجرتها
فراحت توزع سكا كرها على أطفال الحي.
الذين مرّوا من هنا
لم يكونوا منها
كانوا يسرقون السماء من أرضها
وينسجون أحلامهم
في مواويل طويلة..
يحملون ظلامهم على تلالهم...نجوماً ميتة
و أنا ..أعدّ ما تبقى من ثمارها
أمرر شارعها الطويل تحت قدميّ
ثم أعدّ فمها الصغير..
بقبلة طويلة
هل كنتَ معي حين قلت ُ :
أحبك َ
هل كان رعدك يفضح غيمتي ويفيض بي
وأنت نائم تخبئ أحلامك تحت ذراعي ..؟
هل كنت أنتَ...
تفتح رؤاك في وردتي
لتسطرني خرافة
وتكتب ريحانة اللأسرار
على دفتري الصغير
كنتُ أنا..
الذي ألبسك للغابة مطراً
فصفقت لكِ أغصانه
الذي عدّ شوارعك
ثم نام في سرير ضوئك
الذي قتلته المساءات
بقمر واحد
وحين مات نبت على كتفه
"قطيع من السنونوات"
قلت ِ :
هل داهمك جيش من البلابل
حتى تجيء إليّ
وأنت الواحد.. الأحد
تسكن خافق اليدين
كلما صفّق البرد لخطاك
فرت أيامك إليّ
وقلتِ لبياض
كان يصلي جارحاً تراتيله في كفينا
أحبكَ ..
و لوجه برعم الحزن في تفاصيله
أحبكَ ..
و قلتِ : الأحمر- كان ياسميناً
الأبيض- كان دماً
والأسود- كان مزيجاً مني ومنكَ
قلتُ : هل عبأك الأخضر في ّ
حتى ينسى تفاصيل الوردة
في إبريق على هواء النافذة
قلتُ : ليس الضوء خرافة ..
هو الشرود القادم منكِ إليّ
يفتح سرو الجسد لميراث طويل من الحبّ
يتغلغل..
تاركاً سخونة تقيني من حمى يديك..
حين تمرّ فوق حطامي..
تاركاً..خيول الهزيمة تصهل
أو تهذي على صدى انكساري..
أليس الضوء..خرافة
حين لا يأتي منكِ إليّ
ويأخذني
حيث سقوطي يتبرعم ماءً أخضر
حيث سقوطك فيّ
يكون في أخر الليل..
يعني الدم الذي يحتويك أن يغادرك..
فيدخلني خلاياه ثم ينتشر
كان الضوء تبغ البداية
يهذي تاركاً دوائره ترسم مثلثات تحاصرني
تقلد زواياها لنسياني
كان يعيدني إلى أمي
فلا تراني
وأنا أراها
روحاً من الصفصاف تعيدني إليكِ..
جسداً خاسراً هذيانه في التراب..
الذين باغتونا..
كان حضورهم قد أدخلني إلى ضجيج
أربك ذاكرتي
فراح نسياني يطارد ظلاماً...
ويرسم لوردة
أبعادها..
فــي الفراغ !!..​


اليوم الثاني​


مال دمي على مجيئهم
فأخذوني واعتقلوني
جعلوني غابة لكائنات صلبة
ثم رموني للهواء
تنفساً لرئات موحلة ..
الذين ملت على مجيئهم ..
أوغلوا سقوطي
قالوا: من أين جئت ؟
قلتُ والضوء يعيدني إلى آخر أيامي ..
من محارة إصبعها القتيل ..
قالوا : وهل كان الخاتم من حديد أم .....
قلت : من الغناء والمطر
كان الخاتم من ماء قلّدني
واعتقلني برشفة طويلة ..
لم يكن غنائي يلائم صلبانهم فمرّوا...
من داخلي أفرغوا الحبوب التي تناولتها إثر
سقوطي في حمى يديك..
أفرغوا أعواد المطر التي تناسلت
وأنا أدخلك كلما هزني بياضك...
جاؤوا بأيامي واتهموني بها
سجلوا في دفاترهم
تاريخاً أسود عني..كي يبعدوني عنك..
مطراً حامضاً..كي يرشقوك به..
وطناً منكسراً..كي يتهموني به..
ثم قالوا: خذ ما تبقى من جسدك
وغادر صدقك إلى كذبتنا.
كان غنائي يلائم حزني
وأنا أشتدّ انكساراً
كلما رأيتك تهبطين السلم الرخامي
آخذة مني حيائي..
وخجلي
تاركة دمك يطارد خيبتي
ثم قالوا: وإلى أين تذهب بهذه القصيدة؟
قلت : إلى شعب يلد الغابات
ولا يموت
إلاّ إذا انسلت الجبال من ذاكرة السماء
إلى امرأة ..
سأسميها راما
تعرف كيف تشكلني دون أن تنسى ذاكرتها في
الغبار
إلى أمي التي اعتقلتني
وأنا طفل صغير
ثم رجل صغير
ثم ميت صغير
قالوا: وأيامك؟
قلتُ: لراما
التي كلما هزني الشوق إليها أعدّ أرصفة
شــــارعها
أحمل لها عاموداً من الضوء على دمي، ليراها
النسيم وردة فيلاطفها، ثم يعود بي إليها ، فلا
أراها إلاّ حين تهبط السلم الرخامي..
لراما التي ستجيء من هناك بعباءة سوداء
فتمطرني
خزفاً يطير ورعشة بيضاء
لراما التي لا تنكسر أيامي لرحيلها..
أدخلوني غرفة وقالوا :
إن كنت تعرف كم وجهاً للحرية
فاعرف كم سقفاً لهذا الظلام ،
ثم غادروني
تاركين أيامي تحصي
كم غرفة لهذا السقف
بينما تركت جسدي
يدخل متكئاً على ضوء غرفتها
البعيد.. البعيد..يوماً ثالثاً !!..​


اليوم الثالث​


النصف الأول​


رأيت البحر
من ثقب في رملة يناديني
رأيت ناراً تجزع في خافيتي...وتناديك
رأيت ملحمة تسطّر سرّ بقائي
رأيت عينين ناعستين تسهران على ضوئي
ورأيت قصفاً من السم ينادي على مدني..فبكيتُ
بكيتُ كي أرى السماء نحلة
تلدغ غابة ولا تطير
وأرى بيوتاً يسكنها الطوفان
وجبالاً تطير .. تطير..
وأرى راما
بيد من نخيل تسطرني أسطورة
وتدعوني للغياب الجميل
هذا اليوم ..كان نصف اكتمالي لم يكتمل بعد
يعيدني إلى دمٍ يسيل حاراً
في خلايا راما..
فيفيض أبيضها بوحل الوصايا
هذا اليوم..كانت الأرض تغيب في طفولتها
فلا نهدها قد تكوّر
لتبتلعه السماء
ولا خارطتها كانت قد سقطت في يد الأعداء
كان البحر ينادي على نورسه
والنورس ما يزال في طورالذبابة
هذا اليوم..غبتُ فيه عن الذين اعتقلوني
في وردة من سيانيد "حلبجة"
غبتُ فيه عن جرار
عبّأت هطولي خمرة تشيخ
في الحلم الذي أدخلني
إلى هذيان راما بي..
فما زلت..أعد أسقف الغرفة
فلا سماء تطلّ عليّ من تحت أظافري
أو من بين أنقاض السكر
حين شربت حتى الثمالة
من ماء عينيها الناعستين
وما زلت أجيء
مصغياً إلى أيامي تتهاطل
أخرج إلى باحة يصادرها القصف والسم..
أصعد الجبال التي تطير
من فوق البلاد
لتأسر نارها على موقد من سحاب
ما زال في طور الجليد​


النصف الثاني​


رآني النسيم أقطف وردة..فبكى
رآني السهر أقد له حطباً..فنام
رآني الرصاص أهطل جثثاً كثيرة
فغاب في الورد
ثم أطلق سراح الياسمين على وجهي
فتهاطل برعماً..برعماً..
أكذب.. لو أنني قلتُ لم يرني الحزن
وهو يسير إليّ على قدمين من تراب
أكذب..لو أنني قلتُ لم ترني النار
"أسرقها من الآلهة"
ثم أقلدها لشعب كامل الموت
كي ينهض في قامة الماء ويدخل الوردة
أكذب..لو أنني قلتُ لم ترني راما
وأنا أتنازل لها عن أجزائي كلها
أكذب..لو أنني قلتُ لم ترني أمي وأنا أسلب
منها
ولم ترني وهم يدخلونني الغرفة التي لا سقف
لظلامها
أكذب..لو أنني قلتُ لم أكن بكامل الموت
حين غادرتني راما
إلى مدينة
شيدوها
من غبار !!..​


اليوم الرابع​


جاءوا من جديد
نفخوا في السياط
وقالوا: عُدْ حياً
لا نريدك ميتاً..فتدوم
قالوا: سنخرجك من الغرفة
وندخلك الضوء من أعلى السماء
ونشدُ على يديك
كي تبتكر وطناً جديد
قلتُ :
ومن يضمن موتي إذا بقيت حياً
قالوا :
دمها الأرجواني الذي صفقت أغصانك له طوال
حضورك في السرير..
قلتُ:
وهل ستراني وأنا الميت
لا أجزاء لي كي تجمعني
ولا عصافير في قلبي كي تغني لها..
ولا حتى الخردل يجمعني معها هواء واحداً لرئة
تتحد كي تتنفس أجزاء الموت الجميل..
قالوا:
من غمرته الأنقاض ينبت أخضر من جديد ويحتل
الشمس..
قلتُ:
أدخلوني إلى أيامي لأعدّ أعضــــائي هل تبقت
أم ما زلت بعد نصفي القتيل أجرح الغابة من
ذئابها
وقلتُ: سأعود مقفلاً السماء على دمي
كي أتبرعم نصلاً
يدخل المعارك بلا هذيان
يدخل وردته..
حافياً..يركض في تنفسها
عارياً..يتشظى على كامل أوراقها
وقلتُ: بأنني لن أعود
إلاّ إذا رأتني راما
تحمل بياضها
مستسلمة بين أعضائي ..كحمامة !!..​


اليوم الخامس​


لامس صدرها دمي فاشتدّ
وكقصب اللحظة انتصب
شاهراً سكره لوردة السماء الحارة..
لامس قلبي حواف إبرتها- فانكسر
وحين صحوت
أدركني الشبه
ووجدت بأن لا شيء فيها يشبهها
سوى كان اسمها راما
المرأة الصغيرة
التي تسطر أيامي بيدٍ من نخيل
وتودع حضوري بيومين
كان لشفتيها كرز من غابة الله
التي لا تراها الأيدي ولا يلمسها الجسد
سارت بحاري إلى مركبتها
وباسم الضوء البعيد اعتقلتني
لم أتحدث إليها عن امرأة أخرى
لا تشبهها
ولم تحدثني عن سنونوات صدرها الراحلة إليّ
كان آخر أيامي يدخلها
فتدخلها بقدمين من عاج
لا تهبط السلم الرخامي كعادتي أن أراها
ولا تشعل أيامي انتهاكاً
يهدر على حواف أسئلتها
وردة تشمخ لها السماء
تصعد إليها الأرض
وردة
لا تمسها.. إلاّ أصابع من مطر
ولا يشمها.. إلاّ جسد من ضوء
لم أنم
كي أصحو على حضورها
ولا أفتح لها غاباتي
كي تدخل بظلال أشجارها البيضاء
وتصلبني كخريف طال شروده في السقوط
كنتُ ما أزال جنيناً يخضب في الدم
وحزناً ينكس راياته
كنت أشم رائحة ثمارها
فانتعش
اسرد لها خرافة الضوء
وأتذكر عنها أيامي
ومن أي السلالات جئت..
" القصف السام كان يحشــــو مدننا في علبة
كبريت تحوي على عود ثقاب واحد..فاشتعلنا ولم
نمت ..النمل الزاحف كان يحرضنا على
العبور..فعبرنا إلى الجبال ..جبالنا التي كانت
تطير..كنّا بين أجنحتها سلالة خذلها حين جاء
بنا..ليست لدينا أظافر طويلة، كي تحد
الإســــــمنت الذي سلحوه فينا.. مدننا تركض
تحت القصف..وأنا أتذكر صديقي الشاعر الحزين
وهو يقول لنسرين :
" أحبكِ
يناديني القصف ...
و الطائرات تعلم وجهي درس الغياب
وأنا في حصة الله..سأحبكِ "
تضحك نسرين
وهي تزهر في رئة السم
تزهر كشعب ليس من عاداته أن يموت
شعبٌ إذا أدخله القرآن آياته
قال كن - فيكون..
ليست لغاباتنا مخارج
قمحنا يولد إلى جوار الخردل
أبوابنا مفتوحة لكل الصواعق
عشاقنا في حصة الله يتبادلون الرسائل
أيامنا تجيء من شمس تشرق من الشمال وتركض في
قمر الجنوب
أسماؤنا لأشيائنا ليست ضحايا
سهرنا ورد وليلنا إن طال سيجيء النهار من طرف
ثوب امرأة صغيرة تعرف كيف تطرز عينيها لمكوث
طويل.."
أجل لم أنم
كي أصحو على حضورها
وردة الأبعاد
توزع قامتها في دمي
وتشطرني إلى نصفين
غيمة وغيمة
جبل وجبل
أشرب قهوتي
وأعتاد للمرة البرد
الدخول لأيامي
فاشتعل
أشتعل جزيرة لبحر
لا يضبط ملوحته على ساعة لقائي بها..
أعترف أنني تقصدت
أن أقدم لها دفتر اعترافاتي
ولم أتنكر بوجه من غبار
أعترف غاباتها البيضاء ستتسع لانكساراتي في
المرأة التي أسميتها راما..
وأعترف إن هذا اليوم قد طال
يتسع ويمتد ببوحه إليّ
النهر الذي رحل سيعود
وأجف مكانه
كي ينبت مكاني التفاتة
هذا اليوم
هو الذي حدثني وقال :
يا سيّد ـ
دعته هزائمه إلى عرش الملكية
يا سيّد ـ
جرحته الغابات
فتعشبت عند الكتف وردة زرقاء
يا سيّد هل رأيت
وأدركت إن القصيدة لن تكتمل
البارود..رحلة إلى النسيان
الطلقة..ذاكرة لزهرة المدينة
الرحلة
ما زالت إليك ماضية
ما زالت إليك ماضية
ما زالت إليك ماضي​
 
رد: وتبقى راما تسطر أيامي بيد من نخيل

لك مني كل الاحترام التقدير اخي ...
 
هور يانعه في بساتين المنتدى نجني ثمارها من خلال الطرح الرائع لمواضيع اروع
وجمالية لا يضاهيها سوى هذا النثر البهي
فمع نشيد الطيور
وتباشير فجر كل يوم
وتغريد كل عصفور
وتفتح الزهور
اشكرك من عميق القلب على هذا الطرح الجميل
بانتظار المزيد من الجمال والمواضيع الرائعه
 
عودة
أعلى