جوان
مراقب و شيخ المراقبين
روني صوفي-قد يبدوا للآخرين من الوهلة الأولى أن الأكراد شعب يهوى الحروب و العصيان
و انه هو من يبادر إلى خلق القلاقل و المتاعب و لكن المتصفح لشيء من تاريخه المخفي و المسروق رغم ما مورس عليه من تحريف و تزوير من قبل الآخرين و المتتبع لحاضره المؤلم يدرك دون شك أن هذا الشعب المحب للسلام كان ومازال الكعكة التي تؤكل بشهية و المساحة التي تستغل بكل زواياها و حناياها و بكنوزها الظاهرة والمخفية ، هذا الشعب لم يطأ أرض الغير محتلاً غازياً و لم ينتهك حرمة الضعيف ناهباً و لم يتعدى حدود جغرافيته إلا هرباً من بطش المحتلين و محارق المستبدين الذين لم يتركوا له فصحة للعيش بحرية على أرض آباءه و أجداده رغم أنه من الشعوب الأولى التي سكنت هذه الجغرافية إن لم يكن أولها على الإطلاق ؟
بعد أن استحكمت السلطات العثمانية قبضتها على كردستان بقوة الحديد و النار سنت قوانين جائرة و استمرت في ممارسة الظلم و القهر على سكانها الأكراد دون هوادة فانطلقت انتفاضات مناهضة لها في مناطق شتى من كردستان منذ ذلك الحين و لم تتوقف إلى يومنا هذا .
لذا حاول الأتراك العثمانيين - منذ لحظات المواجهة الأولى - الحد من هذه المقاومة المتواصلة للشعب الكردي و ذلك بتهجير الأكراد من وطنهم الأم إلى المناطق النائية والأقاصي البعيدة عن مركز سلطانها ، فكانت ليبيا إحدى الأماكن التي و قع عليها الاختيار لتكون الوطن البديل لهذا الشعب اليتيم و تلك القبائل الكردية التي انتزعت من جذورها.
بدأت فصول رواية التهجير تلك عندما أعلنت قبيلة هماوند " أكبر القبائل الكردية التي تعيش حول مدينة السليمانية في كردستان العراق " التمرد في أواخر القرن التاسع عشر ضد السلطات العثمانية المحتلة وعلى الغارات التي كانت تقوم بها على القبائل المجاورة .
أسرعت السلطات العثمانية إلى البحث عن وسائل مؤذية و حلول شافية لهذه الحركة التمردية فقامت بإرسال قوة عسكرية و أسندت إليها مهمة إخمادها بما أوتوا من بطش و تنكيل . و بعد أن تمكنت من إخمادها قامت بتهجير عدد منهم إلى مناطق الأناضول التركية للقضاء على آمالهم في محاولات أخرى .
سمع والي ليبيا ( أحمد راسم باشا ) الذي حكم البلاد لمدة طويلة ، بأمر هذه الحركة الكردية و خبر إصرار قادتها على المقاومة مهما تطلب ذلك ، ففكر بدهاء في حل قاطع يقضي على جذور الحراك الكردي في تلك المنطقة ، و بعد اهتداءه إلى حل مناسب كتب إلى حكومته العليا في اسطنبول مقترحاً عيها اتخاذ الإجراءات التالية:
1- أن تختار الحكومة العثمانية الأسر التي تتزعم قيادة الحركة و ترسلهم إلى ليبيا بحيث يتراوح عددها ما بين مائة ومائتين أسرة .
2- أن تقوم الحكومة العثمانية ( الباب العالي ) بتقديم ما يلزم لهذه العائلات من المؤن اللازمة لها و المواد الضرورية لاستقرارها .
3- أن تقدم البذار والأدوات الزراعية الأخرى لأفراد هذه الأسر في السنة الأولى من مجيئها على الأقل.
و من الواضح أن فكرة الوالي العثماني قد راقت لقيادته العليا فباشرت في عام 1890 م بنفي بعض أفراد القبيلة الذين سبق للسلطات العثمانية أن نفتهم إلى منطقة الأناضول ( تركيا ) كما ذكرنا، إلى مدينة بنغازي في ليبيا لتوطينهم في منطقة الجبل الأخضر ، ثم أرسلت جماعة أخرى إلى مدينة طرابلس الغرب ، حاولت الجماعة الأخيرة الانضمام إلى أبناء جلدتهم فانتقلت إلى مدينة بنغازي ، إلا أنهم لم يوفقوا في مسعاهم ذاك بسبب العراقيل الكثيرة التي وضعتها السلطات العثمانية في وجههم في ولاية بنغازي.
رفضت الأسر الكردية المنفية إلى ليبيا الرضوخ لهذه الخطوة العثمانية الشوفينية و أبت العمل في الزراعة في ولاية بنغازي مما دفع بحكومة الولاية إلى محاولة استقرارهم في مدينة سرت الليبية و تقديم الأموال اللازمة لهم للعمل على زراعة أرضها الخصبة ولكنها باءت أيضاً بالفشل فكتب الوالي ( احمد راسم باشا) ثانية لحكومته العالية في اسطنبول يخبرها بفشل محاولاته كلها و بإصرار الكرد على العودة إلى وطنهم الأصلي و عزى فشل مشروعه ذاك إلى قلة خبرة المهجرين الكرد في الأعمال الزراعية معللاً ذلك بأن غالبية المهجرين كانوا من الكرد الرحل الذين لا يجيدون الزراعة .
و لكن يبدو أن خطابه ذاك قد أجيب بوجوب المحاولة ثانية في سبيل انخراط الكرد في المجتمع الجديد بأية وسيلة كانت ، لذا سارع الوالي الليبي إلى إلحاق الغير متزوجين منهم بالقوات العسكرية النظامية العاملة في الولاية و خاصة القوات البحرية منها و إرغام الآخرين على العمل ضمن قوة حرس الموانئ و الأمن في البلاد و هكذا تم توطين الكرد في ليبيا .
روني صوفي
المصدر:جريدة WEKHEVÎ العدد 27 حزيران 2009

و انه هو من يبادر إلى خلق القلاقل و المتاعب و لكن المتصفح لشيء من تاريخه المخفي و المسروق رغم ما مورس عليه من تحريف و تزوير من قبل الآخرين و المتتبع لحاضره المؤلم يدرك دون شك أن هذا الشعب المحب للسلام كان ومازال الكعكة التي تؤكل بشهية و المساحة التي تستغل بكل زواياها و حناياها و بكنوزها الظاهرة والمخفية ، هذا الشعب لم يطأ أرض الغير محتلاً غازياً و لم ينتهك حرمة الضعيف ناهباً و لم يتعدى حدود جغرافيته إلا هرباً من بطش المحتلين و محارق المستبدين الذين لم يتركوا له فصحة للعيش بحرية على أرض آباءه و أجداده رغم أنه من الشعوب الأولى التي سكنت هذه الجغرافية إن لم يكن أولها على الإطلاق ؟
بعد أن استحكمت السلطات العثمانية قبضتها على كردستان بقوة الحديد و النار سنت قوانين جائرة و استمرت في ممارسة الظلم و القهر على سكانها الأكراد دون هوادة فانطلقت انتفاضات مناهضة لها في مناطق شتى من كردستان منذ ذلك الحين و لم تتوقف إلى يومنا هذا .
لذا حاول الأتراك العثمانيين - منذ لحظات المواجهة الأولى - الحد من هذه المقاومة المتواصلة للشعب الكردي و ذلك بتهجير الأكراد من وطنهم الأم إلى المناطق النائية والأقاصي البعيدة عن مركز سلطانها ، فكانت ليبيا إحدى الأماكن التي و قع عليها الاختيار لتكون الوطن البديل لهذا الشعب اليتيم و تلك القبائل الكردية التي انتزعت من جذورها.
بدأت فصول رواية التهجير تلك عندما أعلنت قبيلة هماوند " أكبر القبائل الكردية التي تعيش حول مدينة السليمانية في كردستان العراق " التمرد في أواخر القرن التاسع عشر ضد السلطات العثمانية المحتلة وعلى الغارات التي كانت تقوم بها على القبائل المجاورة .
أسرعت السلطات العثمانية إلى البحث عن وسائل مؤذية و حلول شافية لهذه الحركة التمردية فقامت بإرسال قوة عسكرية و أسندت إليها مهمة إخمادها بما أوتوا من بطش و تنكيل . و بعد أن تمكنت من إخمادها قامت بتهجير عدد منهم إلى مناطق الأناضول التركية للقضاء على آمالهم في محاولات أخرى .
سمع والي ليبيا ( أحمد راسم باشا ) الذي حكم البلاد لمدة طويلة ، بأمر هذه الحركة الكردية و خبر إصرار قادتها على المقاومة مهما تطلب ذلك ، ففكر بدهاء في حل قاطع يقضي على جذور الحراك الكردي في تلك المنطقة ، و بعد اهتداءه إلى حل مناسب كتب إلى حكومته العليا في اسطنبول مقترحاً عيها اتخاذ الإجراءات التالية:
1- أن تختار الحكومة العثمانية الأسر التي تتزعم قيادة الحركة و ترسلهم إلى ليبيا بحيث يتراوح عددها ما بين مائة ومائتين أسرة .
2- أن تقوم الحكومة العثمانية ( الباب العالي ) بتقديم ما يلزم لهذه العائلات من المؤن اللازمة لها و المواد الضرورية لاستقرارها .
3- أن تقدم البذار والأدوات الزراعية الأخرى لأفراد هذه الأسر في السنة الأولى من مجيئها على الأقل.
و من الواضح أن فكرة الوالي العثماني قد راقت لقيادته العليا فباشرت في عام 1890 م بنفي بعض أفراد القبيلة الذين سبق للسلطات العثمانية أن نفتهم إلى منطقة الأناضول ( تركيا ) كما ذكرنا، إلى مدينة بنغازي في ليبيا لتوطينهم في منطقة الجبل الأخضر ، ثم أرسلت جماعة أخرى إلى مدينة طرابلس الغرب ، حاولت الجماعة الأخيرة الانضمام إلى أبناء جلدتهم فانتقلت إلى مدينة بنغازي ، إلا أنهم لم يوفقوا في مسعاهم ذاك بسبب العراقيل الكثيرة التي وضعتها السلطات العثمانية في وجههم في ولاية بنغازي.
رفضت الأسر الكردية المنفية إلى ليبيا الرضوخ لهذه الخطوة العثمانية الشوفينية و أبت العمل في الزراعة في ولاية بنغازي مما دفع بحكومة الولاية إلى محاولة استقرارهم في مدينة سرت الليبية و تقديم الأموال اللازمة لهم للعمل على زراعة أرضها الخصبة ولكنها باءت أيضاً بالفشل فكتب الوالي ( احمد راسم باشا) ثانية لحكومته العالية في اسطنبول يخبرها بفشل محاولاته كلها و بإصرار الكرد على العودة إلى وطنهم الأصلي و عزى فشل مشروعه ذاك إلى قلة خبرة المهجرين الكرد في الأعمال الزراعية معللاً ذلك بأن غالبية المهجرين كانوا من الكرد الرحل الذين لا يجيدون الزراعة .
و لكن يبدو أن خطابه ذاك قد أجيب بوجوب المحاولة ثانية في سبيل انخراط الكرد في المجتمع الجديد بأية وسيلة كانت ، لذا سارع الوالي الليبي إلى إلحاق الغير متزوجين منهم بالقوات العسكرية النظامية العاملة في الولاية و خاصة القوات البحرية منها و إرغام الآخرين على العمل ضمن قوة حرس الموانئ و الأمن في البلاد و هكذا تم توطين الكرد في ليبيا .
روني صوفي
المصدر:جريدة WEKHEVÎ العدد 27 حزيران 2009